كتاب الزكاة (للمنتظري) المجلد 4

اشارة

سرشناسه : منتظری، حسینعلی، 1301 - 1388.

عنوان و نام پديدآور : کتاب الزکاه ‫ / لمولفه المنتظری.

مشخصات نشر : قم: مرکز النشر، مکتب الاعلام الاسلامی، [ 14ق. = 13] -

مشخصات ظاهری : ج.

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم، 1406ق. = 1364.

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : زکات

رده بندی کنگره : BP188/4/م 8ک 2 1300ی الف

رده بندی دیویی : 297/356

شماره کتابشناسی ملی : 1839992

8- فصل في بقيّة أحكام الزكاة و فيه مسائل:

اشارة

8- فصل في بقيّة أحكام الزكاة و فيه مسائل:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 13

1- حكم نقل الزكاة إلى الفقيه في زمن الغيبة

اشارة

الأولى: الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة لا سيّما إذا طلبها، لأنّه أعرف بمواقعها (1).

لكن الأقوى عدم وجوبه.

[في وجوب الدفع إلى الإمام مع المطالبة]

______________________________

(1) إطلاق التعليل قابل للمنع و تفصيل المسألة أنّه هل يجب دفع الزكاة إلى الإمام و عمّاله مع حضوره و إلى الفقيه الجامع لشرائط الولاية مع الغيبة مطلقا كما يظهر من المفيد في المقنعة و الحلبي على نسخة من الكافي، أو يستحب ذلك مطلقا كما نسب إلى جملة من الأصحاب، أو لا يجب و لا يستحب ذلك ابتداء و إن وجب مع الطلب كما يظهر من الحدائق «1»، أو يفصل بين الإمام المعصوم «ع» و بين الفقيه فيجب في الأوّل دون الثاني كما يظهر من النهاية و الغنية و المهذّب، أو يفصل بين الأموال الظاهرة كالغلّات و المواشي، و بين الأموال الباطنة كالنقدين فيجب في الأولى فقط؟ في المسألة أقوال.

و الظاهر عدم الإشكال في أمرين:

الأوّل: أنّه لو طلب الإمام المعصوم فلا إشكال في وجوب الدفع إليه، و يمكن

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 222- 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 14

..........

______________________________

إلحاق الفقيه به أيضا في ذلك و إن لم يكن مقلّدا للدافع و سيأتي بيانه.

الثاني: أنّه لو فرض عدم مطالبة الإمام و الفقيه و عدم إمكان الإيصال إليهما بوجه من الوجوه لم تسقط الزكاة قطعا بل وجب على المالك إيصالها إلى المستحقين لإطلاق الأدلة و بقاء الحكمة التي من أجلها شرّعت.

فالخلاف المذكور إنّما هو في وجوب الدفع إليهما ابتداء مع إمكان الإيصال إليهما.

[سيرة النبي الأكرم «ص» و أمير المؤمنين «ع» و الخلفاء و الصحابة في أخذ الزكاة]

و قبل نقل الكلمات و بيان الأدلّة بالتفصيل نقول إجمالا: إنّ المستفاد من الكتاب الكريم و الأخبار الواردة من طرق الفريقين و سيرة النبي الأكرم «ص» و أمير المؤمنين «ع» و الخلفاء و الصحابة: أن الزكاة لم تكن واجبا فرديّا موكولا إلى حسن نيّة الأشخاص يؤدّيها من حسنت نيّته و خاف ربّه و رجى

ثوابه، و يتركها من ضعف دينه و إيمانه من دون أن يطالب منه أصلا.

بل هي ضريبة إسلامية كانت تشرف عليها الحكومة الدينية و يتولّى لجبايتها و تقسيمها و صرفها في مصارفها عمّال الدولة الإسلامية.

ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: أنزلت إليه آية الزكاة: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» في شهر رمضان فأمر رسول اللّه «ص» مناديه فنادى في الناس إن اللّه- تبارك و تعالى- قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم، و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفا لهم عما سوى ذلك. قال: ثمّ لم يتعرّض لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا. فأمر «ع» مناديه فنادى في المسلمين:

أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 15

..........

______________________________

قال: ثم وجّه عمّال الصدقة و عمّال الطسوق.» «1» و روى نحوه في الكافي أيضا. «2»

أقول: قال ابن الأثير في النهاية: «الطسق: الوظيفة من خراج الأرض المقرّر عليها، و هو فارسي معرّب.» «3»

فالنبي «ص» بما أنّه كان حاكما على المسلمين في عصره و مؤسّسا للدولة الإسلامية أمره اللّه- تعالى- بأخذ الصدقات منهم، و كان «ص» يوجّه العمّال و الخارصين لخرص الصدقات و جبايتها، و كان يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر «4» و كل ما دخل قبيلة في الإسلام نصب فيهم عاملا على الصدقات.

و قد ضبط المؤرخون أسامي عمّاله عليها و منهم أمير المؤمنين «ع». و قد تعرضنا لبعضهم

إجمالا في كتاب ولاية الفقيه. «5»

و راجع في هذا المجال المجلد الثاني من كتاب فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي فقد استوفي إجمالا أسامي السعاة و المصدقين للنبي الأكرم «ص» «6»

و في المغازي من صحيح البخاري حديث بعث رسول اللّه «ص» معاذ بن جبل إلى اليمن و فيه: «فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم فإن هم طاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم.» «7»

______________________________

(1)- الفقيه 2/ 8 (طبعة أخرى 2/ 13)، باب (5) الأصناف التي تجب عليها الزكاة، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الكافي 3/ 497، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة ...، الحديث 2.

(3)- النهاية لا بن الأثير 3/ 124.

(4)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- ولاية الفقيه 2/ 132.

(6)- فقه الزكاة للقرضاوي 2/ 749 و ما بعدها.

(7)- صحيح البخاري، الجزء 5 (المجلد الثالث)، ص 108 (طبعة أخرى 3/ 73)، كتاب المغازي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 16

..........

______________________________

فظاهر الحديث أنّ البناء في الصدقة المفروضة كان على أخذها من قبل الحكام و تقسيمها بتصدّيهم، و هكذا استقرت سيرة الخلفاء أيضا.

و قد بعث أبو بكر بعد النبي «ص» العمّال لأخذ الصدقات فلم ينكر عليه الصحابة ذلك و إن أنكروا عليه ما عامل به خالد مع مالك بن نويرة.

و أمير المؤمنين «ع» أيضا كان يبعث العمّال و المصدقين. و ذكر الرضي في نهج البلاغة وصيّة كان «ع» يكتبها لمن يستعمله على الصدقات. «1»

و جعل الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا في الآية الشريفة أحد المصارف الثمانية للصدقات أدلّ دليل على أنّ تشريعها كان على أساس المطالبة لها و تقسيمها من

قبل الدولة الإسلامية.

قال الإمام الرازي في تفسير الآية: «دلّت هذه الآية على أن هذه الزكاة يتولى أخذها و تفرقتها الإمام و من يلي من قبله، و الدليل عليه أن اللّه- تعالى- جعل للعاملين سهما فيها، و ذلك يدلّ على أنه لا بدّ في أداء هذه الزكوات من عامل. و العامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات فدلّ هذا النصّ على أنّ الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات و تأكّد هذا النصّ بقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» فالقول بأن المالك يجوز له إخراج زكاة الأموال الباطنة بنفسه إنّما يعرف بدليل آخر.» «2»

و أنت إذا تتبّعت الأخبار المتواترة إجمالا الواردة في بيان وظائف الإمام في هذا المجال و أنّه يعطي جميع الأصناف الثمانية و يؤدّي ديون الغارمين و يفكّهم من مال الصدقات اتضح لك هذا الأمر إذ كيف يجب عليه إدارة شئون الأصناف من دون أن يتعين إيصال الزكوات إليه؟:

______________________________

(1)- نهج البلاغة، عبده 3/ 27؛ لح/ 380، الكتاب 25.

(2)- تفسير فخر الرازي 3/ 478.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 17

..........

______________________________

1- ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم أنّهما قالا لأبي عبد اللّه «ع» أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ- الآية» أكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال «ع»: «إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنّهم يقرّون له بالطاعة»

قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: «يا زرارة لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه. فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف- الحديث». «1»

فيعلم من هذه الصحيحة أنّ الزكاة

بحسب التشريع الأوّلي تكون تحت اختيار الإمام و هو يسدّ بها خلّات من يكون تحت لوائه و حكمه عارفا كان بحقّه أو غير عارف و لكن لمّا انحرفت الحكومة عن مسيرها الصحيح و تقمّصها غير أهلها و كانت الزكوات تصرف في غير مصارفها و يبقى الشيعة المستحقّون محرومين أمر الإمام شيعتهم بإعطاء زكواتهم للعارفين بحقّهم فهذا في الحقيقة حكم ثانوي موقّت على خلاف طبع التشريع الأوّل.

2- و في خبر علي بن إبراهيم المرويّ عن تفسيره عن العالم «ع»: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات، و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد.

و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 18

..........

______________________________

3- و في خبر موسى بن بكر قال: قال لي أبو الحسن «ع»: «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه فان غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره،

إنّ اللّه- عز و جل- يقول:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» إلى قوله: «وَ الْغٰارِمِينَ» فهو فقير مسكين مغرم.» «1»

4- و في خبر أبي محمد قال: سأل الرضا «ع» رجل و أنا أسمع فقال له:

جعلت فداك إن اللّه- جل و عزّ- يقول: «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» أخبرني عن هذه النظرة التي ذكر اللّه في كتابه لها حدّ يعرف؟ ... قال: «نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه- عز و جل-، فإن كان أنفقه في معصية اللّه- عز و جل- فلا شي ء له على الإمام.» «2»

5- و في خبر صباح بن سيابة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

«أيّما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك إنّ اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» الآية فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.» «3»

6- و في رواية أبي علي بن راشد قال: سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال: للإمام قال: قلت له: فأخبر أصحابي؟ قال: نعم من أردت أن تطهره منهم.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 2.

(2)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين و القرض، الحديث 3.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

(4)- الوسائل 6/ 240، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص:

19

..........

______________________________

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال و قد تعرضنا لهذا السنخ من الأخبار في ولاية الفقيه فراجع. «1»

فمقتضى هذا السنخ من الأخبار أنّ الإمام هو الذي يتصدّى بعمّاله لجباية الزكوات و وضعها في مواضعها. و لازم ذلك وجوب إيصالها إليه و لا أقلّ عند المطالبة إذ لا يعقل أن يكون إدارة شئون المستحقين بالزكوات من وظائفه و لا تكون هي تحت اختياره حتى بعد المطالبة و سيجي ء لذلك تتمة فانتظر.

و على هذا فجواز تقسيم المالك بنفسه يكون مشروطا بعدم تصدّي الإمام لذلك أو وجود شرائط خاصّة كما دلّ على ذلك صحيحة زرارة و محمد بن مسلم الماضية «2»

و قد سمعت منّا غير مرّة أنّ الإمام و إن كان أظهر مصاديقه عندنا الإمام المعصوم، و مع حضوره لم يكن لأحد تقمّص الإمامة و لكن اللفظ لم يوضع لخصوص الإمام المعصوم بل كلّ سائس إمام كما في الحديث. «3»

و الظاهر منه في الأخبار المتعرضة للمسائل السياسية و العسكرية و الاقتصادية مطلق من كان واجدا لشرائط الإمامة و تصدّى لزعامة المسلمين في عصره فيشمل الفقيه الجامع للشرائط أيضا إذا تصدّى لذلك و لو في منطقة خاصة، و تحقيق هذه المسألة و بيان شرائط الإمامة قد مرّ منا في أبحاثنا في ولاية الفقيه فراجع.

[بعض كلمات الفريقين في المقام]

إذا عرفت ما ذكرناه مقدمة لتفصيل البحث فنقول: قد عرفت أنّ المسألة عندنا خلافية ذات أقوال فاعلم أنّها عند فقهاء السنة أيضا خلافية فالأولى أن نتعرض لبعض كلمات الفريقين في المقام:

______________________________

(1)- ولاية الفقيه 1/ 98، 3/ 32.

(2)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الخصال/ 565، أبواب الخمسين و ما فوقه، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص:

20

..........

______________________________

1- قال المفيد في زكاة المقنعة: «باب وجوب إخراج الزكاة إلى الإمام قال اللّه- عز و جل-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.» «1» فأمر نبيّه بأخذ صدقاتهم تطهيرا لهم بها من ذنوبهم و فرض على الأمّة حملها إليه بفرضه عليها طاعته و نهيه لها من خلافه.

و الإمام قائم مقام النبي «ص» فيما فرض عليه من إقامة الحدود و الأحكام لأنه مخاطب بخطابه في ذلك على ما بيّناه سلف و قدّمناه.

فلمّا وجد النبي «ص» كان الفرض حمل الزكاة إليه و لما غابت عينه من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة إلى خليفته، فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه من خاصّته لشيعته فإذا عدم السفراء بينه و بين رعيّته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته لأنّ الفقيه أعرف بمواضعها ممن لا فقه له في ديانته.» «2»

أقول: ظاهر كلامه من حيث المجموع وجوب الحمل إلى النبي أو الإمام و الفقيه مطلقا و إن كان المتبادر بدوا من قوله: «بفرضه عليها طاعته.» وجوب الإعطاء لدى المطالبة.

2- و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي: «يجب على كلّ من تعيّن عليه فرض زكاة أو فطرة أو خمس أو أنفال أن يخرج ما وجب عليه من ذلك إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبله- سبحانه- أو إلى من ينصبه لقبض ذلك من شيعته ليضعه مواضعه، فإن تعذّر الأمران فإلى الفقيه المأمون، فإن تعذّر أو آثر (و آثر) المكلّف تولّى ذلك بنفسه.» «3»

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(2)- المقنعة/ 41.

(3)- الكافي لأبي الصلاح الحلبي/ 172.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 21

..........

______________________________

أقول: إن كانت النسخة: «أو

آثر» كان مفاده التخيير بين الحمل إلى الفقيه و بين تولّيه بنفسه، و إن كانت: «و آثر» كان مفاده أنّ مع تعذر الفقيه يتخير بين التولّي بنفسه و بين إيكاله إلى غيره.

و على هذا فمقتضى كلام المفيد و الحلبي على النسخة الثانية وجوب إيصال الزكاة إلى الإمام و في عصر الغيبة إلى الفقيه الجامع للشرائط فكأنّهما يريان أنّ الزكاة و غيرها من الواجبات المالية ضرائب للحكومة الإسلامية و قد حرّرنا في محلّه أنّ الولاية و الحكومة داخلة في نسج الإسلام و نظامه و لا يجوز إهمالها و تعطيلها و لو في عصر الغيبة لأنها مفتاح الفرائض الإسلامية و الوالي هو الدليل عليهن كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع». «1»

3- و قال الشيخ في النهاية: «فإذا كان الإمام ظاهرا أو من نصبه الإمام حاصلا فتحمل الزكاة إليه ليفرقها على هذه الأصناف الثمانية و يقسّم بينهم على حسب ما يراه ...

و إذا لم يكن الإمام ظاهرا و لا من نصبه الإمام حاصلا فرّقت الزكاة على خمسة أصناف من الذين ذكرناهم و هم الفقراء و المساكين وَ فِي الرِّقٰابِ و الغارمين و ابن السبيل. و يسقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و سهم الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام .... «2»

4- و في المهذّب لا بن البرّاج: «و يجب حمل الزكاة إلى الإمام- عليه السلام- إذا كان ظاهرا ليفرقها على مستحقيها. و إن كان غائبا فإنّه يجوز لمن وجبت عليه أن يفرقها في خمسة أصناف ...» «3» و ذكر قريبا مما في النهاية.

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 7، الباب 1 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 2.

(2)- النهاية للشيخ/ 185.

(3)- المهذّب 1/ 171.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 4، ص: 22

..........

______________________________

5- و لكن في الفطرة من المهذّب: «و إذا كان الإمام- عليه السلام- ظاهرا وجب على من وجبت عليه الفطرة حملها إليه ليدفعها إلى مستحقها، و لا يتولى هو ذلك بنفسه، فان لم يكن الإمام ظاهرا كان عليه حملها إلى فقهاء الشيعة ليضعها في مواضعها لأنهم أعرف بذلك.» «1»

أقول: فابن البراج فرّق بين زكاة المال و زكاة الفطرة، فما نسب إليه في المدارك و الحدائق و الجواهر من وجوب الحمل إلى الفقيه إنّما هو في الفطرة لا في زكاة المال، و لم يظهر لي وجه الفرق بينهما. و كونه أعرف بمواضعها مع إمكان منع إطلاقه يجري في كلتيهما.

6- و في الغنية: «و يجب حملها إلى الإمام ليضعها مواضعها و إلى من نصبه كذلك. فإن تعذر ذلك و كان من وجبت عليه عارفا لمستحقها جاز له إخراجها إليه، و إن لم يكن عارفا به حملها إلى الفقيه المأمون من أهل الحقّ ليتولّى إخراجها.

و لا يجوز لأحد سوى الإمام أو من نصبه أن يصرف شيئا من مال الزكاة إلى المؤلفة و لا إلى العاملين و لا في الجهاد لأن تولّى ذلك مخصوص بهما، كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه و طريقة الاحتياط.» «2»

أقول: ظاهر النهاية و زكاة المهذّب و الغنية وجوب الحمل إلى الإمام ابتداء و عدم وجوب الحمل إلى الفقيه كذلك،

و لكن في المسالك: «و القائل بوجوب دفعها إلى الإمام ابتداء أوجب دفعها مع غيبته إلى الفقيه المأمون.» «3»

______________________________

(1)- المهذّب 1/ 175.

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (طبعة أخرى/ 506).

(3)- المسالك 1/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 23

..........

______________________________

و لا يخفى أنّ ما ذكره و إن كان موافقا للاعتبار بالنسبة إلى الفقيه المتصدي للزعامة و

الولاية و لكنّه مخالف لظاهر عبارات الأصحاب.

و الظاهر أنّ الشيخ و أمثاله كانوا يريدون بالإمام خصوص الإمام المعصوم فلا يشمل الفقيه الحاكم و خصّوا السهام الثلاثة بالإمام و من نصبه.

و لكن يرد عليهم أنّ الإمام المعصوم إذا لم يكن له حكومة ظاهرة لم يحتج إلى السهام الثلاثة غالبا بل إلى أصل الزكاة أيضا، و الفقيه الحاكم في عصر الغيبة يحتاج إليها و إلى السهام الثلاثة أيضا. فكأنّهم غفلوا عن إمكان تصدّي الفقيه الجامع للشرائط للولاية و الحكم في عصر الغيبة.

7- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 4): «الأموال الباطنة لا خلاف أنّه لا يجب دفع زكاتها إلى الإمام، و صاحب المال بالخيار بين أن يعطيها الإمام و بين أن يؤدّيها بنفسه.

و أمّا الظاهرة فعندنا يجوز أن يخرجها بنفسه و من أخرجها بنفسه فقد سقط عنه فرضها و لم يجب عليه الإعادة، و به قال الشافعي في الجديد، و به قال الحسن البصري و سعيد بن جبير إلّا أنّ عندنا متى طلب الإمام ذلك وجب دفعه إليه و إن لم يدفعه و فرّقه لم يجزه و به قال الشافعي أيضا. و قال في القديم:

يجب عليه دفعها إلى الإمام فإن تولّى بنفسه كان عليه الإعادة، و به قال أبو حنيفة و مالك.

دليلنا إجماع الفرقة، و لأنّه متى أخرجها بنفسه فقد امتثل الآية، و من قال:

لا يجزيه فعليه الدلالة. و يدلّ عليه أيضا قوله- تعالى-: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.»

و أمّا الذي يدلّ على وجوب الدفع إذا طلبه الإمام قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 24

..........

______________________________

فأمره بالأخذ، و أمره على الوجوب فوجب أن

يلزم الدفع.» «1»

8- و في قسمة الزكاة من المبسوط: «و الأموال على ضربين: ظاهرة و باطنة، فالباطنة الدنانير و الدراهم و أموال التجارات فالمالك بالخيار في هذه الأشياء بين أن يدفعها إلى الإمام أو من ينوب عنه و بين أن يفرقها بنفسه على مستحقيه بلا خلاف في ذلك.

و أمّا زكاة الأموال الظاهرة مثل المواشي و الغلات فالأفضل حملها إلى الإمام إذا لم يطلبها، و إن تولّى تفرقتها بنفسه فقد أجزأ عنه.

و متى طلبها الإمام وجب دفعها إليه، و إن فرّقها بنفسه مع مطالبته لم يجزه.» «2»

و ذكر قريبا من ذلك في كتاب الزكاة منه. «3»

أقول: ظاهر الخلاف و المبسوط أنّ جواز تولّي المالك في الأموال الباطنة متّفق عليه بين المسلمين و صرّح فيهما بالجواز في الأموال الظاهرة أيضا بل يظهر من الخلاف كونه مجمعا عليه عندنا، و هذا لا يلائم ما حكيناه عن المفيد و الحلبي و ظاهر النهاية و المهذّب و الغنية من وجوب الحمل إلى الإمام، اللّهم إلّا أن يحمل عباراتهم على صورة طلب الإمام و لكنه خلاف الظاهر.

نعم في الخلاف و المبسوط صرّح بالوجوب مع طلب الإمام و الظاهر من الشيخ و أمثاله أنهم يريدون بالإمام خصوص الإمام المعصوم. هذا.

9- و في الفطرة من الخلاف (المسألة 42): «يستحبّ حمل الزكوات: زكاة الأموال الظاهرة و الباطنة و زكاة الفطرة إلى الإمام ليفرقها على مستحقها، فإن فرّقها

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 347.

(2)- المبسوط 1/ 244.

(3)- المبسوط 1/ 233.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 25

..........

______________________________

بنفسه جاز. و قال الشافعي: الباطنة هو بالخيار و الفطرة مثلها، و الظاهرة فيها قولان:

أحدهما يتولاه بنفسه و الآخر يحملها إلى الإمام .... دليلنا إجماع الفرقة ...» «1»

10- و في الفطرة من

النهاية: «و ينبغي أن تحمل الفطرة إلى الإمام ليضعها حيث يراه، فإن لم يكن هناك إمام حملت إلى فقهاء شيعته ليفرّقوها في مواضعها.

و إذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه جاز له ذلك.» «2»

و تعرّض العلامة للمسألة في التذكرة و عقد لبيانها ثلاث مسائل فراجع. «3»

11- و تعرض للمسألة أبو عبيد المتوفى 224 من الهجرة نذكره ملخّصا:

«عن ابن سيرين قال: «كانت الصدقة ترفع إلى النبي «ص» أو من أمر به، و إلى أبي بكر أو من أمر به، و إلى عمر أو من أمر به، و إلى عثمان أو من أمر به.

فلما قتل عثمان اختلفوا فكان منهم يدفعها إليهم، و منهم من يقسّمها.»

قال ابن سيرين: «فمن اختار أن يقسّمها فليتّق اللّه و لائق بها ماله.» و عن أمّ علقمة: أنّ عائشة كانت تدفع زكاتها إلى السلطان.

و عن أبي صالح قال: سألت سعد بن أبي وقاص و أبا هريرة و أبا سعيد الخدري و ابن عمر فقلت: إنّ هذا السلطان يصنع ما ترون أ فأدفع زكاتي إليهم؟

فقالوا كلّهم: «ادفع إليهم.»

و عن ابن عمر قال: «ادفعها إلى من بايعت.» و عن الربيع بن معبد أنّه سأل ابن عمر عن صدقة مال أيتام أ يدفعها إلى بني عمّ لهم محتاجين؟ فقال: «لا، ادفعها إلى الولاة.» و عن ابن عمر قال: «ما أقاموا الصلاة فادفعوها إليهم.» و عن ابن عمر

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 335.

(2)- النهاية للشيخ/ 192.

(3)- التذكرة 1/ 241.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 26

..........

______________________________

قال: «ادفعوها إلى من ولّاه اللّه أمركم فمن برّ فلنفسه و من أثم فعليها.» و عن ابن عمر قال: «ادفعها إلى الأمراء و إن تمزّعوا بها لحوم الكلاب على موائدهم.»

و عن

ابن عمر قال: «ادفعها إلى هؤلاء القوم» يعني الأمراء. قلت: إذا يتخذون بها ثيابا و طيبا، فقال: «و إن اتخذوا بها ثيابا و طيبا و لكن في ما لك حقّ سوى الزكاة».

و عن قتادة قال: سألت الحسن فقال: «ادفعها إلى السلطان»

و لقي أبو هريرة رجلا يحمل زكاة ماله يريد بها الإمام فقال له: ما هذا معك؟

فقال: زكاة مالي أذهب بها إلى الإمام. فقال: أ في ديوان أنت؟ قال: لا، قال:

«فلا تعطهم شيئا.»

و عن عطاء قال: بلغنا عن عليّ «ع» أنّ رجلا أتاه بزكاة ماله فقال: «أ تأخذ من عطائنا؟» قال: لا. قال: «فإنا لا نأخذ منك شيئا، لا نجمع عليك أن لا نعطيك و نأخذ منك.»

و عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول: «إذا وضعتها أنت في مواضعها و لم تعد منها أحدا تعوله شيئا فلا بأس.»

و عن عبيد بن عمير قال: «اقسمها» و عن ابن عمر: «أدّوا الزكاة إلى الولاة و إن شربوا بها خمرا.»

و عن حبان بن أبي جبلة عن ابن عمر أنّه رجع عن قوله في دفع الزكاة إلى السلطان و قال: «ضعوها في مواضعها.»

و عن حسّان قال: سألت سعيد بن جبير عن الزكاة فقال: «ادفعها إلى ولاة الأمر» فلما قام سعيد تبعته فقلت: إنّك أمرتني أن أدفعها إلى ولاة الأمر، و هم يصنعون بها كذا و يصنعون بها كذا، فقال: «ضعها حيث أمرك اللّه سألتني على رءوس الناس فلم أكن لأخبرك.»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 27

..........

______________________________

و عن أبي هاشم عن إبراهيم و الحسن قالا: «ضعها مواضعها و اخفها.»

و عن ميمون بن مهران قال: «اجعلها صررا ثمّ اجعلها فيمن تعرف و لا يأتي

عليك الشهر حتى تفرقها.»

و عن الحسن قال: «إن دفعها إلى السلطان أجزت عنه و إن لم يدفعها فليتّق اللّه و ليتوخّ بها مواضعها و لا يحاب بها أحدا.»

قال أبو عبيد: فكل هذه الآثار من دفع الصدقة إلى ولاة الأمر و من تفريقها هو معمول به و ذلك في زكاة الذهب و الورق خاصّة أيّ الأمرين فعله كان مؤدّيا للفرض، و هذا عندنا قول أهل السنة و العلم من أهل الحجاز و العراق و غيرهم في الصامت لأنّ المسلمين مؤتمنون عليه كما ائتمنوا على الصلاة.

و أما المواشي و الحب و الثمار فلا يليها إلّا الأئمة و ليس لربّها أن يغيبها عنهم و إن هو فرقها فليست قاضية عنه و عليه إعادتها إليهم، فرّقت بين ذلك السنة و الآثار، ألا ترى أنّ أبا بكر إنّما قاتل أهل الردة في المهاجرين و الأنصار على منع صدقة المواشي و لم يفعل ذلك في الذهب و الفضة ...» «1»

أقول: و راجع في هذا المجال سنن البيهقي «2».

12- و القاضي أبو حنيفة الشيعي مؤلف دعائم الإسلام المتوفّى 363 من الهجرة أيضا تعرّض للمسألة بالتفصيل فلنذكر ما ذكره ملخّصا قال: «قال اللّه- تعالى- لرسوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و قال رسول اللّه «ص»: «هاتوا ربع العشر من كلّ عشرين دينارا نصف دينار و من كل مأتي درهم خمسة دراهم».

و أجمع المسلمون لا اختلاف بينهم أنّ رسول اللّه «ص» كان يلي قبض

______________________________

(1)- الأموال/ 678- 685، باب دفع الصدقة إلى الأمراء.

(2)- سنن البيهقي 4/ 114، كتاب الزكاة، 7/ 3، كتاب الصدقات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 28

..........

______________________________

الصدقات بحضرته و يرسل السعاة إلى من غاب فيأخذون صدقاتهم و يأتون بها رسول اللّه،

فيضعها حيث أمره اللّه.

و أجمعوا على أنّ فرض الصدقة لم يسقط بوفاة رسول اللّه «ص» و أنّ الناس بعده دفعوها إلى القائم بأمرهم إلى أن رأوا أئمتهم استأثروا بها فمنعوهم ما قدروا على منعه منها فإن كانوا أئمة عندهم فالفرض عليهم دفع صدقاتهم إليهم، و لم يكلّفهم اللّه ما افترض على الأئمة، و إنّما على الناس دفعها إلى الأئمة و على الأئمة صرفها في وجوهها.

و لا ينبغي أن يلي قسمة ذلك عليهم غير الأئمة من آل محمد «ص» الذين أوجب اللّه- عز و جل- عليهم القيام به و ائتمنهم عليه و إلّا فمن أين يعرف الناس مقدار ما يصلح أن يعطي لكلّ طبقة؟ و من أين يعرفون من يتألف على الإسلام؟ و كيف ينفق فِي سَبِيلِ اللّٰهِ و هو الجهاد غيرهم؟ و الجهاد لا يقوم إلّا بهم. و كيف يعطي العاملين عليها إلّا الذي استعملهم.

و قد ائتمنهم اللّه- عز و جل- على صدقات المسلمين و حرّمها عليهم ليعلم الناس أنّه لا حظّ لهم فيها يجترّونه إلى أنفسهم فيتّهمونهم من أجله.

و قد روينا إجماع العامة على أنّ رسول اللّه «ص» كان يلي قبض الصدقات و يبعث عمّاله عليها، و أنّ ذلك كان صدرا من الزمان بعده «ص»، و أنّ أبا بكر و من معه من الصحابة حاربوا من منعه الزكاة و استحلّوا لذلك دماءهم و ذراريهم و أموالهم و سمّوهم أهل ردّة و لم يبيحوا لهم أن يصرفوها بينهم.

مع قول اللّه: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و ذكره العاملين عليها، و أن أحدا لم يكن يفرق زكاة ماله على المساكين كما يفعل اليوم عامّة الناس.

فممّن رووا عنه من الصحابة أنّه أمر بدفعها إلى الأمراء سعد بن مالك

و

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 29

..........

______________________________

أبو سعيد الخدري و عبد اللّه بن عمر و أبو هريرة و عائشة. و رووا عن بعضهم أنّه سئل عن الزكاة قال: «ادفعوها إليهم و إن أكلوا بها لحوم الحيّات» و عن بعضهم أنّه سئل عن الزكاة فقال: «ادفعوها إلى الأمراء» فقيل له إنّهم يشترون بها العقد و الدرر و ينفقونها، فقال: «ما أنتم و ذاك؟ أمرتم بدفعها إليهم و أمروا بصرفها في وجوهها فعليكم ما حمّلتم و عليهم ما حمّلوا.»

و عن ابن عمر أنّه قال: «أربعة إلى السلطان: الزكاة و الجمعة و الفي ء و الحدود.» و انّه قيل له: إنّ السلطان يستأثر بالزكاة فقال: «ما أنتم و ذاك؟

أ رأيتم لو أخذتم لصوصا فقطعتم بعضهم و تركتم بعضهم أ كنتم مصيبين؟» قالوا: لا، قال: «فلو دفعتموهم إلى السلطان فقطع بعضهم و ترك بعضهم أ كان عليكم من ذلك شي ء؟» قالوا: لا، قال: فلم؟ قالوا: لأنا قد فعلنا ما كان علينا أن نفعله من دفعه إلى السلطان، و ما فعله فهو عليه. قال: «صدقتم فهكذا تجري الأمور.»

و ممن رووا عنه أنّه رأى أنّ الواجب في الزكاة أن تدفع إلى الأمراء الحسن البصري و عامر الشعبي و إبراهيم النخعي و سعيد بن جبير و الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور، و قال: من لم يدفعها إلى السلطان و دفعها إلى الفقراء لم تجز عنه.

و فرّق أبو عبيد بين زكاة الذهب و الورق و بين زكاة المواشي و الحبوب و الثّمار فقال: أما زكاة المواشي و الحبوب و الثمار فلا تدفع إلّا إلى السلطان فإن دفعها إلى الفقراء و المساكين لم تجز عنه. و أما زكاة الذهب و الفضة

فإن دفعها إلى الأمراء أجزت عنه و إن دفعها إلى الفقراء أجزت عنه أيضا.

و هذا تحكّم من قائله، و لم يفرق اللّه- عز و جل- و لا رسوله بين ما فرق هذا القائل بينه، و ظاهر فساد هذا القول يغني عن الاحتجاج على قائله.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 30

..........

______________________________

فأجمع الناس اليوم جهلا و ضلالا- إلّا من عصم اللّه- على منع ما يقدرون على منعه من جميع الزكوات و خالفوا في ذلك كتاب اللّه و سنّة رسوله «ص» و فارقوا أسلافهم و فقهاءهم و جحدوا حقّ أئمتهم نعوذ باللّه من مخالفة أمره و أمر رسوله و أولي الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعته و طاعة نبيّه «ص».» «1»

أقول: و لعلّ مراده بالأئمة و أولي الأمر في آخر كلامه خلفاء الفاطميّين في عصره إذ كان هو قاضي القضاة من قبلهم.

و اعلم أنّ كثيرا من المسائل الإسلامية و لا سيما ما ارتبطت منها بالسياسة أو الاقتصاد قد ابتليت في الأعصار المختلفة حسب الأجواء أو الأهواء بفتاوى إفراطية أو تفريطية.

فالحكومة الإسلامية التي أسس بنيانها النبي الأكرم «ص» و تأسّى به في ذلك الخلفاء و الصحابة بلا نكير لأصلها، بل تكون ضرورة للبشر إجمالا و يظهر من نفس التشريعات الإسلامية في الأبواب المختلفة أيضا أنّها داخلة في نسج الإسلام و نظامه كما بينا ذلك بالتفصيل في مباحثنا السابقة، و على أساسها كان هو «ص» و هم يطالبون الضرائب و منها الزكوات، ربّما يصل أمرها إلى تنفيذ حكومة أمثال معاوية و يزيد و يفتون بوجوب الإطاعة لهم و وجوب دفع الزكوات و سائر الضرائب إليهم و إن شربوا بها الخمور و أكلوا بها لحوم الحيّات أو الكلاب مثلا، و ربّما

يشكك في أصلها و ينكرون شرعية الحكم الإسلامي في عصر الغيبة من رأس و إن فرض تشكّلها بشرائطها التي منها كون الوالي أعلم الناس و أفضلهم في الفقه و العدالة و حسن التدبير و غير ذلك من الشروط الثمانية التي بيّناها

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 257- 264، كتاب الزكاة، ذكر دفع الصدقات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 31

..........

______________________________

و قلنا إنّه لولاها لم يكن حكمه حكما إسلاميّا و إن ادّعاه و تقمّصه.

مع أنّ المترقب من الأمة الوسط أن يأخذوا في آرائهم و فتاويهم بما هو الوسط.

و كيف كان فلو قلنا بوجوب دفع الزكاة إلى الولاة مطلقا أو بعد المطالبة فلا نقول بوجوب دفعها إلى كلّ من ادعى الحكومة و تقمّصها و إن كان فاسقا شارب الخمر مثلا بل مثله يجب على الأمّة القيام عليه لإسقاطه من عرشه فتدبّر. هذا.

13- و في الأحكام السلطانية للماوردي: «و الأموال المزكّاة ضربان: ظاهرة و باطنة. فالظاهرة ما لا يمكن إخفاؤه كالزرع و الثمار و المواشي. و الباطنة ما أمكن إخفاؤه من الذهب و الفضة و عروض التجارة. و ليس لوالي الصدقات نظر في زكاة المال الباطن، و أربابه أحقّ بإخراج زكاته منه إلّا أن يبذلها أرباب الأموال طوعا فيقبلها منهم و يكون في تفريقها عونا لهم. و نظره مختصّ بزكاة الأموال الظاهرة يؤمر أرباب الأموال بدفعها إليه.

و في هذا الأمر إذا كان عادلا فيها قولان: أحدهما أنّه محمول على الإيجاب و ليس لهم التفرّد بإخراجها و لا تجزئهم إن أخرجوها.

و القول الثاني أنّه محمول على الاستحباب إظهارا للطاعة، و إن تفرّدوا بإخراجها أجزأتهم.

و له على القولين معا أن يقاتلهم عليها إذا امتنعوا من دفعها كما قاتل أبو بكر الصديق مانعي

الزكاة لأنّهم يصيرون بالامتناع من طاعة ولاة الأمر إذا عدلوا بغاة، و منع أبو حنيفة من قتالهم إذا أجابوا إلى إخراجها بأنفسهم.» «1»

14- و في الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء نحو ذلك إلى أن قال: «و نظره مخصوص بزكاة المال الظاهر يؤمر أرباب الأموال بدفعها إليه إذا طلبها،

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 113.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 32

..........

______________________________

فإن لم يطلبها جاز دفعها إليه، و الأفضل أن يتولّى أرباب المال تفرقتها بأنفسهم نصّ عليه، فإن طالبهم الإمام بدفعها إليه فامتنعوا من ذلك و أجابوا إلى إخراجها بأنفسهم لم يكن له قتالهم.

و المنصوص عليه في قتالهم: إذا منعوا إخراجها في رواية منصور و المروزي و الميموني و الأثرم.» «1»

15- و في المغني لابن قدّامة في فقه الحنابلة: «فصل: يستحبّ للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقّها سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة.

قال الإمام أحمد: أعجب إليّ أن يخرجها، و إن دفعها إلى السلطان فهو جائز.

و قال الحسن و مكحول و سعيد بن جبير و ميمون بن مهران: يضعها ربّ المال في موضعها. و قال الثوري: احلف لهم و اكذبهم و لا تعطهم شيئا إذا لم يضعوها مواضعها، و قال: لا تعطهم. و قال عطاء: أعطهم إذا وضعوها مواضعها فمفهومه أنّه لا يعطيهم إذا لم يكونوا كذلك.

و قال الشعبي و أبو جعفر: إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة من أهلها. و قال إبراهيم: ضعوها في مواضعها فإن أخذها السلطان أجزأك ...

و قد روي عن أحمد أنّه قال: أمّا صدقة الأرض فيعجبني دفعها إلى السلطان، و أمّا زكاة الأموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء و المساكين ...

و

قال مالك و أبو حنيفة و أبو عبيد: لا يفرّق الأموال الظاهرة إلّا الإمام لقول اللّه- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» و لأن أبا بكر طالبهم بالزكاة و قاتلهم عليها، و قال: لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونها إلى رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 115.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 33

..........

______________________________

لقاتلتهم عليها. و وافقه الصحابة على هذا، و لأنّ ما للإمام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولّى عليه كوليّ اليتيم، و للشافعي قولان كالمذهبين ...» «1» فراجع.

16- و في تفسير القرطبي: «و إذا كان الإمام يعدل في الأخذ و الصرف لم يسغ للمالك أن يتولّى الصرف بنفسه في الناضّ و لا في غيره. و قد قيل: إنّ زكاة الناضّ على أربابه. و قال ابن الماجشون: ذلك إذا كان الصرف للفقراء و المساكين خاصّة، فإن احتيج إلى صرفها لغيرهما من الأصناف فلا يفرق عليهم إلّا الإمام.» «2»

أقول: و لا يخفى أنّ الماوردي شافعي و أبو يعلى و ابن قدامة من الحنابلة و القرطبي مالكي.

17- و في آخر الأمر يعجبني نقل كلام من الفاضل المعاصر: الدكتور يوسف القرضاوي من كتابه فقه الزكاة قال بعد نقل أحاديث و فتاوى عن الصحابة:

«هذه الأحاديث الصريحة عن رسول اللّه «ص»، و هذه الفتاوى الحاسمة من صحابته الكرام تجعلنا ندرك بل نوقن أنّ الأصل في شريعة الإسلام أن تتولّى الحكومة المسلمة الزكاة فتجبيها من أربابها و تصرفها على مستحقيها، و أنّ على الأمة أن تعاون أولياء الأمر في ذلك إقرارا للنظام و إرساء لدعائم الإسلام و تقوية لبيت مال المسلمين.

و ربّما قال قائل: إنّ الشأن في الأديان أن توقظ الضمائر و تحيي القلوب و

تضع أمام أبصار الناس مثلا أعلى، ثمّ تحاول أن تقودهم بزمام الشوق إلى مثوبة الله، أو تسوقهم بسوط الخشية من عقابه، تاركة لأصحاب السلطان أن يحددوا و ينظّموا و يطالبوا و يعاقبوا. فهذا من شأن السلطة السياسيّة و ليس من مهمّة التوجيه الديني.

______________________________

(1)- المغني لا بن قدامة 2/ 507.

(2)- تفسير القرطبي 8/ 177.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 34

..........

______________________________

و الجواب: أنّ هذا قد يصحّ في أديان أخرى، و لكن لا يصحّ أبدا في الإسلام، فإنّه عقيدة و نظام، و خلق و قانون و قرآن و سلطان، ليس الإنسان مشطورا في الإسلام: شطر منه للدين و شطر آخر للدنيا، و ليست الحياة مقسومة: بعضها لقيصر و بعضها للّه. و إنما الحياة كلّها و الإنسان كلّه و الكون كلّه للّه الواحد القهّار.

جاء الإسلام رسالة شاملة هادية فجعلت من هدفها تحرير الفرد و تكريمه و ترقية المجتمع و إسعاده، و توجيه الشعوب و الحكومات إلى الحق و الخير و دعوة البشرية كلّها إلى اللّه: أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا و لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللّه.

و في هذا الإطار جاء نظام الزكاة فلم تجعل من شئون الفرد بل من وظيفة الحكومة الإسلامية، فوكّل الإسلام جبايتها و توزيعها على مستحقّيها إلى الدولة لا إلى ضمائر الأفراد وحدها، و ذلك لجملة أسباب لا يحسن بشريعة الإسلام أن تهملها:

أوّلا: إنّ كثيرا من الأفراد قد تموت ضمائرهم أو يصيبها السقم و الهزال فلا ضمان للفقير إذا ترك حقّه لمثل هؤلاء.

ثانيا: في أخذ الفقير حقّه من الحكومة لا من الشخص الغني حفظ لكرامته و صيانة لماء وجهه أن يراق بالسؤال و رعاية لمشاعره أن يجرحها المنّ و الأذى.

ثالثا: إنّ

ترك هذا الأمر للأفراد يجعل التوزيع فوضى، فقد ينتبه أكثر من غنيّ لإعطاء فقير واحد على حين يغفل عن آخر فلا يفطن له أحد، و ربّما كان أشدّ فقرا.

رابعا: إنّ صرف الزكاة ليس مقصورا على الأفراد من الفقراء و المساكين و أبناء السبيل، فمن الجهات التي تصرف فيها الزكاة مصالح عامّة للمسلمين لا يقدرها الأفراد، و إنما يقدرها أولو الأمر و أهل الشورى في الجماعة المسلمة كإعطاء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 35

..........

______________________________

المؤلّفة قلوبهم و إعداد العدّة و العدد للجهاد في سبيل اللّه و تجهيز الدعاة لتبليغ رسالة الإسلام في العالمين.

خامسا: إنّ الإسلام دين و دولة، و قرآن و سلطان، و لا بدّ لهذا السلطان و تلك الدولة من مال تقيم به نظامها و تنفذ به مشروعاتها. و لا بد لهذا المال من موارد، و الزكاة مورد هامّ دائم لبيت المال في الإسلام.» «1» انتهى كلامه.

18- و في الشرائع: «القسم الثالث في المتولّي للإخراج و هم ثلاثة: المالك و الإمام و العامل. و للمالك أن يتولّى تفريق ما وجب عليه بنفسه و بمن يوكّله.

و الأولى حمل ذلك إلى الإمام، و يتأكّد ذلك الاستحب اب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلّات.

و لو طلبها الإمام وجب صرفها إليه. و لو فرّقها المالك و الحال هذه قيل:

لا يجزي و قيل: يجزي و إن أثم، و الأوّل أشبه ....

و يجب على الإمام أن ينصب عاملا لقبض الصدقات. و يجب دفعها إليه عند المطالبة ....

و إذا لم يكن الإمام موجودا دفعت إلى الفقيه المأمون من الإمامية فإنّه أبصر بمواقعها.» «2»

أقول: عبارة المتن في الصدر غير نقيّة كما في الجواهر إذ المخرج لها أربعة بإضافة وكيل المالك إلى الثلاثة سواء أريد

بالإخراج الإخراج من المال أو تفريقها في المصارف، و الاستغناء عنه بذكر الأصل أعني المالك يقتضي الاستغناء عن ذكر العامل أيضا فإنّه وكيل الإمام.

______________________________

(1)- فقه الزكاة 2/ 755- 757.

(2)- الشرائع 1/ 164، (طبعة أخرى/ 124).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 36

..........

______________________________

و بالجملة فالمتصدي للإخراج من المال هو المالك أو وكيله في ذلك و لكن إن قصّر في ذلك و لم يمكن إجباره أخرجه الإمام أو وكيله قهرا عليه، كما أنّ المتصدّي لتفريقها أيضا أحد هذه الأربعة.

و في الجواهر: «لا خلاف بيننا بل بين المسلمين كافّة في قبول هذا الفعل للنيابة التي استفاضت بها النصوص أو تواترت.» «1»

و ظاهره و إن كان هو النيابة في التفريق و لكنّ الظاهر جواز التوكيل في الإخراج من المال أيضا نيابة عنه و سيأتي بحثها.

و قول المصنف أخيرا: «دفعت إلى الفقيه» لا بد أن يحمل على الاستحباب أو صورة المطالبة لوضوح عدم كون الفقيه أهمّ من الإمام المعصوم. هذا.

و قد طال في المقام نقل كلمات الأعلام و قد ألزمنا بذلك أهمّية المسألة و الاهتمام بها. و أعتذر في هذا المجال من القرّاء الكرام.

و قد تحصّل لك أنّ المستفاد من بعض الآيات و كثير من الأخبار و الفتاوى من الفريقين أنّ الزكاة بحسب التشريع الأوّلي كانت ضريبة إسلامية تحت اختيار الدولة الإسلامية فكانت هي المتصدية لأخذها و مطالبتها و جمعها و تفريقها في مصارفها الثمانية.

و لكن لما كان في عصر أئمتنا- عليهم السلام- انحرفت الحكومة الإسلامية عن مسيرها الحق الذى رسمه النبيّ «ص» و تقمّصها الطواغيت و حكومات الجور واحدا بعد واحد و صارت الشيعة الإمامية في هذا الأثناء محرومين مطرودين رخّص أئمتنا- عليهم السلام- لمن وجبت عليه الزكاة من شيعتهم

المباشرة في تقسيمها فصار هذا حكما ثانويّا موقّتا في أعصار حكومات الجور و عدم بسط اليد

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 416.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 37

..........

______________________________

لأئمة العدل و سيأتي تفصيل ذلك.

[هنا أربع مسائل لا بدّ من البحث فيها]

اشارة

إذا عرفت ما ذكرناه فنقول: هنا أربع مسائل لا بدّ من البحث فيها:

الأولى: هل يجب على الإمام مطالبة الزكوات و نصب العمّال لأخذها؟

الثانية: هل يجب الدفع إليه عند المطالبة مطلقا أو لا يجب مطلقا أو يفصّل بين الإمام المعصوم و غيره؟

الثالثة: هل يجب الدفع إليه ابتداء بدون المطالبة مطلقا، أو في خصوص الإمام المعصوم مطلقا أو مع بسط يده أو لا يجب بل يستحب أو لا يجب و لا يستحب أيضا؟

الرابعة: لو قلنا بالوجوب ابتداء أو مع المطالبة فعصى المالك و قسّمها بنفسه في أهلها فهل تجزى عنه أو يجب عليه الإعادة؟

[المسألة الأولى: هل يجب على الإمام مطالبة الزكوات و نصب العمّال لأخذها؟]
اشارة

أمّا المسألة الأولى:

[القائلون بوجوب المطالبة استدلّوا بوجوه]
اشارة

فالقائلون بوجوب المطالبة استدلّوا له بوجوه:

[الوجه الأول: قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ»]

الوجه الأول: قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «1» بتقريب أنّ الصدقات جعل لها مصارف ثمانية بمقتضى الآية الأخرى في هذه السورة 2 فلا محالة إنّما أمر هو «ص» بأخذها بما أنّه كان حاكما على المسلمين و إماما لهم في عصره و كان عليه سدّ خلّاتهم بما فرض اللّه لهم، و مقتضى ذلك جريان الحكم في الأئمة بعده أيضا، بل و في كلّ من تصدّى لزعامة المسلمين عن حقّ و لو في عصر الغيبة و في منطقة خاصّة.

______________________________

(1) (1 و 2)- سورة التوبة (9)، الآيتان 103 و 60.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 38

..........

______________________________

و مقتضى قوله- تعالى-: «لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كٰانَ يَرْجُوا اللّٰهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ.» «1»

و كذا الأخبار الواردة بهذا المضمون وجوب التأسّي به إلّا فيما ثبت اختصاصه به «ص».

و قد ورد في بعض الأخبار تطبيق الآية الشريفة على الإمام:

1- ففي الكافي عن الحسين بن محمد بن عامر بإسناده رفعه قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال اللّه- عزّ و جلّ-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «2»

2- و في تفسير العيّاشي عن علي بن حسّان الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن قول اللّه: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» جارية هي في الإمام بعد رسول اللّه «ص»؟ قال: «نعم». «3»

3- و في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع» أنّه قال: «يجبر الإمام الناس على أخذ الزكاة من

أموالهم، لأن اللّه- عزّ و جل- قال: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً.»

و قال رسول اللّه «ص»: هاتوا ربع العشر من كلّ عشرين مثقالا نصف مثقال و من كلّ مأتي درهم خمسة دراهم.» «4»

و قد ظهر بما ذكرنا جواب من احتمل كون الحكم في الآية من خصائص النبي «ص».

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 21.

(2)- الكافي 1/ 537، كتاب الحجة، باب صلة الإمام «ع»، الحديث 1.

(3)- تفسير العياشي 2/ 106، و رواه عنه في البحار 93/ 84، ط. بيروت، كتاب الزكاة و الصدقة، باب أدب المصدق.

(4)- دعائم الإسلام 1/ 253، و رواه عنه في البحار 93/ 86، ط. بيروت، كتاب الزكاة و الصدقة، باب أدب المصدق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 39

[الوجه الثاني: ذكر العالمين عليها في الآية الشريفة من مصارف الزكاة]

______________________________

الوجه الثاني: ذكر العالمين عليها في الآية الشريفة من مصارف الزكاة إذ يظهر منه كما مرّ أنّ الزكاة ليست واجبا فرديّا موكولا إلى مشيّة الأشخاص بل تكون من ضرائب الدولة الإسلاميّة التي يتولّى إمام المسلمين لأخذها و تفريقها في مصارفها المقرّرة، و لأجل ذلك نسب إلى المشهور كما في الحدائق وجوب نصب الإمام عاملا على الصدقات. «1»

قال في المبسوط: «و على الإمام أن يبعث الساعي في كلّ عامّ إلى أرباب الأموال لجباية الصدقات. و لا يجوز له تركه لأنّ النبي «ص» كان يبعث بهم كلّ عام.» «2»

و مرّ عن الشرائع قوله: «و يجب على الإمام أن ينصب عاملا لقبض الصدقات.» فتأمّل.

[الوجه الثالث: خبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين «ع»]

الوجه الثالث: خبر سليم بن قيس عن أمير المؤمنين «ع» في وجوب الإمامة و بيان وظائف الإمام و أعماله: «يجمع أمرهم و يحكم بينهم و يأخذ للمظلوم من الظالم حقّه و يحفظ أطرافهم و يجبي فيئهم و يقيم حجتهم (حجّهم و جمعتهم- البحار) و يجبى صدقاتهم.» «3»

[الوجه الرابع: ما مرّ من حديث بعث رسول اللّه «ص» معاذ بن جبل إلى اليمن]

الوجه الرابع: ما مرّ من حديث بعث رسول اللّه «ص» معاذ بن جبل إلى اليمن و فيه: «فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم فإن هم طاعوا لك بذلك فإيّاك و كرائم أموالهم.» «4»

حيث يظهر منه أنّ البناء في الصدقات كان على أخذها من قبل الحكام و

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 223.

(2)- المبسوط 1/ 244.

(3)- كتاب سليم بن قيس/ 182؛ و البحار 8/ 555 من ط. القديم، الباب 49 من كتاب ما وقع من الجور ...

(4)- صحيح البخاري، الجزء 5 (المجلد الثالث)، ص 108 (طبعة أخرى 3/ 73)، كتاب المغازي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 40

..........

______________________________

تقسيمها بتصدّيهم.

و يشهد لذلك أيضا ما مرّ من خبر الدعائم و أنّ الإمام يجبر الناس على أخذ الزكاة من أموالهم.

[الوجه الخامس: سيرة رسول اللّه «ص» و من قام مقامه]

الوجه الخامس: سيرة رسول اللّه «ص» و من قام مقامه و لا سيّما أمير المؤمنين «ع» في خلافته حيث إنّهم كانوا يطالبون الزكوات و ينصبون العمّال لأخذها، و قد مرّ في هذا المجال صحيحة عبد اللّه بن سنان في شأن نزول الآية.

و كان رسول اللّه «ص» يبعث عبد اللّه بن رواحة و غيره لخرص النخيل و ينهاهم عن خرص بعض التمور الرديئة. «1»

و كلّما دخل قبيلة في الإسلام كان ينصب فيهم عاملا على الصدقات.

و أمير المؤمنين «ع» أيضا كان يبعث العمّال و المصدقين و يرشدهم كيف يقسّمون الأموال و يأخذون منها الصدقات كما يرشد إلى ذلك صحيحة بريد العجلي و ما في نهج البلاغة. «2»

و قد استقرت هذه السيرة بحيث إنّ الغاصبين لمقام الإمامة قبل عليّ «ع» و بعده أيضا ساروا على آثارها و أرسلوا عمّالهم لجباية الصدقات و حاربوا من منعها و استحلّوا دماءهم

و سمّوهم أهل ردّة و لم ينكر الصحابة عليهم ذلك.

و أمّا ما في المغني و تبعه العلّامة في التذكرة من أنّ مطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدّوها إلى أهلها و لو أدّوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها و إنّما يطالب الإمام بحكم الولاية و النيابة عن مستحقيها فإذا دفعها إليهم جاز. «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 141، الباب 19 من أبواب زكاة الغلات.

(2)- الوسائل 6/ 88، و ما بعدها، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام.

(3)- المغني 2/ 509؛ و التذكرة 1/ 241.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 41

..........

______________________________

ففيه أنّ المستفاد من التواريخ خلاف ذلك ففي سنن البيهقي بسنده أنّ أبا بكر قال: «و اللّه لو منعوني عناقا كانوا يؤدّونها إلى رسول اللّه «ص» قاتلتهم على منعها» «1» و نحوه أخبار أخر فراجع.

أقول: فهذه خمسة وجوه ربّما يستدلّ بها لوجوب مطالبة الإمام للصدقات.

و لكن يمكن أن يجاب عن الوجه الثاني بأنّ عدّ العاملين من المصارف أعم من وجوب المطالبة فلعلّها مطلوبة بنحو الأولوية و الاستحباب. و عن الوجه الثالث و الرابع بعدم إحراز صحّة الأخبار المذكورة. و عن الوجه الخامس بأنّ السيرة العملية لا تدلّ على أزيد من الجواز.

[عمدة الوجوه هو الوجه الأوّل]

فعمدة هذه الوجوه الخمسة هو الوجه الأوّل.

و نوقش فيه أولا باحتمال الاختصاص بالنبي «ص».

و ثانيا باحتمال الاستحباب، و قد كثر استعمال الأمر فيه في الكتاب و السنة بل لعلّه من قبيل الأمر في مقام توهّم الحظر فلا يدلّ على أزيد من الجواز.

و ثالثا بما في تقرير بحث بعض الأعاظم من أنّ قوله: «خذ مقدمة للتطهير و ليس أمرا استقلاليا.» «2»

و رابعا باحتمال رجوع ضمير الجمع في الآية إلى ما قبلها أعني قوله:

«وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا

صٰالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً» فيراد بالصدقة فيها خصوص زكاة هؤلاء التائبين، بل من المحتمل إرادة غير الزكاة.

ففي تفسير الرازي في ذيل الآية: «إنّه «ص» لما عذّر أولئك التائبين و أطلقهم

______________________________

(1)- سنن البيهقي 7/ 3، كتاب الصدقات، باب ما لا يسع الولاة تركه لأهل الأموال.

(2)- فقه العترة في زكاة الفطرة/ 316.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 42

..........

______________________________

قالوا: يا رسول اللّه هذه أموالنا التي بسببها تخلّفنا عنك فتصدق بها عنّا و طهرنا و استغفر لنا، فقال «ص» ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا. فأنزل اللّه- تعالى- هذه الآيات فأخذ رسول اللّه «ص» ثلث أموالهم و ترك الثلثين.» «1»

و في تفسير الطبري بسنده عن زيد بن أسلم قال: لما أطلق النبي «ص» أبا لبابة و الذين ربطوا أنفسهم بالسواري قالوا يا رسول اللّه خذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها فأنزل اللّه: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ» «2» و روي نحو ذلك عن ابن عباس و الضّحاك و سعيد بن جبير، فراجع. هذا.

و لكن احتمال الاختصاص بالنبي «ص» مردود بما مرّ بيانه. و حمل الأمر على الاستحباب خلاف الظاهر، و توهّم الحظر في المقام ممنوع. و كون الأخذ مقدمة للتطهير لا يوجب عدم وجوبه، بل ظاهره الوجوب.

إلّا أن يقال: إنّ التطهير إذا كان علّة للحكم فمقتضاها كفاية تولّي المالك للتوزيع لحصول الطهارة به أيضا.

و لكن يرد عليه احتمال كونه حكمة لا علّة أو كون تطهير النبي «ص» أو الإمام له خصوصيّة كما هو الظاهر.

و احتمال الاختصاص بالتائبين في الآية السابقة يردّه ما مرّ من صحيحة عبد اللّه بن سنان في شأن نزول الآية و أنّه لمّا نزلت أمر رسول اللّه «ص» مناديه فنادى:

إنّ اللّه فرض عليكم الزكاة

كما فرض عليكم الصلاة ثمّ لم يتعرّض لشي ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول ثمّ وجّه عمّال الصدقة و الطسوق. إذ يظهر منها إرادة عموم المسلمين.

و لعلّ التائبين كانوا أخّروا زكواتهم فلمّا تابوا أدّوها إلى النبي «ص» فيكون من

______________________________

(1)- تفسير فخر الرازي 3/ 510.

(2)- تفسير الطبري 11/ 12.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 43

..........

______________________________

موارد الآية، و المورد لا يخصّص.

و في المستدرك عن عوالي اللئالي: «روي أنّ الثلاثة الذين تخلّفوا في غزوة تبوك لمّا نزل في حقّهم «وَ عَلَى الثَّلٰاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا- الآية.» و تاب اللّه عليهم قالوا:

خذ من أموالنا يا رسول اللّه و تصدّق بها و طهّرنا من الذنوب فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزل: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً.» فأخذ منهم الزكاة المفروضة شرعا.» «1» فهذا يؤيّد ما قلناه. و لعلّ أخذ الثلث المحكيّ في تفسير الرازي على فرض صحّته كان لاجتماع الزكوات عندهم من السنين السابقة.

و يدلّ على إرادة العموم أيضا خبر زرارة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له:

قول اللّه: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» أ هي قوله: «وَ آتُوا الزَّكٰاةَ؟»* قال: قال: «الصدقات في النبات و الحيوان و الزكاة في الذهب و الفضة و زكاة الصوم.» «2» إلى غير ذلك من الأخبار. هذا.

و محصّل الكلام في المقام مضافا إلى دلالة الآية الشريفة بضميمة الأخبار الواردة في شأن نزولها على وجوب الأخذ و المطالبة و يؤيّدها آية العاملين و السيرة المستمرة من النبي «ص» و من بعده:

أنّ الحكومة الإسلامية- كما نقّحنا في محلّه- داخلة في نسج الإسلام و نظامه و هي الأساس لتنفيذ فرائضه و أحكامه كما يدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر

«ع» قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية.» قال زرارة: فقلت: و أي شي ء من ذلك أفضل؟ فقال:

______________________________

(1)- المستدرك 1/ 507، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 20.

(2)- الوسائل 6/ 38، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 18.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 44

..........

______________________________

«الولاية أفضل لأنّها مفتاحهنّ و الوالي هو الدليل عليهن.» «1» حيث عدّ الولاية فيها أفضل الفرائض الإجرائية المهمّة و مفتاحهنّ فلا يجوز تعطيلها و يجب على المسلمين السعي في تحصيلها و إجرائها بقدر الإمكان في أيّ عصر و مكان و لو في عصر الغيبة و في منطقة خاصّة. و يجب على من وجد فيه الشرائط التي اعتبرها الشرع المبين التصدّي لها مهما أمكن و لو بالنسبة إلى بعض وظائف الحكومة.

و قد كان في عصر ظهور الأئمة الاثني عشر «ع» هذا المنصب الشريف عندنا حقّا لهم لا يشاركهم فيه غيرهم، و في عصر الغيبة للفقيه الجامع للشرائط الثمانية التي تعرّضنا لها في محلّها.

و لا يخفى أنّ إدارة المجتمعات و العمل بوظائف الدولة الإسلامية التي من أهمّها سدّ خلّات المسلمين بشعبها المختلفة تتوقّف قهرا على المنابع المالية الضخمة.

و قد مرّت في أول البحث أخبار كثيرة تعرّضت لوظائف الإمام بالنسبة إلى الفقراء و الغارمين و ابن السبيل و الجهاد و سبل الخير و نحو ذلك و أنّ عليه أن يمونهم من مال الصدقات فلا محالة يجب عليه مطالبتها و أخذها مقدّمة لذلك إذ ما يتوقّف عليه الواجب واجب بلا إشكال.

و لا يعقل أن تكون إدارة شئون المسلمين و سدّ خلّاتهم بالصدقات من وظائفه و لا تكون هي تحت يده

و اختياره.

و فائدة تصدّي الإمام لذلك أنّ هذا يوجب تنظيما أساسيّا للضرائب في قبال الخلّات و الحاجات المختلفة فيصل كلّ مستحق إلى حقّه و سهمه و يخرج تقسيمها عن التشتت و التبعيضات المفرطة مع فرض كون الإمام عادلا مدبّرا يناضل الظلم و العدوان و يسعى في إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه.

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 7، الباب 1 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 45

..........

______________________________

و ترك هذا الأمر و إيكاله إلى مشيّة الأشخاص و تشخيصهم يجعل التوزيع فوضى فربّما استفاد فقير واحد من أغنياء كثيرين في حين يغفل الجميع عن غيره مع كونه أحوج و ربّما ماتت ضمائر الأغنياء فلم يراعوا حقوق الفقراء و ذوي الحاجات و سائر المصارف أصلا فكان الواجب إيكال أمرهم إلى إمام المسلمين ليجبي الصدقات و يوزعها على نظام صحيح و تكون قدرته ضامنا لإجرائه.

نعم لو فرض عدم إمكان تشكيل الحكومة الحقّة أو عدم القدرة على إيجاد شبكات صالحة للجبايات و التوزيعات كان اللازم حينئذ إيكال التقسيم إلى الملّاك كما يشهد بذلك قوله «ع» في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: «فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف.» «1»

و قد يجري هذا البيان في حق الفقيه الجامع للشرائط أيضا إذا فرض إمكان تصدّيه للحكومة و لو في منطقة خاصة.

هذا كلّه في المسألة الأولى أعني وجوب مطالبة الإمام و أخذه.

[المسألة الثانية: إذا طلبها الإمام فهل يجب الدفع إليه مطلقا]
اشارة

المسألة الثانية:

إذا طلبها الإمام فهل يجب الدفع إليه مطلقا أو لا يجب مطلقا أو يفصل بين الإمام المعصوم و غيره؟

[كلمات الأصحاب]

1- قد مرّ عن الخلاف قوله: «إلّا أنّ عندنا متى طلب الإمام ذلك وجب دفعه إليه» إلى أن قال: «و أما الذي يدلّ على وجوب الدفع إذا طلبه الإمام قوله- تعالى-:

«خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» فأمره بالأخذ و أمره على الوجوب فوجب أن يلزم الدفع.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الخلاف 2/ 347.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 46

..........

______________________________

2- و في التذكرة: «لو طلب الإمام الزكاة منه وجب دفعها إليه إجماعا منّا لأنّه معصوم تجب طاعته و تحرم مخالفته.» «1»

3- و في نهاية الإحكام: «لو طلبها الإمام وجب الصرف إليه بذلا للطاعة، و لقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و هو يستلزم وجوب الإعطاء، و لأنّه مال للإمام المطالبة به فيجب دفعه إليه مع المطالبة كالخراج» «2»

4- و مرّ عن الشرائع قوله: «و يجب دفعها إليه عند المطالبة.» «3»

[إسراء الحكم إلى الفقيه الجامع للشرائط]

أقول: هؤلاء الأعلام و إن أرادوا بالإمام في كلماتهم خصوص الإمام المعصوم، و لكن مقتضى استدلالهم بوجوب الطاعة و بوجود التلازم بين وجوب الأخذ و وجوب الإعطاء إسراء الحكم إلى الفقيه الجامع للشرائط أيضا بعد ما بيّناه من وجوب الولاية و الحكم و لو في عصر الغيبة، و واضح أنّ الولاية لا تتمّ إلّا بوجوب الطاعة.

و إذا فرض توقّفها على أخذ الزكاة و غيرها من الضرائب وجب ذلك مقدّمة لها فوجب الإعطاء أيضا بدلالة الاقتضاء.

و لكن العلّامة- قدّس سرّه- في المختلف بعد ذكر الآية و بيان أنّ الأمر للوجوب و أنّ وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع قال: «و الجواب بعد تسليم أنّ الأمر للوجوب إنّما يدلّ على وجوب الأخذ عليه إذا دفعت إليه و لا يستلزم ذلك وجوب الدفع إليه.»

«4»

و قال في المحكي من نهايته في الأصول- على ما في الجواهر-: «لا يقال:

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 241.

(2)- نهاية الإحكام 2/ 415.

(3)- الشرائع 1/ 164 (طبعة أخرى/ 124).

(4)- المختلف/ 187.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 47

..........

______________________________

وجوب الأخذ إنّما يتمّ بالإعطاء، و ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب. لأنّا نقول:

الأمر هنا إن كان بالطلب لم يتوقّف على الإعطاء. و إن كان بالأخذ لم يكن الإعطاء واجبا لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به إنّما يكون واجبا لو كان مقدورا لمن وجب عليه الأخذ. و إعطاء الغير غير مقدور لمن وجب عليه الأخذ فلا يكون واجبا.» «1»

أقول: ظاهر هذين الكلامين توهّم أنّ المقصود من التلازم بين الوجوبين في المقام كون وجوب الإعطاء من قبيل وجوب المقدّمة مترشّحا من وجوب ذيها و هو ممنوع.

بل المقصود وجوبه بدلالة الاقتضاء بمعنى أنّ الشارع إذا جعل الأخذ واجبا بنحو الإطلاق فلا محالة جعل الإعطاء أيضا واجبا و إلّا كان الجعل الأوّل لغوا.

و احتمال كون وجوب الأخذ مشروطا بتحقق الإعطاء خارجا من باب الاتفاق خلاف الظاهر جدّا، كاحتمال كون وجوب الأخذ مشروطا بعدم تفريق المالك بنفسه، بداهة أنّ ظاهر الآية وجوب الأخذ و المطالبة مطلقا. نعم، التكليف مشروط عقلا بالقدرة و عدم وجود مصلحة أقوى فلو لم يتمكّن الحاكم الحقّ من المطالبة أو التوزيع أو كان إيكال الأمر إلى الملّاك أصلح كما في عصر حكومات الجور و صيرورة المستحقين مطرودين من قبلهم فلا محالة يسقط وجوب الأخذ حينئذ فتدبّر.

و كيف كان فالحكم بوجوب الإعطاء يعمّ الفقيه المتصدي للولاية أيضا كما كان الحكم بوجوب الأخذ و المطالبة أيضا يعمّه لما مرّ من الدليل على عموم ولايته و وجوب طاعته و وجود التلازم

بين الوجوبين.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون مقلّدا للدافع أم لا إذا كانت المطالبة بنحو الحكم بالإعطاء له و كان واجدا لشرائطه.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 418.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 48

..........

______________________________

نعم لو حكم بتعيّن صرفها في مصرف خاصّ جاز للمالك صرفها فيه بنفسه، كما أنّه لو كانت المطالبة أو تعيين مصرف خاصّ بنحو الفتوى لا الحكم لم يجب على غير المقلّد ترتيب الأثر عليهما.

و قال الشيخ الأعظم في زكاته: «و لو طلبها الفقيه فمقتضى أدلّة النيابة العامّة وجوب الدفع لأنّ منعه ردّ عليه. و الرادّ عليه رادّ على اللّه- تعالى- كما في مقبولة ابن حنظلة، و لقوله «ع» في التوقيع الشريف الوارد في وجوب الرجوع في الحوادث الواقعة إلى رواة الأحاديث قال: «فإنّهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه.» «1»

أقول: النيابة العامّة عندنا مقبولة و لكن دلالة المقبولة عليها غير واضحة بل غير مقبولة لظهورها في أمر القضاء و فصل الخصومة. و التوقيع يدلّ عليها إن قيل بدلالته على تحقّق جميع مناصب الإمام أعني الإفتاء و الولاية و القضاء، و لكن ربّما يقال: إنّ الاحتجاج قرينة على إرادة الإفتاء فقط، فتدبّر.

و في الجواهر بعد ما حكى عن المدارك الترديد في مسألة تولّي المالك للتقسيم مع طلب الإمام و أنّ الأمر فيها هيّن لاختصاص الحكم بطلب الإمام «ع» و مع ظهوره- عجل اللّه فرجه- تتّضح الأحكام كلّها إن شاء اللّه قال: «قلت: يمكن أن تظهر ثمرتها في زمن الغيبة بطلب الفقيه لها بناء على وجوب إجابته لعموم نيابته كما حكاه الشهيد فقال: «قيل: و كذا يجب دفعها إلى الفقيه في الغيبة لو طلبها بنفسه أو وكيله لأنّه نائب للإمام كالساعي بل أقوى منه لنيابته

عنه في جميع ما كان للإمام. و السّاعي إنّما هو وكيل للإمام «ع» في عمل مخصوص.»

لكن في شرح الأصبهاني للّمعة: «لم أظفر بقائل ذلك، و إنّما عثرت على القول بوجوب الدفع إليه أو وكيله في الغيبة ابتداء.» بل قال: «إنّا نمنع كونه

______________________________

(1)- زكاة الشيخ/ 512 (طبعة أخرى/ 450).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 49

..........

______________________________

كالساعي، فإنّ السّاعي إنّما يبلّغ أمر الإمام، فإطاعته إطاعة الإمام بخلاف الفقيه، و لا يجدي كونه أعلى رتبة و منصبا منه و لم يعلم أمر منهم «ع» بإطاعة الفقيه في كلّ شي ء.»

قلت: إطلاق أدلّة حكومته خصوصا رواية النصب التي وردت عن صاحب الأمر- روحي له الفداء- يصيّره من أولي الأمر الذين أوجب اللّه علينا طاعتهم.

نعم من المعلوم اختصاصه في كلّ ماله في الشرع مدخليّة حكما أو موضوعا.

و دعوى اختصاص ولايته بالأحكام الشرعية يدفعها معلومية تولّيه كثيرا من الأمور التي لا ترجع للأحكام كحفظه لمال الأطفال و المجانين و الغائبين و غير ذلك ممّا هو محرّر في محلّه.

و يمكن تحصيل الإجماع عليه من الفقهاء فإنّهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا دليل عليها سوى الإطلاق الذي ذكرناه المؤيّد بمسيس الحاجة إلى ذلك أشدّ من مسيسها في الأحكام الشرعية.» «1»

انتهى كلام صاحب الجواهر و إنّما ذكرناه بطوله لكونه بالنسبة كلاما جامعا في مسألة ولاية الفقيه و إن كان مشينا و مشربنا في المسألة بنحو آخر كما هو واضح لمن راجع ما كتبناه فيها.

[المسألة الثالثة: هل يجب الدفع إلى الإمام ابتداء بدون المطالبة]
[الأقوال في المسألة]

المسألة الثالثة:

هل يجب الدفع إلى الإمام ابتداء بدون المطالبة مطلقا أو في خصوص الإمام المعصوم مطلقا أو مع بسط يده أو لا يجب بل يستحبّ، أو لا يجب و لا يستحبّ أيضا؟ قد مرّت عبارات المقنعة

و الكافي و النهاية و المهذب و الغنية

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 421.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 50

..........

______________________________

الظاهرة في وجوب حملها إلى الإمام ابتداء، بل كان ظاهر المقنعة و الكافي على نسخة منه و فطرة المهذب وجوب حملها إلى الفقيه أيضا.

و ظاهر الخلاف و المبسوط و الشرائع و غيرها عدم وجوب حملها إلى الإمام إلّا مع الطلب كما مرّ. و لكن ظاهر كثير منهم استحباب ذلك.

و ظاهر الحدائق عدم الاستحباب أيضا إلّا مع الطلب فيجب. «1»

و قد مرّ عن المسالك قوله: «و القائل بوجوب دفعها إلى الإمام ابتداء أوجب دفعها مع غيبته إلى الفقيه المأمون.» «2» و لكن نحن ناقشنا في صحة هذه النسبة.

[دليل القائل بوجوب الدفع ابتداء]
اشارة

و كيف كان فالقائل بوجوب الدفع ابتداء يمكن أن يستدلّ لذلك بوجوه:

[الأوّل: ما دلّ على وجوب أخذ الإمام لها]

الأوّل: ما دلّ على وجوب أخذ الإمام لها بتقريب أنّ إيجاب الأخذ عليه بنحو الإطلاق يدلّ بدلالة الاقتضاء على إيجاب الدفع إليه كذلك و إلّا صار إيجاب الأخذ مطلقا لغوا.

[الثاني: ذكر العاملين عليها من المصارف]

الثاني: ذكر الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا من المصارف مؤيّدا بإفتاء جمع بل المشهور- كما مر نقله من الحدائق- بوجوب نصب الإمام عاملا على الصدقات، و بما مرّ من استمرار سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» و الخلفاء في جميع الأعصار بلا استنكار، على مطالبتها و التصدّي لتوزيعها و تعيين السعاة و المصدّقين و الخارصين و مقاتلة المانعين لها.

إذ يعلم من جميع ذلك أنّ الزكاة ليست موكولة إلى نظر الأشخاص و مشيّتهم، بل تكون ضريبة حكومية تحت اختيار الدولة الإسلامية فيجب على الناس إيصالها إلى الإمام أو من نصبه لذلك.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 224 و ما قبلها.

(2)- المسالك 1/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 51

[الثالث: الأخبار الكثيرة المتصدية لبيان وظيفة الإمام في قبال الفقراء]

______________________________

الثالث: ما مرّ من الأخبار الكثيرة المتصدية لبيان وظيفة الإمام في قبال الفقراء و الغارمين و سبيل اللّه و أبناء السبيل و غيرهم و أن عليه أن يكفيهم من مال الصدقات، إذ مقتضى هذه الأخبار الكثيرة أن الإمام هو الذي يتصدّى بعمّاله لجباية الزكوات و وضعها في مواضعها. و مقتضى ذلك وجوب دفعها إليه إذ لا يعقل أن تكون إدارة شئون المسلمين و سدّ خلّات المستحقين بالزكوات من وظائفه و لا تكون هي تحت اختياره.

أقول: لا يخفى عدم دلالة هذه الوجوه على المدّعى، إذ يرد على الأوّل:

أنّ الظاهر من الأخذ المطالبة كما صنعه النبي «ص» و إيجابها إنّما يدلّ بدلالة الاقتضاء على إيجاب الدفع إليه عند المطالبة لا مطلقا.

و يرد على الثاني أوّلا: أن عدّ العاملين من المصارف و تعيينهم من قبل الإمام لا يدلّان على وجوب الأخذ فضلا عن وجوب الدفع إذ يجتمعان مع استحباب الأخذ و الدفع بل مع الجواز أيضا.

و ثانيا: أن السيرة العملية لا تدلّ على أزيد من

جواز الأخذ، نعم مع فرض المطالبة يجب الدفع كما مرّ.

و يرد على الثالث: أنّ كون الصرف في المستحقين من وظائف الإمام يقتضي وجوب المطالبة عليه من باب المقدّمة فإذا فرض عدم مطالبته فلا محالة لم يوجد له شرائط الصرف و إمكانه فلا وجه لوجوب الدفع إليه حينئذ بل تصرف في مصارفها لاقتضاء الإطلاقات الأوّلية جواز تولّي الملاك بأنفسهم للتقسيم بين المستحقين.

و القدر المتيقّن من وجوب الدفع إلى الإمام صورة مطالبته و تصدّيه للتقسيم بنحو تعدّد المطلوب لا التقييد للإطلاقات الأوّلية.

هذا مضافا إلى ما ورد من الآية و أخبار كثيرة في أبواب مختلفة يستفاد منها

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 52

..........

______________________________

جواز تصدّي الملاك لذلك و لا محالة تحمل الجميع على صورة عدم مطالبة الإمام الواجد للشرائط لما مرّ من وجوب الدفع إليه عند المطالبة:

أما الآية فقوله- تعالى-: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.» «1» و قد استدل بها الشيخ في الخلاف كما مرّ.

اللّهم إلا أن يجاب بعدم وضوح إرادة الزكاة من الآية فلعلّ المقصود بها الصدقات المندوبة كما يظهر من بعض الأخبار ففي موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» فقال: «هي سوى الزكاة إنّ الزكاة علانية غير سرّ.» «2» فتأمّل.

[الروايات الواردة في خصوص المقام]

و أمّا الروايات فهي في غاية الكثرة متفرقة في الأبواب المختلفة:

1- خبر جابر، قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر «ع» و أنا حاضر فقال: رحمك اللّه اقبض منّي هذه الخمس مأئة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي، فقال أبو جعفر «ع»: «بل خذها أنت فضعها في جيرانك و

الأيتام و المساكين و في إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن: البرّ منهم و الفاجر.» «3»

أقول: سند الخبر ضعيف جدّا بعمرو بن شمر و غيره، و الظاهر أنّ قوله: «هذا» إشارة إلى الحمل إلى الإمام.

و نفس هذا الخبر أيضا يدلّ على أنّ البناء كان على حمل الزكوات إلى الإمام و لعلّ قيام القائم كناية عن تشكّل حكومة حقّة مبسوطة اليد بحيث تقدر على إيجاد شبكات صالحة للجباية و التوزيع بنحو يصل كلّ ذي حقّ إلى حقّه، أو يكون

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 271.

(2)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 195، الباب 36 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 53

..........

______________________________

الحصر إضافيا بالنسبة إلى الأئمة المعصومين «ع» فيكون كلامه «ع» إخبارا غيبيا بأنه لا يتصدّى بعده للحكومة الظاهرية منهم إلّا الإمام الثاني عشر «ع».

2- و في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» بعد بيان سيرة الإمام و ما يجب عليه في التوزيع على الأصناف قال: «فأمّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس.» «1»

و الأخبار الدّالة على وجوب وضع الزكاة في مواضعها الظاهرة في إيكال التوزيع إلى الملّاك:

3- كموثقة علي بن عقبة عن أبي الحسن الأوّل «ع» قال: سمعته يقول:

«من أخرج زكاة ماله تامّة فوضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله.» «2»

4- و موثقة أبي المعزا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال فليس

لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم.» «3»

و نحو ذلك من الأخبار، فتأمّل.

و الأخبار الدالة على جواز نقل الزكاة إلى بلد آخر:

5- كرواية يعقوب بن شعيب الحدّاد عن العبد الصالح «ع» قال: قلت له:

الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: «يضعها في إخوانه و أهل ولايته.» فقلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: «يبعث بها إليهم.» «4»

6- و رواية أحمد بن حمزة قال: سألت أبا الحسن الثالث «ع» عن الرجل يخرج

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 150، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 150، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 54

..........

______________________________

زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال: «نعم.» «1»

7- و رواية ضريس قال: سأل المدائني أبا جعفر «ع» فقال: إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك. فقلت: إنّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم. الحديث.» «2» و نحو ذلك من الأخبار.

و الروايات الواردة في شراء العبيد بها:

8- كرواية أيوب بن الحرّ قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال: فقال: «اشتره و أعتقه. الحديث.» «3»

و حملها على الاستجازة من الإمام و الإجازة منه خلاف الظاهر.

9- و رواية الوابشى عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله، قال: «اشترى خير رقبة،

لا بأس بذلك.» «4»

و نحو ذلك من الأخبار.

و الروايات الواردة في احتساب الدين زكاة:

10- كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال سألت أبا الحسن الأول «ع» عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال: «نعم.» «5»

11- و رواية يونس بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «قرض المؤمن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 173، الباب 19 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(5)- الوسائل 6/ 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 55

..........

______________________________

غنيمة و تعجيل أجر (خير. خ. ل) إن أيسر قضاك و إن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة.» «1» و نحوهما من الأخبار.

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة:

12- كرواية ثعلبة بن ميمون، قال: كان أبو عبد اللّه «ع» يسأل شهابا من زكاته لمواليه. «2»

13- و رواية شهاب بن عبد ربّه قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إني إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها؟ قال: «نعم لا بأس بذلك أما إنّه أحد المعطين.» «3»

14- و صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل إليهم فضاعت فلا شي ء عليه.» «4» و نحوها أخبار أخر.

15- و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «و لو أنّ

رجلا يحمل زكاة ماله علي عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا.» «5» و في هذا المجال أخبار أخر، فراجع.

16- و خبر أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن الأول «ع»: رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك و له زكاة أ يجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: «نعم.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 208، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 192، الباب 34 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(6)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 56

..........

______________________________

و بالجملة فالأخبار الدالّة على جواز تولّي المالك بنفسه أو بوكيله لتفريق الزكاة في أهلها في غاية الكثرة متفرقة في الأبواب المختلفة.

و حملها على الاستجازة الشخصية في كلّ مورد بعيد بل واضح البطلان في الأكثر.

فلا بدّ من جمع بينها و بين ما مرّ من الروايات الظاهرة في كون الإمام هو المتصدّي لجباية الزكوات و تفريقها و أنّ عليه سدّ خلّات الفقراء و سائر الأصناف بالزكوات.

و الظاهر أنّ أحسن الوجوه في الجمع بين الطائفتين هو التفصيل بين كون الإمام مبسوط اليد و لو بالنسبة متمكنا من المطالبة و إيجاد شبكات صالحة للجباية و التوزيع و بين غيره.

و إذا فرض كونه مبسوط اليد متمكنا من الجمع و التفريق فالظاهر وجوب المطالبة عليه مقدّمة لإنفاذ ما وجب عليه فيكون الدفع إليه واجبا حينئذ.

و بعبارة أخرى يرجع الأمر في نهاية الأمر إلى التفصيل بين صورة المطالبة

و غيرها فيجب الدفع إليه عند المطالبة لا ابتداء.

نعم لو أحرز تمكن الإمام أو الفقيه من التوزيع الصحيح و أنه يحتاج إليها جدّا و لكن يوجد له مانع من المطالبة، و بعبارة أخرى: أحرز روح المطالبة منه فالأحوط حينئذ حملها إليه مع التمكن و إلّا جاز للملّاك التولّي للتوزيع بمقتضى الإطلاقات الأولية، و هذه الأخبار الكثيرة.

و قد صرّح بهذا الجمع في الحدائق فإنه بعد استظهاره وجوب الأخذ من الآية الشريفة و من سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» و صحيحة عبد اللّه بن سنان و غيرها و الإشارة إلي منافاة ذلك كلّه للأخبار الدالة على جواز تولّي المالك بنفسه أو وكيله قال:

«و لعلّ وجه التوفيق بينها هو تخصيص ما دلّ من الأخبار على وجوب طلب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 57

..........

______________________________

الإمام لذلك و وجوب الدفع إليه بزمان بسط يده «ع» و قيامه بالأمر كزمانه «ص» و زمان خلافة أمير المؤمنين «ع».

و ما دلّ على جواز تولّي المالك لذلك بزمانهم- عليهم السلام- لقصر يدهم عن القيام بأمر الولاية و ما يترتب عليها فرخّصوا للشيعة في صرفها و لم يوجبوا عليهم حملها و نقلها لهم لمقام التقية و دفع الشناعة و الشهرة.

و حينئذ فلا منافاة في هذه الأخبار لظاهر الآية، و لا يحتاج إلى حمل الآية على الاستحباب كما صرّح به الأصحاب لدفع التنافي بينها و بين الأخبار في هذا الباب.

و مما يعضد ما قلناه ما رواه الصدوق في كتاب العلل ...» «1» و ذكر ما مرّ منا من خبر جابر و إن استضعفناه سندا، فراجع.

و بما ذكرنا يظهر المناقشة في ما ذكره الشيخ الأعظم في زكاته حيث قال:

«مع أن الأخبار في جواز تولّي المالك

للإخراج فوق حدّ الإحصاء، و تخصيصها بزمان قصور أيدي الأئمة «ع» كما هو مورد الأخبار و إن أمكن سيّما بقرينة المرسل:

«أربعة إلى الولاة» و عدّ منها الصدقات إلّا أنه يحتاج إلى دليل فبمجرد ذلك لا يوجب التخصيص مع أنّ أكثرها يأبى عن التخصيص.» «2»

وجه المناقشة ما أشرنا إليه من وجوب المطالبة في زمان بسط اليد فيجب الدفع.

[التنبيه على أمرين]
اشارة

و ينبغي التنبيه على أمرين:

[استحباب حملها إلى الإمام أو الفقيه]

الأوّل: إن قلنا بعدم وجوب حملها إلى الإمام أو الفقيه فهل يستحب ذلك أولا؟ نسب إلى المشهور الاستحباب و ناقش فيه صاحب الحدائق.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 223.

(2)- كتاب الطهارة، كتاب الزكاة للشيخ/ 512 (طبعة أخرى/ 450).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 58

..........

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 58

______________________________

1- قال في المبسوط: «يجوز لربّ المال أن يتولّى إخراج الزكاة بنفسه و يفرّقها في أهلها سواء كان ماله ظاهرا أو باطنا، و الأفضل حمل الظواهر إلى الإمام أو الساعي من قبله.» و ذكر نحو ذلك في قسمة الزكاة منه. «1»

2- و في الشرائع: «و الأولى حمل ذلك إلى الإمام، و يتأكّد ذلك الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلات.» «2»

3- و ذيّله في المدارك بقوله: «لا ريب في استحباب حملها إلى الإمام لأنه أبصر بمواقعها و أعرف بمواضعها و لما في ذلك من إزالة التهمة عن المالك بمنع الحقّ و تفضيل بعض المستحقين بمجرد الميل الطبيعي. و أمّا تأكّد الاستحباب في الأموال الظاهرة فلم أقف على حديث يدلّ عليه بمنطوقه. و لعلّ الوجه فيه ما يتضمّنه من الإعلان بشرائع الإسلام و الاقتداء بالسلف الكرام.» «3»

4- و في الحدائق: «قد صرّح جملة من الأصحاب- رضوان اللّه عليهم- بل الظاهر أنّه لا خلاف فيه بينهم بأنّه يستحب حمل الزكاة إلى الإمام، و مع عدم وجوده فإلى الفقيه الجامع للشرائط و أنّه يتأكّد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلّات.» ثمّ ذكر ما في المدارك من العلل ثمّ قال:

«و أنت خبير بأنّ الاستحباب حكم شرعي، و في

ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه التعطيلات العقلية و المناسبات الذوقية إشكال ... ثمّ إنه لو كان الأمر كما يدّعونه من استحباب حمل ذلك إلى الإمام فكيف غفل أصحاب الأئمة «ع» عن ذلك مع تهالكهم على التقرّب إليهم- صلوات اللّه عليهم-.» «4»

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 233 و ص 244.

(2)- الشرائع 1/ 164 (طبعة أخرى 1/ 124)

(3)- المدارك/ 322.

(4)- الحدائق 12/ 224.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 59

..........

______________________________

أقول: ادعاء الشهرة و عدم الخلاف في المسألة و إثباتها بهما بعد عدم عنوان البعض لها و كون الظاهر من كلمات بعض القدماء الوجوب كما مرّ في غاية الإشكال. و الاعتماد في الاستحباب على فتوى جمع من الفقهاء مبنيّ على التسامح في أدلّة السنن و شمولها لفتوى الفقهاء. و كلاهما محل إشكال. و كون الإمام المعصوم أبصر بمواقعها مطلقا لا يقتضي كون الفقيه و عمّالهما كذلك مطلقا، فلعلّ المالك في بعض الموارد أبصر و لا سيّما إذا لم يكن للفقيه شبكات صالحة للتوزيع.

و الاستحباب كغيره من الأحكام يحتاج إلى دليل متقن فلا يثبت بالاستحسانات الظنّية.

و لعلّ الأفضل في كلام الشيخ أنه أراد به الأحوط خروجا من خلاف من أوجب لا الاستحباب الشرعي.

نعم يمكن أن يلوح ملاك الاستحباب من بعض الأخبار كخبر الحسين بن محمد بن عامر بإسناده، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنّما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال اللّه- عزّ و جلّ-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «1»

و ما عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين «ع» أنّه نهى أن يخفي المرء زكاته عن إمامه و قال: «إخفاء

ذلك من النفاق.» «2» و لكن الخبرين ضعيفان و دلالتهما على الاستحباب أيضا غير واضحة.

و أمّا ما ذكره في الحدائق من غفلة أصحاب الأئمة «ع» عن ذلك ففيه أنّ التقية الشديدة كانت مانعة من ذلك، إذ كان حمل الأموال إليهم «ع» موجبا لضغط خلفاء

______________________________

(1)- الكافي 1/ 537، كتاب الحجة، باب صلة الإمام «ع»، الحديث 1.

(2)- المستدرك 1/ 524، الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 60

..........

______________________________

الجور عليهم و على شيعتهم. هذا مضافا إلى أنها ربّما كانت تحمل إليهم كما يستفاد من خبر جابر الذي مضى.

و في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: بعثت إلى الرضا «ع» بدنانير من قبل بعض أهلي و كتبت إليه أخبره أنّ فيها زكاة خمسة و سبعين، و الباقي صلة، فكتب بخطّه: «قبضت» و بعثت إليه بدنانير لي و لغيري و كتبت إليه أنّها من فطرة العيال فكتب بخطّه: «قبضت» «1» هذا.

و لكن بعد اللتيّا و التي يشكل الفتوى بالاستحباب بنحو الإطلاق و لكنّه مطابق للاحتياط غالبا فتدبّر.

[الأمر الثاني: هل يجوز للملّاك الصرف في المصارف الثمانية بأجمعها؟]

الأمر الثاني: إذا تولّى الملّاك بأنفسهم أو بوكلائهم للإخراج و التوزيع فهل يجوز لهم الصرف في المصارف الثمانية بأجمعها أو لا يجوز إلّا فيما يتعلّق بالأشخاص كالفقراء و المساكين و الغارمين وَ فِي الرِّقٰابِ و الحجّ مثلا و ابن السبيل.

و الصرف في بقية المصارف يكون من وظائف الإمام و خصائصه؟

قال الشيخ في النهاية: «و إذا لم يكن الإمام ظاهرا و لا من نصبه الإمام حاصلا فرّقت الزكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم. و هم الفقراء و المساكين وَ فِي الرِّقٰابِ و الغارمين و ابن السبيل. و يسقط سهم المؤلفة قلوبهم و سهم السعاة و

سهم الجهاد لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام، لأنّ المؤلفة قلوبهم إنّما يتألفهم الإمام ليجاهدوا معه، و السعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جمع الزكوات، و الجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه، فإذا لم يكن هو ظاهرا و لا من نصبه فرّق فيمن عداهم.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(2)- النهاية/ 185.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 61

..........

______________________________

و ذكر نحو ذلك في المهذّب و الغنية فراجع. «1»

و قد مرّ عن دعائم الإسلام في بيان وجوب الحمل إلى الإمام ملخّص قوله:

«و إلّا فمن أين يعرف الناس مقدار ما يصلح أن يعطى لكل طبقة؟ و من أين يعرفون من يتألف على الإسلام؟ و كيف ينفق في سبيل اللّه و هو الجهاد غيرهم و الجهاد لا يقوم إلّا بهم؟ و كيف يعطي الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا إلّا الذي استعملهم.» «2» و راجع في هذا المجال الشرائع أيضا. «3»

أقول: الظاهر منهم أنّ تأليف المؤلّفة و استعمال العاملين و كذا الجهاد أمور عامّة اجتماعية لا يتصدّى لها إلّا الإمام الّذي يتصدّى للحكومة و يكون ممثّلا للمجتمع. و ظاهر الشيخ و أقرانه الحصر في الإمام المعصوم فلا يكفي الفقيه.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ هنا حكمين مستقلّين من ناحية الشرع المبين:

الأوّل: كون مصرف الزكاة الأصناف الثمانية المذكورة في الآية.

الثاني: كون النبي «ص» أو الإمام بالمعنى الأعمّ مأمورا بالجباية و التوزيع عليها تنظيما لتنفيذ الحكم الأوّل و ضمانة لإجرائه بالنحو الأحسن.

و ليس الحكم الثاني مقيّدا للحكم الأوّل و مضيّقا لدائرته بحيث ينتفي الأوّل بالعجز عن الثاني و لذا لم يقل أحد بسقوط الزكاة إذا لم يتمكن الإمام من جبايتها و توزيعها، بل وردت

أخبار كثيرة يستفاد منها تولّي الملّاك لتفريقها كما مرّت.

و بعبارة أخرى: يكون الحكمان من قبيل تعدّد المطلوب قطعا.

و على هذا فإطلاق الحكم الأوّل باق بعد العجز عن الثاني، و بإطلاقه

______________________________

(1)- المهذّب 1/ 171 و الجوامع الفقهية/ 568 (طبعة أخرى/ 506).

(2)- دعائم الإسلام 1/ 258.

(3)- الشرائع 1/ 162 (طبعة أخرى/ 123).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 62

..........

______________________________

نحكم بجواز الصرف في الجميع، فيجوز صرفها في تأليف قلوب الكفّار و ضعفاء الاعتقاد من المسلمين. و يجوز من باب الحسبة استعمال شخص لجباية زكوات البلد و صرفها في فقرائه و مستحقيه إذا رآه أهل الخبرة صلاحا لهم و لم يكن هنا فقيه يستأذن منه.

و انصراف العاملين في الآية الشريفة إلى خصوص من استعمله الإمام يمكن منعه، و الكثرة الوجودية لا توجب الانصراف بعد كون الجمع المحلّى باللام ظاهرا في العموم.

و كم من أمور عامّة اجتماعية يتصدّى لها عقلاء القوم و خبراؤهم حسبة، بل ربّما يعدّه العقلاء لازما و يكون تركها موجبا للملامة.

و الجهاد الدفاعي لا يتوقف على إذن الإمام قطعا كما حقّق في محلّه.

و الابتدائي و إن اشتهر اشتراطه بإذن الإمام و دلّ عليه بعض الأخبار و لكن نمنع انحصاره في الإمام المعصوم بل يكفي الفقيه الجامع للشرائط إذا تصدّى للولاية و الزّعامة، و قد تعرّضنا للمسألة إجمالا في كتاب ولاية الفقيه، فراجع. «1»

بل يمكن أن يقال: إنّ إذنه ليس شرطا لوجوبه بل هو بالمعنى الأعمّ شرط لوجوده و تنفيذه حذرا من الهرج و المرج و التعدّي عن ضوابط الإسلام في الحرب و آثارها.

فإذا فرض تحقّق القدرة و الشوكة للأمّة الإسلامية في منطقة خاصة وسيعة، و الضعف و الانحطاط في الذين يلونهم من الكفار و وجد في البين

أرضية بسط الإسلام و التوحيد و القسط بحيث أحرز عقلاء القوم و ذووا الحجى منهم المصلحة التامّة في دعوتهم و الجهاد معهم إن لم يسلموا وجب عليهم حينئذ أن يراجعوا إلى فقيه جامع للشرائط صالح للقيادة حتّى يقودهم بنفسه أو يؤمّر عليهم رجلا صالحا خبيرا بفنون الحرب و ضوابط الإسلام كما صنع بنو إسرائيل إذ قالوا لنبي لهم ابعث

______________________________

(1)- دراسات في ولاية الفقيه 1/ 117.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 63

..........

______________________________

لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه فأمّر عليهم رجلا زاده اللّه بسطة في العلم و الجسم.

بل يمكن أن يقال: إنّ اختيار الفقيه من باب أنه القدر المتيقّن في الأمور الحسبية مع التمكن منه فلو فرض عدم التمكن منه في الصورة المفروضة وجب على عقلاء القوم و خبرائهم الواقفين بضوابط الشرع و لو عن تقليد التصدي للجهاد و لا أقلّ من الجواز لكونه ممّا يحسّنه العقلاء و يكون مشمولا للآيات الكثيرة الآمرة بالقتال و الجهاد.

و محطّ النظر في الروايات المانعة هو الجهاد تحت لواء حكّام الجور مع عدم رعايتهم لموازين الشرع المبين، و تحقيق المسألة موكول إلى محله.

فإن قلت: الأخبار الدالّة على جواز تولّي المالك ليس فيها ذكر من المؤلفة و العاملين و الجهاد، و إنّما تعرضت للفقراء و الغارمين و الرقاب و الحج، فالتعميم يحتاج إلى دليل، و الأصل يقتضي عدم الإجزاء في غير ما ثبت جوازه.

قلت: أوّلا: إطلاق آية الأصناف الثمانية يكفي في التعميم كما مرّ.

و ثانيا: يمكن إلغاء الخصوصية من الموارد المذكورة في الأخبار.

و ثالثا: المستفاد من بعض الأخبار هو التعميم للأصناف الثمانية و لو للمالك:

1- ففي خبر عبد الرحمن بن الحجاج أن محمد بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه «ع»

عن الصدقات، فقال: «اقسمها فيمن قال اللّه- عز و جلّ- و لا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا. الحديث.» «1»

2- و في خبر محمد القسري عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الصدقة فقال: «نعم ثمّنها فيمن قال اللّه و لا يعطى من سهم الغارمين الذين يغرمون في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 207، الباب 48 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 64

..........

______________________________

مهور النساء. الحديث.» «1» و الاستثناء دليل العموم.

3- خبر أبي مريم عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ الآية» فقال: «إن جعلتها فيهم جميعا و إن جعلتها لواحد أجزأ عنك.» «2» و لعلّ المتتبع يعثر على أكثر من ذلك و قال المحقق في الشرائع: «و الأفضل قسمتها على الأصناف، و اختصاص جماعة من كل صنف» «3» و إطلاق كلامه يعمّ تقسيم المالك أيضا، فتدبّر.

[المسألة الرابعة: إذا وجب الدفع إلى الإمام فعصى المالك]
اشارة

المسألة الرابعة:

إذا وجب الدفع إلى الإمام ابتداء أو مع الطلب فعصى المالك و قسّمها بنفسه فهل تجزي عنه أولا؟

[كلمات الأصحاب]

1- قد مرّ عن المبسوط قوله: «و إن فرّقها بنفسه مع مطالبته لم يجزه.» «4»

2- و عن الخلاف (المسألة 4 من قسمة الصدقات) قوله: «إلّا أنّ عندنا متى طلب الإمام ذلك وجب دفعه إليه و إن لم يدفعه و فرّقه لم يجزه و به قال الشافعي أيضا.» «5»

3- و في الشرائع: «و لو طلبها الإمام وجب صرفها إليه، و لو فرقها المالك و الحال هذه قيل: لا يجزي، و قيل: يجزي و إن أثم، و الأوّل أشبه.» «6» و الظاهر من قوله: «أشبه» الأشبه بالقواعد و الأصول.

______________________________

(1)- المستدرك 1/ 525، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 185، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى/ 124).

(4)- المبسوط 1/ 244.

(5)- الخلاف 2/ 347.

(6)- الشرائع 1/ 164 (طبعة أخرى/ 124).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 65

..........

______________________________

4- و في الجواهر حكى عدم الإجزاء عن الخلاف و المبسوط و ابن حمزة و اللمعة و الدروس و المختلف، و الإجزاء عن النافع و التذكرة و الإرشاد و شرحه لولده. «1»

5- و في المختلف: «لو طلبها الإمام فلم يدفعها إليه و فرّقها بنفسه قال الشيخ:

لا يجزيه و هو الذي يقتضيه قول كلّ من أوجب الدفع إليه مع غير الطلب، و قيل: يجزيه. لنا أنها عبادة لم يأت بها على وجهها المطلوب شرعا فيبقى في عهدة التكليف ...» «2»

6- و يظهر من صاحب الجواهر أيضا اختيار عدم الإجزاء.

7- و في زكاة الشيخ الأعظم بعد ذكر القولين قال: «أصحّهما أنّه لا يجزي.» «3»

8- و لكن

العلّامة في التذكرة يظهر منه اختيار الإجزاء فإنه بعد ادّعاء الإجماع على وجوب الدفع إليه لو طلب قال: «فلو دفعه المالك إلى المستحقين بعد طلبه و إمكان دفعها إليه فقولان لعلمائنا: الإجزاء و هو الوجه عندي لأنّه دفع المال إلى مستحقه فخرج عن العهدة كالدين إذا دفعه إلى مستحقّه. و عدمه لأنّ الإخراج عبادة لم يوقعها على وجهها لوجوب الصرف إلى الإمام بالطلب فيبقى في عهدة التكليف، و لا خلاف في أنه يأثم بذلك.» «4»

[الدليل على عدم الإجزاء]
اشارة

أقول: محصل ما استدلّوا به لعدم الإجزاء وجوه:

[الوجه الأوّل: إنّ الزكاة عبادة يعتبر فيها القربة]

الوجه الأوّل: إنّ الزكاة عبادة يعتبر فيها القربة، و الأمر بدفعها إلى الإمام يقتضي النهي عن تفريقها بنفسه لكونه ضدّا له، و المبغوض لا يصلح لأن يتقرّب به

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 421.

(2)- المختلف/ 187.

(3)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم/ 512 (طبعة أخرى/ 450).

(4)- التذكرة 1/ 241.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 66

..........

______________________________

و لا يكون المبعّد مقربا، و لو سلّم عدم اقتضائه للنهي في الضد الخاص فلا أقلّ من عدم الأمر به فلا يقع عبادة.

و يرد على هذا الوجه أوّلا: منع اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ و لا سيّما في الضدّ الخاصّ فراجع محلّ بحثه في علم الأصول. و ثانيا: منع عدم الأمر بالضدّ لإمكانه و لو بنحو الترتّب، و يدلّ عليه الإطلاقات الأوّلية، مضافا إلى كفاية الملاك في القربة و الصحة فتأمّل.

و ثالثا: منع أصل الضدّية في المقام كما في الجواهر «1» إذ الإمام إنّما يطلبه للدفع إلى المستحقين فلا يكون الدفع إليهم ضدّا للدفع إليه بل موافقة لغرضه.

و لو سلّم فليست ضدّيته له بالذات بل بالعرض إذ يمكن الدفع إليه بعد الدفع إليهم أيضا بالاسترجاع و إنما عرضت الضدّية بسبب استلزامه للتمليك لهم، و لا مجال للنهي عنه لذلك إذ يلزم من وضعه رفعه فإنّه لا نهي إذا لم يقع تمليك و لا تمليك إذا كان نهي.

اللّهم إلّا ان يناقش في القسمة الأخيرة كما في مصباح الهدى «2» بأنّ عدم وقوع التمليك بسبب النهي لا يعقل أن يصير منشأ لرفع النهي إذ المعلول لا يكون رافعا لعلّة نفسه، و كفى في النهي وقوع الأثر و التمليك مع قطع النظر عن النهي، و بذلك أجابوا ما حكى عن

أبي حنيفة من دلالة النهي على الصحة.

[الوجه الثاني وجوب الدفع إلى الإمام يدلّ على حرمة الدفع إلى غيره]

الوجه الثاني لعدم الإجزاء ما ذكره الشيخ في زكاته و محصله:

«إنّ وجوب الدفع إلى الإمام يدلّ بالعرض على حرمة الدفع إلى غيره لا لاقتضاء

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 421.

(2)- مصباح الهدى 10/ 304.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 67

..........

______________________________

الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ حتى يمنع ذلك بل لرجوع المقام إلى الضدّ العامّ بتقريب أن الدفع قد يلاحظ من حيث هو دفع، و ضدّه العامّ حينئذ ترك الدفع.

و قد يلاحظ مقيّدا بكونه إلى شخص خاصّ بعد الفراغ عن أصل الدفع و فرض وقوعه من المكلف فيتوجّه الإيجاب حينئذ إلى مجرّد القيد فيرجع قوله:

«ادفعها إلى الإمام» إلى قوله: «ليكن دفعك المفروض وقوعه إلى الإمام.»

فيكون ضدّه العام ترك هذا القيد و هي عبارة أخرى عرفا عن دفعه إلى غير الإمام، و إن كان هو عدميّا و هذا وجوديّا فيكون الدفع إلى الغير منهيّا عنه بما أنّه خارجية الضدّ العامّ للمأمور به و محصّل له.

و بعبارة أخرى: غرض الإمام من طلبه ليس إلّا مجرد إيجاد القيد بعد الفراغ عن أصل وجوب الإخراج فإلزامه الدفع إلى نفسه يرجع إلى المنع عن الدفع إلى غيره، و المفروض أنّ اللّه- تعالى- أمر بإطاعته في هذا الأمر.» «1»

و يرد على هذا الوجه: أوّلا منع كون غرض الإمام في طلبه دائما طلب إيجاد القيد بعد الفراغ عن أصل الإخراج بل ربّما يواجه المستنكفين لأصل الإخراج فيطلب الإخراج بقيده.

و ثانيا: منع اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ حتّى في الضدّ العامّ أيضا فإن الأمر و النهي كليهما يتعلّقان بفعل المكلّف و إنّما الاختلاف في مفادهما فمفاد الأمر طلب الفعل و البعث نحوه و مفاد النهي الزجر عنه، و

الأوّل ناش عن وجود المصلحة فيه و الثاني ناش عن وجود المفسدة فيه. فلا يتحقّقان معا بالنسبة إلى فعل واحد فعلا و تركا.

و بذلك يظهر فساد توهّم أنّ معنى النهي طلب الترك فإذا أضيف هذا إلى الترك

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم الأنصاري/ 512 (طبعة أخرى/ 450).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 68

..........

______________________________

تحصّل منه طلب ترك الترك و هو عين طلب الفعل و هذا معنى اقتضاء الأمر للنهي عن الضدّ العامّ أعني الترك.

وجه الفساد أنّ النهي ليس من مقولة الطلب أصلا بل هو عبارة عن الزجر عن الفعل و ترك الترك أيضا ليس عين الفعل بل ملازم له.

و ثالثا: منع كون ترك القيد عين وجود ضدّه عرفا، و أيّ عرف يساعد على اتحاد العدم و الوجود خارجا.

اللّهم إلّا أن يريد أنّ تفريقه بنفسه للزكاة لمّا كان معجزا له عن امتثال الأمر بالقيد و محقّقا لعصيانه بحيث لا يمكن امتثاله بعد تفريقه بنفسه فلا محالة يقع مبغوضا عليه و مبعّدا عن المولى لذلك فلا يصلح لأن يتقرّب به فيبطل لذلك، و قد تعرّضنا لنظير ذلك في المسألة الحادية و الثلاثين من فصل أصناف المستحقين، فراجع.

و أمّا ما في مصباح الهدى في جواب الوجه الثاني من: «أنّ حرمة خصوصية الدفع إلى غيره لا توجب حرمة طبيعة الدفع المحقّقة بها غاية الأمر تكون الطبيعة مطلوبة و خصوصيّة الدفع إلى غيره مبغوضة و لا ضير فيه بعد صدق الامتثال بإتيان أصل الطبيعة.» «1»

فالإشكال فيه واضح إذ يرجع كلامه إلى مبغوضية الفصل و مطلوبية الجنس المحقّق في ضمنه مع وحدتهما خارجا، فتدبّر.

[الوجه الثالث أنّ طلب النبي «ص» كان مع النهي عن تولّي المالك]

الوجه الثالث لعدم الإجزاء ما في الجواهر و تعرّض له الشيخ أيضا «2».

و محصّله بتوضيح منّا: «أنّ طلب

النبي «ص» إن كان مع النهي عن تولّي المالك

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 303.

(2)- الجواهر 15/ 422؛ و كتاب طهارة الشيخ الأنصاري/ 512 (طبعة أخرى/ 451).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 69

..........

______________________________

للتفريق فعدم الإجزاء فيه واضح لعدم التمكن حينئذ من القربة لأنّ نهيه «ص» نهي اللّه- تعالى- و ما ينطق عن الهوى، و كذا مع اقتصاره على الأمر بالدفع إليه لمنافاته للأمر بالإيتاء بنحو الإطلاق فوجب تقييده به، فالمقام من قبيل موارد حمل المطلق على المقيد في المثبتين لا من قبيل مسألة الضدّ.

و الإيصال إلى المستحق بعد أن لم يقع على الوجه المأمور به غير مجز قطعا نظير ما إذا قال المولى: «أعتق رقبة» ثمّ قال: «أعتق رقبة مؤمنة» و أحرز وحدة الحكم فلا يجزي عتق غير المؤمنة قطعا.»

و يرد على هذا الوجه: أنّ وقوع النهي من قبل النبي «ص» في هذا المقام غير معهود، و حمل المطلق على المقيد إنّما يكون مع إحراز وحدة الحكم و ليس المقام كذلك، بل الظاهر وجود حكمين مستقلّين طوليّين: أحدهما وجوب إيتاء الزكاة و كون المصرف لها الأصناف الثمانية سدّا لخلّاتهم.

و الثاني وجوب إطاعة الإمام عند الطلب، فيكون المقام من قبيل تعدّد المطلوب فيستحق الدافع إلى الإمام ثوابا على إيتاء الزكاة و ثوابا على إجابة الإمام و إطاعته، و كذلك يستحق عقابين لو ترك أصل الزكاة حينئذ، و لو فرّقها بنفسه امتثل أمر الزكاة و عصى إمامه كالعبد الذي يطيع اللّه و يعصي سيّده، فليس المقام من باب المطلق و المقيّد بل من باب الضدّ، و قد تعرّض لهذا الجواب الشيخ أيضا في زكاته. «1»

و يشهد لما ذكرنا أنّ الإمام لو لم يطلب أو لم يمكن الإيصال

إليه لم يسقط أمر الزكاة قطعا و وجب على المالك تفريقها بنفسه، فالمقام نظير من نذر إيقاع صلاة الظهر الواجبة مثلا في أوّل وقتها، فإنّه لا يوجب تقييد الأمر الأوّل. و نحوه من نذر التصدق بمال خاصّ لمطلق الفقير ثمّ أمره والده بإعطاء ما نذره لفقير خاصّ، حيث

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري/ 512 (طبعة أخرى/ 451).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 70

..........

______________________________

إنّ أمر الوالد لا يوجب تقييد متعلّق النذر و تضييقه فلو أعطاه لغير هذا الفقير امتثل أمر النذر و عصى والده، اللّهمّ إلّا أن يورد ما مرّ من أن فعله معجّز و محقق لعصيان الأمر الآخر فلا يصلح لأن يتقرب به.

[الوجه الرابع مقتضى إطلاق طلب الإمام و هو عدم ترتّب الأثر على دفعه إلى الفقير]

الوجه الرابع لعدم الإجزاء ما ذكره الشيخ أيضا في زكاته و محصّله بتوضيح منّا هو: «أنّ مقتضى إطلاق طلب الإمام و وجوب إطاعته هو عدم ترتّب الأثر على دفعه إلى الفقير فيجب على المزكّي استرجاعها من الفقير و دفعها إلى الإمام أو دفعها ثانيا من ماله، و هذا معنى عدم الإجزاء، نظير ما ذكروه فيمن نذر التصدّق بمال معيّن و أنّ إطلاق وجوب الوفاء به مانع عن ترتيب الأثر على سائر التصرّفات الواقعة على ذلك المال.

بتقريب أن مفاد النذر تعجيز الناذر نفسه عن غير التصدق بالنسبة إلى هذا المال، و الشارع أمضى ذلك فيكون دليله حابسا لهذا المال و مخرجا له عن أدلّة سائر التصرّفات.» «1»

و يرد على هذا الوجه أيضا كما في كلام الشيخ أنّ وجوب الدفع إلى الإمام مختصّ بصورة بقاء وجوب الزكاة، و بعد تفريقها بنفسه و وصولها إلى مستحقيها يسقط الأمر قهرا بمقتضى العمل بالعمومات و الإطلاقات الأوّلية فلا يبقى موضوع لوجوب الدفع إلى الإمام و إن أثم

المكلّف بتفويته.

و السرّ في ذلك ما مرّ منّا من تعدّد الحكم و استقلالهما و أن تعلّق أحدهما بالآخر، فتدبر.

ثم إنّ كون مفاد النذر هو التعجيز أوّل الكلام و لا يتوجّه أحد من الناذرين إلى هذا المفهوم حتى ينشأه، بل الظاهر أنّ مفاد النذر تمليك المتعلق أعني الفعل للّه- تعالى-، و البحث في ذلك موكول إلى محلّه، هذا.

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم/ 513 (طبعة أخرى/ 451).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 71

..........

______________________________

فهذه عمدة الوجوه المذكورة لعدم الإجزاء و قد عرفت المناقشة فيها.

و من خلال ما ذكرناه يظهر وجه القول بالإجزاء و محصّله أن هنا أمرين مستقلين أحدهما في طول الآخر و متعلق به و لكلّ منهما إطاعة و عصيان و ثواب و عقاب، فليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيد إذ لا يصح هذا إلّا مع إحراز وحدة الحكم، بل المقام من قبيل الضدين، و الأمر بأحد الضدين لا يقتضي النهي عن الآخر فإذا امتثل أمر الزكاة و أدّاها إلى مستحقّيها سقط هذا الأمر قهرا بمقتضى العمل بالإطلاقات الأوليّة و إن أثم بترك إطاعة الإمام أو الفقيه فيكون المزكّي حينئذ من قبيل العبد الذي أطاع اللّه و عصى سيّده، بل الإمام أيضا لا يطلبها إلّا لصرفها في مستحقّيها و قد حصل بفعل المكلّف غرضه من طلبه، غاية الأمر حصول التجرّي بترك إطاعته.

و بعبارة أخرى تفترق الزكاة عن الخمس فإنّ الخمس من أوّل الأمر جعل للّه و للرسول و للإمام و عبّر عنه في الحديث بوجه الإمارة «1» فهو للإمام غاية الأمر أنّه يتولّى أمور المستحقين من السادة.

و هذا بخلاف الزكاة فإنّها جعلت أوّلا و بالذات للأصناف الثمانية غاية الأمر أنّ الإمام يتصدّى لجبايتها و توزيعها

تنظيما لأمرها فإذا أدّاها المالك بنفسه فقد أوصلها إلى أهلها و إن عصى الإمام. و هذا القول عندي قويّ جدّا، إلّا أن يقال كما مرّ إنّ العمل حيث يصير معجّزا عن امتثال الأمر الآخر و محققا لعصيانه فلا محالة يقع مبعّدا عن ساحة المولى و مبغوضا فلا يقع عبادة، و مجرد قصد القربة لا يكفي في تحقّقها بل يعتبر فيها مضافا إلى ذلك صلوح العمل لأن يتقرب به، و على هذا فالأحوط عدم الإجزاء.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 72

فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة و التوكيل (1) تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها.

نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيّات الموجبة لذلك شرعا و كان مقلّدا له (2) يجب عليه الدفع إليه من حيث إنّه تكليفه الشرعيّ، لا لمجرد طلبه، و إن كان أحوط كما ذكرنا، بخلاف ما إذا طلبها الإمام- عليه السلام- في زمان الحضور فإنّه يجب الدفع إليه بمجرّد طلبه من حيث وجوب طاعته في كلّ ما يأمر.

______________________________

هذا كلّه لو قيل بتعدّد الحكم و كون المقام من قبيل تعدّد المطلوب كما لعلّه الظاهر.

و أمّا لو قيل بأن المستفاد من الأدلّة كما مرّ في صدر المبحث كون الزكاة ضريبة حكوميّة تحت اختيار إمام المسلمين كالخمس و حملت الأخبار الدالّة على جواز تولّي الملّاك بأنفسهم لتفريقها على الترخيص و الإجازة من قبل الأئمة- عليهم السلام- في زمان عدم بسط اليد فمقتضى ذلك لا محالة عدم الترخيص في صورة الطلب منهم أو من نوّابهم فلا يجزي التولّي قطعا، فتدبّر.

(1) يأتي البحث في

جواز التوكيل في الزكاة في بعض الفصول الآتية، فانتظر.

(2) بل و إن لم يكن مقلّدا له إذا كان الطلب على نحو الحكم و كان واجدا لشرائطه لما مرّ بالتفصيل من كون الحكم الإسلامي داخلا في نسج الإسلام و نظامه و أنه لا يجوز تعطيله و لو في عصر الغيبة و دلالة الكتاب و السنة و السيرة المستمرة على كون الزكاة ضريبة حكومية تحت اختيار إمام المسلمين و أنّ عليه أن يسدّ بها خلّات الأصناف الثمانية و إن كان في قبالها ما يستفاد منها جواز تولّي الملّاك لتوزيعها فتحمل الطائفة الأولى على صورة بسط اليد و لو بالنسبة و لا محالة يجب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 73

..........

______________________________

عليه حينئذ طلبها مقدّمة لإنفاذ ما وجب عليه فيحب الدفع إليه.

بل لو لم يطلبها لمانع و لكن أحرز روح الطلب باحتياجه إليها شديدا لبعض المصارف المهمّة كالجهاد مثلا بحيث لو لا المانع لطلبها جدّا فالأحوط حينئذ أيضا النقل إليه مع الإمكان كما مرّ.

و أمّا إذا كان الطلب على نحو الإفتاء فإن كان الصرف في مصرف خاصّ متقوّما بمباشرة المفتي و لم يكن من قبيل تعيين الموضوع الذي ليس من شأن الفقيه وجب على المقلّد النقل إليه و إلّا جاز له صرفها بنفسه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 74

2- عدم وجوب البسط على الأصناف و كذا أفراد كلّ صنف

اشارة

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية، بل يجوز التخصيص ببعضها، كما لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت، و لا مراعاة أقلّ الجمع الّذي هو الثلاثة، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد (1).

[هنا مسألتان]

______________________________

(1) قد تعرّض هنا لمسألتين:

الأولى: هل يجب البسط على الأصناف الثمانية أو الأصناف الموجودة عند المزكّي أو يجوز التخصيص ببعضها و لو بصنف واحد؟

الثانية: هل يجب في كلّ صنف البسط على جميع أفراده أو الموجودين عنده أو أقل الجمع لا محالة أو يجوز التخصيص و لو بفرد واحد منه؟

[كلمات الأصحاب في المسألتين]

1- قال الشيخ في كتاب قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 7): «الأصناف الثمانية محلّ الزكاة و لا يلزم تفرقة الزكاة على كلّ فريق منهم بالسويّة، بل لو وضع في واحد من الأصناف كان جائزا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 75

..........

______________________________

و كذلك لو أعطى جميع زكاته لواحد من هذه الأصناف كان جائزا، و به قال الحسن البصري و الشعبي و مالك و أبو حنيفة و أصحابه، إلّا أن مالكا يقول:

يخصّ بها أمسّهم حاجة، و أبو حنيفة يقول: يجوز أن يدفع إلى أيّ صنف شاء.

و قال الشافعي: يجب تفريقها على من يوجد منهم و لا يخصّ بها صنف منهم دون آخر، و سوّى بين الأصناف و لا يفضل بعضهم على بعض، و أقل ما يعطي من كلّ صنف ثلاثة فصاعدا سواء بينهم فإن أعطى اثنين ضمن نصيب الثالث، و كم يضمن؟ فيه و جهان: أحدهما الثلث، و الآخر جزء واحد قدر الإجزاء و به قال عمر بن عبد العزيز و الزهري و عكرمة.

و قال النخعي: إن كانت الصدقة كثيرة وجب صرفها إلى الأصناف الثمانية كلّهم، و إن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف واحد. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.

و الآية محمولة على أنّ الثمانية أصناف محلّ الزكاة لا أنّه يجب دفعها إليهم بدلالة أنّه لو كان كذلك لوجب التسوية بين كلّ صنف و تفرق في جميع الصنف و

ذلك باطل بالاتفاق، و الشافعي أجاز أن يفرّق على ثلاثة من كلّ صنف فقد ترك عموم الآية.» «1»

أقول: فهو- قدّس سرّه- تعرّض لكلتا المسألتين و منع وجوب البسط في كلتيهما و ادعى على ذلك إجماع الفرقة.

2- و قال العلّامة في التذكرة: «يجوز تخصيص بعض الأصناف بجميع الزكاة، بل يجوز دفعها إلى واحد و إن كثرت و لا يجب بسطها على الجميع عند علمائنا أجمع، و به قال الحسن البصري و الثوري و أبو حنيفة و أحمد و هو أيضا قول عمر

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 348.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 76

..........

______________________________

و حذيفة و ابن عباس و سعيد بن جبير و النخعي و عطاء و الثوري و أبو عبيد.» «1»

3- و في الشرائع: «و الأفضل قسمتها على الأصناف، و اختصاص جماعة من كلّ صنف. و لو صرفها في صنف واحد جاز، و لو خصّ بها و لو شخصا واحدا من بعض الأصناف جاز أيضا.» «2»

4- و في الجواهر في ذيل الجملة الأخيرة: «بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه بل في التذكرة نسبته إلى أكثر أهل العلم، و النصوص فيه مستفيضة أو متواترة و فيها الصحيح و الحسن و غيرهما.» «3»

5- و في مختصر أبي القاسم الخرقي: «و إن أعطاها كلّها في صنف واحد أجزأه إذا لم يخرجه إلى الغنى.»

6- و ذيّله في المغني بقوله: «و جملته أنّه يجوز أن يقتصر على صنف واحد من الأصناف الثمانية، و يجوز أن يعطيها شخصا واحدا، و هو قول عمر و حذيفة و ابن عباس، و به قال سعيد بن حبير و الحسن و النخعي و عطاء و إليه ذهب الثوري و أبو عبيد و أصحاب

الرأي.» «4»

أقول: و راجع في هذا المجال الأموال لأبي عبيد أيضا. «5»

7- و لكن في أمّ الشافعي: «ثمّ يجزّئ الصدقة ثمانية أجزاء ثمّ يفرّقها كما أصف إن شاء اللّه- تعالى- و قد مثّلت لك مثالا: كان المال ثمانية آلاف فلكلّ

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 244.

(2)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى 1/ 124).

(3)- الجواهر 15/ 428.

(4)- المغني 2/ 529.

(5)- الأموال/ 688 و ما بعدها، باب تفريق الصدقة في الأصناف ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 77

..........

______________________________

صنف ألف لا يخرج عن صنف منهم من الألف شي ء و فيهم أحد يستحقه فأحصينا الفقراء فوجدناهم ثلاثة و المساكين فوجدناهم مأئة و الغارمين فوجدناهم عشرة، ثم ميّزنا الفقراء فوجدناهم يخرج واحد منهم من الفقر بمائة و آخر من الفقر بثلاث مأئة و آخر من الفقر بستمائة فأعطينا كلّ واحد ما يخرجه من الفقر إلى الغنى، و ميّزنا المساكين هكذا فوجدنا الألف يخرج المائة من المسكنة إلى الغنى فأعطينا هموها على قدر مسكنتهم كما وصفت في الفقراء لا على العدد ...» «1» و قد تعرّض للمسألة في فصول أخر من الامّ أيضا، فراجع.

أقول: لو أراد الشافعي أنّ الإمام إذا تصدّى للتوزيع كان عليه عدم التبعيض بل تعميم المستحقين في ظلّ حكمه لكان حسنا.

[الأخبار في المسألة]

و كيف كان يظهر لك مما نقلناه من الأقوال أن المسألة بشقّيها عندنا إجماعية، و المخالف فيها يكون من أهل الخلاف و يدلّ عليها مضافا إلى ذلك أخبار كثيرة:

1- صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» (في حديث) أنّه قال لعمرو بن عبيد في احتجاجه عليه: ما تقول في الصدقة؟ فقرأ عليه الآية:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» إلى آخر الآية قال: نعم،

فكيف تقسّمها؟ قال: أقسمها على ثمانية أجزاء فأعطي كلّ جزء من الثمانية جزءا.

قال: و إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف منهم رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف؟ قال: نعم. قال: و تجمع صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟ قال: نعم. قال:

«فقد خالفت رسول اللّه «ص» في كلّ ما قلت في سيرته. كان رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- الأمّ للشافعي 2/ 63، كتاب الزكاة، باب جماع تفريع السهمان.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 78

..........

______________________________

يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسمها بينهم بالسوية و إنّما يقسّمها على قدر ما يحضره منهم و ما يرى، و ليس عليه في ذلك شي ء موقّت موظّف و إنّما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضره منهم.» «1»

يظهر من الحديث أنّ سيرة النبي «ص» في هذا الباب يجب أن تكون متبعة.

2- و في مرسلة حماد بن عيسى الطويلة عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح «ع»: «و كان رسول اللّه «ص» يقسّم صدقات البوادي في البوادي، و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسّم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطي أهل كلّ سهم ثمنا و لكن يقسّمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم كلّ صنف منهم بقدر سنته ليس في ذلك شي ء موقوت و لا مسمّى و لا مؤلف، إنّما يصنع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتى يسدّ كلّ فاقة كلّ قوم منهم.» «2»

3- صحيحة أحمد بن حمزة قال: قلت لأبي الحسن «ع»: رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك

و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: «نعم.» «3»

و الظاهر أنّ الراوي أحمد بن حمزة بن اليسع القمي الثقة فيكون المراد

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 183، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1؛ و الكافي 5/ 26، كتاب الجهاد، باب دخول عمرو بن عبيد و المعتزلة على أبي عبد اللّه «ع»، الحديث 1 و قطعة منها 3/ 554، كتاب الزكاة، باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد ...، الحديث 8.

(2)- الوسائل 6/ 185، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3؛ و الكافي 1/ 542، كتاب الحجة، باب الفي ء و الخمس، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 79

..........

______________________________

بأبي الحسن أبا الحسن الثالث «ع».

4- صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدّي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟ فقال ... «و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه.» «1»

5- رواية العياشي في تفسيره عن أبي مريم عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ» الآية فقال: «إن جعلتها فيهم جميعا و إن جعلتها لواحد أجزأ عنك.» «2»

و يدلّ على ذلك أيضا بعض ما ورد في إعطائها للأقارب و الجيران و الإحجاج بها و اشتراء العبيد بها و إعتاقهم و نحو ذلك، فراجع.

و قال في المغني في مقام الاستدلال لذلك ما ملخّصه: «و لنا قول النبي «ص» لمعاذ: «أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في

فقرائهم» فأخبر أنّه مأمور بردّ جملتها في الفقراء و هم صنف واحد، ثمّ أتاه بعد ذلك مال بعث بها عليّ «ع» من اليمن فجعله في المؤلفة و هم الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن و علقمة بن علاثة و زيد الخيل، و إنّما يؤخذ من أهل اليمن الصدقة.

ثمّ أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر لقوله لقبيصة حين تحمل حمالة:

«أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها.»

و في حديث سلمة بن صخر البياضي أنّه أمر له بصدقة قومه، و لو وجب صرفها في جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد، و لأنّها لا يجب صرفها إلى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 185، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 80

..........

______________________________

جميع الأصناف إذا أخذها السّاعي فلم يجب دفعها إليهم إذا فرّقها المالك، و لأنّه لا يجب عليه تعميم أهل كلّ صنف بها فجاز الاقتصار على واحد كما لو وصىّ لجماعة لا يمكن حصرهم، و الآية أريد بها بيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم دون غيرهم.» «1» و قد تعرض لعمدة ما ذكره العلّامة في التذكرة و المنتهى فراجع. «2»

و كيف كان فالمسألة عندنا واضحة.

و عمدة ما استدلّ به لاستيعاب الأصناف ظهور اللام في الملك و الواو في التشريك على السوية و لاستيعاب الأفراد من كلّ صنف الجمع المحلّى باللّام و أقلّه ثلاثة.

أقول: لا يخفى أنّ اللام لا تدخل على الأربعة الأخيرة، و بعض الأصناف لم يذكر بلفظ الجمع. و كثير من الزكوات لا تقبل التوزيع و الاستيعاب و لا سيّما بالنسبة إلى جميع الأفراد لقلّتها جدّا كما هو

واضح فلا مجال إلّا لإرادة المصرف و لعلّه الظاهر في أمثال المقام ممّا كثر الأفراد جدّا و تعسّر الاستيعاب.

قال في الجواهر بعد ذكر أخبار المسألة ما ملخّصه: «و بذلك كلّه يعلم أنّ المراد من الآية بيان المصرف الذي هو مقتضى الأصل أيضا بعد قطع النظر عن النصوص و الإجماع.

فما عن بعض العامّة من وجوب القسمة على الأصناف الستة الموجودين على السواء، و يجعل لكلّ صنف ثلاثة أسهم فصاعدا و لو لم يوجد الّا واحد من ذلك صرفت حصة الصنف إليه لأنّه- تعالى- جعل الزكاة لهم بلام الملك و عطف بواو التشريك، ضعيف جدّا.

و ربّما أجيب عنه بأنّه- تعالى- جعل جملة الصدقات لهؤلاء الثمانية فلا يلزم

______________________________

(1)- المغني 2/ 529.

(2)- التذكرة 1/ 244؛ و المنتهى 1/ 528.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 81

[يستحب البسط على الأصناف]

لكن يستحبّ البسط على الأصناف مع سعتها و وجودهم (1)،

______________________________

أن تكون كلّ صدقة موزّعة عليهم.

و بأن اللام للاختصاص لا للملك كما تقول: «الباب للدار»، و بأنّ المراد بيان أنّ المصرف هؤلاء لا غيرهم كما يدلّ على ذلك الحصر بإنّما و قوله- تعالى- قبلها:

«وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ» الآية و هو الذي أشار إليه في الخلاف بقوله:

«إنّ الآية محمولة على أنّ الثمانية أصناف محلّ الزكاة لا أنّه يجب دفعها إليهم بدلالة أنّه لو كان كذلك لوجب التسوية بين كلّ صنف و تفرق في جميع الصنف، و ذلك باطل بالاتفاق.»

قلت: و هو كذلك ضرورة أنها لو أفادت وجوب استيعاب الأصناف أفادت وجوب استيعاب الأفراد أيضا لإفادة الجمع المعرّف الاستغراق، و على كلّ حال فالمحافظة على معنى اللام ليس بأولى من المحافظة على الاستغراق في الجمع.» «1»

انتهى ملخّص كلام الجواهر.

أقول: و إذا اتضح عدم

وجوب التوزيع على الأصناف فلا بدّ من حمل ما مرّ من خبر محمد القسرى عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الصدقة فقال:

«نعم ثمّنها فيمن قال اللّه. الحديث.» «2»

أيضا على بيان المصرف و أنّه يجوز الصرف في كلّ واحد من الأصناف الثمانية أو على الاستحباب.

(1) قال في الشرائع: «و الأفضل قسمتها على الأصناف، و اختصاص جماعة من كلّ صنف» «3»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 429.

(2)- المستدرك 1/ 525، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى 1/ 124).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 82

..........

______________________________

و في المدارك: «لما فيه من شمول النفع و عموم الفائدة، و لأنّه أقرب إلى امتثال ظاهر الآية الشريفة.

و استدلّ عليه في التذكرة و المنتهى بما فيه من التخلّص من الخلاف و حصول الإجزاء يقينا و كأنّه أراد بذلك خلاف العامّة لأنّه صرّح قبل ذلك بإجماع علمائنا على عدم وجوب البسط.» «1»

أقول: لا يخفى أنّ التخصيص ببعض ذوي الحاجات الشديدة و المصارف المهمّة ربّما يكون أولى من شمول النفع. و الآية حملت عندنا على بيان المصرف لا التوزيع فيحصل الإجزاء يقينا بدون الاستيعاب.

و التخلّص من خلاف أهل الخلاف لا يكون ملاكا للاستحباب الشرعي إلّا في بعض الأحيان بالعرض حفظا للوحدة الإسلامية.

و ربّما يستدلّ لذلك بما مرّ من خبر محمد القسري من قوله «ع»: «ثمّنها فيمن قال اللّه» «2» و بما في مرسلة حماد الطويلة: «فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية أسهم.» «3» و بخبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها فقال: «إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم» ثمّ

مكث مليّا ثمّ قال: «إلّا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه.» «4»

و فيه مضافا إلى كون المرسلة بصدد بيان وظيفة الوالي لا المزكّي بنفسه أنّ

______________________________

(1)- المدارك/ 323 (الطبعة الجديدة 5/ 265).

(2)- المستدرك 1/ 525، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 202، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 83

[يستحب مراعاة الجماعة التي أقلّها ثلاثة في كلّ صنف]

بل يستحب مراعاة الجماعة التي أقلّها ثلاثة في كلّ صنف منهم حتّى ابن السبيل و سبيل اللّه (1)، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص.

______________________________

الخبرين الأوّلين في مقام تبيين مفاد الآية الشريفة فلا يستفاد منهما أزيد منها و قد حملنا الآية على بيان المصرف.

و الخبر الأخير لا يستفاد منها أزيد من رعاية الأحوج فالأحوج لا البسط المطلق فيشكل الفتوى باستحبابه مطلقا.

و المناسب لحكمة جعل الزكاة المشروعة لسدّ الخلّات أيضا رعاية الأحوج فالأحوج لا البسط المطلق على جميع الأصناف و الأفراد و إن اختلفوا في الاحتياج.

(1) يعني أنّ الأصناف مذكورة في الآية بلفظ الجمع و أقلّه ثلاثة، و سبيل اللّه و ابن السبيل و إن ذكرا مفردين و لكن يراد بهما الجمع أيضا لتفسيرهما في بعض الأخبار بلفظ الجمع ففي خبر علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم «ع»: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد ... و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار» «1»

و لكن يرد على ذلك أوّلا: أنّ الجمع المحلّى باللام يفيد العموم فلو أريد الأخذ بالظاهر وجب استيعاب الأفراد.

و ثانيا: أنّه بعد ما ذكرناه من الحمل على المصرف بالنسبة إلى الأصناف و الأفراد

معا لا مجال لاعتبار مفاد الجمع و الحكم باستحبابه لأنّه من قبيل الجمع بين اللحاظين المتنافيين بأن تحمل الآية على كونها بصدد بيان الحكم الوجوبي و الاستحبابي معا و يؤخذ الجمع الواحد بالنسبة إلى الحكم الوجوبي بنحو المصرفية

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 84

..........

______________________________

و بالنسبة إلى الحكم الاستحبابي بنحو التوزيع، و بطلان هذا واضح.

و لكن في الجواهر قال: «و أمّا في إعطاء جماعة فلأنّها و إن استعيرت للجنس الشامل للواحد نحو ركبت الخيل و نكحت النساء إلّا أنّ الجمع أقرب أفراد المجاز إلى الحقيقة كذا قيل.» «1»

أقول: ما حكاه عن القيل واف بالجواب عن الإشكال الأوّل دون الثاني فتدبّر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 426 و 427.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 85

3- من يستحبّ تخصيص الدفع إليه؟

اشارة

الثالثة: يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله (1).

[يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب]

______________________________

(1) ففي رواية عبد اللّه بن عجلان السكوني قال: قلت لأبي جعفر «ع»:

إنّي ربّما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ قال: «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل.» «1»

و الظاهر أن السند لا بأس به فإنّ عبد اللّه بن عجلان ممدوح، و الراوي عنه عتيبة بن ميمون بيّاع القصب و هو ثقة و السند إليه صحيح، و لكن الدلالة لا تخلو عن مناقشة إذ الشي ء و إن كان يعمّ الزكاة و لكن قوله: «أصلهم به» لعلّه ظاهر في الصلة من ماله دون الزكاة و يكون الأمر في الرواية للإرشاد إلى ما يحكم به العقل.

اللهم إلّا أن يستند للتعميم بما عن النبي «ص» من قوله: «الصدقة على المسكين صدقة و هي لذي الرحم اثنتان: صدقة و صلة.» «2» حيث أطلق الصلة

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 181، الباب 25 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- سنن البيهقي 4/ 174، كتاب الزكاة، باب الاختيار ... ذوي رحمه ...؛ و ج 7/ 27، كتاب الصدقات، باب الرجل يقسم صدقته على قرابته ...؛ و الأموال لأبي عبيد/ 693، ذيل باب دفع الصدقة إلى الأقارب ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 86

[يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب]

كما أنّه يستحب ترجيح الأقارب و تفضيلهم على الأجانب (1)، و أهل

______________________________

على الصدقة أيضا. هذا.

و عن ابن طاوس بسنده عن ابن عباس في حديث ذكر فيه دخول الرجل اليماني على أمير المؤمنين «ع» ثمّ قال: يا أمير المؤمنين إنّي أريد أن أتصدّق بعشرة آلاف فمن المستحقّ لذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال أمير المؤمنين «ع»: «فرّق ذلك في أهل الورع من حملة القرآن فما تزكو الصنيعة إلّا عند أمثالهم فيتقوّون بها على عبادة ربّهم و تلاوة كتابه.»

«1»

و الاعتبار العقلي المقتبس من مذاق الشرع أيضا ربّما يشهد لهذا السنخ من التفضيلات.

و قال المفيد في المقنعة: «و يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه و البصيرة و الطهارة و الديانة.» «2»

و ظاهره وجوب التفضيل و وجهه غير واضح.

و استدل له العلّامة في المختلف برواية ابن عجلان حيث إنّ الأمر ظاهر في الوجوب «3»، و لكن نحن ناقشنا في دلالة الرواية، و يحتمل حمل الوجوب في كلامه على معناه اللغوي أعنى مطلق الثبوت. هذا.

و راجع في هذا المجال المسألة التاسعة من أوصاف المستحقين و يأتي الإشارة إلى الإشكال في المسألة أيضا.

(1) قال الشيخ في النهاية: «و الأفضل أن لا يعدل بالزكاة عن القريب مع حاجتهم إلى ذلك إلى البعيد. فإن جعل للقريب قسط و للبعيد قسط

______________________________

(1)- المستدرك 1/ 523، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- المقنعة/ 42.

(3)- المختلف/ 193.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 87

..........

______________________________

كان أفضل.» «1»

و يدل على الحكم الأوّل:

1- خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى «ع» قال: قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة أ فأعطيهم منها شيئا؟ قال: مستحقّون لها؟ قلت: نعم. قال: «هم أفضل من غيرهم أعطهم.» «2»

2- خبر السكوني عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سئل رسول اللّه «ص»: أيّ الصدقة أفضل؟ قال: «على ذي الرحم الكاشح.» «3» و السند لا بأس به، و رواه البيهقي أيضا بسنده عن النبي «ص» «4». و إطلاق الصدقة يشمل الزكاة أيضا.

قال ابن الأثير في النهاية: «و فيه: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح.»

الكاشح: العدوّ الذي يضمر عداوته و يطوي عليها كشحه أي باطنه. و الكشح:

الخصر،

أو الذي يطوي عنك كشحه و لا يألفك.» «5»

و نحو ذلك في مجمع البحرين و ناقش في المستمسك في دلالتها فقال:

«دلالتها غير ظاهرة لأنّها أخص.» «6»

أقول: و يمكن الجواب عنها بادّعاء الأولويّة، إذ يبعد جدّا تقدّم القريب المعادي دون الموالي فتأمّل. هذا.

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 186.

(2)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(4)- سنن البيهقي 7/ 27، كتاب الصدقات، باب الرجل يقسم صدقته على قرابته ...

(5)- نهاية ابن الأثير 4/ 175.

(6)- المستمسك 9/ 297.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 88

[يستحب ترجيح أهل الفقه و العقل على غيرهم و كذا من لا يسأل]

الفقه و العقل على غيرهم (1)، و من لا يسأل من الفقراء على أهل

______________________________

3- و عن الصدوق قال: قال «ع»: «لا صدقة و ذو رحم محتاج.» «1»

و لكن دلالة هذه المرسلة غير واضحة لاحتمال أن يراد المنع عن التصدّق المندوب مع وجود الرحم المحتاج فيراد الصرف فيه و الإعطاء له مجانا.

و كيف كان فالظاهر أن الحكم مما لا إشكال فيه إجمالا.

و راجع في هذا المجال المسألة السادسة عشرة من فصل أوصاف المستحقين.

نعم في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّ الزكاة و الصدقة لا يحابى بها قريب و لا يمنعها بعيد.» «2»

و في رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تعطين قرابتك الزكاة كلّها و لكن أعطهم بعضا و اقسم بعضا في سائر المسلمين.» «3» و تقدّم عن الشيخ في النهاية التعرّض لمضمونه و الحكم بكونه أفضل.

و قال في الوسائل: «هذا محمول على الاستحباب مع عدم ضرورة القرابة أو حصول كفايتهم ببعض الزكاة لئلّا ينافي ما سبق.»

أقول: و لعلّ الخطاب في هذا

الخبر لشخص أبي خديجة و كان له خصوصية لا نعرفها.

و كيف كان فالقرابة أحد المرجحات و ربّما يزاحمها الأهمّ منها فيقدّم عليها كسائر موارد التزاحم.

(1) دلّ على ذلك خبر عبد اللّه بن عجلان الماضي بناء على حمله على الصدقة أو إطلاقه و شموله لها أو التعميم بالملاك.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 150، الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 170، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 89

السؤال (1).

[يستحبّ صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء]

و يستحبّ صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمّل من الفقراء (2).

لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حد نفسها. و قد يعارضها أو يزاحمها مرجّحات أخر فينبغي حينئذ ملاحظة الأهمّ و الأرجح.

______________________________

(1) يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن الأوّل «ع» عن الزكاة يفضّل بعض من يعطى ممّن لا يسأل على غيره؟

فقال: «نعم، يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل.» «1»

(2) ففي خبر عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إنّ صدقة الخفّ و الظلف تدفع إلى المتجمّلين من المسلمين. و أمّا صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين.» قال ابن سنان: قلت: كيف صار هذا هكذا؟ فقال: «لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كلّ صدقة.» «2»

أقول: الدقعاء: التراب: كأنّ فقرهم ألصقهم بالتراب أو كان عليهم آثاره.

و في خبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«تعطى صدقة الأنعام لذوي التجمّل من الفقراء لأنّها أرفع من صدقات الأموال، و إن كان جميعها صدقة و زكاة. و لكن

أهل التجمّل يستحيون أن يأخذوا صدقات الأموال.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 181، الباب 25 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 182، الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 182، الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 90

..........

______________________________

أقول: و لعلّ العرف بإلغاء الخصوصية من المرجّحات المذكورة يحكم بحسن التفضيل و الترجيح في جميع المزايا العقليّة و الشرعيّة.

و من المرجّحات أيضا شدّة الفقر و الاحتياج إذ الزكاة شرّعت لسدّ الخلّات و الحاجات كما يظهر من أخبار الباب.

و مع تنافي المزايا يلاحظ الأهم و الأرجح و يكون المقام من باب تزاحم الملاكات لا تعارض الأدلّة و إن احتمله المصنّف. هذا.

و في قبال ما دلّ على الترجيح ببعض المرجّحات أخبار أخر يستفاد منها كون الأرجح بل المتعين في مال اللّه هو التسوية بين المستحقّين، و فضائلهم بينهم و بين اللّه يثيبهم اللّه بها، و على هذا استقرّت سيرة أمير المؤمنين في قبال سيرة الخلفاء.

و ملاك الاستحقاق للزكاة هو الفقر و الحاجة فقط دون الفضائل و الكمالات.

و قد تعرّضنا لذلك في المسألة التاسعة من أوصاف المستحقّين و أشرنا هناك إلى إمكان الجمع بين الطائفتين بحمل أخبار التفضيل على صورة توزيع الملّاك بأنفسهم و أخبار التسوية على صورة توزيع الإمام، فراجع.

و في الحدائق حمل أخبار التسوية على مال الخراج قال: «و هو الذي علم من النّبي «ص» و عليّ «ع» في زمن خلافته تسوية الناس في قسمته.» «1»

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 228.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 91

4- الإجهار بدفع الزكاة أفضل

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به، بخلاف الصدقات المندوبة فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرا (1).

______________________________

(1) 1- ففي خبر أبي بصير عن أبي

عبد اللّه «ع» في قوله- تعالى-:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» قال: «و كلّما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من إسراره، و كلّما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه. و لو أنّ رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسنا جميلا.» «1»

و لفظ كلّما يحتمل أن يراد به بقرينة المقام كلّ صدقة كما يحتمل أن يراد به كلّ فريضة و تطوّع من الصدقة و غيرها و لعلّ الثاني أظهر، فإنّ إعلان فرائض الإسلام يوجب تعظيم شعائر الإسلام و تقويته و تشويق الناس و اتباعهم و رفع الاتهام عن النفس، و جميع ذلك مقتض لرجحان الإعلان و إن كان ربّما يزاحمها أمور أخر توجب رجحان الإسرار، فتدبّر.

2- و في موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.» فقال: «هي سوى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث؟؟؟.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 92

..........

______________________________

الزكاة، إنّ الزكاة علانية غير سرّ.» «1»

3- و في مرسل ابن بكير عن رجل عن أبي جعفر «ع» في قوله- عزّ و جلّ-:

«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ» قال: يعني الزكاة المفروضة قال: قلت: «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ» قال: «يعني النافلة إنّهم كانوا يستحبّون إظهار الفرائض و كتمان النوافل.» «2»

4- و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن قول اللّه: «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» قال: «ليس ذلك الزكاة، و لكنّه الرجل يتصدّق لنفسه، الزكاة علانيّة ليس بسرّ.» «3»

5- و عن علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق «ع» قال: «الزكاة المفروضة تخرج علانية و

تدفع علانية، و غير الزكاة إن دفعه سرّا فهو أفضل.» «4»

6- و عن المفيد في المقنعة قال: قال «ع» في قوله- تعالى-: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰاتِ فَنِعِمّٰا هِيَ» قال: «نزلت في الفريضة» «وَ إِنْ تُخْفُوهٰا وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَرٰاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» قال: «ذلك في النافلة».

قال: و قال أبو عبد اللّه «ع»: «صدقة السرّ تطفي غضب الربّ.»

قال: و قال: «صدقة الليل تطفي غضب الربّ و تمحو الذنب العظيم و تهوّن الحساب، و صدقة النهار تزيد في العمر و تنمي المال.» «5»

و راجع أيضا باب استحباب الصدقة المندوبة في السّر من الوسائل. «6»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 216، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(4)- الوسائل 6/ 216، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

(5)- الوسائل 6/ 216، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة، الأحاديث 5- 7.

(6)- الوسائل 6/ 275، الباب 13 من أبواب الصدقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 93

5- متى يقبل قول المالك؟

الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي» أو «لم يتعلّق بمالي شي ء» قبل قوله بلا بيّنة و لا يمين (1) ما لم يعلم كذبه.

______________________________

(1) لأنّه أمر لا يعرف إلّا من قبله، و لحمل قوله على الصحة و لكون الثاني مطابقا للأصل فتأمل. و للأخبار الدالّة على ذلك:

1- كصحيحة بريد بن معاوية قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «بعث أمير المؤمنين «ع» مصدّقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد اللّه انطلق ... ثمّ قل لهم: يا عباد اللّه أرسلني إليكم وليّ اللّه لآخذ منكم حقّ اللّه في أموالكم، فهل للّه في أموالكم

من حقّ فتؤدّوه إلي وليّه، فإن قال لك قائل: لا فلا تراجعه، و إن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلّا خيرا. الحديث.» «1»

و رواه في نهج البلاغة أيضا في وصية له كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات. «2»

2- و موثق غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه قال: «كان عليّ- صلوات اللّه عليه- إذا بعث مصدّقه قال له: إذا أتيت على ربّ المال فقل: تصدّق رحمك اللّه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 88، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

(2)- نهج البلاغة، عبده 3/ 27؛ لح/ 380، الكتاب 25؛ و الوسائل عنه 6/ 91.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 94

و مع التّهمة لا بأس بالتفحّص و التفتيش عنه (1).

______________________________

ممّا أعطاك اللّه فإنّ ولّى عنك فلا تراجعه.» «1»

3- و في دعائم الإسلام: «روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي «ع» أنّ رسول اللّه «ص» نهى أن يحلّف الناس على صدقاتهم و قال:

«هم فيها مأمونون.» «2»

هذا مضافا إلى أنّ إجبار الغير و القهر عليه خلاف سلطة الناس على نفوسهم و على أموالهم الحاكم بها العقل و الشرع إلّا فيما ثبت بالدليل.

(1) يعني من قبل الحاكم بتقريب أنّ الزكاة و إن كانت عبادة و لكنّها مشتملة على حقوق الفقراء و سائر الأصناف فإذا رأى الحاكم الذي هو وليّ الفقراء و وليّ الممتنع أرضية ضياع الحقوق جاز له الفحص حذرا من ضياعها و لكن مع حفظ حرمة المسلم و حريمه بحيث لا يؤذى و لا يهان.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 90، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 252- ذكر زكاة المواشي من كتاب الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)،

ج 4، ص: 95

6- حكم عزل الزكاة

اشارة

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص، و إن كان من غير الجنس الّذي تعلّقت به، من غير فرق بين وجود المستحقّ و عدمه على الأصحّ (1)، و إن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية.

[عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص]

______________________________

(1) هل العزل بنيّة الزكاة يفيد تمحّض المعزول لكونه زكاة كما هو المشهور أم لا؟ و على الأوّل فهل يجب كما هو ظاهر المقنعة و النهاية، أو يستحبّ كما هو المصرّح به في التذكرة و موضع من المنتهى و هو الظاهر من الشرائع أيضا، أو الثابت هو الجواز فقط كما في المتن و موضع من المنتهى؟

ثمّ إنّه هل يفيد مطلقا أو مع عدم المستحقّ فقط؟ و هل يتعيّن كونه من العين أو يكفي من مال آخر أيضا؟ في المسألة وجوه بل أقوال.

و لا يخفى أنّه على القول بالإشاعة و شركة أرباب الزكاة في المال كما لعلّها المشهور فالقاعدة تقتضي عدم وقوع الإفراز و الانقسام إلّا برضى الطرفين، و لكن ثبت بالأدلّة إذن الشارع للملّاك في مباشرة الأداء و لا محالة يحصل به الانقسام قهرا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 96

..........

______________________________

و أمّا كفاية مجرد العزل في حصول الانقسام بحيث يتمحض المعزول ملكا لهم و يبقى في يده أمانة فيحتاج إلى دليل آخر و قد أفتى بهذا كثير و استدلوا له بوجوه استحسانية تبرعية و بأخبار مستفيضة بعضها معتبرة و دلالتها أيضا واضحة فلا بدّ من الأخذ بها و إن كان الحكم على خلاف القاعدة.

و من جملة هذه الروايات موثّقة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني (يكون عندي عدّة)؟ فقال

«ع»: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلّطها بشي ء ثمّ أعطها كيف شئت، الحديث.» «1»

و منها أيضا خبر علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤدّيها، قال: «اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها.» «2»

و أبو حمزة هنا هو الثمالي، و لكن الخبر ضعيف بالإرسال و بوجود المعلّى في السند و هو مجهول.

و حيث إنّ العزل خلاف القاعدة فالأمر به لا يدلّ على أزيد من الجواز كما هو الثابت في كلّ مورد ورد الأمر في مقام توهّم الحظر تكليفا أو وضعا.

و كيف كان فقد تعرّضنا للمسألة بالتفصيل في آخر فصل زكاة الغلّات «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 213، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- كتاب الزكاة 2/ 173، المسألة 34.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 97

[الزكاة المعزولة أمانة]

و حينئذ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلّا بالتعدّي أو التفريط (1)،

______________________________

و قلنا هناك إنّه لا فرق في ذلك بين العزل من العين أو من مال آخر، و سواء وجد المستحقّ فعلا أم لا لإطلاق بعض الأخبار، فراجع.

(1) كما هو الحكم في جميع الأمانات، و يدلّ عليه صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر «ع»، قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه.» «1»

و صحيحة عبيد بن

زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برء منها.» «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار، فراجع.

نعم لو أخّر دفعها إلى أهلها مع وجود المستحقّ فالأحوط بل الأقوى هو الضمان و إن جاز التأخير لبعض الأغراض كما صرّح بذلك المصنّف في المسألة الرابعة و الثلاثين من زكاة الغلّات جمعا بين هذه الأخبار و بين صحيحتي محمد بن مسلم و زرارة:

ففي الأولى قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتّى تقسم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها خرجت من يده. و كذلك الوصىّ الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان.» «3»

و في الثانية قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث إليه أخ له زكاته

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 98

[الزكاة المعزولة لا يجوز تبديلها]

و لا يجوز تبديلها بعد العزل (1).

______________________________

ليقسمها فضاعت، فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان. قلت: فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.» هكذا في الكافي، و في التهذيب:

«فهو لها ضامن من حين أخّرها»

«1» فيقيد بهاتين الصحيحتين إطلاق تلك الصحيحتين. و لعل المصنف هنا أدرج التأخير في التفريط.

و جواز التأخير تكليفا كما يستفاد من الموثقة و غيرها لبعض الأغراض لا ينافي الضمان إن تلف، و لعلّنا نلتزم بذلك في النقل أيضا كما يأتي.

و احتمال كون الضمان في الصحيحتين مستندا إلى النقل لا التأخير فلا يكون ضمان مع عدم النقل و إن أخّر خلاف الظاهر، إذ الظاهر منهما كون الضمان مستندا إلى التأخير مع وجود الأهل و المستحق فيكون التأخير الزماني و المكاني على وزان واحد، فتدبّر.

(1) لظهور النصوص في تعيّنها زكاة بالعزل، فجواز التبديل يتوقّف على ولايته عليه، و هو يحتاج إلى دليل مفقود و الأصل عدم ترتّب الأثر. كذا في المستمسك. «2» و هو حسن.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- المستمسك 9/ 320.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 99

7- حكم الاتجار بالزكاة

السابعة: إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير بالنسبة، و الخسارة عليه. و كذا لو اتّجر بما عزله و عيّنه للزكاة (1).

______________________________

(1) على الأحوط، و يدلّ عليه خبر علي بن أبي حمزة عن أبيه الذي مرّ، و لكنّه ضعيف كما مرّ و لم يحرز إفتاء الأصحاب به بنحو يجبر ضعفه. و القاعدة تقتضي كون المعاملة بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّة منوطة بإذن الحاكم، و لو سلّم العمل بالرواية فموردها تجارة المالك بها بدون الإذن. فإن اتجر الحاكم بها أو من أذن له لمصلحة أرباب الزكاة فمقتضى القاعدة أن يكون الربح على وفق ما تعاقدا عليه و الخسارة على أرباب الزكاة و لا وجه لكونها على الحاكم. و قد مرّ البحث بالتفصيل في المسألة الثالثة و الثلاثين من زكاة الغلّات،

فراجع. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 170.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 100

8- وجوب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة

اشارة

الثامنة: تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله، و كذا الخمس و سائر الحقوق الواجبة (1).

[تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة]

______________________________

(1) 1- قال في الشرائع: «و لو أدركته الوفاة أوصى بها وجوبا.» «1»

2- و ذيّله في المدارك بقوله: «و لا ريب في وجوب ذلك لتوقّف الواجب عليه، و لعموم الأمر بالوصية. و أوجب الشهيد في الدروس مع الوصية العزل أيضا و هو أحوط.» «2»

3- و في الجواهر: «على وجه تثبت به شرعا كغيرها من الأمانات و الديون بلا خلاف أجده.» «3»

أقول: فالوجوب هنا طريقي محض لا نفسي، فلو علم بأنها لا تنفذ قطعا و لو في المال و يكون وجودها كالعدم أو أنّ الورثة مثلا يؤدّونها بلا وصية فلا وجه لوجوبها.

و لو توقّف نفوذها على إحكامها بجعل الناظر الأمين أو الجعل أو الكتابة أو الإشهاد و نحو ذلك وجب.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 125).

(2)- المدارك/ 324 (الطبعة الجديدة 5/ 275)؛ و الدروس/ 65.

(3)- الجواهر 15/ 443.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 101

..........

______________________________

و لو لم يحصل العلم بالنفوذ و لكن احتمله وجبت أيضا لوجوب الاحتياط في التكليف المنجّز فيكون المقام من قبيل الشكّ في القدرة حيث أوجبوا فيه الاحتياط. هذا.

و يشهد للوجوب أوّلا: إطلاق أدلّة الإيتاء لها و لسائر الأمانات و الحقوق الواجبة بعد توقّفه على الوصية بها.

و ثانيا: ما يظهر منه وجوب الوصية المحمول لا محالة على الواجبات كما عن رسول اللّه: «من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية.» «1»

و ثالثا ما روي عن العالم «ع» في حديث: «لا يتوي حقّ امرئ مسلم.» «2»

و رابعا: ما ورد في المال الذي مات صاحبه و لم يعلم له وارث كقول الصادق «ع» في رواية هشام

بن سالم: «توصي بها فإن جاء لهم طالب و إلّا فهي كسبيل مالك.» «3» هكذا رواها الشيخ، و في رواية الكليني لها: «فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه.» «4»

و ما ورد في اللقطة بسند صحيح عن أبي جعفر «ع» من قوله: «فإن لم يجئ لها طالب فأوص بها في وصيتك.» «5»

و عن موسى بن جعفر «ع» من قوله: «يعرّفها سنة فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجي ء طالبها فيعطيها إيّاه، و إن مات أوصى بها.» «6» هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 352، الباب 1 من كتاب الوصايا، الحديث 8.

(2)- عوالي اللئالي 1/ 315، المسلك الأوّل من الباب الأوّل، الحديث 36.

(3)- الوسائل 17/ 553، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 7.

(4)- الوسائل 17/ 583، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى ...، الحديث 1.

(5)- الوسائل 17/ 352، الباب 2 من أبواب اللّقطة، الحديث 10.

(6)- الوسائل 17/ 352، الباب 2 من أبواب اللّقطة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 102

..........

______________________________

و هل يجب مع الوصية بها عزلها أيضا؟ قد مرّ عن الدروس إيجابه و عن المدارك أنّه أحوط، و علّله في الجواهر بقوله: «و لعلّه لكونها كالدين الذي قد غاب صاحبه غيبة منقطعة.» «1»

أقول: ظاهر الجواهر أنّ الحكم في الدين مقطوع به و لذا قاس المقام عليه و محلّ البحث فيه كتاب الدين، و لكن نشير إليه هنا إجمالا لعموم البلوى به فنقول:

1- قال الشيخ في النهاية: «و من وجب عليه دين و غاب عنه صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها وجب عليه أن ينوي قضاءه، و يعزل ماله من ملكه، فإن حضرته الوفاة أوصى به

إلى من يثق به ...» «2»

أقول: ظاهره وجوب العزل و إن لم يحضره الوفاة.

2- و في القرض من الشرائع: «من كان عليه دين و غاب صاحبه غيبة منقطعة يجب أن ينوي قضاءه و أن يعزل ذلك عند وفاته و يوصى به ليوصل إلى ربّه أو إلى وارثه ...» «3»

3- و في المختصر النافع: «فلو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاءه و عزله عند وفاته موصيا به.» «4»

4- و في اللمعة: «و يجب نيّة القضاء و عزله عند وفاته و الإيصاء به لو كان صاحبه غائبا.» «5»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 443.

(2)- النهاية/ 307.

(3)- الشرائع 2/ 68 (طبعة أخرى 1/ 325).

(4)- المختصر النافع 1/ 136.

(5)- اللمعة الدمشقية 4/ 17 (اللمعة/ 77)؛ و الروضة البهية 1/ 400، ط. الحجري.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 103

..........

______________________________

5- و في القواعد: «و لو غاب المدين وجب على المديون نيّة القضاء و العزل عند وفاته و الوصية به ...» «1» و ذكر نحو ذلك في التذكرة، فراجع «2».

6- و في جامع المقاصد ذيّل حكم العزل بقوله: «فلا يجب قبل ذلك عند الغيبة خلافا لظاهر عبارة الشيخ و ظاهرهم أنّ وجوب العزل عند الوفاة إجماعيّ و وجهه ظاهر، فإنّه أبعد عن تصرّف الورثة فيه، و أنفى للتعليل في أدائه.» «3»

7- و في المسالك: «و أمّا العزل عند الوفاة فظاهر كلامهم خصوصا على ما يظهر من المختلف أنّه لا خلاف فيه و إلّا لأمكن تطرّق القول بعدم الوجوب لأصالة البراءة مع عدم النصّ.» «4»

8- و في المختلف بعد نقل عبارة النهاية قال: «و قال ابن إدريس: العزل غير واجب بإجماع المسلمين، و ليس عندي بعيدا من الصواب حمل قول الشيخ على من حضرته

الوفاة، أو حمل العزل على استبقاء ما يساوي الدين ...» «5»

أقول: فظاهر المختلف أنّ وجوب العزل عند حضور الوفاة كأنّه مقطوع به لا خلاف فيه.

و كيف كان فإن ثبت الإجماع أو عدم الخلاف في المسألة بنحو يكشف عن تلقّيها عن المعصومين- عليهم السلام- فهو، و لعلّ إطلاق الحكم حينئذ يشمل الزكاة و الخمس أيضا، و لكن ثبوتهما كذلك محلّ إشكال، و الأصل يقتضي البراءة.

______________________________

(1)- القواعد 1/ 156.

(2)- التذكرة 2/ 3.

(3)- جامع المقاصد 1/ 269 (الطبعة الجديدة 5/ 15).

(4)- المسالك 1/ 222.

(5)- المختلف/ 412.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 104

[لو كان الوارث مستحقّا جاز احتسابه عليه]

و لو كان الوارث مستحقّا جاز احتسابه عليه (1) و لكن يستحبّ دفع شي ء منه إلى غيره.

______________________________

اللّهم إلّا أن يكون العزل أوفى لأداء الحقّ و وصوله إلى أهله فيجب حينئذ طريقا لأداء الحقّ لا نفسيّا و لا لتمحّض الحق فيه فيكون أثره منع الورثة من التصرّف فيه لا قطع حقّ الديان من سائر التركه بالكلّيه حتى مع تلف المعزول، فتدبّر.

و سيرة المتشرعة قد استقرت على الوصية بالديون و التأكيد فيها عند الوفاة دون عزلها، و لو وجب ذلك مطلقا لا تضح غاية الوضوح و استقرت السيرة عليه لعموم البلوى به. هذا.

و يظهر من الجواهر إشعار خبر هشام بن سالم الماضي بذلك، قال:

«ضرورة اقتضاء الوصيّة به حينئذ بل و جعله كسبيل المال عزله.» «1»

أقول: إشعار الخبر به غير واضح فراجع. و تفصيل المسألة موكول إلى كتاب الدين.

(1) أي إعطاؤها له بعد وفاته و إن كان ممّن يجب نفقته على المورّث لانقطاع الوجوب بالموت. و يدل على الحكم صحيحة على بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأوّل «ع»: رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه

الزكاة و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا، فقال: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم.» «2»

و ظاهرها و إن كان وجوب دفع البعض إلى غيرهم و لكن لا يرى له وجه بعد

______________________________

(1)- الجواهر 25/ 43.

(2)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 105

..........

______________________________

عدم وجوب البسط و كون القريب مصرفا فتحمل على الاستحباب نظير ما مرّ من خبر أبي خديجة و أفتى به الشيخ في النهاية.

و قد دلّت صحيحة زرارة على جواز أداء الابن جميع زكاته في دين أبيه الذي مات. «1»

و صحيحة أحمد بن حمزة على جواز أداء جميع الزكاة للقرابة. «2»

و الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الحيّ و الميت بعد اشتراكهما في المصرفية.

نعم يمكن أن يقال: إنّ وصية الموصي ربّما تنصرف عن الإعطاء لولده و منتسبيه و لكن مقتضى الأخذ بذلك أن لا يعطوا شيئا منها، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 172، الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 169، الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 106

9- حكم العدول بالزكاة إلى غير من حضره

التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء (1)، خصوصا مع المرجّحات و إن كانوا مطالبين.

______________________________

(1) إذ المفروض تفويض ولاية التقسيم إلى المالك و قد مرّ عدم وجوب البسط و أنّه ليس في ذلك شي ء موقّت و يقتضيه أيضا إطلاق ما دلّ على جواز النقل مع وجود المستحقّ كما يأتي، و إطلاق ما دلّ على جواز أن يحبس منها شيئا مخافة أن يجي ء من يسأله كموثقة يونس المتقدّمة، و لعلّ كثيرا ممّن لم يحضر يشتمل على

المزايا المرجّحة كالقرابة و الفقه و العقل و نحو ذلك.

و المطالبة بنفسها لا توجب التعيّن و لا تزاحم المزايا المرجّحة.

نعم مع التساوي ربّما يكون تقديم من حضر أولى كما يستفاد من بعض الأخبار الحاكمة بأنّ رسول اللّه «ص» كان يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر و أنّه ليس عليه في ذلك شي ء موقّت موظّف، و إنما يصنع ذلك بما يرى على قدر من يحضرها منهم. فراجع صحيحة عبد الكريم الهاشمي و مرسلة حماد الطويلة. «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 183، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 107

نعم، الأفضل حينئذ الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن (1) إلّا إذا زاحمه ما هو أرجح.

______________________________

(1) يعني إجابة المؤمن بعد طلبه.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 108

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 108

10- حكم نقل الزكاة من بلده إلى غيره

اشارة

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ فيه (1).

[لا إشكال في جواز نقل الزكاة مع عدم وجود المصرف في البلد]

______________________________

(1) لا إشكال في جواز نقل الزكاة مع عدم وجود المصرف في البلد، و عدم كونه مرجوّ الحصول، و أمن طرق البلاد الأخر، و كذا مع طلب الإمام لها كما يأتي و لكنه وقع البحث في سائر موارد النقل و لا سيّما مع وجود المستحقّ في البلد.

و قد تعرّض المصنّف هنا للمسألة بشقوقها في مسائل.

و قبل البحث فيها نتعرّض لمقدّمة لا تخلو من فائدة فنقول:

قد مرّ منا في المسألة الأولى من هذا الفصل: أنّ المستفاد من الكتاب و السنة أن الزكاة لم تكن في الأصل واجبا فرديّا موكولا إلى حسن نيّة الأشخاص من دون أن تطالب منهم، بل كانت هي ضريبة إسلامية تشرف عليها الحكومة الدينيّة و يتولّى لجبايتها و توزيعها عمّال الدولة الإسلامية و كانوا يطالبونها بأمر الدولة المركزيّة، و قلنا إنّ الزكاة مع ذلك تفترق عن الخمس و الأنفال بأنّها جعلت أوّلا و بالذات للأصناف الثمانية. و عمدتها الفقراء و المساكين بداعي رفع حاجاتهم و سدّ خلّاتهم، و في الحديث: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- جعل للفقراء في أموال الأغنياء

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 109

..........

______________________________

ما يكفيهم، و لو لا ذلك لزادهم، و إنما يؤتون من منع من منعهم.» «1» و نحوه أخبار أخر، غاية الأمر إحالة أمرها إلى الإمام تنظيما لها في الجباية و التوزيع.

و هذا بخلاف الخمس فإنّه جعل أوّلا و بالذات للإمام بما هو إمام و لذا عبّر عنه في الحديث بوجه الإمارة «2»، غاية الأمر أنّه يتولّى أمور المستحقّين من السّادة، و نحوه الفي ء و الأنفال أيضا.

فلنشر هنا إلى نكتة أخرى

و هي أنّ المستفاد من سيرة النّبي «ص» و أخبار الفريقين أنّ البناء في أمر الزكاة لم يكن على جبايتها و جمعها و إرسال الجميع إلى النّبي «ص» أو الإمام ثمّ نقلها إلى البلاد و القرى حسب مصارفها و حاجاتها، على ما هو المتعارف في ضرائب الحكومات العرفية الدارجة.

بل كان تصرف صدقة كلّ بلد و ناحية في فقراء هذا البلد و مصارفه اللازمة ثمّ تنقل ما فضل منها إلى المركز.

و لا شك أنّ هذا كان أقرب إلى التوزيع الصحيح بحيث يصل كلّ مستحقّ إلى حقّه و لا سيّما في تلك الأعصار. إذ حاجات أهل كلّ بلد يعرفها أهل هذا البلد غالبا، و فقراء كلّ بلد يعرفون غالبا ثروات هذا البلد. و يرمقونها بأبصارهم و يتوقّعون منها بالطبع، و تقسيم صدقاتها فيهم يوجب حسن ظنّهم و تحكيم الأخوة الإسلامية فيهم.

هذا مضافا إلى أنّ نقل الزكوات إلى المركز ثمّ الإرجاع منه إلى البلاد كان يستلزم أوّلا صرف نفقات و طاقات كثيرة بلا وجه ملزم.

و ثانيا توقّع حواشي الدولة المركزيّة و سكّان العاصمة منها بالطبع فلا يبقى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 5، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 9.

(2)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 110

..........

______________________________

شي ء منها غالبا للبلاد النائية، فكان الأولى و الأحوط للمصارف تقسيم صدقة كلّ بلد في أهلها في البلد، فإن فضل منهم شي ء نقلت إلى الدولة المركزيّة، و هكذا كان دستور النبيّ «ص» و عمله و عمل عمّاله و كذا الخلفاء بعده:

1- ففي صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«كان رسول اللّه «ص» يقسّم

صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر. الحديث.» «1»

2- و في مرسلة حماد الطويلة عن العبد الصالح «ع»: «فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية أسهم: لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ، ثمانية أسهم، يقسّم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فإن فضل من ذلك شي ء ردّ إلى الوالي، و إن نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به، كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتّى يستغنوا ... و كان رسول اللّه «ص» يقسم صدقات البوادي في البوادي و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر. الحديث.» «2»

3- و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين.» «3» و الظاهر أنّ الحكم بعدم الحلّ محمول على الكراهة أو المبالغة جمعا بين الصحيحة و الأخبار الأخر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 111

..........

______________________________

4- و جاء في حديث بعث رسول اللّه «ص» معاذا إلى اليمن: «فأعلمهم أنّ اللّه قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم.

الحديث.» «1»

5- و في الحديث الرجل

الذي جاء إلى رسول اللّه «ص» في المسجد و قال له:

«أيّكم محمّد» قال: انشدك اللّه اللّه امرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسّم على فقرائنا؟ قال رسول اللّه «ص»: «اللّهم نعم.» قال الرجل: آمنت بما جئت به. الحديث. «2»

6- و في خبر أبي جحيفة قال: بعث رسول اللّه «ص» ساعيا على الصدقة فأمر أن يأخذ الصدقة من أغنيائنا فيقسّمها في فقرائنا و كنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني منها قلوصا. «3»

أقول: القلوص من الإبل: الطويلة القوائم و الشابّة منها.

7- و عن عطاء: أنّ عمران بن حصين بعث إلى الصدقة فلمّا رجع قالوا له:

أين المال؟ قال: و للمال أرسلتموني؟! أخذناها من حيث كنّا نأخذها على عهد رسول اللّه «ص» و وضعناها حيث كنّا نضعها. «4»

8- و عن طاوس: أنّ معاذ بن جبل قضى أيّما رجل انتقل من مخلاف عشيرته (إلى غير مخلاف عشيرته) فعشره و صدقته إلى مخلاف عشيرته. «5»

أقول: قال ابن الأثير في النهاية: «المخلاف في اليمن كالرستاق في العراق، و جمعه المخاليف.»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 7/ 8، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(2)- سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(3)- سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(4)- سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(5)- سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 112

..........

______________________________

9- و عن عمرو بن شعيب: أنّ معاذ بن

جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول اللّه «ص» إلى اليمن حتّى مات النبي «ص» و أبو بكر. ثمّ قدم على عمر، فردّه على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر، و قال:

لم أبعثك جابيا و لا آخذ جزية، و لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردّها على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشي ء و أنا أجد أحدا يأخذه منّي، فلمّا كان العامّ الثاني بعث إليه شطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلمّا كان العامّ الثالث بعث إليه بها كلّها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه قبل. فقال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ منّي شيئا. «1»

10- و عن سعد قال: «و كنّا نخرج لنأخذ الصدقة فما نرجع إلّا بسياطنا.» «2»

11- و عن النعمان بن الزبير قال: استعمل محمد بن يوسف، طاوسا على مخلاف فكان يأخذ الصدقة من الأغنياء فيضعها في الفقراء فلمّا فرغ قال له: ارفع حسابك. فقال: «ما لي حساب، كنت آخذ من الغنيّ فأعطيه المسكين.» «3»

12- و عن فريد السبخي قال: حملت زكاة مالي لأقسمها بمكّة فلقيت سعيد بن جبير فقال: «ارددها فاقسمها في بلدك.» «4»

13- و عن سفيان بن سعيد: أنّ زكاة حملت من الريّ إلى الكوفة فردّها عمر بن عبد العزيز إلى الريّ. «5»

______________________________

(1)- الأموال لأبي عبيد/ 710.

(2)- الأموال/ 711.

(3)- الأموال/ 709.

(4)- الأموال/ 708.

(5)- الأموال/ 708.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 113

..........

______________________________

14- و عن إبراهيم النخعي: أنّه كان يكره أن تخرج الزكاة من بلد إلى بلد إلّا لذي قرابة. «1»

إلى غير ذلك ممّا ورد في هذا المجال المستفاد منها أن البناء كان على تقسيم صدقة كلّ بلد في أهله إلّا أن يفضل منها شي ء، فراجع كتاب الأموال

لأبي عبيد:

باب قسم الصدقة في بلدها و حملها إلى بلد سواه. «2»

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى شرح عبارة المتن فنقول: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر بشرط عدم وجود الفقير فيه، و عدم التمكّن من صرفها في سائر المصارف الثمانية، و عدم كونهما مرجوّ الحصول في المستقبل.

و يظهر من الجواهر اعتبار شرط رابع، قال: «لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يكن الطريق مخوفا و إلّا كان مغرّرا بها أو مفرّطا كما اعترف به الحلّي و الفاضلان» «3»، و راجع في هذا المجال عبارة التذكرة. «4»

و بالجملة فمع هذه الشروط الأربعة لا إشكال في جواز النقل بل يمكن أن يقال بوجوبه كما يأتي من المدارك.

1- قال في التذكرة: «لو لم يجد المستحقّ في بلده جاز النقل إجماعا و لا ضمان لعدم التفريط.» «5»

2- و في المنتهى: «لو لم يوجد المستحقّ في بلدها جاز نقلها مع ظنّ السلامة و لا يضمن مع التلف حينئذ بلا خلاف لأنّ الدفع واجب و لا يمكن إلّا بالنقل فيكون

______________________________

(1)- الأموال/ 708.

(2)- الأموال/ 708 و ما بعدها.

(3)- الجواهر 15/ 434.

(4)- التذكرة 1/ 245.

(5)- التذكرة 1/ 244.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 114

..........

______________________________

جائزا، و لا يضمن لأنّه تصرّف تصرّفا مشروعا مأذونا فيه.» «1»

أقول: يظهر من تعليله لجواز النقل أنّه أراد بالمستحقّ مطلق المصرف لا خصوص الفقير، و هو الظاهر من عبارة المدارك الآتية أيضا، و الظاهر إرادتهما صورة اليأس من وجود المصرف في المستقبل أيضا و إلّا لم يتوقّف الدفع على النقل.

و يرد على تعليله لعدم الضمان بأن الإذن في التصرف و إن كان ظاهرا في ذلك و لكن لا يلازمه دائما، ألا ترى أنّ المضطر إلى

مال الغير في المخمصة يكون مأذونا في التصرّف و لكنه يضمنه. و القائلين بجواز النقل و لو مع وجود المستحقّ أيضا يقولون به مع الضمان فالعمدة في عدم الضمان في المقام الأخبار الآتية.

3- و في المدارك: «لا ريب في جواز النقل إذا عدم المستحقّ في البلد، بل الظاهر وجوبه لتوقّف الدفع الواجب عليه.» «2»

و الحاصل أنّ جواز النقل و عدم الضمان مع الشروط الأربعة ممّا لا إشكال فيهما.

و يدلّ على الجواز حينئذ مضافا إلى الإجماع و عدم الخلاف، و إطلاق أدلّة إيتاء الزكاة و ردّ الأمانات إلى أهلها:

1- صحيحة ضريس قال سأل المدائني أبا جعفر «ع» قال: «إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففي من نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك، فقال: إنّي في بلاد ليس بها أحد من أوليائك، فقال: «ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، و لا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك و كان و اللّه الذبح.» «3»

أقول: و يمكن أن يستدل بالإطلاق المستفاد من ترك الاستفصال فيها على

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 529.

(2)- المدارك/ 323 (ط. الجديد 5/ 271).

(3)- الوسائل 6/ 152، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 115

[عدم وجود الفقير في البلد كاف في الحكم بجواز النقل]

بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك، و لم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف (1).

______________________________

جواز النقل و إن وجد سائر المصارف في البلد إذ قلّما لا يوجد مصرف آخر غير الفقراء و لو بعض مصاديق سبيل اللّه.

كما يمكن أن يستدل به لجواز النقل و إن رجا وجود المستحقّ فيه بعد ذلك.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ البلاد التي لا يوجد فيها أحد من أهل الولاية يبعد جدّا وجودهم فيه بعد

ذلك في زمان قريب، فتدبّر.

2- خبر يعقوب بن شعيب الحدّاد عن العبد الصالح «ع» قال: قلت له: الرجل منّا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: يضعها في إخوانه و أهل ولايته، قلت: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم. الحديث. «1»

هذا مضافا إلى النصوص الآتية في المسألة التالية المستدلّ بها لجواز النقل مطلقا.

و لا فرق في النقل بين نقل العين أو القيمة أو الحوالة بها، بل الجواز في الأخيرة أظهر لأمنها من الخطر.

(1) ظاهر عبارة المصنّف أنّ مجرّد عدم وجود الفقير في البلد كاف في الحكم بجواز النقل و لكن وجوبه مشروط بشروط ثلاثة: عدم وجود الفقير فيه فعلا و عدم كونه مرجوّ الوجود و عدم التمكن من صرفها في سائر المصارف، و كان عليه ذكر الشرط الرابع أيضا و هو عدم كون الطريق مخوفا.

و قد مرّ عن المدارك استظهار وجوب النقل و تعليله له بتوقّف الدفع الواجب عليه، و بمقتضى تعليله يظهر أن مراده صورة وجود الشروط المذكورة و أنه أراد بالمستحقّ مطلق المصرف فعلا أو بعد ذلك.

و يستدلّ للوجوب مضافا إلى ذلك بالأمر به في صحيح ضريس، و كذا خبر الحدّاد.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 116

..........

______________________________

و ناقش فيه في الجواهر بأن المقصد فيه بيان حرمة الدفع إلى غير الموالي، و بأن الأمر في مقام توهّم الحظر فينزل على الإباحة. «1»

و نوقش أيضا كما في المستمسك: باحتمال كون الأمر إرشاديّا لبيان طريق الإيصال إلى المستحقّ لا مولويّا تعبّديا. «2»

أقول: يمكن أن يقال- كما في المستمسك-: إنّ المتكفّل لحرمة الدفع إلى غير الموالي هو قوله «ع» بعد

ذلك: «و لا تدفعها إلى قوم ...» و الحمل على الإباحة خلاف الظاهر لا يصار إليه إلّا بدليل.

و أمّا مناقشة المستمسك فيمكن أن يجاب عنه بأنّا لا نريد هنا من الوجوب إلّا الوجوب المقدّمي الطريقي فلا يضرنا كون الأمر إرشاديا بعد كون المرشد إليه هو الوجوب المقدّمي.

و ظهور الأمر في الوجوب يجب أن يؤخذ به و إن كان إرشاديا نظير أوامر الإطاعة فتدبّر.

و احتمال أنّ الواجب في الحقوق الواجبة مجرّد عدم الحبس و المنع لا الإيصال إلى المستحقّ واضح البطلان و مخالف لظاهر الأدلّة.

و أمّا خبر إبراهيم الأوسي المتضمّن للانتظار بها سنة أو سنتين أو أربع سنين «3» فمضافا إلى ضعفه سندا مورده رجاء الوجود بعد ذلك لا اليأس المطلق الذي هو محلّ الكلام.

و مقدار صدق الرجاء و الانتظار موكول إلى العرف، و يختلف لا محالة حسب

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 436.

(2)- المستمسك 9/ 323.

(3)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 117

[مئونة النقل من الزكاة]

و مئونة النقل حينئذ من الزكاة (1).

______________________________

اختلاف الأشياء و الأشخاص و المناطق.

فلو رجا وجود المستحقّ بعد عشرين سنة مثلا يعدّ وجوده كالعدم و لا سيّما في الأشياء التي يعرضها التحوّل و الفساد غالبا و بالنسبة إلى المسنّ الذي لا يرجو البقاء و ليس له من يوصي إليه و يطمئن به.

فالملاك إجمالا كون التأخير بمقدار يوجب ضياع المال و عدم صدق الأداء.

و لو تمكّن من سائر المصارف غير الفقراء لم يكن وجه لوجوب النقل.

(1) في الجواهر: «و أجرة النقل على المالك كما جزم به ثاني الشهيدين في الروضة.

و قد يحتمل كونها من الزكاة فيما لا سبيل له إلى الإيصال فيه إلّا النقل، خصوصا مع عدم

إمكان الإبقاء أمانة لخوف تلف و نحوه.» «1»

أقول: وجه كونها على المالك أنّ الإيتاء و الإيصال إلى المستحقّ واجب عليه فيجب عليه تحصيل مقدماته فتكون نظير أجرة الكيل و الوزن.

و لو أوجب الشارع على أحد إنقاذ غريق مثلا و توقّف هذا على استيجار شخص أو سفينة فبدلالة الاقتضاء يعلم وجوب أداء الأجرة أيضا.

و استدلّ للقول بكونها من الزكاة بوجوه:

الأوّل: أن الصرف لمصلحة المستحقّ و المالك محسن و ما على المحسنين من سبيل و الأصل براءة المالك من تحمل المؤونة.

الثاني: أنّها نوع من سبيل اللّه فيصرف فيها من سهمه.

الثالث: أنّ المتفاهم عرفا من جعل المال لمصرف خاص كون مئونته في

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 433.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 118

[مع كونه مرجوّ الوجود يتخيّر بين النقل و الحفظ إلى أن يوجد]

و أمّا مع كونه مرجوّ الوجود فيتخيّر بين النقل و الحفظ إلى أن يوجد (1).

______________________________

نفس المال كما هو المتفاهم و المتعارف في الأوقاف و الوصايا و النذور. و لأجل ذلك جعل الشارع في الزكاة سهما للعاملين عليها لتكون مكتفية بنفسها.

و يرد على الأول: أنّ كون الصرف لمصلحة المستحقّ لا يبيح صرف الزكاة في غير مصرفها، و أصل البراءة لا يقاوم أدلّة وجوب الإيتاء المقتضية لوجوب مقدماته.

و يرد على الثاني: أنّ المراد بسبيل اللّه كما مرّ المصالح العامّة الاجتماعية لا كلّ أمر حسن.

و يرد على الثالث: منع الظهور و التفاهم إلّا مع وجود قرينة عليه.

و على هذا فالأحوط تحمّل المالك كأجرة الكيل و الوزن.

قال في المبسوط بعد ذكر العامل: «و إن احتيج إلى كيّال أو وزّان في قبض الصدقة فعلى من تجب؟ قيل: فيه و جهان:

أحدهما: على أرباب الأموال لأن عليهم أيضا الزكاة كأجرة الكيّال و الوزّان في البيع على البائع.

و الآخر أنّه على أرباب الصدقات لأنّ

اللّه تعالى أوجب عليهم قدرا معلوما من الزكاة فلو قلنا: إنّ الأجرة تجب عليهم لزدنا على قدر الواجب. و الأول أشبه.» «1»

أقول: أراد بقوله: «أشبه» أنّه مطابق للقواعد و أشبه بها.

(1) قال العلّامة في الإرشاد بعد ما أفتى فيه بحرمة النقل: «و يجوز النقل مع عدم المستحقّ و لا ضمان، و لو حفظها حينئذ في البلد حتى يحضر

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 256.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 119

..........

______________________________

المستحقّ فلا ضمان.» «1»

فظاهر عبارته التخيير بين النقل و الحفظ مع كون المستحقّ مرجوّ الوجود، و هل أراد به الفقير أو مطلق المصرف؟ كلّ محتمل.

و في الجواهر بعد حكايته عنه قال: «بل قيل: إنّه لا يظهر خلافه من كلام غيره من الأصحاب و لا من ألفاظ النصوص، إذ ليس فيها إلّا نفي الضمان و الجواز و نفي البأس.» «2»

أقول: إن قلنا بجواز النقل مطلقا و إن وجد المستحقّ في البلد كما لا يبعد و سيجي ء بيانه فجوازه هنا بطريق أولى.

و أمّا إن منعنا ذلك فالمتيقن منه صورة وجود المستحقّ فعلا و إمكان الأداء فورا، و أمّا مع عدمه فعلا و عدم إمكان الفورية و تساوي الحفظ و النقل في صون المال من الفساد و التلف فلا دليل على تعيّن أحدهما.

و مقتضى إطلاق الأدلة تخيير المالك بين جميع المصارف ما لم ينته إلى التغرير بالمال أو المسامحة العرفية في الأداء.

و يظهر من المفيد في المقنعة أنّه إن غلب على ظنّه قرب وجوده في البلد و كان أولى ممّن تحمل إليه فلا يجوز النقل. «3»

و فيه: أنّ أولويّته من بعض الجهات المرجّحة لا يقتضي التعيّن وجوبا بعد إطلاق الأدلّة.

و الأمر بالنقل في صحيح ضريس مضافا إلى احتمال الجواهر كونه

______________________________

(1)-

مجمع الفائدة 4/ 215، و الإرشاد 1/ 289.

(2)- الجواهر 15/ 436.

(3)- المقنعة/ 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 120

[إذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء]

و إذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء و عدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف (1).

______________________________

لأصل الجواز لكونه في مقام توهّم الحظر كما مرّ، يمكن أن يقال: إن مورده صورة اليأس من وجود أهل الولاية في المستقبل إذ كان في بلد لا يوجد فيه أحد من أهل الولاية.

و قد حملنا كلام صاحب المدارك بوجوب النقل أيضا بمقتضى تعليله له على صورة اليأس من الوجود.

و بالجملة فمقتضى الإطلاقات هو التخيير و يتأيد ذلك بالسيرة على نصب العمّال لجبايتها و نقلها من دون انتظار للمستقبل، فتدبّر.

(1) بلا خلاف و لا إشكال و لكن بشرط أمن الطريق و عدم كون النقل مخوفا، و يدلّ عليه مضافا إلى الأصل- كما قيل- نصوص نفي الضمان المطلق منها كصحيحتي أبي بصير و عبيد و غيرهما، و المفصّل منها كصحيحتي زرارة و محمد بن مسلم، فراجع. «1»

أقول: يمكن أن يناقش في الاستدلال بالأصل بانتقاضه بإطلاق ما روي عنه «ص» و عمل به الأصحاب من قوله «ص»: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي.» «2»

بتقريب أنّه يشمل المقام أيضا بعد انتقال الزكاة منه إلى أهلها. و استثناء اليد الأمينة منه إجمالا بالإجماع لا يمنع من التمسّك به في الموارد المشكوكة لجواز التمسّك بالعامّ إذا كان المخصّص لبيّا مفهوميّة كانت الشبهة أو مصداقية كما تقرّر في محلّه. هذا.

و يظهر من الحلبي و ابن زهرة جواز النقل و عدم الضمان و إن كان الطريق مخوفا إذا كان بإذن الفقير و المستحقّ:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198 و 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- الترمذي 2/ 369،

الباب 39 من أبواب البيوع، الحديث 1284.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 121

و أمّا معهما فالأحوط الضمان (1).

______________________________

ففي الكافي: «و إذا أريد حملها إلى مصر آخر مع فقد من يستحقّها في المصر فلا ضمان على مخرجها في هلاكها، فإن كان السبيل مخوفا لم يخرجها إلّا بإذن الفقير، فإن حملت من غير إذنه فهي مضمونة حتى تصل إليه.

فإن كان في مصره من يستحقّها فحملها إلى غيره فهي مضمونة حتى تصل إلى من حملت إليه إلّا أن يكون حملها إليه بإذنه فيسقط الضمان.» «1»

و في الغنية: «و إن حملها مع خوف الطريق بغير إذن مستحقّها ضمن، و لا ضمان عليه مع استيذانه بدليل الإجماع المشار إليه.» «2»

أقول: المال ليس لشخص الفقير و المستحقّ حتّى يكون إذنه نافذا رافعا للضمان كإذن الشخص في ماله.

اللّهم إلّا أن يريدا توكيل الفقير المالك في القبض عنه و التملّك له ثمّ نقل ما ملكه إليه، أو يريدا إذن الفقيه الذي هو وليّ أمر الفقراء و سائر المصارف، فتدبّر.

(1) وجه القول بالضمان احتمال شمول صحيحتي محمد بن مسلم و زرارة له:

ففي الأولى منهما: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها.»

و في الثانية: «إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.» «3»

بتقريب أنّ الموضع و الأهل يعمّان الفقراء و سائر المصارف أيضا، و لا سيّما بملاحظة الارتكاز العرفي حيث يعدّون النقل مع وجود المصرف في المحلّ نوعا

______________________________

(1)- الكافي لأبي الصلاح الحلبي/ 173.

(2)- الجوامع الفقهية/ 568 (طبعة أخرى/ 506).

(3)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 122

..........

______________________________

من التأخير و التفريط الموجب عندهم للضمان.

و

لا ينافي ذلك التعبير بالدفع في الصحيحة الأولى إذ الظاهر منه بمناسبة الحكم و الموضوع مطلق الإيصال إلى المحلّ و لو كان بالصرف فيه، كما أنّ وجود المصرف في المستقبل القريب أيضا ربّما يعدّ عندهم نوعا من وجود المستحقّ فتأمّل.

و أمّا وجه القول بعدم الضمان فمضافا إلى الأصل- على ما قيل- إطلاق الأخبار النافية له كصحيحتي أبي بصير و عبيد بن زرارة و غيرهما.

و حملها على خصوص ما إذا لم يجد المصرف في المحلّ بالكليّة لا الفقير و لا غيره لا فعلا و لا في المستقبل حمل على الفرد النادر جدّا، إذ قلّما لا يوجد سائر المصارف و لو بعض مصاديق سبيل اللّه لا فعلا و لا في المستقبل.

و على هذا فيحمل الموضع و الأهل في صحيحتي زرارة و محمد بن مسلم أيضا على خصوص الفقير الموجود فعلا، و هو المتفاهم منهما عرفا و لا سيّما بقرينة كلمة الدفع في الأولى منهما، و لا أقل من كونه المتيقّن منهما فيرجع في الزائد إلى إطلاق الأخبار النافية للضمان.

قال في المستمسك بعد تقريب ذلك: «قيل: و يساعد ذلك ظهور الإجماع المحكي عن التذكرة و المنتهى على الضمان بمجرد التمكّن من الأداء، الظاهر في انتفائه مع تعذّر الأداء، و إن تمكّن من الصرف.

و لعلّ نكتة الفرق بين الأداء و الصرف: أنّ الأوّل لا يحتاج إلى كلفة غالبا بخلاف الثاني، فتعذّر الأوّل يكون كافيا في نفي الضمان و إن أمكن الثاني.» «1»

أقول: و لعلّ النكتة في الفرق أيضا أنّ عمدة النظر في تشريع الزكوات كان

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 324.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 123

..........

______________________________

إلى الفقراء و سدّ خلّاتهم على ما هو المستفاد من الأخبار المستفيضة الحاكمة بأنّ اللّه-

عزّ و جلّ- فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به. «1»

و أن اللّه قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم. «2»

و لا سيّما في عصر أئمتنا «ع» حيث إنّ زكوات الشيعة كانت قليلة جدّا فكان نظر الأئمة «ع» فيها إلى صرفها في فقراء شيعتهم المحرومين، و لأجل ذلك أمر «ع» في صحيحة ضريس و كذا خبر الحدّاد ببعثها إليهم من دون أن يستفصل عن وجود مصرف آخر في المحلّ، فتدبّر.

ثمّ قال في المستمسك بعد الكلام السابق: «لكنّ الإنصاف أنّ رفع اليد عن ظهور الصحيحين في توقف نفي الضمان على تعذّر الصرف، بدعوى لزوم حمل النصوص النافية للضمان على الفرض النادر غير ظاهر، لإمكان منع ذلك في ذلك الزمان في جملة من الأمكنة التي تجب فيها الزكاة، فالحكم بالضمان مع إمكان الصرف في محلّه.» «3»

أقول: لو سلّم ظهور الصحيحين في الضمان و إن وجد سائر المصارف فلا إشكال في ظهورهما أيضا في اشتراط ذلك بوجود المصرف فعلا فلا يكفي في الحكم بالضمان رجاء وجوده في المستقبل بل يجري فيه إطلاق الأخبار النافية للضمان.

ثمّ إنّ المصنّف تعرّض في كلامه لصورة انتفاء الأمرين و صورة ثبوتهما معا

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...

(2)- سنن البيهقي 7/ 8، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

(3)- المستمسك 9/ 325.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 124

[لا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد]

و لا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد مع الاشتراك في ظنّ السلامة (1). و إن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجّح للبعيد.

______________________________

و لم يتعرّض لصورة ثبوت أحدهما.

و الأحوط مع ثبوتهما أو ثبوت المصرف فعلا الضمان، و لا يلزم هذا الاحتياط فيما إذا لم يوجد فعلا و إن كان مرجوّا.

(1) أقول: إن قلنا بجواز نقل الزكاة مطلقا فلا فرق فيه بين البلد القريب و البعيد مع الاشتراك في ظنّ السلامة.

و أمّا إن قلنا بحرمته إجمالا فحيث إنّ من أدلّة الحرمة منافاة النقل للفوريّة و كونه معرّضا لها للخطر و التلف فلا محالة كان المناسب في صورة الجواز الفرق بين البلد القريب و البعيد إلّا أن يكون طريق القريب أخوف.

1- ففي الروضة في ذيل قول المصنّف: «و لا يجوز نقلها عن بلد المال إلّا مع إعواز المستحقّ فيه» قال: «فيجوز إخراجها إلى غيره مقدّما للأقرب إليه فالأقرب إلّا أن يختصّ الأبعد بالأمن.» «1»

2- و في المنتهى: «الخامس: إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي يوجد المستحقّ فيها استحبابا عندنا و وجوبا عند القائلين بتحريم النقل.» «2»

3- و في التذكرة: «هل يجب عليه مع عدم المستحقّ و اختيار النقل، القصد إلى أقرب الأماكن إلى بلده ممّا يوجد فيه المستحقّ؟ إشكال ينشأ من جواز النقل مطلقا لفقد المستحقّ، و من كون طلب البعيد نقلا عن القريب مع وجود المستحقّ فيه.» «3»

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية 2/ 39 (الروضة البهيّة 1/ 169، ط. الحجري).

(2)- المنتهى 1/ 529.

(3)- التذكرة 1/ 244.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 125

..........

______________________________

4- و في نهاية الإحكام: «و لو فقد المستحقّ في بلد المال و وجد في بلدين غيره، فإن كان أحد البلدين طريقا للآخر تعيّن التفريق في الأقرب، و لو لم يكن كذلك خيّر بين البعيد و القريب مع التساوي في غلبة ظنّ السلامة.» «1»

و عقّب ذلك في الجواهر بإضافات لم أجدها في المطبوع

من نهاية الإحكام، و لعلّها كانت في نسخته فراجع. «2»

و سيجي ء في المسألة التالية ما ينفعك في هذه المسألة لارتباطهما كثيرا.

______________________________

(1)- نهاية الإحكام 2/ 418.

(2)- الجواهر 15/ 433.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 126

11- هل يجوز نقل الزكاة الى بلد آخر مع وجود المستحق في بلده

اشارة

الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ في البلد (1)، و إن كان الأحوط عدمه، كما أفتى به جماعة.

[جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحقّ في البلد]

______________________________

(1) لا يخفى أن مسألة النقل مع وجود المستحقّ في البلد مختلف فيها عند الفريقين و قد تشتت الكلمات فيها: فبعضهم أفتى بالحرمة و الضمان. و آخر بالكراهة و الضمان، و ثالث بالجواز و الضمان، و رابع لم يصرّح إلّا بالضمان. و ربّما ترى فقيها واحدا مثل العلّامة مثلا أفتى في بعض كتبه بالكراهة و في بعضها بالحرمة و في التذكرة ادعى على الحرمة إجماع علمائنا أجمع.

و الناظر في كلمات الأصحاب يظهر له أنّ عمدة نظرهم بيان ثبوت الضمان بلا إشكال حيث لا يفرّعون على الحكم بالحرمة إلّا الحكم بالضمان، فلعلّ مرادهم من الحرمة ليس إلّا الضمان لا ثبوت الإثم بالتأخير و النقل، و لذا ترى الشهيد- قدّس سرّه- يقول في اللّمعة: «و لا يجوز نقلها عن بلد المال إلّا مع إعواز المستحقّ فيه فيضمن لا معه، و في الإثم قولان.» «1» فجزم بعدم الجواز و تردّد في ثبوت الإثم.

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية 2/ 39 (طبعة أخرى/ 23)؛ و الروضة البهيّة 1/ 169، ط. الحجري.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 127

..........

______________________________

و بهذا البيان يرتفع التهافت بين ادعاء الإجماع من الشيخ و العلّامة على الحرمة و بين إفتائهما في بعض كتبهما كغيرهما بالجواز مع الضمان، فيراد بالجواز عدم الإثم، و بالحرمة كونها على العهدة و الذمّة أعني الحرمة الوضعيّة.

و قد أشار إلى ما ذكرنا الشيخ الأعظم الأنصاري في زكاته مع الأغلاط المطبعية الكثيرة فيها، فراجع. «1» هذا.

و هل أرادوا بالضمان أداء المثل أو القيمة إن تلفت كما هو الظاهر، أو أرادوا به

تضمينها قبل النقل بنقلها إلى ذمّته فيكون المنقول في الحقيقة ملكا لنفسه كلّ منهما محتمل و إن كان جواز الثاني يحتاج إلى دليل.

[بعض كلمات الفقهاء في المقام]

إذا عرفت هذا فلنتعرّض لبعض كلمات الفقهاء في المقام:

1- ففي قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 8): «لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود المستحقّ لها في البلد فإن نقلها و الحال على ما قلناه كان ضامنا إن هلك، و إن لم يهلك أجزأه، و إن لم يجد في البلد مستحقا لم يكن عليه ضمان.

و للشافعي فيه قولان: أحدهما متى نقل إلى بلد آخر أجزأه و لم يفصّل، و به قال أبو حنيفة و أصحابه. و الثاني لا يجزيه و عليه الإعادة، و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و النخعي و مالك و الثوري.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ.» و لم يفصّل بين أن يكونوا من أهل البلد و غيرهم، و الخبر الذي يروى أن أمير المؤمنين «ع» قال لساعيه: إذا أخذت المال أحدره إلينا لنضعه حيث أمر اللّه- تعالى- به، و ذلك يدلّ على جواز النقل.» «2»

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم/ 513 (طبعة أخرى/ 451).

(2)- الخلاف 2/ 348.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 128

..........

______________________________

أقول: تعرّض في هذه المسألة لثلاث مسائل: الأولى جواز النقل و عدمه. الثانية الضمان مع النقل و الهلاك. الثالثة الإجزاء أو عدمه إن نقلها.

و هل الإجماع الذي ادعاه يرجع إلى الأولى أو الأخير أو الثلاث؟ كلّ محتمل و ظاهر كلامه أن مخالفة فقهاء السنة و اختلافهم في المسألة الثالثة لا الاولى و الثانية.

و قوله أخيرا: «و ذلك يدلّ على جواز النقل» يرد عليه

مضافا إلى تهافته مع ما أفتى به في أوّل المسألة من عدم الجواز أن جواز النقل مع أمر الإمام ممّا لا إشكال فيه. و محلّ البحث غير هذه الصورة.

2- و في النهاية: «و متى لم يجد من تجب عليه الزكاة مستحقّا لها عزلها من ماله و انتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزكاة في الطريق أو هلكت فقد أجزأ عنه، و إن كان قد وجد في بلده لها مستحقّا فلم يعطه و آثر من يكون في بلد آخر كان ضامنا لها إن هلكت و وجبت عليه إعادتها.» «1»

3- و في زكاة المبسوط: «فأمّا حمله إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ فلا يجوز إلّا بشرط الضمان، و مع عدم المستحقّ يجوز له حمله و لا يلزمه الضمان.» «2»

4- و في قسمة الزكاة منه: «لأنّ لربّ المال و الإمام أن يخصّ بها قوما دون قوم و يحمل إلى بلد آخر بشرط الضمان.» «3»

و راجع في هذا المجال موضعا آخر من المبسوط أيضا حيث يظهر من صدر عبارته عدم جواز الحمل و من ذيله أنّ التفرقة في البلد أولى و تمسّك لذلك بخبر معاذ. «4»

______________________________

(1)- النهاية/ 186.

(2)- المبسوط 1/ 234.

(3)- المبسوط 1/ 261.

(4)- المبسوط 1/ 245.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 129

..........

______________________________

5- و قال في الاقتصاد: «و إن أخّر انتظارا للمستحقّ لم يكن عليه ضمان، و إن كان المستحقّ حاضرا و أخّره في ذمّته إلى أن يخرج منه و حمل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود المستحقّ يجوز بشرط الضمان، و مع عدم المستحقّ يجوز على كلّ حال.» «1»

أقول: فهذا الشيخ الطوسي خرّيت

فقه الشيعة تراه أنّ المهمّ في نظره إثبات الضمان إن نقلت مع وجود المستحقّ و إن كان ربّما عبّر في هذا المجال بعدم الجواز و ربّما لم يصرّح إلّا بالضمان.

6- و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي: «و أهل المصر أولى من قطّان غيره، فإن لم يكن في المصر من تتكامل فيه صفات مستحقّها أخرجت إلى من يستحقّها ...

فإن كان في مصره من يستحقّها فحملها إلى غيره فهي مضمونة حتى تصل إلى من حملت إليه إلّا أن يكون حملها إليه بإذنه فيسقط الضمان.» «2»

7- و في الوسيلة: «و إذا وجد المستحقّ في البلد كره له نقلها إلى آخر، فإن نقل ضمن و إن لم يجد لم تضمن.» «3»

8- و في الدروس: «و لا يجوز نقلها مع وجود المستحقّ فيضمن، و قيل: يكره و يضمن، و قيل: يجوز بشرط الضمان و هو قويّ، و لو عدم المستحقّ و نقلها لم يضمن.» «4»

و قد مرّت عبارة اللمعة أيضا. و العلّامة أيضا مثل الشيخ قد اختلفت كلماته في كتبه المختلفة:

______________________________

(1)- الاقتصاد/ 279.

(2)- الكافي لأبي الصلاح الحلبي/ 172.

(3)- الجوامع الفقهية/ 681 (طبعة أخرى/ 717)؛ و الوسيلة/ 130.

(4)- الدروس/ 64.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 130

..........

______________________________

9- ففي التذكرة: «لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحقّ فيه عند علمائنا أجمع و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و طاوس و النخعي و مالك و الثوري و أحمد لقوله «ع» لمعاذ: فإن أجابوك فأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم.

و من طريق الخاصّة قول الصادق «ع»: لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب في المهاجرين.

و لأنّ الأداء واجب على الفور و هو

ينافي النقل لاستلزامه التأخير.

و قال أبو حنيفة: يجوز. و للشافعي قولان، لأن التعيين إلى المالك فكما جاز في البلد جاز في غيره، و هو ممنوع لما في الثاني من التأخير.» «1»

فجعل العلّامة في التذكرة محطّ الخلاف أصل جواز النقل و عدمه خلافا لما مرّ من الخلاف.

10- و في الإرشاد و القواعد أيضا أفتى بحرمة النقل مع وجود المستحق في البلد، فراجع. «2»

11- و لكن قال في التحرير: «في تحريم نقل الصدقة من بلدها مع وجود المستحقّ قولان: أقربهما الكراهيّة و لو نقلها ضمن.» «3»

12- و في المختلف بعد نقل بعض العبارات قال: «و الأقرب عندي جواز النقل على كراهيّة مع وجود المستحقّ و يكون صاحب المال ضامنا كما اختاره صاحب الوسيلة.» «4»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 244.

(2)- مجمع الفائدة 4/ 209؛ و القواعد 1/ 59.

(3)- التحرير/ 70.

(4)- المختلف/ 190.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 131

..........

______________________________

13- و يظهر من المنتهى أيضا اختيار الكراهة، فراجع. «1»

14- و في الشرائع: «و لا يجوز أن يعدل بها الى غير الموجود، و لا إلى غير أهل البلد مع وجود المستحقّ في البلد. و لا أن يؤخر دفعها مع التمكّن، فإن فعل شيئا من ذلك أثم و ضمن.» «2»

15- و في الجواهر ذيّل مسألة عدم جواز النقل بقوله: «على المشهور كما في الحدائق، بل في التذكرة الإجماع عليه، بل لعلّه ظاهر الخلاف أو محتمله و هو الحجة.» «3»

16- و لكن في المسالك: «و الأصحّ جواز نقلها مع وجود المستحقّ بشرط الضمان خصوصا للأفضل أو للتعميم لصحيحة هشام بن الحكم.» «4»

17- و في مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة: «و لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى بلد تقصر في مثله الصلاة.» «5»

18-

و ذيّله في المغني بقوله: «المذهب على أنّه لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر. قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد، قال: لا. قيل: و إن كان قرابته بها؟ قال: لا. و استحبّ أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها ...» «6»

أقول: فظاهر عبارته الأخيرة كون المسألة خلافية عند فقهاء السنة أيضا.

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 529.

(2)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى/ 125).

(3)- الجواهر 15/ 430.

(4)- المسالك 1/ 63.

(5)- مختصر الخرقي، راجع المغني 2/ 531.

(6)- المغني 2/ 531.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 132

..........

______________________________

19- و قال الماوردي: «و لا يجوز أن تنقل زكاة بلد إلى غيره إلّا عند عدم وجود أهل السهمان فيه. فان نقلها عنه مع وجودهم فيه لم يجزئه في أحد القولين، و أجزأه في القول الآخر و هو مذهب أبي حنيفة.» «1»

أقول: و ظاهره كعبارة الخلاف أنّ أبا حنيفة موافق في عدم الجواز و لكنّه قائل بالإجزاء لو نقلت.

20- و قال أبو يعلى الفراء: «و يفرّق زكاة كلّ ناحية في أهلها، و لا يجوز أن تنقل زكاة بلد إلى غيره إلّا عند عدم السهمان فيه، و إن نقلها عنه مع وجودهم فيه لم يجزه.» «2»

و لا يخفى أنّ الماوردي من علماء الشافعيّة و الفرّاء من الحنابلة.

21- و في خراج أبي يوسف: «و يقسّم سهم الفقراء و المساكين من صدقة ما حول كلّ مدينة في أهلها و لا يخرج منها فيتصدّق به على أهل مدينة أخرى. و أمّا غيره فيصنع به الإمام ما أحبّ من هذه الوجوه التي سمّى اللّه- تعالى- في كتابه.» «3»

22- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفيّة: «و أمّا زكاة

المال فحيث المال في الروايات كلّها و يكره إخراجها إلى أهل غير ذلك الموضع إلّا رواية عن أبي حنيفة أنّه لا بأس أن يخرجها إلى قرابته من أهل الحاجة و يبعثها إليهم.» «4» هذا.

و قد ظهر لك بما حكيناه من الأقوال أنّ المسألة عندنا بل عند فقهاء السنة على ما قيل ذات قولين. و ليست حرمة النقل إجماعية و إن ادعاه العلّامة في التذكرة بل لعلّه الظاهر من الخلاف أيضا.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 124.

(2)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 133.

(3)- خراج أبى يوسف/ 81.

(4)- بدائع الصنائع 2/ 75.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 133

[استدل لجواز النقل مضافا إلى عموم الآية بأخبار مستفيضة:]

______________________________

إذا عرفت هذا فنقول: استدل لجواز النقل مضافا إلى عموم الآية و إطلاقات أدلّة الإيتاء المقتضية لتخيير المالك بأخبار مستفيضة:

1- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال:

«لا بأس به.» «1»

و الإطلاق المستفاد من ترك الاستفصال يدلّ على العموم سواء كان الإعطاء من قبل المالك أو الإمام و سواء وجد المستحقّ في البلد أم لا.

2- صحيحة أحمد بن حمزة قال: سألت أبا الحسن الثالث «ع» عن الرحل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه فهل يجوز ذلك؟

قال: «نعم.» «2»

3- خبر درست بن أبي منصور قال: قال أبو عبد اللّه «ع» في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده قال: «لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع.» «3»

أقول: الظاهر أنّ الترديد من الراوي. و التفصيل بين الثلث أو الربع و بين الزائد بنحو الوجوب ممّا لم يقل به أحد فلا بدّ أن تحمل على مرتبة من الكراهة و أولوية

البلد.

4- و في البيهقي بسنده عن طاوس قال: قال معاذ يعني ابن جبل باليمن:

«ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة فإنّه أهون عليكم و خير للمهاجرين بالمدينة.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 195، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 6/ 196، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- سنن البيهقي 4/ 113، كتاب الزكاة، باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 134

..........

______________________________

و في رواية أخرى: قال معاذ باليمن: «ايتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرّة و الشعير.» «1»

أقول: في النهاية بعد نقل الخبر: «الخميس الثوب الذي طوله خمس أذرع، و يقال له المخموس أيضا.» «2»

فهذه أخبار يستفاد منها جواز النقل مطلقا، و يساعدها كما مرّ إطلاق الآية الشريفة و ما حذا حذوها في بيان المصارف بنحو الإطلاق، و إن كان ربّما ينافيها إجمالا ما مرّ في أوّل المسألة العاشرة من أنّ المستفاد من سيرة النبيّ «ص» و الخلفاء بعده و أخبار الفريقين أنّ البناء في أمر الزكاة كان على صرف زكاة كلّ بلد في مستحقّيه فإن فضلت عنهم حملت إلى غيرهم، فيجمع بين الطائفتين بالجواز مع الكراهة، فتأمّل. هذا.

[استدل القائلون بعدم الجواز بوجوه]

و استدل القائلون بعدم الجواز بوجوه:

الأوّل: ما مرّ من إجماع الخلاف و التذكرة.

الثاني: أنّ النقل مستلزم للتأخير المنافي للفورية المستفادة من ظاهر الأمر المفتى بها في كلام جمع من الأصحاب.

الثالث: أنّ النقل تغرير بالمال و تعريض له للتلف.

الرابع: قاعدة الشغل و أنّها تقتضي تحصيل الفراغ اليقيني، و لا يحصل هذا إلّا بالصرف في البلد.

______________________________

(1)- سنن البيهقي 4/ 113، كتاب الزكاة، باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات.

(2)-

النهاية لابن الأثير 2/ 79.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 135

..........

______________________________

الخامس: ما مرّ من الأخبار الدالّة على أن رسول اللّه «ص» كان يقسّم صدقه أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و أنّه لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين و أنها تؤخذ من أغنيائهم و تردّ على فقرائهم، و كان البناء عملا على ذلك، فراجع الأخبار الواردة في هذا المجال و قد ذكرناها في أوّل المسألة العاشرة. «1»

السادس: ما دلّ على الضمان في المقام كصحيحتي زرارة و محمد بن مسلم السابقتين بتقريب أنّ الضمان من لوازم التعدّي و التفريط و هما محرّمان بالنسبة إلى الأمانات و منها الزكوات. هذا.

و يرد على الوجه الأوّل: أنّ المسألة كما مرّ مختلف فيها و ليس فيها شهرة فضلا عن الإجماع، حتى أنّ مدّعيه أعني الشيخ و العلّامة أيضا خالفاه و أفتيا في بعض كتبهما بالجواز أو الكراهة فلا بدّ من أن تحمل الحرمة في معقده على الحرمة الوضعية أعني الضمان و الضمان مجمع عليه عند وجود المستحقّ كما يأتي و قد عرفت أن الظاهر من كلمات الأصحاب أنّ محطّ نظرهم بيان ذلك، فراجع ما حرّرناه في أوّل المسألة.

و يرد على الوجه الثاني: أوّلا: منع وجوب الفورية، و لا نسلّم ظهور الأمر في الفور، بل الظاهر منه بمقتضى الوضع طلب الطبيعة بنحو الإطلاق كما تقرّر في علم الأصول.

و ثانيا: أن النقل بنفسه شروع في الإخراج و الأداء كما عن المدارك و غيره

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، و سنن البيهقي 7/ 9، كتاب الصدقات، باب من قال لا يخرج صدقة قوم منهم من بلدهم ...

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 4، ص: 136

..........

______________________________

فلا ينافي الفورية، و يكون نظير التقسيم بين الأصناف و الأشخاص مع التمكّن من إيصالها دفعة واحدة إلى شخص واحد.

و ثالثا: أن مقتضى ذلك حرمة التأخير مطلقا لا خصوص النقل فلا وجه لذكر هذه المسألة بعنوان مستقلّ.

و رابعا: أنّ النقل ربّما يوجب التسريع في الأداء كما في النقل إلى بعض القرى القريبة بالقياس إلى بعض محلّات البلد الكبير جدّا.

و خامسا: أن بعض الأخبار المعتبرة تدلّ على جواز التأخير بمقدار شهرين أو ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، و سيأتي البحث فيه في الفصل الثاني و راجع الوسائل. «1» هذا ما قيل في المقام.

و لكن يمكن أن يقال بالنسبة إلى مسألة الفوريّة: إنّه لو التزمنا بمفاد أخبار جواز التأخير فهو، و أمّا إن بقينا و أوامر الإيتاء بإطلاقها فالعقل يحكم بالفوريّة.

لا نقول: إنّها أخذت قيدا في المامور به، أو إنّها واجبة شرعيّة مستقلا.

بل نقول: إنّ الأمر المنجّز إذا توجّه إلى المكلّف فإن كان هو مطمئنا ببقائه و بقاء قدرته إلى الزمان الثاني و ما بعده جاز له التأخير بمقتضى إطلاق الدليل لحجّية الوثوق و الاطمينان عند العقلاء.

و أمّا إذا لم يكن مطمئنا ببقائه أو بقاء قدرته فالعقل يحكم بوجوب المبادرة و امتثال التكليف المنجّز، إذ لو فرض موته أو عجزه في الزمان الثاني كان الفوت مستندا إلى مسامحته و سوء اختياره لتمكّنه من الامتثال في الزمان الأوّل فاستحقّ بذلك الذمّ و العقاب.

و بالجملة فاحتمال فوت التكليف المنجّز يلزمه عقلا بالمبادرة، و هذا البيان

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 137

..........

______________________________

جار في جميع التكاليف المطلقة المنجزة. و لا يجري استصحاب بقاء السلامة أو القدرة إلى

الزمان الثاني و ما بعده لعدم كونهما حكما شرعيا و لا موضوعا ذا حكم شرعي و وجوب الإطاعة و الامتثال حكم العقل و إن أرشد إليه الشرع أيضا. و قد تعرّض لهذا البيان السيد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في بعض أبحاثه. «1» هذا.

و يرد على الوجه الثالث: أنّ هذا لا يضرّ بعد كونها مضمونة بالنقل كما دلّت على ذلك صحيحتا زرارة و محمّد بن مسلم و أفتى به الأصحاب، بل لعلّ ظاهرهما الجواز و لكن مع الضمان و إلّا لصرّح الإمام «ع» بالنهي عن البعث بها. هذا مضافا إلى عدم كون النقل تغريرا في أعصارنا بعد إمكان الحوالة بها بوساطة البنوك و المصارف المعتبرة، و قد أثبتنا في الأبحاث السابقة جواز التبديل بالقيمة.

و يرد على الوجه الرابع: عدم جريان قاعدة الشغل بعد اقتضاء الإطلاقات تخيير المالك.

و يرد على الوجه الخامس- و هو العمدة-: أوّلا بحملها على الندب بقرينة ما مرّ من أخبار الجواز و ما دلّ على أنّه ليس في ذلك شي ء موقّت موظّف «2»، و ما استقرت عليه السيرة من تعيين العمّال لجباية الزكوات و نقلها إلى النبيّ «ص» و الخلفاء.

و ثانيا: بعدم دلالتها على حرمة النقل لإمكان العمل بما تضمنته هذه الروايات مع النقل أيضا.

و ثالثا: بأن الأخبار الحاكية عن العمل لا تدلّ على الوجوب لكون العمل

______________________________

(1)- راجع نهاية التقرير 2/ 214 و للمؤلف أيضا تقريرات لم يطبع بعد.

(2)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 138

[الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضا]

و لكنّ الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضا (1).

______________________________

أعمّ منه، و المتيقّن منه أصل الجواز. هذا.

و لكن يمكن أن يناقش بأنّ الكلام

في نقل المالك لا نقل الإمام و عمّاله، و بأن الثابت من نقل العمّال و المتيقّن منه إنما هو فيما زاد على حاجة أهل المحلّ، و بأن المقصود من الأخبار المذكورة صرف كلّ صدقة في بلدها و محلّها لا صرف صدقة البادية في البادية و لو في بادية أخرى و صرف صدقة الحضر و لو في غير هذا الحضر.

و يرد على الوجه السّادس: أن الصحيحتين تدلّان على الحكم الوضعي أعني الضمان فقط، و الضمان أعمّ من الحرمة إذ من الممكن إجازة الشارع للنقل بشرط الضمان، و هذا أمر عقلائي عرفي.

و ربّما نلتزم بذلك في التأخير الأزماني أيضا.

و كيف كان فالأقوى كما في المتن جواز النقل مع الضمان و إن كان الأحوط العدم و لا سيّما إذا كان من في البلد أولى ممّن تحمل إليه كما مرّ من المفيد.

(1) قد مرّ عن الخلاف الإفتاء بعدم جواز النقل ثمّ اختار الإجزاء إن نقل حاكيا ذلك عن أبي حنيفة و أصحابه و أحد القولين للشافعي ثمّ قال: و الثاني عدم الإجزاء و به قال عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير و النخعي و مالك و الثوري.

و في المنتهى: «لو قلنا بتحريم النقل فنقلها أجزأت إذا وصلت إلى الفقراء ذهب إليه علماؤنا أجمع، و هو قول أكثر أهل العلم، و للشافعي قولان و عن أحمد روايتان.» «1»

و في التذكرة بعد ادعاء الإجماع على عدم جواز النقل ذكر في الإجزاء نحو ما في المنتهى. «2»

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 529.

(2)- التذكرة 1/ 244.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 139

..........

______________________________

و مرّ عن الماوردي قوله: «لم يجزئه في أحد القولين و أجزأه في القول الآخر و هو مذهب أبي حنيفة. «1»

و عن

ابي يعلى قوله: «و إن نقلها عنه مع وجودهم فيه لم يجزه.» «2»

و قال في المغني: «فإن خالف و نقلها أجزأه في قول أكثر أهل العلم، قال القاضي: و ظاهر كلام أحمد يقتضي ذلك و لم أجد عنه نصّا في هذه المسألة، و ذكر أبو الخطّاب فيها روايتين ...» «3»

أقول: و المذكور في كلمات أكثر أصحابنا ثبوت الضمان مع النقل و هو أعمّ من الإجزاء و عدمه. إذ الظاهر منه ثبوت المثل أو القيمة لو تلفت.

و استدلّ للإجزاء بأنّها دفعت إلى مستحقّها من الأصناف الثمانية، و لعدم الإجزاء بأنّها دفعت إلى غير من أمرنا بالدفع إليه فأشبه ما لو دفعها إلى غير الأصناف. و استدل له في الروضة بالنهي حيث إنّه موجب للفساد.

أقول: إن كان المستند لتحريم النقل رعاية الفوريّة و حفظ المال من الخطر و التلف فلا يخفى أنّه حكم مستقلّ طريقيّ فلا يقيّد به إطلاق الآية و الروايات المبيّنة للمصارف الثمانية. بل لو شك في التقييد أيضا فالأصل يقتضي العدم إذ التقييد يتوقّف على إحراز وحدة الحكم.

و إن كان المستند الأخبار التي مرّت في الوجه الخامس فالحكم بالإجزاء مشكل، إذ مقتضى الأخبار كون صدقة كلّ بلد أو منطقة لأهل تلك المنطقة و أنها جعلت لانتفاعهم و سدّ خلّاتهم بها فهي في الحقيقة حقّ جعله اللّه لهم فلا يحل

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 124.

(2)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 133.

(3)- المغني 2/ 531.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 140

..........

______________________________

لغيرهم كما دلّ على ذلك صحيحة الحلبي.

و لا ينافي ذلك جواز النقل مع عدم المستحقّ في البلد لاحتمال كون الحقّ طوليّا.

اللّهم إلّا أن يستظهر من مجموع الأدلّة كون المقام بنحو تعدّد المطلوب و أن هنا حكمين مستقلّين:

أحدهما:

كون الزكاة للفقراء و سائر الأصناف بنحو الإطلاق.

الثاني: وجوب رعاية مستحقّي البلد و عواطفهم و توقّعهم من أغنياء بلدهم فإذا امتثل المكلف أحد الأمرين وجب سقوطه قهرا و إن عصى الأمر الثاني.

و أمّا قوله «ع» في صحيحة محمد بن مسلم: «فهو لها ضامن حتّى يدفعها» فلا ظهور له في الدفع إلى غير أهل البلد كما قيل فلعلّ المقصود به هو الدفع إلى أهل البلد المنقولة عنهم، فتأمّل. هذا.

و أمّا استدلال الروضة لعدم الإجزاء بالنهي فيرد عليه أنّ النهي تعلّق بالنقل لا بالدفع إلى فقراء غير البلد. هذا.

و يظهر من المنتهى و المدارك و الجواهر و غيرهم أنّهم اعتمدوا في الحكم بالإجزاء على الإجماع المدّعى.

قال في مصباح الهدى: «و كيف كان ففي الإجماع على الإجزاء على تقدير النقل كفاية» «1»

أقول: ليست هذه المسألة من المسائل الأصليّة المتلقاة عن المعصومين «ع» حتّى يعتمد فيها على الإجماع و لم تذكر في كتب القدماء المعدّة لنقل هذا السنخ من المسائل بل هي من المسائل التفريعية المستنبطة من القواعد فالإجماع فيها على فرض تحقّقه نظير الإجماع في المسائل العقليّة و لا اعتبار فيها للإجماع أصلا.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 327.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 141

[يجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء و أبناء السبيل]

و ظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء و أبناء السبيل (1).

______________________________

(1) قال في المستند: «ظاهر القائلين بعدم جواز النقل وجوب التقسيم في البلد لا في أهل البلد فيجوز الدفع في البلد إلى الغرباء و أبناء السبيل، و نفى عنه الشبهة بعض الأجلّة.» «1»

أقول: إن كان المستند للقول بحرمة النقل كونه منافيا للفوريّة أو تعريضا له للخطر و التلف كان الحكم المذكور واضحا، بل و

كذلك إن استندوا لها بالروايات و السيرة إذ الظاهر من تقسيم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر التقسيم بين الموجودين في بلد المال فعلا في قبال النقل منهم إلى غيرهم.

و يشهد لذلك جواز الإعطاء لابن السبيل بلا إشكال مع أنّه غريب في البلد، و لا يراد بإعطاء الزكاة له إرسالها له من بلده قطعا إذ مع كونه حرجيّا يستلزم نقل الزكاة و المفروض منعه مطلقا.

و بالجملة فمقصود القائلين بحرمة النقل و كذا المستفاد من هذه الأخبار تقسيمها في الموجودين في البلد و إن كانوا غرباء، لا في أهل البلد و إن كانوا غرباء في بلاد أخر كما هو واضح.

نعم يمكن أن يقال: إنّ قوله «ع» في صحيح الحلبي: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين.» ربّما ينافي ما ذكر، و لكن على فرض الأخذ بظاهره يمكن أن يحمل على الغلبة فإنّ الفرد الغريب مستهلك فيهم و يعدّ منهم في الأغلب، فتأمّل.

______________________________

(1)- المستند 2/ 59.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 142

[إذا تلفت بالنقل يضمن]

و على القولين إذا تلفت بالنقل يضمن (1).

______________________________

(1) قال في المنتهى: «لو نقلها مع وجود المستحقّ ضمن إجماعا لأنّ المستحقّ موجود و الدفع ممكن فالعدول إلى الغير يقتضي وجوب الضمان.» «1» ثمّ ذكر صحيحتي محمد بن مسلم و زرارة بعنوان التأييد.

أقول: بناء على كون النقل مجازا كما اختاره العلّامه في المنتهى ففي اقتضائه وجوب الضمان خفاء فالعمدة فيه الصحيحتان حيث فصّل فيهما بين من وجد لها موضعا أو أهلا ثمّ نقل و بين غير هذه الصورة:

ففي صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت هل عليه ضمانها

حتّى تقسّم؟ فقال: «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها.» «2»

و في صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت؟ فقال: «ليس على الرسول و لا على المؤدّي ضمان» قلت:

فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت أ يضمنها؟ قال: «لا، و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها.» «3»

و ظاهرهما كما مرّ عدم حرمة البعث بها تكليفا و إلا كان المناسب إشارة الإمام إليها و النهي عنها.

و أما الأخبار النافية للضمان بنحو الإطلاق: كصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه.» «4»

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 529.

(2)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 143

[مئونة النقل عليه لا من الزكاة]

كما أنّ مئونة النقل عليه لا من الزكاة (1).

[لو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن]

و لو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن (2).

______________________________

و صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها.» «1»

و خبر بكير قال: سألت أبا جعفر «ع» عن الرجل يبعث زكاته فتسرق أو تضيع؟

قال: «ليس عليه شي ء» «2»

و خبر أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر «ع»: جعلت فداك، الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيقطع عليه الطريق؟ فقال: «قد أجزأته عنه، و لو كنت أنا لأعدتها.» «3»

فلا محالة تحمل على الصحيحتين حمل المطلق على المقيّد كما في سائر الأبواب.

و احتمال الجمع بين الطائفتين بحمل ما دلّ على الضمان على الاستحباب بقرينة ذيل خبر أبي بصير خلاف الظاهر جدّا. فلا بدّ من حمل المطلقات على الصحيحتين المفصّلتين ثمّ القول باستحباب الإعادة فيما لا ضمان فيه.

(1) إذ لا وجه لأخذها منها بعد وجود المستحقّ في البلد و عدم الاحتياج إلى نقلها.

نعم لو كان المنقول إليه واجدا لمرجّح شرعي جاء احتمال أخذها من الزكاة لكون النقل لمصلحة الزكاة و كونه من مصاديق سبيل اللّه بناء على عمومه لكلّ أمر حسن، و لكن الأحوط ترك ذلك.

(2) أقول: إذن الفقيه ليس بأولى من إذن الشارع و قد اخترنا جواز النقل مع الضمان.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 144

و إن كان مع وجود المستحقّ في البلد، بل و أولى منه لو و كلّه في

قبضها عنه بالولاية العامّة ثم أذن له في نقلها (1).

______________________________

نعم لو طلبها الفقيه و كان مقلّدا له أو كان على نحو الحكم و الولاية العامّة و كان واجدا لشرائطها بحيث وجب النقل إليه فالظاهر عدم الضمان حينئذ إلّا مع التعدي أو التفريط و تنصرف الصحيحتان عن هذه الصورة.

(1) إذ بعد القبض عنه تخرج عن كونها في اختيار المالك و تخرج عن مصبّ الصحيحتين فيكون حكمها كسائر الأمانات إذا أذن صاحبها في النقل إليه.

و أولى من ذلك ما لو وكّله الفقير في التملّك و القبض له فإنّها تخرج حينئذ عن كونها زكاة و تصير ملكا لشخص الفقير فلا ضمان في نقله إليه بإذنه مع عدم التعدّي أو التفريط.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 145

12- جواز احتساب ماله في غير بلد الزكاة زكاة ...

الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة، أو نقل مالا له من بلد الزكاة إلى بلد آخر، جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده و لو مع وجود المستحقّ فيه. و كذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة و ليس شي ء من هذه من النقل الذي هو محلّ الخلاف في جوازه و عدمه (1) فلا إشكال في شي ء منها.

______________________________

(1) أقول: إن كان المستند لحرمة النقل كونه منافيا للفوريّة أو كونه تغريرا بالزكاة أو تعريضا لها للتلف صحّ ما ذكره المصنّف.

و أمّا إن استندنا فيه إلى الأخبار الماضية و لا سيّما قوله: «لا تحلّ» في صحيحة الحلبي فيمكن القول بعدم الجواز بل بعدم الصحة في المقام أيضا إذ ظاهر هذه الأخبار كون الزكاة حقّا لأهل بلدها فلا مجال لإعطائها لغيرهم و لو كان بالاحتساب عليهم أو إعطاء مال آخر و لم يصدق عنوان

النقل أصلا.

قال الشهيد الثاني في الروضة: «و أمّا نقل قدر الحقّ بدون النيّة فهو كنقل شي ء من ماله فلا شبهة في جوازه مطلقا فإذا صار في بلد آخر ففي جواز احتسابه على مستحقّيه مع وجودهم في بلده على القول بالمنع نظر: من عدم صدق النقل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 146

13- حكم نقل ما فيه الزكاة لو كان في غير بلده إلى بلده

الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده جاز له نقلها إليه مع الضمان لو تلف (1).

______________________________

الموجب للتغرير بالمال، و جواز كون الحكمة نفع المستحقّين بالبلد. و عليه يتفرع ما لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره.» «1»

و الذي يسهّل الخطب أنّا اخترنا جواز النقل مطلقا و لكن مع الضمان.

(1) لما مرّ من جواز النقل مطلقا مع الضمان، و المقام من مصاديق تلك المسألة، إذ المراد بالبلد- على ما هو المستفاد من أدلّة المانعين- بلد المال لا بلد المالك.

قال في التذكرة: «إذا كان الرجل في بلد و المال في بلد آخر فالاعتبار بالمال، فإذا حال الحول أخرجها في بلد المال، و أمّا زكاة الفطرة فالاعتبار فيها ببلد المخرج لأن الفطرة تجب عنه و هو بمنزلة المال. و للشافعي في الفطرة و جهان: أحدهما: هذا.

و الثاني: الاعتبار ببلد المال أيضا لأنّ الإخراج منه كزكاة المال.» «2»

و راجع في هذا المجال المغني أيضا. «3»

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية 2/ 40 (الروضة البهيّة 1/ 170، ط. الحجري).

(2)- التذكرة 1/ 244.

(3)- المغني 2/ 532

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 147

و لكن الأفضل صرفها في بلد المال (1).

______________________________

و ربّما يتوهّم أنّ المتيقّن من أدلّة المنع على القول به النقل من بلد المالك إلى غيره لا من غيره إليه، و لذا ترى المحقّق

في الشرائع مع تصريحه بعدم جواز أن يعدل بها إلى غير أهل البلد كما مرّ قال هنا: «و لو كان ماله في غير بلده فالأفضل صرفها في بلد المال، و لو دفع العوض في بلده جاز، و لو نقل الواجب إلى بلده ضمن إن تلف.» «1» فصرّح بكون الصرف في البلد أفضل.

و وجّه هذا في الجواهر بأنّه لم يرد بغير الأفضل جواز النقل بل دفع العوض في البلد كما صرّح به. «2»

و يرد عليه أن المحقّق تعرّض بعد ذلك للضمان أيضا من دون أن يتعرّض لعدم الجواز. هذا.

و لكنّ الظاهر أنّ من قال بالمنع في المسألة السابقه كان عليه أن يقول به هنا أيضا لجريان الأدلّة بأجمعها.

(1) في الجواهر: «عند العلماء كافّة كما في المدارك، و هو الحجّة، مضافا إلى ما قيل من أنّه يدلّ عليه مع ذلك حسن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، إلّا أنه ليس بتلك المكانة، ضرورة عدم اقتضاء قسمته «ع» صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر المحافظة على البلد.» «3»

أقول: قد مرّ أنّ الظاهر من الحسنة و نحوها تقسيم صدقة كلّ بلد أو منطقة فيه و فيها لا صدقة البادية في البادية و لو كانت غيرها أو الحضر في الحضر و لو كان غيره فدلالة الأخبار على المدّعى واضحة، فتدبّر.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 165 (طبعة أخرى 1/ 125).

(2)- الجواهر 15/ 437.

(3)- الجواهر 15/ 437.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 148

14- براءة ذمة المالك من الزكاة مع قبضها الفقيه بعنوان الولاية العامة

الرابعة عشرة: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك (1). و إن تلفت عنده بتفريط أو بدونه أو أعطى لغير المستحقّ اشتباها.

______________________________

(1) أقول: قبض الفقيه للزكاة يتصوّر على وجوه:

الأوّل: أن يقبضها لنفسه

لكونه فقيرا أو غارما مثلا.

الثاني: أن يقبضها و كالة عن الفقير أو الغارم.

الثالث: أن يقبضها وكالة عن المالك ليوصلها إلى أهلها.

الرابع: أن يقبضها بعنوان الولاية العامّة على القول بها كما هو الحقّ بشرائطها.

و براءة ذمّة المالك في الأوّلين واضح.

و لعلّ الحكم في الثالث مبني على ضمان المالك إن أعطاها إلى غير أهلها أو عدم ضمانه إذ يد الوكيل يد الموكّل، فراجع المسألة الثالثة عشرة من فصل أصناف المستحقّين.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 149

..........

______________________________

و أما في الرابع، فالظاهر عدم الإشكال في براءة ذمّة المالك لأنّ قبض الفقيه حينئذ قبض المستحقّ بمقتضى ولايته.

و قد مرّ أن مقتضى التشريع الأوّلي في الزكاة و نحوها من الضرائب الإسلامية أن تجعل تحت اختيار وليّ الأمر فإذا أوصلها المالك إليه فقد عمل بوظيفته و خرج عن الضمان قهرا.

و قد يستدلّ لذلك أيضا بفحوى ما مرّ من أخبار عدم الضمان إن عزلها المالك من المال، ففي صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه «ع»: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمّها لأحد فقد برئ منها.» «1»

بتقريب أنّ في إيصالها إلى الفقيه و قبضه لها إخراجا لها من ماله مع الزيادة فلا تكون مضمونة.

نعم لو سامح الفقيه في إيصالها إلى أهلها أو فرّط في حفظها كان الفقيه ضامنا لها بخلاف ما إذا عمل بوظيفته و لكن اتّفق الضياع لأنّه أمين للّه و للفقراء و لم يوجد منه تفريط و مسامحة فلا وجه لضمانه أيضا.

و إن شئت تفصيل المسألة فراجع ما حرّرناه في ذيل المسألة الثالثة عشرة من فصل أصناف المستحقّين. «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 199، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- كتاب الزكاة 2/ 397.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص:

150

15- إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن فعلى من تجب الأجرة؟

الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيّال و الوزّان على المالك لا من الزكاة (1).

______________________________

(1) 1- في قسمة الزكاة من المبسوط: «و إن احتيج إلى كيّال أو وزّان في قبض الصدقة فعلى من تجب؟ قيل فيه و جهان:

أحدهما: على أرباب الأموال لأنّ عليهم أيضا الزكاة كأجرة الكيّال و الوزّان في البيع على البائع.

و الآخر أنّه على أرباب الصدقات لأنّ اللّه- تعالى- أوجب عليهم قدرا معلوما من الزكاة فلو قلنا: إنّ الأجرة تجب عليهم لزدنا على قدر الواجب، و الأوّل أشبه.» «1»

2- و قال فيها بعد صفحة: «و يعطى الحاسب و الوزّان و الكاتب من سهم العاملين.» «2»

أقول: يبعد جدّا من مثل الشيخ أن يتهافت في الفتوى في كتاب واحد في قريب من صفحة واحدة.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 256.

(2)- المبسوط 1/ 257.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 151

..........

______________________________

فلعلّ محطّ نظره في العبارتين متفاوت: فالمقصود في العبارة الأولى من يتصدّى للوزن أو الكيل من قبل المالك لتخليص الزكاة من ماله، و هو محلّ كلامنا فعلا.

و المقصود في العبارة الثانية عمّال العامل الأصلي و إجراؤه و لا محالة تعطى أجرتهم من سهم العاملين.

و العامل كما يحتاج في عمله إلى محاسب و كاتب فربّما يحتاج إلى وزّان أيضا لتوزيع الزكوات أو تحويلها إلى بيت المال، بل في مرحلة القبض من المالك أيضا إذا فرض كونه متّهما عنده فلم يعتمد على قوله و وزنه. فتوهّم المعارضة في كلامي الشيخ كما يظهر من العلّامة في المختلف «1» في غير محلّه.

و بذلك يظهر أن نظر الشيخ في محل البحث كون الأجرة على المالك لا على الزكاة و إن نسب إليه في الجواهر و غيره كونها على

الزكاة.

3- و في الشرائع: «الرابعة: إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك و قيل: يحتسب من الزكاة، و الأوّل أشبه.» «2»

فأفتى هو أيضا بما أفتى به الشيخ من كونها على المالك، و يظهر من المدارك أنّ هذا فتوى الأكثر. «3»

و كيف كان فاستدلّوا على وجوبها على المالك بوجوب إيتاء الزكاة عليه فيجب عليه مقدمته أعني تعيينها بالكيل أو الوزن نظير وجوبهما على البائع مقدّمة لتسليم المبيع، و على المشتري مقدمة لتسليم الثمن.

و نوقش في ذلك كما في مصباح الهدى بعدم اقتضاء مجرّد وجوب العمل

______________________________

(1)- المختلف/ 191.

(2)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى/ 125).

(3)- المدارك/ 324 (ط. الجديد 5/ 278).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 152

..........

______________________________

على الشخص كون الخسارة أيضا عليه. ألا ترى أن الواجبات النظامية و الصنائع الضرورية للمجتمع واجبة بنحو الكفاية و مع ذلك تؤخذ الأجرة عليها. «1»

و بالجملة فقد يكون الواجب أصل إصدار العمل بنحو الإطلاق أعمّ من المجانية كما في الواجبات النظاميّة. و قد يكون الواجب العمل بقيد المجانية بحيث يعتبر العمل بالمعنى الاسم المصدري حقّا أو ملكا للّه أو للغير في عهدة هذا الشخص فلا يجوز له أخذ الأجرة عليه بل تكون الخسارات على عهدته.

و مسألة تسليم المبيع و الثمن من قبيل الثاني عند العقلاء فيرون تسليم المبيع حقّا للمشتري في عهدة البائع و تسليم الثمن حقّا للبائع في عهدة المشتري.

و لعلّ من هذا القبيل أيضا تجهيز الموتى فيعتبر حقّا لهم على الأحياء و لذا أفتى الأصحاب بعدم جواز أخذ الأجرة عليه.

و لكن لم يثبت كون إيتاء الزكاة و الضرائب الإسلامية أيضا من هذا القبيل، بل مقتضى القول بالشركة في باب الزكاة و الخمس أن تكون مئونة

إفراز حقّ أحد الشريكين على عهدة نفسه لكونه في طريق مصلحته، و ليس على الشريك الآخر إلّا عدم الحبس و عدم الحيلولة بينه و بين حقّه. هذا.

و استدلوا على عدم وجوب الأجرة على المالك بأصل البراءة.

و بأنّ الظاهر من إيجاب القدر المخصوص بعنوان الزكاة عدم وجوب غيره عليه.

و بأن جعل سهم للعاملين في باب الزكاة قرينة على أنّ مئونة الزكاة اعتبرت على نفسها فيخرج منها مئونة قبضها و نقلها و حفظها حتّى توصل إلى أهلها.

و بأن الزكاة أمانة في يد المالك، و وجوب أداء الأمانات لا يقتضي أزيد من رفع المانع و عدم الحيلولة بينها و بين صاحبها و لا سيّما إذا استلزم الإيصال

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 230.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 153

..........

______________________________

إلى صاحبها صرف نفقات كثيرة خارجة عن المتعارف.

و بأنّ الكيل و الوزن لإيصالها إلى أهلها من جملة سبل الخير فتخرج مئونتها منها من سهم سبيل اللّه.

و أجيب عن الأوّل: بأنّ الأصل لا يقاوم الدليل.

و عن الثاني: أولا: بأنّ إيجاب الزكاة لا يستلزم نفي وجوب غيرها.

و ثانيا: بأنّ أجرة النقل و الكيل و الوزن لا تكون واجبة في عرض الزكاة بل تجب بحكم العقل من باب المقدمة لأداء الواجب.

و عن الثالث: بأنّه استحسان محض.

و عن الرابع: بأنّ الظاهر من الكتاب و السنة إيجاب إيتاء الزكاة على المالك فليس المجعول شرعا مجرّد الشركة في الملك بل يكون مكلّفا بإيصالها إلى أهلها و على ذلك استقرت السيرة فيجب عليه مئونته.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 153

و عن الخامس: بأن المتيقّن من سبيل اللّه بقرينة جعله

في عرض سائر المصارف كما مرّ خصوص المصالح العامّة الاجتماعية لا كلّ خير و إلّا لعمّ جميع المصارف الثمانية. هذا.

و الأحوط لو لم يكن أقوى كونها على المالك وفاقا للأكثر لما مرّ من إيجاب الكتاب و السنة إيتاء الزكاة و توجيه الخطاب فيهما إلى الملّاك، و استقرار السيرة العملية على ذلك. و رفع الحوائل عن وضع المستحقّ يده على حقّه لا يمكن إلّا بإفراز المالك إيّاه من ماله بالكيل أو الوزن فيجب عليه ذلك مقدمة بحكم العقل من غير فرق بين كون التعلّق بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو حقّ من الحقوق أو التكليف المحض كما قيل. و ليس الوجوب المقدّمي الثابت بحكم العقل موجبا لصدق الزيادة على مقدار الواجب شرعا لعدم كونه في عرضه فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 154

16- حكم الإعطاء فيما إذا تعدد سبب الاستحقاق في شخص واحد

السادسة عشرة: إذا تعدّد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيرا و عاملا و غارما مثلا جاز أن يعطى بكلّ سبب نصيبا (1).

______________________________

(1) 1- في المبسوط: «و إذا اجتمع لشخص واحد سببان يستحقّ بكلّ واحد منهما الصدقة مثل أن يكون فقيرا غارما أو فقيرا غازيا أو غارما جاز أن يعطى بسببين، و يجوز أن يعطى لسبب واحد.» «1»

2- و في التذكرة: «لو اجتمع لواحد سببان يستحقّ بكلّ واحد منهما سهما من الصدقات أو أكثر من سببين جاز أن يأخذ بهما و بالزائد عند علمائنا و هو أحد قولي الشافعي ....

و قال في الآخر: لا يجوز الأخذ بل تخيّر في الأخذ بأيّهما شاء لأن قوله- تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» يقتضي تغايرهما فإن كلّ صنف غير الصنف الآخر.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 259.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 155

..........

______________________________

و لا حجة فيه لعدم

دلالة الآية على تضادّهما، و لأنّ التقدير اجتماعهما و كلّ منهما علة فيقتضي معلوله و هو الاستحقاق.» «1»

أقول: ظاهر عبارة التذكرة كون المسألة إجماعية عندنا و لكن لا يخفى أن المسألة ليست من المسائل الأصليّة المتلقّاة عن الأئمة «ع» و ليست معنونة في الكتب المعدّة لنقل هذه المسائل بل هي من المسائل التفريعيّة الاستنباطيّة التي أعمل فيها الاجتهاد و في مثلها لا يفيد الشهرة و لا الإجماع.

و ربّما يقال: إن عنوان هذه المسألة في كلام الأصحاب مبني على وجوب البسط على الأصناف، و ربّما يؤيّد ذلك عنوان الشافعي لها و هو كان ممّن يوجب البسط عليهم كما مرّ.

و لكن يمكن أن يقال بظهور الثمرة مع استحباب البسط أيضا و كذا في النذر و فيما إذا خرج الشخص بإعطائه من سهم عن استحقاقه لهذا السهم و لكن بقي فيه الاستحقاق من سهم آخر مثل أن يكون فقيرا مثلا فأعطي بقدر حاجته ثم احتجنا إليه للعمالة فاتخذناه عاملا أو كان عاملا فأعطي حقّ عمالته بالمقدار المتعارف و لكن ظهر كونه غارما أو أراد الحج أو الجهاد فاحتاج إلى مئونة زائدة.

3- و في الشرائع: «الخامسة: إذا اجتمع للفقير سببان أو ما زاد يستحقّ بهما الزكاة كالفقر و الكتابة و الغزو، جاز أن يعطى بحسب كلّ سبب نصيبا.» «2»

4- و ذيّله في المدارك بقوله: «كان الأولى أن يقول: إذا اجتمع للمستحقّ سببان ليعمّ الفقير و غيره، و لا ريب في جواز الدفع إلى من هذا شأنه بكلّ من الأسباب.» «3»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 235.

(2)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 126).

(3)- المدارك 324 (ط. الجديد 5/ 279).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 156

..........

______________________________

أقول: صاحب المدارك ادّعى عدم الريب في الجواز

و لكن لم يصرّح بجواز الإعطاء بأزيد من سبب واحد.

5- و في المغني: «و إن اجتمع في واحد أسباب تقتضي الأخذ بها جاز أن يعطى بها، فالعامل الفقير له أن يأخذ عمالته فإن لم تغنه فله أن يأخذ ما يتمّ به غناه ...» «1»

و كيف كان فالحكم في المسألة واضح إذ المفروض اندراج الشخص في الصنفين مثلا فيستحقّ بكلّ منهما.

ألا ترى أنّه لو ترتب حكم على عنوان العالم مثلا و آخر على عنوان الهاشمي فانطبقا على شخص واحد فلا محالة ينطبق عليه الحكمان إذ الموضوع جالب لحكمه و بمنزلة العلّة له كما مرّ من التذكرة.

و لكن ناقش في ذلك صاحب الحدائق قال: «لا يخفى أنّ المتبادر من الآية إنّما هو الشائع المتكثّر من تعدّد هذه الأفراد، و لهذا صارت أصنافا ثمانية باعتبار مقابلة كلّ منها بالآخر.

و أيضا فإنّه متى أعطي من حيث الفقر ما يغنيه و يزيده على غناه فكيف يعطى من حيث الغرم و الكتابة المشروطين- كما تقدم- بالعجز عن الأداء. و بالجملة فالحكم عندي محلّ توقّف لعدم الدليل عليه.» «2»

أقول: و يرد على الأوّل: أنّ التبادر من الآية ممنوع، و الكثرة الخارجيّة لا توجب عدم حجيّة المطلق في الأقل.

______________________________

(1)- المغني 2/ 518.

(2)- الحدائق 12/ 251.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 157

..........

______________________________

و على الثاني: أنّه يمكن فرض ارتفاع أحد الموضوعين بالإعطاء و بقاء الآخر بحاله كما مرّ.

نعم لو نذر بصيغة واحدة أن يعطي دينارا لعالم و آخر لهاشمي أمكن في مثله دعوى الانصراف عن إعطائهما لشخص واحد بعنوانين، بخلاف ما إذا ثبت حكمان لموضوعين كلّيين من دون أن يكون أحدهما ناظرا إلى الآخر و مقيّدا له فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 158

17- حكم إرث المملوك المشترى من الزكاة إذا لم يكن له وارث

السابعة

عشرة: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة دون الإمام- عليه السلام- (1).

______________________________

(1) إذا مات المملوك المعتق من الزكاة و لم يكن له وارث فهل تكون تركته لأرباب الزكاة مطلقا فتكون بمنزلة نفس الزكاة كما هو ظاهر المصنّف تبعا للشيخ و الأكثر، أو لخصوص الفقراء كما هو ظاهر المفيد أو يرثه الإمام لأنّه وارث من لا وارث له كما هو ظاهر الإرشاد و القواعد و الإيضاح أو يفصّل بين الموارد؟

في المسألة وجوه بل أقوال، و قد تعرّض لها بعض الأصحاب بالتفصيل و لكن لما خرجت المسألة في أعصارنا عن محلّ الابتلاء نتعرّض لها من دون تطويل فنقول:

1- قال الشيخ في النهاية: «فإذا لم تجد مستحقّا للزكاة و وجدت مملوكا يباع جاز لك أن تشتريه من الزكاة و تعتقه فإن أصاب بعد ذلك مالا و لا وارث له كان ميراثه لأرباب الزكاة.» «1»

______________________________

(1)- النهاية/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 159

..........

______________________________

أقول: قد مرّ في بحث الرقاب أنّهم ثلاثة أصناف: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة، و العبد تحت الشدة، و مطلق العبد مع عدم وجود المستحقّ للزكاة.

و كلام المصنّف هنا مطلق، و كلام الشيخ يرتبط بالصنف الثالث فقط.

و لأحد أن يفصّل في المسألة فيقول: إنّ العبد في الصنفين الأوّلين يشترى من سهم الرقاب فاشتري بماله لا بمال غيره فيكون بمنزلة العبد السائب ليس عليه ولاء عتق فيكون ميراثه للإمام.

و أمّا في الصنف الثالث فكأنّه اشتري بمطلق الزكاة فيكون ولاؤه لمن أعتقه أعني أرباب الزكاة كما هو ظاهر النهاية.

2- و في الانتصار: «و ممّا ظنّ انفراد الإمامية به إجازتهم أن يشترى من مال الزكاة المملوك فيعتق و يقولون: إنّه متى

استفاد المعتق مالا ثمّ مات فماله لأهل الزكاة لأنّه اشتري من مالهم، و قد روي عن مالك و أحمد بن حنبل مثل هذا القول الذي حكيناه و روي عن ابن عبّاس أنّه قال: أعتق من زكاتك.

فأمّا باقي الفقهاء من أبي حنيفة و الشافعي و غيرهما فعندهم أنّه لا يجوز العتق من الزكاة. دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ...» «1»

أقول: هل الإجماع في كلامه يرجع إلى جميع ما ذكره أو إلى خصوص جواز العتق من الزكاة؟ و لعل الثاني أظهر و لا يخفى أنّ المخالف يحمل الرقاب في الآية على خصوص المكاتب.

و كيف كان فظاهر كلام السيّد أيضا أنّ تركته لمطلق أرباب الزكاة.

3- و في المقنعة بعد ذكر الصنفين الأخيرين من الرقاب قال: «فإن استفاد المعتق بعد ذلك مالا و توفّي و لا وارث له كان ما ترك من المال للفقراء و المساكين

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 113 (طبعة أخرى/ 155).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 160

..........

______________________________

من المؤمنين لأنّه إنّما اشتراه بحقّهم من الزكاة.» «1»

أقول: لعلّه ذكر الفقراء و المساكين من باب المثال كما يشعر بذلك تعليله.

و الظاهر كونه ناظرا إلى موثقة عبيد الآتية.

4- و في الشرائع: «الثالثة: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة. و قيل: بل يرثه الإمام و الأوّل أظهر.» «2»

أقول: كلامه يشمل الأصناف الثلاثة.

5- و في المعتبر: «السادسة: لو مات العبد المبتاع من الزكاة و لا وارث له فماله لأرباب الزكاة و عليه علماؤنا، و حجّتهم ما رواه عبيد بن زرارة ....

و يمكن أن يقال: تركته للإمام لأنّ الفقراء لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة لأنّه أحد مصارفها فيكون كالسائبة، و تضعّف الرواية

بأنّ في طريقها ابن فضال و هو فطحي و عبد اللّه بن بكير و فيه ضعف غير أنّ القول بها عندي أقوى لمكان سلامتها عن المعارض و إطباق المحقّقين منا على العمل بها.» «3»

6- و في المنتهى: «العبد المبتاع من مال الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة ذهب إليه علماؤنا لأنّه اشتري من مال الزكاة ...» «4»

أقول: ظاهر المعتبر و المنتهى إجماع أصحابنا على كونه لأرباب الزكاة مطلقا من غير فرق بين الأصناف الثلاثة.

7- و قال العلّامة في الإرشاد: «و لو مات من أعتق من الزكاة و لا وارث له

______________________________

(1)- المقنعة/ 42.

(2)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 125).

(3)- المعتبر/ 284.

(4)- المنتهى 1/ 531.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 161

..........

______________________________

فميراثه للإمام على رأي.» «1»

و نحوه في القواعد، و في الإيضاح أنّه أولى. «2» هذا.

و بما حكيناه من الكلمات يظهر أنّ ما ذكره المصنّف هو المشهور بين أصحابنا بل ظهر من بعضها ادعاء الإجماع عليها.

و الأصل في المسألة روايتان:

الأولى: موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟

قال: نعم لا بأس بذلك. قلت: فإنّه لمّا أن أعتق و صار حرّا اتّجر و احترف فأصاب مالا (كثيرا) ثمّ مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟

قال: «يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة لأنّه إنّما اشتري بمالهم.» «3»

الثانية: ما رواه في العلل بسند صحيح عن أيوب بن الحرّ قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: مملوك يعرف هذا الأمر

الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة فأعتقه؟ قال: فقال: اشتره و أعتقه. قلت: فإن هو مات و ترك مالا؟ قال: فقال:

ميراثه لأهل الزكاة لأنّه اشتري بسهمهم. قال: و في حديث آخر: بمالهم. «4»

و أكثر فقهائنا تمسكوا بموثقة عبيد و لعلّه لذكرها في الكافي و التهذيب، و صحيحة أيوب بن الحرّ لم تذكر في الكتب الأربعة.

و في المستمسك تمسّك بهما ثمّ قال: «و مقتضى الأوّل و إن كان اختصاص

______________________________

(1)- مجمع الفائدة 4/ 226.

(2)- القواعد 1/ 59؛ إيضاح الفوائد 1/ 207.

(3)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 203، الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 162

..........

______________________________

الولاء بالفقراء إلّا أنّ التعليل فيه بأنّه اشتري بمالهم موجب لحمله على إرادة أرباب الزكاة- و لو بقية الأصناف- لحكومة التعليل كما في سائر الموارد فيكون ذكر الفقراء لأنهم العمدة في المصرف لا لخصوصيّة فيهم كما هو الحال في النصوص المتضمّنة أن الزكاة للفقراء. بل مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي جواز صرفه في الرقاب أيضا فيكون الولاء من نتائج الزكاة فيجري عليه حكمه.» «1»

أقول: ما ذكره متين، و حمل التعليل على الحكمة لا العلّة خلاف الظاهر جدّا.

و يشهد للتعميم العموم في الصحيحة. و الظاهر أنّ الشراء كان بعنوان مصرف الرقاب لا بعنوان سبيل اللّه أو الفقراء.

نعم مورد الموثقة خصوص الصّنف الثالث من الرقاب و لكنّ التعليل يوجب التعميم.

و في الدروس بعد الإشارة إلى الموثقة قال: «و فيه إيماء إلى أنّه لو اشتري من سهم الرقاب لم يطرد الحكم إذا اشتري بنصيبه لا بمال غيره فيرثه الإمام.» «2»

أقول: ليس في الموثقة أنّه اشتري بسهم الفقراء بل الظاهر اشتراؤه بسهم

الرقاب أو بمطلق الزكاة، و الزكاة عندنا حقّ وحدانيّ و مصرفه الأصناف الثمانية و لا يتعيّن فيها التسهيم و البسط فكذلك في نتيجتها أعني الميراث في المقام.

و لكن في الجواهر: «و التحقيق كون الإرث للفقراء، و هم أرباب الزكاة لما عرفت من كونهم المعظم في مصرفها، بل و مشروعيّتها.» «3»

أقول: كونهم المعظم في مصرفها و مشروعيتها لا يوجب الحصر فيهم

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 330.

(2)- الدروس/ 63.

(3)- الجواهر 15/ 446.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 163

و لكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط (1).

______________________________

و المال مال للجميع لا لصنف خاصّ. و ظاهر الصحيحة و كذا كلمات الأصحاب التعميم كما عرفت.

(1) لكونهم الأصل و القدر المتيقّن من مصرف الزكاة، و لذكرهم بالخصوص في الموثقة، و لكونهم الحائط للقولين أو الأقوال في المقام إذ على فرض كونه للإمام فالأحوط فيه صرفه في خصوص الفقراء كما مرّ بحثه في باب الأنفال.

و لكن إن أريد الاحتياط التامّ فالأحوط الاستجازة من الحاكم الشرعي في صرفه فيهم إذ المرجع في مال الإمام في عصر الغيبة هو الحاكم، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 164

18- حدّ ما يدفع من الزكاة قلة و كثرة

الثامنة عشرة: قد عرفت سابقا أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا اعطي دفعة فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه (2).

و إن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف، خصوصا في المحترف الّذي لا تكفيه حرفته.

نعم لو اعطي تدريجا فبلغ مقدار مئونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق.

______________________________

(2) قد تعرّض المصنّف هنا لمسألتين:

الأولى: أكثر ما يدفع لفقير واحد.

الثانية: أقل ما يدفع له.

و تعرّض سابقا في المسألة الثانية من فصل أصناف المستحقين للمسألة الأولى. و نحن تعرّضنا هناك لكلتا

المسألتين بالتفصيل فراجع المجلد الثاني من زكاتنا المطبوعة. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 325 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 165

و الأقوى أنّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضا من غير فرق بين زكاة النقدين و غيرهما.

و لكن الأحوط عدم النقصان عمّا في النصاب الأوّل من الفضّة في الفضّة و هو خمس دراهم، و عمّا في النصاب الأوّل من الذهب في الذهب و هو نصف دينار، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضا.

و أحوط من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كلّ جنس، ففي الغنم و الإبل لا يكون أقلّ من شاة. و في البقر لا يكون أقلّ من تبيع. و هكذا في الغلّات يعطى ما يجب في أوّل حدّ النصاب.

______________________________

و لا يترك الاحتياط في المسألة الأولى بالاقتصار على مئونة السنة، و في المسألة الثانية بعدم النقص عن خمسة دراهم عينا أو قيمة في جميع الأجناس التسعة إلّا إذا كان الواجب عليه أقلّ من ذلك كما إذا حال الحول على النصاب الثاني بعد ما أدّى فرض النصاب الأوّل، فتأمّل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 166

19- حكم دعاء الفقيه ... لمالك الزكاة

اشارة

التاسعة عشرة: يستحبّ للفقيه أو العامل أو الفقير الّذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الّذي يقبض بالولاية العامّة (1).

[معنى الصلاة على المزكي]

______________________________

(1) أقول: قال اللّه- تعالى- في سورة التوبة مخاطبا لنبيّه «ص»: «خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم و تزكّيهم بها، و صلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم، و اللّه سميع عليم.» «1» فأمره بالصلاة عليهم.

1- قال الراغب في المفردات: «و الصلاة قال كثير من أهل اللغة هي الدعاء و التبريك و التمجيد، يقال: صلّيت عليه أي دعوت له و زكّيت ...» «2»

2- و في أمّ الشافعي: بعد ذكر الآية قال: «و الصلاة عليهم: الدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم.» «3»

3- و في الدرّ المنثور: «أخرج ابن أبي شيبة و البخاري و مسلم و أبو داود

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(2)- مفردات الراغب/ 285 (طبعة أخرى/ 293).

(3)- أمّ الشافعي 2/ 51، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 167

..........

______________________________

و النسائي و ابن ماجة و ابن المنذر و ابن مردويه عن عبد اللّه بن أبي أوفى قال:

كان رسول اللّه «ص» إذا أتي بصدقة قال: «اللّهم صلّ على آل فلان» فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللّهم صلّ على آل أبي أوفى.» «1»

و رواه البيهقي بسنده عن عبد اللّه بن أبي أوفى ثمّ روى رواية أخرى عنه:

أنّ النبي «ص» كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللّهم صلّ عليهم.» «2»

أقول: يظهر من الآية و الرواية جواز الدعاء لغير النبي «ص» أيضا بلفظ الصلاة و إن منع ذلك كثيرون كما يأتي.

4- و في عوالي اللئالي: «و في الحديث أنّه لمّا نزل قوله- تعالى-:

«وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ» و أمر «ص» الصحابة بأداء الزكاة

و دفعها إليه، فأوّل من امتثل و أحضر الزكاة رجل اسمه أبو أوفى فدعا له النبي «ص» فقال: «اللّهم صلّ على أبي أوفي و آل أبي أوفى.» «3»

5- و في سنن البيهقي بسنده عن وائل بن حجر عن النبي «ص» أنّه بعث إلى رجل فبعث إليه بفصيل مخلول فقال رسول اللّه «ص»: «جاءه مصدّق اللّه و مصدّق رسوله فبعث بفصيل مخلول، اللّهم لا تبارك فيه و لا في إبله.» فبلغ ذلك الرجل فبعث إليه بناقة من حسنها و جمالها فقال رسول اللّه «ص»: «بلغ فلانا ما قال رسول اللّه فبعث بناقة من حسنها، اللّهم بارك فيه و في إبله.» «4»

أقول: في النهاية: «و فيه: أنّه أتي بفصيل مخلول أو محلول. أي مهزول، و هو الذي جعل على أنفه خلال لئلّا يرضع أمّه فتهزل ... و منه يقال لابن المخاض

______________________________

(1)- الدّر المنثور 3/ 275.

(2)- سنن البيهقي 4/ 157، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة ...

(3)- عوالي اللئالى 2/ 232، باب الزكاة، الحديث 19.

(4)- سنن البيهقي 4/ 157، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الصدقة ...

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 168

..........

______________________________

خلّ لأنّه دقيق الجسم.» «1»

[هل كان هذا واجب أو مستحب؟]

و بالجملة فالنبي «ص» أمر بالدعاء لهم و كان يدعو لهم فلا إشكال في ذلك إجمالا و إنّما الإشكال في أنّه هل كان هذا بنحو الوجوب أو الاستحباب؟

و على أيّ تقدير فهل كان هذا من خصائصه «ص» أو يتأسّى به الإمام و الفقيه بل الفقير أيضا؟

و هل يتعيّن الدعاء بلفظ الصلاة أو يكفي بأيّ لفظ كان؟

6- قال الشافعي في الأمّ بعد العبارة السابقة: «فحقّ على الوالي إذا أخذ صدقة امرئ أن يدعو له، و أحبّ

إليّ أن يقول: «آجرك اللّه فيما أعطيت و جعلها لك طهورا و بارك لك فيما أبقيت.» و ما دعا له به أجزأه إن شاء اللّه.» «2»

أقول: فظاهره إسراء الحكم إلى الوالي أيضا و لم يتعرّض للفقير، و ظاهره الاستحباب لا الوجوب، فتأمّل.

و العلّامة في التذكرة أيضا ذكر عين الدعاء الذي ذكره الشافعي. «3» و لعلّه أخذه منه.

7- و في قسمة الصدقات من الخلاف (المسألة 5): «إذا أخذ الإمام صدقة الأموال يستحبّ له أن يدعو لصاحبها و ليس بواجب عليه ذلك، و به قال جميع الفقهاء إلّا داود فإنّه قال: ذلك واجب عليه.

دليلنا: أنّ الأصل براءة الذمّة، و إيجاب ذلك عليه يحتاج إلى دليل.

______________________________

(1)- نهاية ابن الأثير 2/ 73.

(2)- الأمّ للشافعي 2/ 51، كتاب الزكاة، باب ما يقول المصدق إذا أخذ الزكاة.

(3)- التذكرة 1/ 247.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 169

..........

______________________________

و قوله- تعالى-: «وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ» محمول على الاستحباب الذي ذكرناه.» «1»

8- و في قسمة الصدقات من المبسوط: «فإذا أخذ الإمام صدقة المسلم دعا له استحبابا لقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.» و ذلك على الاستحباب.» «2»

أقول: فهو- قدّس سرّه- في كتابيه حمل الآية على الاستحباب و أسرى حكمها إلى الإمام أيضا فكأنّه فهم من الآية أنّ الحكم كان ثابتا له «ص» بما أنّه كان قائدا للمسلمين و إماما لهم، و بذلك يمكن القول بإسرائه إلى الفقيه المتصدي للولاية العامّة أيضا و يقتضيه إطلاق آية التأسي أيضا.

و أمّا إسراؤه إلى الفقير فمشكل و لا سيّما بملاحظه التعليل المستفاد من الآية، فتأمّل.

9- و لكن في زكاة الخلاف (المسألة 154): «على الإمام إذا أخذ الزكاة أن يدعو

لصاحبها و به قال داود. و قال جميع الفقهاء: إنّ ذلك مستحبّ غير واجب. دليلنا قوله- تعالى-: خذ من أموالهم صدقة إلى قوله: و صلّ عليهم.

و هذا أمر يقتضي الوجوب.» «3»

10- و في الشرائع: «إذا قبض الزكاة دعا لصاحبها وجوبا، و قيل:

استحبابا و هو الاشهر.» «4»

11- و يظهر من المحقق في المعتبر أيضا اختيار الوجوب عملا بظاهر الأمر في الآية. «5»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 347.

(2)- المبسوط 1/ 244.

(3)- الخلاف 1/ 323.

(4)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 126).

(5)- المعتبر/ 284.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 170

..........

______________________________

12- و في المسالك: «وجوب الدعاء هو الأجود عملا بظاهر الأمر.» ثمّ قال:

«و اختاره المصنّف في المعتبر و أكثر المتأخّرين عنه، و كذا يجب على نائبه خصوصا و عموما كالسّاعي و الفقيه دون الفقير بل يستحبّ.» «1»

13- و في الدروس: «و يجب على الإمام الدعاء لصاحبها عند الأخذ، و قيل:

يستحبّ.» «2»

14- و قال العلّامة في الإرشاد: «و يدعو الإمام أو السّاعي إذا قبضها وجوبا على رأي.» «3»

15- و لكنّه في المنتهى و القواعد و المختلف قوّى الاستحباب و لعلّه الظاهر من التذكرة أيضا. «4»

قال في المنتهى: «و إذا قبض الإمام أو السّاعي الزكاة دعا لصاحبها إجماعا لقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ.»

و روي عن رسول اللّه «ص» أنّه كان إذا أتي الصدقة قال: «اللّهم صلّ على آل فلان.»

و هل هذا الدعاء واجب؟ الأقرب الاستحباب و به قال الشافعي. و قال داود الظاهري: إنّه الواجب، و للشيخ قولان. لنا الأصل عدم الوجوب، و ما نقل عن النبي «ص» أنّه لما أنفذ معاذ و علّمه فقال: «أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم لتوضع في

فقرائهم.» و لم يأمره بالدعاء و لو كان واجبا لم يخلّ به، و لأنّه غير واجب على الفقير المدفوع إليه فالنائب أولى.» «5»

______________________________

(1)- المسالك 1/ 62.

(2)- الدروس/ 64.

(3)- مجمع الفائدة 4/ 216.

(4)- القواعد 1/ 59؛ و المختلف/ 188؛ و التذكرة 1/ 242 و 247.

(5)- المنتهى 1/ 531.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 171

[المسألة ذات قولين عند أصحابنا]

______________________________

أقول: قد ظهر بما ذكرنا أن المسألة ذات قولين عند أصحابنا. و يظهر من الجميع أنّهم لم يحتملوا كون الحكم من خصائص النبيّ فتعرّض الجميع لحكم الإمام، فكأنّهم فهموا من الآية، أنّ الحكم كان ثابتا له بما أنّه كان إماما للمسلمين.

و إذا فرض إسراء الحكم إلى الإمام فالظاهر إسراؤه إلى الفقيه المتصدّي للولاية العامّة أيضا بمقتضى النيابة. و ظاهر الأمر الوجوب و دلّت الأخبار على استقرار سيرة النبي «ص» على ذلك، فأصالة الاشتراك في التكليف و إطلاق آية التأسّي يقتضيان الوجوب على الإمام و الفقيه أيضا، و أصل البراءة لا يقاوم الدليل.

و بهذا البيان يظهر الإشكال على ما في المدارك «1»، من أن البحث في وجوب ذلك على النبي و الإمام و استحبابه خال من الفائدة، فتدبّر.

و في الجواهر: «إنّ المتّجه الوجوب عملا بظاهر الأمر بالصلاة عليهم.»

ثمّ قال: «و دعوى اختصاص ذلك بالنبي «ص» و الإمام «ع» لظهور التعليل فيه إذ هما الذي يسكن المرء إلى دعائهما و تطمئنّ به نفسه لمعلوميّة استجابة دعائهما بخلاف غيرهما.

يدفعها معلومية عدم كون المراد من التعليل دوران الحكم مداره وجودا و عدما.

بل ربّما ظهر من المحكيّ عن بعضهم إشعاره بالوجوب لأنّه استدلّ عليه أوّلا، بظاهر الصيغة، و ثانيا، بالعطف على «خُذْ» و ثالثا، لتعليله بأنّ فيه لطفا للمكلّف، و اللطف واجب فالموصل إليه مثله، ضرورة

عدم التفاوت في اللطف بين النبي «ص» و نائبه الخاصّ أو العام.» «2»

______________________________

(1)- المدارك/ 325 (- الطبعة الجديدة 5/ 284).

(2)- الجواهر 15/ 454.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 172

..........

______________________________

أقول: العمدة ظهور الأمر في الوجوب و سيرة النبي «ص» بضميمة أدلّة التأسّي، و أمّا عطف الأدب المندوب على الواجب فغير عزيز في الشرع، و لا دليل على وجوب كلّ لطف. و البعض المحكيّ عنه هو الفاضل المقداد في كنز العرفان. هذا.

[استدلّ القائلون بعدم الوجوب بوجوه]

و استدلّ القائلون بعدم الوجوب بوجوه:

الأوّل: الأصل.

الثاني: أنّه لا يحب على الفقير إجماعا كما قيل، و لأنّه لو وجب عليه لبان و ظهر لشدّة الابتلاء به فعدم الوجوب على نائبه أولى.

الثالث: أنّ أمير المؤمنين «ع» لم يأمر ساعيه الذي أنفذه إلى بادية الكوفة بذلك مع اشتمال وصيّته له على كثير من الآداب و السنن، فراجع الوسائل. «1»

الرابع: ما مرّ من المنتهى من أنّ النبي «ص» لم يأمر معاذا بذلك حين أنفذه إلى اليمن و أمره بأخذ الصدقة و لو كان واجبا لم يخلّ به.

الخامس: صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: بعثت إلى الرضا «ع» بدنانير من قبل بعض أهلي، و كتبت إليه أخبره أن فيها زكاة خمسة و سبعين، و الباقي صلة فكتب بخطّه: قبضت.» «2» حيث لم يتعرّض الحديث لدعائه «ع».

السادس: ما مرّ في كلام الجواهر من أنّ التعليل في الآية يختص بالنبي و الإمام المعصوم حيث إنّ السكونة تحصل بدعائهما دون غيرهما فلا يجب الدعاء على الفقيه.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 88، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام.

(2)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 173

..........

______________________________

أقول: يرد على الوجه الأوّل: أن الأصل لا يقاوم الدليل

من ظهور الآية و غيره.

و على الوجه الثاني: أنّ أخذ النبي «ص» و الإمام و الفقيه ليس بعنوان النيابة عن الفقير، بل الحاكم هو الأصل في أخذ الضرائب، و الفقير أحد من المصارف المتعدّدة. و السكونة التي تحصل للمالك بسبب دعاء الحاكم الحاكي عن اعتنائه به مع رفعة شأنه لا تحصل قطعا بدعاء فقير عاديّ، فتدبّر.

و عن الوجه الثالث: بأنّ عدم ذكر الدعاء في الوصية المنقولة لا يدلّ على عدم وجوبه كما لم يذكر فيها كثير من الواجبات و الآداب الأخر، و لعلّ الدعاء كان أمرا متعارفا معلوما لا يحتاج إلى بيان. و بذلك يظهر الجواب عن الوجه الرابع أيضا.

و عن الوجه الخامس: بعدم دلالة الصحيحة على عدم دعاء الإمام «ع» حين القبض، مضافا إلى وجود الفرق بين حضور المالك و عدمه، و السكونة التي تحصل حين الحضور أقوى و أشدّ.

و عن الوجه السادس: بأنّ السكونة تحصل باعتناء الحاكم و تقديره مع رفعة شأنه و لا تنحصر في العلم باستجابة الدعاء.

و بما ذكرناه يظهر أنّ الاحوط لو لم يكن أقوى عدم ترك الفقيه المتصدّي للولاية العامّة لذلك، فتدبّر.

[بقي هنا أمران]

اشارة

بقي هنا أمران:

[الأول: هل يستحبّ ذلك على الفقير؟]

الأول: قد مرّ دعوى الإجماع على عدم الوجوب على الفقير مضافا إلى أنّه لو وجب لبان.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 174

..........

______________________________

و هل يستحبّ له؟ قال في المدارك: «لا ريب في استحباب الدعاء للجميع.» «1»

و في الحدائق: «ظاهر الأصحاب استحباب ذلك. و فيه أنه من حيث التوقيف في المقام مشكل لعدم الدليل و إن كان الدعاء للمؤمنين مستحبّا بقول مطلق.» «2»

أقول: إن قلنا بدلالة أخبار من بلغ على استحباب الفعل و قلنا بكفاية الفتوى في صدق البلوغ فهو و إلّا فيشكل الإفتاء باستحبابه بالخصوص لعدم الدليل عليه، و تقريب الآية بنحو يشمله يرجع إلى التفسير بالرأي.

[الأمر الثاني: الدعاء لهم بلفظ الصلاة أو غيره]

الأمر الثاني: في كنز العرفان: «دلّت الآية الكريمة دلالة صريحة على لفظ الصلاة و فعله النبي «ص» في حقّ أبي أوفى لما أتاه بصدقته فقال: «اللّهم صلّ على أبي أوفى و على آل أبي أوفى» كما نقل العامّة في الصحيحين فيكون جائزا، نعم يجوز الدعاء بلفظ آخر غير الصلاة للترادف و لعدم القائل بالمنع.

و منع أكثر العامّة من لفظ الصلاة بل يقول: «آجرك اللّه فيما أعطيت و بارك لك فيما أبقيت» و نحوه.» «3»

أقول: يرجع كلامه- قدّس سرّه- إلى بيان مسألتين:

الأولى: هل يجوز الدعاء لهم بلفظ الصلاة أم لا؟ الثانية: هل يتعيّن هذا أو يجوز بغير لفظ الصلاة أيضا؟

أمّا المسألة الأولى فنقول: لا إشكال عندنا في جوازه و يدلّ عليه مضافا إلى ما ذكره بعض الآيات و الروايات الآتية. و المخالف في ذلك بعض علماء السنّة

______________________________

(1)- المدارك/ 325 (- الطبعة الجديدة 5/ 284).

(2)- الحدائق 12/ 251.

(3)- كنز العرفان 1/ 229.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 175

..........

______________________________

و يظهر منهم أنّهم أرادوا بذلك نقض اعتقاد الشيعة في جواز الصلاة على

أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين من أهل بيته. عصمنا اللّه- تعالى- من الأهواء و التعصبات الباطلة.

ففي تفسير القرطبي نسب الجواز إلى قوم منهم و المنع إلى آخرين ثمّ قال:

«قالوا فلا يجوز أن يصلى على أحد إلا على النبي «ص» وحده خاصة لأنه خصّ بذلك، و استدلّوا بقوله- تعالى-: «لٰا تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ...» و بأنّ عبد اللّه بن عبّاس كان يقول: لا يصلّى على أحد إلّا على النبي «ص»، و الأوّل أصح ....

و قد روى جابر بن عبد اللّه قال: أتاني النبي «ص» فقلت لامرأتي لا تسألى رسول اللّه «ص» شيئا فقالت: يخرج رسول اللّه «ص» من عندنا و لا نسأله شيئا! فقالت: يا رسول اللّه: صلّ على زوجي، فقال رسول اللّه «ص»: صلّى اللّه عليك و على زوجك.» «1»

و في تفسير الإمام الرازي: «إنّ أصحابنا يمنعون من ذكر «صلوات اللّه عليه، و عليه الصلاة و السلام» إلّا في حقّ الرسول. و الشيعة يذكرونه في عليّ و أولاده و احتجّوا بأنّ نصّ القرآن دلّ على أن هذا الذكر جائز في حقّ من يؤدّي الزكاة فكيف يمنع ذكره في حقّ عليّ و الحسن و الحسين- رضي اللّه عنهم-.» «2»

و في تفسير سورة الأحزاب من الكشّاف: «فإن قلت: فما تقول في الصلاة على غيره «ص»؟ قلت: القياس جواز الصلاة على كلّ مؤمن لقوله- تعالى-:

«هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» و قوله- تعالى-: «وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.».

______________________________

(1)- تفسير القرطبي 8/ 249.

(2)- تفسير فخر الرازي 3/ 512.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 176

..........

______________________________

و قوله «ص»: «اللّهم صلّ على آل أبي أوفى» و لكن للعلماء تفصيلا في ذلك و هو أنّها إن كانت على سبيل

التبع كقولك: صلّى اللّه على النبيّ و آله فلا كلام فيها، و أما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه، لأنّ ذلك صار شعارا لذكر رسول اللّه «ص» و لأنّه يؤدّي إلى الاتهام بالرفض و قال رسول اللّه «ص»:

من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهم.» «1»

أقول: و يدلّ على الجواز مضافا إلى ما ذكر قوله- تعالى-: «أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ.» «2»

فانظر إلى الاعتذارات الواهية في قبال الحجج القاطعة الدامغة من الكتاب و السنة.

المسألة الثانية: هل يتعيّن الدعاء بلفظ الصلاة أو يكفي غيره؟ قد يقال بالتعيّن لتبادره من الأمر بها. كالأمر بالتسبيح و التحميد و نحوهما. لكن المعروف كما في الجواهر عدمه، و عرفت من كنز العرفان عدم القائل بالتعين و لو تعيّن لبان و اشتهر، و الصلاة في اللغة بمعنى الدعاء و هو عامّ، و الشكّ في التقيّد و التعيّن مجرى لأصل البراءة.

و قد مرّ من الشافعي و العلّامة في التذكرة دعاء لا يشتمل على لفظ الصلاة و إن لم نعثر على مدركه، و التعليل في الآية أيضا يقتضي التعميم، و هذا هو الأقوى و إن كان الأحوط رعاية لفظ القرآن و فعل النبي «ص»، فتدبّر.

______________________________

(1)- تفسير الكشّاف 3/ 273.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 157.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 177

20- حكم طلب تملك المالك لما أخرجه في الصدقة

اشارة

العشرون: يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة (1).

[يكره للإنسان أن يشتري ما أخرجه من الصدقة]

______________________________

(1) 1- في زكاة الخلاف (المسألة 136): «يكره للإنسان أن يشتري ما أخرجه من الصدقة و ليس بمحظور، و به قال أبو حنيفة و الشافعي. و قال مالك: البيع مفسوخ. دليلنا: قوله- تعالى-: «وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا» و هذا بيع فمن ادّعى فسخه فعليه الدلالة.» «1»

2- و في المبسوط: «و يكره أن يشتري الإنسان ما أخرجه في الصدقة و ليس بمحظور و إن اشتراه كان شراؤه صحيحا.» «2»

3- و في المعتبر: «الثانية: يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا و لا بأس بعوده إليه بميراث و شبهه، و هو قول علمائنا أجمع و به قال الشافعي و أبو حنيفة.

و قال أحمد: لا يجوز و لو اشتراها لم يصحّ لما روي عن عمر قال: حملت على فرس في سبيل اللّه و أردت ابتياعه فسألت رسول اللّه «ص» فقال: لا تبتعه و لا تعد

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 319.

(2)- المبسوط 1/ 234.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 178

..........

______________________________

في صدقتك و لو أعطاكه بدرهم فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه.» «1»

4- و في المنتهى: «يكره للرجل شراء صدقته و استيهابها و ما يحمله تملّكها اختيارا و لا بأس بعودها إليه بميراث و شبهه، ذهب إليه علماؤنا أجمع و أكثر أهل العلم.

و قال مالك و أحمد: لا يجوز.

لنا على الجواز قوله- تعالى-: «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ.» و التقدير وجود الرضا من المالك و الفقير ...» «2»

5- و راجع في هذا المجال التذكرة أيضا. «3»

6- و في الشرائع: «الثامنة: يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا واجبة

كانت أو مندوبة. و لا بأس إذا عادت إليه بميراث و ما شابهه.» «4»

7- و ذيّله في الجواهر بقوله: «بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك: الإجماع عليه و هو الحجة، مضافا إلى أنّه طهور لماله لأنّه وسخ فالراجع فيه كالراجع بقيئه. و إلى أنّه ربّما استحيى الفقير فيترك المماكسة معه، و يكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها. و ربّما طمع الفقير في غيرها فأسقط بعض ثمنها.

و على كلّ حال فلا ريب في جوازه لإطلاق الأدلّة و الإجماع بقسميه.» «5»

______________________________

(1)- المعتبر/ 284.

(2)- المنتهى 1/ 530.

(3)- التذكرة 1/ 242.

(4)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 126).

(5)- الجواهر 15/ 455.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 179

..........

______________________________

أقول: العجب منه- قدّس سرّه- أنّه لم يتعرّض هنا للأخبار الآتية الواردة عن أهل البيت الظاهرة في المنع و اكتفى لبيان الكراهة بذكر وجوه استحسانية.

8- و في المغني لابن قدّامة: «و ليس لمخرج الزكاة شراؤها ممّن صارت إليه و روي ذلك عن الحسن و هو قول قتادة و مالك. قال أصحاب مالك: فإن اشتراها لم ينقض البيع.

و قال الشافعي و غيره: يجوز لقول النبي «ص»: «لا تحلّ الصدقة لغنيّ إلّا لخمسة: رجل ابتاعها بماله» و روى سعيد في سننه: إنّ رجلا تصدّق على أمّه بصدقة ثمّ ماتت فسأل النبي «ص» فقال: «قد قبل اللّه صدقتك و ردّها إليك الميراث» و هذا في معنى شرائها. و لأن ما صحّ أن يملك إرثا صحّ أن يملك ابتياعا كسائر الأموال.

و لنا ما روى عمر أنّه قال: حملت على فرس في سبيل اللّه فأضاعه الذي كان عنده و ظننت أنه بائعه برخص فأردت أن اشتريه فسألت رسول اللّه «ص» فقال «لا

تبتعه و لا تعد في صدقتك و لو أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه. متفق عليه.» «1»

أقول: قد ظهر لك بما حكيناه من الكلمات أن المسألة بين فقهاء السنة كانت ذات قولين فأفتى بعضهم بالتحريم بل البطلان، و أمّا أصحابنا الإمامية فأفتوا فيما مرّ بالكراهة و ادّعي إجماعهم في عدم الحرمة. و إطلاق أدلّة التجارة عن تراض و سائر العقود الشرعية يقتضي الجواز و الصحة، و قد تمسّك في التذكرة و المنتهى و الجواهر للكراهة بوجوه استحسانية يشكل إثبات الكراهة الشرعية بها. هذا.

و لكن ظاهر عبارة الشيخين في المقنعة و النهاية الإفتاء بالحرمة:

______________________________

(1)- المغني لا بن قدّامة 2/ 515.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 180

..........

______________________________

9- ففي باب الوقوف و الصدقات من المقنعة: «و إذا تصدّق الإنسان على غيره بدار أو أرض أو ثمرة أو عرض من الأعراض لم يجز له تملّكه منه و لا من غيره بهبة أو صدقة، و لا بأس أن يملكه منه بميراثه.» «1»

10- و في باب النحل و الهبة من النهاية: «و ما يهبه الإنسان لوجه اللّه فلا يجوز له الرجوع فيه على حال. و ما تصدّق الإنسان به لوجه اللّه فلا يجوز له أن يعود إليه بالبيع أو الهبة أو الصدقة و إن رجع إليه بالميراث كان جائزا.» «2»

و احتمال إرادتهما من الصدقة الوقف بقرينة الباب و شيوع استعمالها فيه مردود بقرينة ذكر الميراث، و الوقف لا يورث اللّهم إلّا في بعض الموارد النادرة كمنقطع الآخر مثلا.

11- و في السرائر بعد نقل عبارة النهاية قال: «قال محمد بن إدريس:

لا بأس بأن يعود إليه بأمر شرعي إمّا بالبيع أو الهبة أو الشراء أو غير ذلك، و إنّما

هذا خبر واحد أورده إيرادا لا دليل عليه من كتاب و سنة و لا إجماع لأنّ المتصدّق عليه قد ملك الصدقة و له بيعها على من شاء من الناس سواء باعها على المتصدّق بها أو على غيره بغير خلاف، و شيخنا قد رجع عمّا قاله في مسائل خلافه في الجزء الأوّل من كتاب الزكاة ...» «3»

أقول: قد مرّت عبارة الخلاف في صدر المبحث.

12- و في نكت النهاية في شرح عبارة النهاية قال: «النهي هنا على سبيل الكراهيّة، و الحكمة فيه منع النفس عن مبايعة ما يصرف في القرب ليقع الصدقة

______________________________

(1)- المقنعه/ 100.

(2)- النهاية/ 603.

(3)- السرائر/ 381.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 181

..........

______________________________

خالصة من معارضة الميل فيكون المنع عن استعادته أفضى إلى غرض صاحب الشرع.» «1»

[الأخبار المانعة عن ذلك]

أقول: العمومات و القواعد و إن اقتضت كما مرّ الجواز و الصحّة، و لكن هنا أخبار ربّما يستفاد منها عدم الجواز فيجب أن نتعرض لها و لمفادها:

1- ما رواه الكليني بسند صحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«إذا تصدّقت الرجل بصدقة لم ترجع إليك و لم تشترها إلّا أن تورث.» «2»

2- ما رواه الشيخ بسند صحيح عن منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها و لا يستوهبها إلّا في ميراث.» «3»

3- ما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع»: «إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها و لا أن يستوهبها و لا أن يملكها بعد أن تصدّق بها إلّا بالميراث فإنها إذا دارت إليه بالميراث حلّت له.» و رواه عنه في المستدرك. «4»

فظاهر هذه الأخبار الثلاثة التي ربّما ترجع إلى خبر واحد

حرمة الشراء و الاستيهاب. و احتمال إرادة الوقف من لفظ الصدقة بتقريب شيوعها في تلك الأعصار- و لذا ذكرت في الوسائل و المستدرك في باب الوقف- ربّما يردّه ما فيها من جواز الرجوع بالميراث حيث إنّ الوقوف لا تورث إلّا نادرا.

4- خبر أبي الجارود قال: قال أبو جعفر «ع»: «لا يشتري الرجل ما تصدق به.

الحديث.» «5»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 440 (طبعة أخرى/ 667).

(2)- الوسائل 13/ 319، الباب 12 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 5.

(3)- الوسائل 13/ 318، الباب 12 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 339، كتاب العطايا، الفصل 5؛ و المستدرك 2/ 513، الباب 6 من كتاب الوقوف و الصدقات؛ و 1/ 538، الباب 22 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(5)- التهذيب 9/ 134، الباب 1 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 182

..........

______________________________

5- خبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه قال: «من تصدّق بصدقة ثمّ ردّت عليه فلا يأكلها لأنّه لا شريك للّه- عزّ و جلّ- في شي ء ممّا جعل له إنّما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعد ما يعتق.» «1»

و روى نحوه ابن فهد في عدّة الداعي مرسلا. «2»

6- ما رواه في قرب الإسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا «ع» كان يقول: «من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، و لا يجوز له إلّا إنفاقها. إنّما منزلتها بمنزلة العتق للّه فلو أنّ رجلا أعتق عبدا للّه فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله للّه فكذلك لا يرجع في الصدقة.» «3»

أقول: العمدة هي الروايات الأربع الأول، و أمّا الأخيرتان فيمكن أن يقال:

إنّ المراد بهما

ردّ الفقير ما تعيّن صدقة و امتناعه من التصرّف فيه، و الصدقة إذا تعينت صدقة للّه- تعالى- يشكل للمالك ردّها في ملكه بل لعله يجب عليه أن يوصلها إلى مصرفها.

و قد ورد في خبر آخر عنه «ع» في الرجل يخرج بالصدقة ليعطيها السائل فيجده قد ذهب قال: «فليعطها غيره و لا يردّه في ماله.» «4»

و أفتى بهذا المضمون الشيخ في النهاية في ذيل العبارة السابقة فراجع. «5»

و بالجملة فليس محطّ النظر في الروايتين الأخيرتين شراء الصدقة من

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 316، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 295، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 3.

(5)- النهاية/ 603.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 183

..........

______________________________

الفقير بل تملّك ما أخرجه و عزله صدقة قبل أن تصل إلى الفقير و يملكها.

و أمّا الأخبار الأول فمحطّ النظر فيها انتقال الصدقة إليه من ملك الفقير برضاه و الأدلّة العامّة و إن اقتضت الجواز و لكن ظاهر هذه الأخبار المنع منه فإن ثبت الإجماع على الجواز كما ادعاه في المعتبر و المنتهى و الجواهر كما مرّ وجب حملها على الكراهة الشديدة كما قيل أو إرادة الوقف من الصدقة و هذا هو المحتمل أيضا في الفرس الذي أعطاه عمر كما في المنتهى.

و العلّامة في المختلف بعد ذكر عبارة النهاية و صحيحة منصور بن حازم قال:

«هي محمولة على الكراهة، و الشيخ يطلق لفظة: «لا يجوز» على الكراهة كثيرا في النهاية.» «1»

و في وقف الجواهر أيضا حمل الصحيحة على الكراهة قال: «لمعارضته للعمومات التي هي أصول المذهب و قواعده، بل

عن المحقّق حمل عبارة النهاية على ذلك ...» «2»

و قد مرّ منه أيضا دعوى الإجماع بقسميه على الجواز.

أقول: و يستدل له مضافا إلى إطلاق أدلّة العقود و الإجماع المدّعى، بأنّه لو حرم لبان و اتضح لشدّة الابتلاء به، و برواية محمد بن خالد عن أبي عبد اللّه «ع» في بيان وظيفة عامل الصدقات و فيها: «ثمّ ليأخذ صدقته، فإذا أخرجها فليقسّمها (فليقوّمها. التهذيب) فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها، و إن لم يردها فليبعها.» «3»

______________________________

(1)- المختلف/ 489.

(2)- الجواهر 28/ 129.

(3)- الوسائل 6/ 89، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 184

[لو أراد الفقير بيعه- بعد تقويمه عند من أراد كان المالك أحقّ]

نعم لو أراد الفقير بيعه- بعد تقويمه عند من أراد- كان المالك أحقّ به من غيره (1).

______________________________

و قد شاع التعبير عن الكراهة الشديدة بعدم الحلّية كقوله «ع» في صحيحة الحلبي الماضية: «لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب و لا صدقة الأعراب للمهاجرين.» «1» هذا.

و لكن يمكن أن يناقش بعدم جواز التمسك بالإطلاق في قبال الدليل الخاصّ، و الإجماع قابل للمنع بعد ما مرّ من المقنعة و النهاية.

و الرواية ضعيفة بمحمد بن خالد فإن المراد به على ما هو الظاهر من متن الخبر محمد بن خالد القسري والي المدينة من قبل بني أميّة، مضافا إلى افتراق مضمونها عما هو محلّ البحث من طلب المالك للشراء أو الهبة.

و الحاصل، أنّ مقتضى القواعد و إن كان هو الجواز و الصحّة و لكن بأيّ حجة شرعية نرفع اليد عن ظاهر الأخبار التي مرّت.

قال في الحدائق: «ظاهر كلام الشيخين إنّما هو التحريم، و الروايات كما ترى ظاهرة فيه و لا معارض لها إلّا ما عرفت من الدليل العقلي،

و الخروج عنها بمجرد ذلك مشكل، و كم مثل ذلك في الأخبار.» «2»

و بالجملة المسألة في غاية الإشكال و إن كان القول بالكراهة قريبا لرواية محمد بن خالد بضميمة الشهرة.

(1) لما مرّ من رواية محمد بن خالد، و لكن مضى الإشكال في سندها.

و ظاهر عبارة المصنّف تبعا للجواهر قراءة قوله: «فليقوّمها فيمن يريد» بالراء المهملة،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 197، الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الحدائق 22/ 269.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 185

و لا كراهة (1).

[تزول الكراهة لو كان جزءا من حيوان و لا يشتريه غير المالك]

و كذا لو كان جزءا من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به، و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير فإنّه تزول الكراهة حينئذ أيضا (2).

[لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث و شبهه]

كما أنّه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث و شبهه من المملّكات القهريّة (3).

______________________________

و لكنّ الظاهر كونه بالزاء المعجمة فراجع. «1»

(1) في المستمسك: «هذا غير ظاهر، بل هو خلاف إطلاق النصوص المتقدمة.» «2»

أقول: أراد بذلك إطلاق صحيحتي منصور. و لا منافاة بين كراهة اشتراء المالك و كونه مع ذلك أحقّ من غيره.

(2) في المنتهى: «لو احتاج إلى شرائها بأن يكون الفرض جزء الحيوان لا يتمكن الفقير من الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شراؤها و زالت الكراهية إجماعا.» و نحو ذلك في التذكرة. «3»

و يمكن أن يستدلّ لذلك مضافا إلى الإجماع المدّعى بانصراف النصوص عمّا ذكر، و بأنّ الظاهر من النهي في المقام كونه لمصلحة الفقراء، و في الفرع الأوّل مصلحتهم في خلافه، و في الثاني ترتفع الكراهة بدليل نفي الضرر، فتأمّل.

(3) 1- قد مرّ عن الشرائع قوله: «و لا بأس إذا عادت إليه بميراث و ما شابهه.» «4»

2- و عن المعتبر قوله: «يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا، و لا بأس بعوده إليه بميراث و شبهه و هو قول علمائنا أجمع.» و ظاهره دعوى الإجماع على

______________________________

(1)- راجع الجواهر 28/ 129.

(2)- المستمسك 9/ 335.

(3)- المنتهى 1/ 531؛ التذكرة 1/ 242.

(4)- الشرائع 1/ 166 (طبعة أخرى 1/ 126).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 186

..........

______________________________

الفرعين و مرّ نحو ذلك عن المنتهى أيضا. «1»

3- و في المنتهى أيضا: «لو عادت إليه بميراث لم يكن مكروها

بلا خلاف إلّا من الحسن بن صالح بن حيّ و ابن عمر. لنا ما رواه الجمهور: أنّ رجلا تصدّق على أمّه بصدقة ثمّ ماتت فسأل النبي «ص» فقال: «قد قبل اللّه صدقتك و ردّها إليك الميراث.» «2»

4- و في موثقة محمد بن مسلم عن أحدهما «ع» في الرجل يتصدّق بالصدقة أ يحلّ له أن يرثها؟ قال: «نعم.» و نحوها خبر آخر لمحمد بن مسلم عن أبي جعفر «ع»، فراجع. «3»

5- و في خبر إسماعيل الجعفي قال: قال أبو جعفر «ع»: «من تصدّق بصدقة فردّها عليه الميراث فهي له.» «4» و يشهد لذلك أيضا ذيل صحيحتي منصور بن حازم الماضيتين، فراجع. هذا.

و في المدارك في ذيل عبارة الشرائع قال: «يندرج في شبهه شراء الوكيل العامّ و استيفاؤها له من مال الموكّل.» «5» و في الجواهر: «هو جيّد.» «6»

أقول: فيما ذكره خفاء إذ فعل الوكيل فعل الموكّل حقيقة فيشمله نصوص المنع، فتدبّر.

______________________________

(1)- المعتبر/ 284؛ المنتهى 1/ 530.

(2)- المنتهى 1/ 531.

(3)- الوسائل 13/ 318، الباب 12 من أبواب كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2 و 3.

(4)- الوسائل 13/ 318، الباب 12 من أبواب كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 4.

(5)- المدارك/ 325 (الطبعة الجديدة 5/ 285).

(6)- الجواهر 15/ 456.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 187

9- فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة

اشارة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 189

[وقت تعلق الوجوب]

9- فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة قد عرفت سابقا أن وقت تعلّق الوجوب- فيما يعتبر فيه الحول- حولانه بدخول الشهر الثاني عشر، و أنه يستقر الوجوب بذلك و إن احتسب الثاني عشر من الحول الأول لا الثاني (1).

و في الغلات: التسمية، و أن وقت وجوب الإخراج في الأول هو وقت التعلق، و في الثاني هو الخرص و الصرم في النخل و الكرم، و التصفية في الحنطة و الشعير (2).

______________________________

(1) راجع الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة في الأنعام، و الشرط الثالث من شرائطه في النقدين. «1»

(2) راجع المسألة الأولى من فصل زكاة الغلّات و المسألة السادسة منه و ما علقناه عليهما. «2» و كان الأولى عطف الصرم على الخرص ب «أو» لا بالواو، إذ ربما يخرص الثمر على المالك، و ينقل إليه فيكون وقت الإخراج هو الخرص،

______________________________

(1)- راجع الزكاة 1/ 238 و 305.

(2)- راجع الزكاة 1/ 346 و 2/ 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 190

[هل الوجوب بعد تحققه فوريّ أو لا؟]

و هل الوجوب بعد تحققه فوريّ أو لا؟ أقوال: ثالثها: أن وجوب الإخراج- و لو بالعزل- فوري. و أما الدفع و التسليم فيجوز فيه التأخير (1).

______________________________

و ربما لا يخرص عليه فيكون وقت الإخراج هو الصرم، و كذا في الحنطة و الشعير.

(1) هل يجب الإخراج و الأداء فورا مطلقا، أو يجوز التأخير مطلقا ما لم ينجرّ إلى الإهمال و المسامحة، أو يفصّل بين الإخراج و لو بالعزل فقط و بين الأداء إلى أهلها فيجب الأول فورا دون الثاني، أو يفصّل بين انتظار الأفضل أو التعميم و بين غيره كما في الدروس، أو بين انتظار الأفضل أو الأحوج أو معتاد الطلب و بين غيره كما في البيان، أو بين انتظار

التعميم و غيره كما يظهر من أكثر كتب العلامة، أو بين التأخير إلى شهرين أو شهرين بل إلى أربعة و بين الأزيد من ذلك؟

في المسألة أقوال، و منشأ اختلافها اختلاف الأخبار في المسألة.

و لا يخفى أن القاعدة لولاها تقتضي الفورية، لا لوضع الأمر للفور، بل لأن المال إذا انتقل بحكم الشارع إلى الفقراء و نحوهم فلا مجوّز لتأخير حقهم و التصرف في مالهم و هم محتاجون إليه و يطالبون له بظاهر الحال، و وليّهم يطالبها بآكد المقال، و قد شرّعت الزكوات لسدّ خلّاتهم و رفع حاجاتهم. و التأخير المطلق مخالف لحكمة التشريع.

هذا مضافا إلى ما مر منا من أن العقل لا يجوّز تأخير التكليف المنجّز إلا إذا اطمأن الإنسان ببقاء حياته و قدرته، إذ لو فرض موته أو عجزه في الزمان الثاني كان الفوت مستندا إلى مسامحته و سوء اختياره فاستحقّ بذلك اللوم و العقاب.

و بالجملة فاحتمال فوت التكليف المنجز بسبب التأخير يلزمه عقلا بالمبادرة.

و لا يجري استصحاب السلامة و القدرة بعد عدم كونهما حكما شرعيا و لا موضوعا لحكم شرعي، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 191

[كلمات الأصحاب في المقام]

______________________________

إذا عرفت هذا فلنذكر بعض كلمات الأصحاب في المقام ثمّ نعقّبها بذكر الأخبار الواردة فنقول:

1- قال المفيد في المقنعة: «باب تعجيل الزكاة و تأخيرها عما تجب فيه من الأوقات. و الأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه أو تأخيرها عنه كالصلاة. و قد جاء عن الصادقين «ع» رخص في تقديمها شهرين قبل محلّها و تأخيرها شهرين عنه، و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة عند الحاجة إلى ذلك و ما يعرض من الأسباب.» «1»

أقول: ظاهر المفيد جواز الأخذ بأخبار الترخيص عند الحاجة إلى ذلك

و الظاهر إرادة الحاجة العرفية.

2- و في النهاية: «و إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور و لا يؤخّره. فإن عدم المستحق له عزله عن ماله و انتظر به المستحق، فإن حضرته الوفاة وصّى به أن يخرج عنه.

و إذا عزل ما يجب عليه من الزكاة فلا بأس أن يفرقه ما بينه و بين شهر و شهرين و لا يجعل ذلك أكثر منه.

و ما روى عنهم «ع» من الأخبار في جواز تقديم الزكاة و تأخيرها فالوجه فيه ما قدمناه في أن ما يقدم منه يجعل قرضا و يعتبر فيه ما ذكرناه، و ما يؤخر منه إنما يؤخر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قد مناه.» «2»

أقول: ظاهر كلام الشيخ بعد إرجاع بعضه إلى بعض أنه مع عدم المستحق

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- النهاية/ 183.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 192

..........

______________________________

يتعين العزل، و أما البدار في الأداء فلا يجب بل هو أفضل.

3- و في الشرائع: «إذا أهلّ الثاني عشر وجب دفع الزكاة. و لا يجوز التأخير إلّا لمانع أو لانتظار من له قبضها. و إذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين.

و الأشبه أن التأخير إن كان لسبب مبيح دام بدوامه و لا يتحدّد، و إن كان اقتراحا لم يجز و يضمن إن تلفت.» «1»

أقول: صدر كلامه يدلّ على التفصيل بين العزل و الأداء، و ذيله يدلّ على عدم جواز التأخير إلّا مع وجود مجوّز شرعى، و الظاهر من ذلك إرادة العذر الشرعي كما يشهد به كلامه في المعتبر. و عدّ انتظار الأفضل أو البسط أو معتاد السؤال من موارد العذر الشرعي مشكل كما لا يخفى.

4- و

في المعتبر: «و عند تمامه (الشهر الثاني عشر) يجب دفعها على الفور، و به قال الشافعي و أحمد، و قال أبو حنيفة: له التأخير ما لم يطلب بها لأن الأمر بها مطلق فلا يختص زمانا كما لا يختصّ مكانا.

لنا أن المستحق مطالب بشاهد الحال فيجب التعجيل كالوديعة و الدين الحال ...

و هل يجوز تأخيرها مع العزل إلى شهر و شهرين؟ فيه روايات بالجواز ...

و عندي: الأشبه أن التأخير إنما يسوغ للعذر و مع العذر لا يتقدر التأخير بوقت بل يكون موقوفا على زوال العذر لأن مع زوال العذر يكون مأمورا بالتسليم، و المستحقّ مطالب فلا يجوز التأخير.» «2»

5- و في التذكرة- بعد ما حكم بوجوب الإخراج على الفور ناسبا له إلى الشافعي و أحمد و بعض الحنفية أيضا و أنه لو أخّر الإخراج مع إمكان الأداء

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 167 (طبعة أخرى/ 126).

(2)- المعتبر/ 274.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 193

..........

______________________________

و حضور الوقت أثم و ضمن- قال:

«فروع: أ: لو أخّر مع إمكان الأداء كان عاصيا على ما قلناه و لا تقبل منه صلاته في أوّل الوقت و كذا جميع الواجبات الموسّعة، لأن المضيّق أولى بالتقديم، و كذا من عليه دين حالّ طولب به مع تمكنه من دفعه أو خمس أو صدقة مفروضة.

ب: يجوز التأخير لعذر كعدم المستحقّ أو منع الظالم ... و هل يجوز لغير عذر مع العزل؟ سوّغه الشيخان شهرا و شهرين لأن معاوية بن عمار قال للصادق «ع» ...

و الوجه أن التأخير إنما يجوز لعذر و تحمل الرواية عليه فلا يتحدّد بوقت بل بزوال العذر ...

ج: لو أخرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة فالأقرب المنع و

إن كان يسيرا. و قال أحمد: يجوز اليسير دون العكس.

د: الأقرب أن التأخير لطلب بسطها على الأصناف الثمانية أو الموجودين منهم عذر مع دفع نصيب الموجودين.» «1»

أقول: بعد إجماع أصحابنا و دلالة أخبارنا على استحباب البسط و عدم وجوبه يكون وزانه وزان الدفع إلى القرابة و ذي الحاجة الشديدة في الاستحباب، فبأيّ جهة عدّ طلب الأول عذرا دون الثاني؟!

6- و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا. «2»

7- و في الدروس: «يجب دفع الزكاة عند وجوبها و لا يجوز تأخيرها إلّا لعذر، كانتظار المستحق و حضور المال، فيضمن بالتأخير ...

و هل يأثم؟ الأقرب نعم، إلا أن ينتظر بها الأفضل أو التعميم، و روي

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 238.

(2)- المنتهى 1/ 510.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 194

..........

______________________________

جواز تأخيرها شهرا أو شهرين، و حمل على العذر.» «1»

8- و في البيان: «في وقت الدفع. و هو واجب عند كمال الشرائط على الفور فلا يجوز التأخير إلّا لعذر كعدم التمكن من المال أو الخوف من الجائر أو انتظار المستحق فيضمن مع الإمكان، و جوّز الشيخان تأخيرها شهرا أو شهرين ...

نعم له التربّص للأفضل و الأحوج و المعتاد للطلب منه بما لا يؤدّي إلى الإهمال.» «2»

9- و في السرائر: «و إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه إذا حضر المستحق. فإن أخر ذلك إيثارا به مستحقا غير من حضر فلا إثم عليه بغير خلاف إلا أنه إن هلك قبل وصوله إلى من يريد إعطاءه إيّاه فيجب على ربّ المال الضمان.

و قال بعض أصحابنا: إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور و لا يؤخره. فإن أراد على الفور وجوبا مضيقا، فهذا بخلاف إجماع أصحابنا

لأنه لا خلاف بينهم في أنّ للإنسان أن يخصّ بزكاته فقيرا دون فقير و لا يكون مخلا بواجب و لا فاعلا لقبيح. و إن أراد بقوله على الفور يريد به أنه إذا حضر المستحق فإنه يجب عليه إخراج الزكاة فإن لم يخرجها طلبا و إيثارا بها لغير من حضر من مستحقها و هلك المال فإنه يكون ضامنا و تجب عليه الغرامة للفقراء، فهذا الذي ذهبنا إليه و اخترناه. فإن عدم المستحق له عزله من ماله و انتظر به المستحق، فإن هلك بعد عزله من غير تفريط فلا ضمان عليه و لا غرامة، فإن حضرته الوفاة وصّى به أن يخرج عنه.» «3»

______________________________

(1)- الدروس/ 64.

(2)- البيان/ 203.

(3)- السرائر/ 105 (طبعة أخرى 1/ 454).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 195

..........

______________________________

أقول: فهو- قدّس سرّه- صرّح بجواز التأخير مع وجود المستحق أيضا، و ادّعى عليه إجماع أصحابنا و عدم الخلاف فيه، غاية الأمر ضمانها بالتأخير، و ليس في كلامه تحديد بالشهر و الشهور، و الحكم بالضمان لا يستلزم الحرمة التكليفية.

و بذلك يجاب عن استدلال بعض القائلين بحرمة التأخير بأخبار الضمان، و قد مرّ نظير ذلك في النقل المكاني فقلنا بجواز النقل مع الضمان فيكون التأخير بحسب المكان و الزمان على وزان واحد.

10- و في المغني لابن قدامة: «و تجب الزكاة على الفور فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه و التمكن منه إذا لم يخش ضررا، و بهذا قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: له التأخير ما لم يطالب لأن الأمر بأدائها مطلق فلا يتعين الزمن الأوّل لأدائها دون غيره كما لا يتعين لذلك مكان دون مكان. و لنا أن الأمر المطلق يقتضي الفور على ما يذكر في موضعه و لذلك

يستحقّ المؤخّر للامتثال العقاب. و لذلك أخرج اللّه- تعالى- إبليس و سخط عليه و وبّخه بامتناعه عن السجود، و لو أن رجلا أمر عبده أن يسقيه فأخّر ذلك استحق العقوبة ...

فإن أخرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو ذي حاجة شديدة فإن كان شيئا يسيرا فلا بأس و إن كان كثيرا لم يجز ...

و لو عزل قدر الزكاة فنوى أنه زكاة فتلف فهو في ضمان ربّ المال و لا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على أن يدفعها إليه أو لم يقدر ...» «1»

أقول: يظهر منه أن العزل لا أثر له عندهم في رفع الضمان حتّى مع عدم المستحق. هذا.

______________________________

(1)- المغني 2/ 541 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 196

..........

______________________________

11- و في الجواهر بعد ذكر بعض الكلمات قال ما محصله: «و قد تلخّص أن الأقوال في المسألة ستة أو خمسة. و الظاهر إمكان تحصيل الإجماع على عدم إرادة مطلق الطبيعة من الأمر على وجه يكون التكليف هنا على حسب غيرها من الواجبات المطلقة التي وقتها العمر و الوصول إلى حدّ التهاون، كالقطع بفساد القول بالفورية و أنه لا يجوز التأخير مع الإمكان مطلقا بحال من الأحوال ضرورة اقتضائه طرح النصوص الكثيرة الدالّة على جواز التأخير.» «1»

12- و في مصباح الهدى «2» أنهى الأقوال إلى عشرة:

الأول: ما نسب إلى الأكثر بل المشهور من عدم جواز التأخير إلّا لعذر كعدم حضور المال أو المستحق أو نحو ذلك.

الثاني: ما اختاره في الجواهر من جواز التأخير اقتراحا و لو مع عدم العزل إلى أربعة أشهر.

الثالث: ما عن نهاية الشيخ من جواز التأخير مع العزل شهرا أو شهرين.

الرابع: ما عن السرائر نافيا عنه الخلاف

من جوازه لإيثار مستحق غير من حضر.

الخامس: ما عن الدروس من جوازه لانتظار الأفضل أو التعميم.

السادس: ما عن البيان من جوازه لانتظار الأفضل أو الأحوج أو معتاد الطلب بما لا يؤدي إلى الإهمال.

السابع: ما اختاره في المسالك و استحسنه في المدارك من جوازه شهرا أو شهرين اقتراحا فضلا عما يكون للبسط أو لذي المزيّة.

الثامن: ما اختاره في المدارك من جوازه إلى أربعة أشهر.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 458.

(2)- مصباح الهدى 10/ 344- 347.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 197

..........

______________________________

التاسع: ما عن التذكرة و النهاية و المنتهى و التحرير من جوازه للتعميم خاصّة بشرط دفع نصيب الموجودين فورا.

العاشر: ما اختاره الشيخ الأكبر في رسالة الزكاة «1» من جوازه إلى حدّ لا يصدق معه المسامحة و الإهمال بحيث يعدّ الرجل حابسا للزكاة و لا يبعد أن يجوز إلى قرب السنة، و لا يجوز التأخير عن السنة.

أقول: لا يخفى رجوع القول الثامن إلى الثاني الذي نسبه إلى الجواهر فيصير الأقوال تسعة لا عشرة. هذا.

[الأخبار الواردة على طوائف]

اشارة

و منشأ اختلاف الأقوال اختلاف الأخبار الواردة فلنذكرها و هي على طوائف:

[الطائفة الأولى ما يستفاد منها فورية الإعطاء]

الطائفة الأولى ما يستفاد منها فورية الإعطاء و عدم جواز تأخيره:

1- كخبر أبي بصير المروي عن مستطرفات السرائر، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها بعد حلّها.» «2» و دلالته واضحة و لكن السند ضعيف بالقاسم بن محمد الجوهري و علي بن أبي حمزة البطائني الواقفيين، مضافا إلى عدم ذكر الخبر في الكتب الأربعة التي عليها العمل. و كان السيّد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- يعدّ هذا و هنا في الأخبار.

2- صحيح عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يكون عنده المال أ يزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال: «لا، و لكن حتّى يحول عليه الحول و يحلّ عليه، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلا لوقتها، و كذلك الزكاة. و لا يصوم

______________________________

(1)- كتاب الزكاة للشيخ/ 515 (طبعة أخرى/ 453).

(2)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 198

..........

______________________________

أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء، و كل فريضة إنّما يؤدّى إذا حلّت.» «1»

و ناقش في الجواهر في دلالته فقال: «إنه و إن استدلّ به بعضهم على ذلك للغاية و التشبيه بالصلاة، و التسوية بينها و بين الزكاة و استفادة الحصر من «إلّا» لكن الإنصاف عدم دلالته، ضرورة كون المراد منه بيان عدم جواز التقديم على أنه زكاة لا التأخير الذي هو محل البحث.» «2»

أقول: و لكن مع ذلك دلالته قوية.

3- و يؤيد ذلك ما في فقه الرضا: «و إني أروي عن أبي العالم- عليه

السلام- في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر، إلّا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجب عليك. و لا يجوز لك تقديمها و تأخيرها لأنّها مقرونة بالصلاة، و لا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها و لا تأخيرها إلّا أن تكون قضاء. و كذلك الزكاة.» «3»

و دلالة هذه العبارة الواردة في تفسير ما رواه عن أبيه على المقصود واضحة، و إن كان فيها نحو إجمال.

4- و في الفقيه قال: «و قد روي في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر و ستة أشهر، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك» إلى آخر ما مرّ من فقه الرضا. «4»

و نحو ذلك في المقنع «5» و يشبه كون ما فيهما مأخوذا من فقه الرضا.

5- و في أمالي المفيد في وصايا أمير المؤمنين «ع» لابنه الحسن: «و أوصيك

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 212، الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الجواهر 15/ 459.

(3)- فقه الرضا/ 22 (طبعة أخرى/ 197).

(4)- الفقيه 2/ 10 (طبعة أخرى 2/ 17).

(5)- الجوامع الفقهية/ 14.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 199

..........

______________________________

يا بني بالصلاة عند وقتها و الزكاة في أهلها عند محلّها.» «1» فتأمّل.

و في المستمسك «2» اقتصر للطائفة الأولى على خبر أبي بصير ثم ناقش فيه بضعف السند و أجاب عنها بأنه يكفي في عموم المنع النصوص المتواترة الدالة على عدم جواز حبس الزكاة و منعها عن أهلها.

أقول: هذه الأخبار ناظرة إلى الحبس و المنع المطلق فلا تشمل من يؤخرها بقصد التعميم أو انتخاب الأفضل أو الأحوج و نحو ذلك نعم، القاعدة تقتضي الفورية كما مرّ.

[الطائفة الثانية: ما يستفاد منها فورية الإخراج]

الطائفة الثانية: ما يستفاد منها فورية الإخراج الظاهر في العزل:

كصحيح سعد بن سعد الأشعري

عن أبي الحسن الرضا «ع»، قال: سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: «متى حلّت أخرجها.» «3»

فإن أريد بالإخراج: الإعطاء كان من الطائفة الأولى. و إن أريد به العزل فقط- كما هو الظاهر- دلّ على فورية العزل و يكون ساكتا عن حكم الإعطاء.

[الطائفة الثالثة: ما تدلّ على جواز التأخير في إعطاء البعض إن عزلها]

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على جواز التأخير في إعطاء البعض إن عزلها:

و هي صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله و آخره

______________________________

(1)- الأمالي/ 221، المجلس 26، الحديث 1.

(2)- المستمسك 9/ 339.

(3)- الوسائل 6/ 213، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 200

..........

______________________________

ثلاثة أشهر؟ قال: «لا بأس.» «1»

فقوله: «يلتمس لها المواضع» إن أريد به أن المالك يلتمس لها مواضع اقتراحا حتى مع وجود المستحق دلّ على جواز تأخير إعطاء البعض و لو مع وجود المستحق.

و إن أريد به أن التأخير كان لعدم وجود المستحق فلا دلالة له على جوازه مع وجوده.

و لكن يبعّد هذا بعد عدم وجوده أصلا لوجود سبيل اللّه غالبا. فتدبّر.

[الطائفة الرابعة: ما يستفاد منها جواز تأخير الإعطاء إلى شهرين أو ثلاثة]

الطائفة الرابعة: ما يستفاد منها جواز تأخير الإعطاء إلى شهرين أو ثلاثة بل إلى أربعة، و لا دلالة فيها على وجوب العزل فورا فيستدل بإطلاقها على عدم وجوبه:

1- صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين.» «2»

2- صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرّم؟ قال: «لا بأس.» قال: قلت: فإنها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم فيعجّلها في شهر رمضان؟ قال: «لا بأس.» «3»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 200

3- و قد مرّ عن المقنعة قوله: «و قد جاء عن الصادقين «ع»

رخص في تقديمها شهرين قبل محلّها و تأخيرها شهرين عنه. و جاء ثلاثة أشهر أيضا و أربعة عند الحاجة إلى ذلك و ما يعرض من الأسباب.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 214، الباب 53 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

(3)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(4)- الوسائل 6/ 211، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 13.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 201

..........

______________________________

4- و مرّت رواية فقه الرضا و رواية الصدوق أيضا بنحو الإرسال مع قطع النظر عن تفسيرهما لهما.

[الطائفة الخامسة: ما يظهر منها جواز تأخير الإعطاء]

الطائفة الخامسة: ما يظهر منها جواز تأخير الإعطاء عزلها أو لم يعزلها:

و هي موثقة يونس بن يعقوب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: زكاتي تحلّ عليّ في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ فقال: «إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلّطها بشي ء ثم أعطها كيف شئت.» قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبّتها يستقيم لي؟ فقال «ع»: «نعم، لا يضرّك.» «1»

و دلالتها على جواز التأخير إجمالا مع العزل واضحة، بل ظاهر الذيل جوازه مع عدمه أيضا إن كتب و أثبت.

اللّهم إلّا أن يحمل الذيل أيضا على صورة العزل فأراد السائل تصريح الإمام ثانيا بالجواز تأكيدا مع رعاية الاحتياط بكتابة المعزول و ثبته حذرا من ضياع الزكاة بموت المالك أو نسيانه أو نحو ذلك. هذا و لكنه مخالف للظاهر.

فمقتضى ظاهر الموثقه جواز التأخير و لو مع عدم العزل أيضا كما في الجواهر، و لولاها أشكل الاستدلال لذلك بإطلاق الطائفة الرابعة، إذ الإطلاق فيها يقيد بما يظهر منها وجوب العزل فورا كصحيحة

سعد بن سعد الماضية، و خبر أبي حمزة عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن الزكاة يجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤديّها؟ قال: «اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح. الحديث.» «2»

و على هذا فلو صرفنا النظر عن ذيل الموثقة فالأحوط لو لم يكن أقوى فورية

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 213، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 202

..........

______________________________

العزل و الإخراج، و بذلك يجمع بين ما دل على الفورية و ما دل على جواز التأخير فيقال بفورية العزل و جواز التأخير في الإعطاء رعاية للمقاصد العقلائية كقصد التعميم أو اختيار الأفضل أو الأحوج أو كونها عدّة لمن يسأل و يطالب و نحو ذلك ما لم ينجرّ إلى صدق المسامحة و التهاون.

و كيف كان فأصل جواز التأخير إجمالا مما لا إشكال فيه ضرورة اقتضاء الفورية المطلقة طرح النصوص الكثيرة كما مرّ من الجواهر.

و لعلّ الشهرين و الثلاثة و الأربعة لا خصوصية لها بل هي إشارة إلى مراتب الحاجة العقلائية و يختلف ذلك بحسب الموارد و الأشخاص، فتدبّر.

و في الجواهر «1» حمل أخبار الفورية على استحباب التعجيل و يمكن حمل أخبار العزل أيضا على الاستحباب أو على كون الأمر به للإرشاد و في مقام توهم الحظر، فلا يدل على أزيد من الجواز.

و ربما يشهد لعدم وجوب العزل فورا أن المصدقين في عصر رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع» لم يكونوا حاضرين عند الأموال الزكوية في أوقات التعلق دائما و لم يعهد من الملّاك العزل قبل حضورهم بل كان العزل بتصدي المصدقين على ما يظهر من

الأخبار الواردة في هذا المجال. هذا. و لكن الأحوط هو العزل فورا، و لا سيما على القول بالإشاعة و الشركة و إرادة التصرف في المال.

[استدل القائلون بالفورية بوجوه]

اشارة

و استدل القائلون بالفورية و هم الأكثرون على ما قيل بوجوه:

[الأول: دلالة الأمر عليه]

الأول: دلالة الأمر عليه وضعا أو انصرافا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 460.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 203

..........

______________________________

و فيه: أن الأمر وضع لطلب الطبيعة بإطلاقها فلا يدل على الفور و لا على التراخي. و الانصراف أيضا ممنوع. اللّهم إلّا أن يراد ما مرّ منا من أن العقل لا يجوز تأخير العمل بالتكليف المنجّز إلّا إذا اطمأن الإنسان ببقاء حياته و قدرته، إذ لو فرض موته أو عجزه في الزمان الثاني كان فوت الواجب مستندا إلي مسامحته و سوء اختياره فاستحق بذلك اللوم و العقاب.

و يرد على ذلك أنه لو فرض إذن الشارع في التأخير كما في المقام فالقول بالفورية اجتهاد في قبال النصّ. مضافا إلى أن الكلام في صورة الوثوق ببقاء الحياة و القدرة.

[الثاني: أنّ المستحق مطالب بشاهد الحال]

الثاني: أنّ المستحق أعني الفقير مطالب بشاهد الحال كما مرّ عن المعتبر.

و فيه- كما في زكاة الشيخ الأعظم- «1»: أن مطالبة الفقراء إنما يوجب فورية الدفع إليهم إذا تعيّن صرف الزكاة فيهم و هو غير لازم، إلا أن يقال: إن الأصل في مصرف الزكاة هم الفقراء كما هو المستفاد من الأخبار الكثيرة الدالة على أنها وضعت لسدّ خلاتهم و أنها لو لم تكفهم لزادهم اللّه- تعالى-، و لكن يرد على ذلك أنّ هذا يتم لو كان التكليف بدفع الزكاة تابعا لمطالبة أربابها نظير الدين و الوديعة، و لكن الأمر هنا بالعكس، إذ حق مطالبة الفقراء تابع لكيفية التكليف سعة و ضيقا، فلو قلنا بالتوسعة لم يكن لهم و لا لوليّهم المطالبة، و المفروض دلالة أخبار مستفيضة على التوسعة و جواز التأخير.

[الثالث: وليّ المستحق و هو الشارع مطالب بالمقال]

الثالث: ما عن الإيضاح من أن وليّ المستحق و هو الشارع مطالب بالمقال بمقتضى أمره- تعالى- بإيتاء الزكاة.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة للشيخ/ 515 (طبعة أخرى/ 453).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 204

..........

______________________________

و فيه: أولا ما مرّ في جواب الوجه الثاني. و ثانيا ما في الجواهر «1» من عدم كون أمره به من حيث الولاية على الفقراء بل هو إيجاب محض و المفروض إذن الشارع في التأخير، فتدبّر.

[الرابع: أن الزكاة أمانة في يد المالك فيجب دفعها فورا]

الرابع: أن الزكاة ملك للمستحق و أمانة في يد المالك فيجب دفعها إلى صاحبها فورا و إن لم يطالب هو و لا وليّه. و بعبارة أخرى: التأخير مشروط بالإذن فيه، و عدم الإذن كاف في المنع.

و فيه: أن المفروض كما مرّ وجود روايات مستفيضة دالّة على جواز التأخير و هي صريحة في ذلك فيرفع بها اليد عن ظهور ما دل على الفورية، و تحمل هذه على الاستحباب كما في الجواهر. أو على فورية العزل كما مرّ احتماله.

[الخامس: ما يدلّ على ثبوت الضمان بالتأخير مع وجود المستحق الشرعي]

الخامس: ما يدلّ على ثبوت الضمان بالتأخير مع وجود المستحق الشرعي كما سيأتي فيكشف هذا عن عدم الإذن في التأخير، إذ القاعدة في الأمانات عدم الضمان مع الإذن. و إن شئت قلت: إنّ الضمان معلول للتعدّي أو التفريط، و مع الإذن في التأخير لا تعدّي و لا تفريط، فالحكم بالضمان كاشف عن عدم الإذن.

و فيه: أنه من الممكن أن يأذن الشارع في التأخير بشرط الضمان، و قد مرّ نظيره في النقل من البلد.

و هذا أمر رائج بين العقلاء. و الضمان كما يكون مستندا إلى التعدّي أو التفريط يمكن أن يكون مستندا إلى التضمين أيضا فتدبّر.

[السادس: أخبار الطائفة الأولى الدالّة على الفورية]

السادس: ما مرّ من أخبار الطائفة الأولى الدالّة على الفورية.

و فيه: أن أخبار الطائفة الرابعة صريحة في جواز التأخير و كذا الخامسة،

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 460.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 205

[الأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحق و إمكان الإخراج]

و الأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحق و إمكان الإخراج إلّا لغرض، كانتظار مستحق معيّن أو الأفضل، فيجوز حينئذ- و لو مع عدم العزل- للشهرين و الثلاثة بل الأزيد. و إن كان الأحوط (1) حينئذ العزل ثم الانتظار المذكور.

______________________________

فيحكّم النص على الظاهر و يحمل الظاهر على الاستحباب أو على فورية العزل و هو الأحوط كما مرّ. و العزل بنفسه مرتبة من الانقياد و الطاعة و يوجب انقطاع طمع المالك. مضافا إلى كونه سببا لتخليص ماله من الشركة و جواز تصرفه فيه بلا إشكال.

و قد تحصل مما ذكرنا: أن الأقوى جواز التأخير و لا سيما بعد العزل بمقدار لا يصدق المسامحة و التهاون. و لا سيما مع وجود حاجة عقلائية إلى ذلك كانتظار الأفضل أو الأحوج أو معتاد الطلب أو البسط و التعميم أو نحو ذلك.

و ربما يؤيد ذلك: أن الزكاة وضعت لسدّ خلّات الفقراء و شركائهم إلى سنة، فتقسيمها دفعة و مع العجلة ربما يوجب حرمان كثيرين لم يكونوا حاضرين أو لم يحصل الاطلاع عليهم. فالاحتياط لهم يقتضي الثاني و عدم العجلة في كثير من الموارد حتّى إلى قريب من السنة الآتية كما في كلام الشيخ الأعظم. و لعل هذا مراد من جوّز التأخير للتعميم كالعلامة في كتبه. نعم لا يجوز التأخير إلى أزيد من السنة قطعا، إذ المستفاد من الروايات الكثيرة الدالّة على أن اللّه- تعالى- جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم، و أن الناس لو أدّوا زكاة أموالهم ما بقي

مسلم فقيرا محتاجا هو عدم جواز التأخير من سنة. فالزكوات في كل سنة شرّعت لسدّ خلات الفقراء و سائر الأصناف إلى السنة الآتية، فتدبر.

(1) لا ينبغي تركه بل لا يترك لما مرّ من الأمر به في بعض الأخبار و إن احتملنا كونه للإرشاد و في مقام توهم الحظر، حيث إن الانعزال به مخالف للقاعدة كما لا يخفى.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 206

و لكن لو تلفت بالتأخير- مع إمكان الدفع- يضمن (1).

[المناط في الضمان هو التأخير عن الفور العرفي]

[المسألة 1]: الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي (2)، فلو أخّر ساعة أو ساعتين- بل أزيد- فتلفت من غير تفريط فلا ضمان و إن أمكنه الإيصال إلى المستحق من حينه مع عدم كونه حاضرا عنده. و أما مع حضوره فمشكل خصوصا إذا كان مطالبا (3).

______________________________

(1) لصحيحتى محمد بن مسلم و زرارة «1» الدالّتين على الضمان إن وجد لها موضعا أو أهلا فلم يدفعها، فراجع المسألة العاشرة و الحادية عشرة من الفصل السابق في حكم النقل إلى بلد آخر، حيث إن النقل المكاني و التأخير الزماني من واد واحد و يشملهما الصحيحتان.

و أما مع عدم وجود المستحق أو عدم إمكان الدفع فلا ضمان إجماعا، و يدل عليه أخبار كثيرة و منها الصحيحتان.

(2) في المستمسك: «كأنه لانصراف النصوص إليه.» «2»

أقول: الموارد و الملاكات و الأوامر مختلفة جدّا، فربما لا يعدّ التأخير بيوم تامّ تأخيرا كما إذا كان للفعل مقدمات تشغل ساعات و لا يحتاج عرفا إلى التعجيل، و ربما يعدّ التأخير بساعة أيضا تأخيرا كما إذا أمر بإنقاذ غريق مثلا، حيث يعتبر في مثله الفور الدقّي. و الملاك في المقام صدق أنه وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه

أو لم يجد لها موضعا و أهلا.

(3) لإطلاق نصوص الضمان الشامل لذلك.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.

(2)- المستمسك 9/ 340.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 207

[يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق]

[المسألة 2]: يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق. فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان (1) لأنه معذور حينئذ في التأخير.

[لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلف]

[المسألة 3]: لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب (2) متلف فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان علي المتلف فقط (3). و إن كان مع التأخير المزبور من المالك فكل من المالك

______________________________

(1) لتعليق الضمان و عدمه في الصحيحتين على وجدان الموضع و الأهل و عدم وجدانهما. و لكن لا يخفى أن عدم الوجدان إنما يصدق عرفا إذا فحص و لم يجد، فلو فرض وجوده بحيث لو فحص عنه عثر عليه لا يصح له أن يعتذر بأني لم أجده. و بالجملة يعتبر في نفي الضمان هنا الفحص كما لا يخفى.

و بذلك يظهر الإشكال على ما في مصباح الهدى في المقام. قال: «لأنه بجهله به غير متمكن من الأداء و إن تمكن من رفع الجهل بالفحص.» «1» هذا.

و أما التعليل المذكور في المتن فعليل كما في المستمسك، إذ المعذورية في التأخير لم تجعل موضوعا لنفي الضمان إلّا أن يشير بذلك إلى ما في الصحيحتين من عدم وجدان الأهل، فتدبّر.

(2) التخصيص بإتلاف الجميع مبني على مبناه من كون التعلق بنحو الكلي في المعين و أن تلف البعض لا يوجب تلف الزكاة ما بقي مقدارها في المال. و أما على القول بالإشاعة فإتلاف البعض أيضا يوجب تلف الزكاة بالنسبة كما لا يخفى.

(3) و لكل من المالك و الحاكم المطالبة منه، و أما الفقير فليس له ذلك.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 350.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 208

و الأجنبي ضامن (1) و للفقيه أو العامل الرجوع على أيهما شاء.

و إن رجع على

المالك رجع هو على المتلف (2) و يجوز له الدفع من ماله (3) ثم الرجوع على المتلف.

[لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب]

اشارة

[المسألة 4]: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصحّ (4).

______________________________

(1) فالمالك ضامن بالتأخير و الأجنبي ضامن بالإتلاف.

(2) لما تحقق في تعاقب الأيادي من استقرار الضمان على المتلف إلّا أن يكون مغرورا.

(3) بقصد الزكاة، إذ يجوز دفعها من غير العين من جنسها أو من غير جنسها كما مرّ في محلّه، نعم في المعزولة يقصد كون المدفوع بدلها.

[كلمات الفقهاء في المقام]

(4) 1- في زكاة الخلاف (المسألة 45): «لا يجوز تقديم الزكاة. قبل حلول الحول إلّا على وجه القرض، و إذا حال الحول جاز له أن يحتسب به من الزكاة إذا كان المقترض مستحقا و المقرض تجب عليه الزكاة. و أما الكفارة فلا يجوز تقديمها على الحنث. و قال الشافعي: يجوز تقديم الزكاة قبل الحول و تقديم الكفارة على الحنث. و قال داود و أهل الظاهر و ربيعة: لا يجوز تقديم شي ء منهما قبل وجوبه بحال. و قال أبو حنيفة: يجوز تقديم الزكاة قبل وجوبها و لا يجوز تقديم الكفارة قبل وجوبها. و قال مالك: يجوز تقديم الكفارة قبل الحنث و لا يجوز تقديم الزكاة قبل الوجوب ... دليلنا إجماع الفرقة و أيضا فلا خلاف في أنه إذا أخرجه وقت وجوبه أنه تبرأ ذمته ...» «1»

2- و في النهاية: «و لا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول وقتها، فإن حضر مستحق

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 286.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 209

..........

______________________________

لها قبل وجوب الزكاة جاز أن يعطى شيئا و يجعل قرضا عليه، فإذا جاء الوقت و هو على تلك الصفة من استحقاقه لها احتسب له من الزكاة. و إن كان قد استغنى أو تغيرت صفته التي يستحق بها الزكاة لم يجزئ ذلك عن الزكاة. و كان على صاحب المال

أن يخرجها من الرأس.» «1»

3- و في الشرائع: «و لا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب. فإن آثر ذلك دفع مثلها قرضا و لا يكون ذلك زكاة و لا يصدق عليها اسم التعجيل. فاذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزكاة كالدين على الفقير بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق و بقاء الوجوب في المال.» «2»

4- و ذيّله في المدارك بقوله: «هذا هو المشهور بين الأصحاب، ذهب إليه الشيخان و المرتضى و أبو الصلاح و ابنا بابويه و ابن إدريس و غيرهم ...» «3»

5- و في التذكرة: «المشهور عند علمائنا عدم جواز تقديم الزكاة سواء وجد سبب الوجوب و هو النصاب أولا، و به قال ربيعة و داود و الحسن البصري في رواية لأن النبي «ص» قال: «لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول.» و من طريق الخاصّة ...

و لأن الحول أحد شرطي الزكاة و لا يجوز تقديم الزكاة عليه كالنصاب.

و لأن الزكاة عبادة موقّتة فلا يجوز تقديمها عليه كالصلاة.

و قال الحسن البصري و سعيد بن جبير و الزهري و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي و إسحاق و أحمد و أبو عبيد: يجوز إذا وجد سبب الوجوب و هو النصاب لأن عليّا «ع» قال: سأل العبّاس رسول اللّه «ص» عن تعجيل صدقته

______________________________

(1)- النهاية/ 183.

(2)- الشرائع 1/ 167 (طبعة أخرى/ 127).

(3)- المدارك/ 326.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 210

..........

______________________________

قبل أن تحلّ فرخّص له في ذلك. و عن عليّ «ع» أن النبي «ص» قال لعمر: إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام. و لأنه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل الأجل و أداء كفارة اليمين قبل الحنث و كفارة القتل بعد

الجرح قبل الموت ...» «1»

6- و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا «2» و الأموال لأبي عبيد. «3»

7- و لكن في مراسم سلّار: «و قد ورد الرسم بجواز تقديم الزكاة عند حضور المستحق.» «4»

8- و في المختلف: «و قال ابن أبي عقيل: يستحب إخراج الزكاة و إعطاؤها في استقبال السنة الجديدة في شهر المحرم، و إن أحبّ تعجيله قبل ذلك فلا بأس.» «5»

9- و فيه أيضا: «قال ابن أبي عقيل: من أتاه مستحق فأعطاه شيئا قبل حلول الحول و أراد أن يحتسب به من زكاته أجزأه إذا كان قد مضى من السنة ثلثها إلى ما فوق ذلك. و إن كان قد مضى من السنة أقل من ثلثها فاحتسب به من زكاته لم يجزه، بذلك تواترت الأخبار عنهم- عليهم السلام.»

قال العلامة بعد نقل كلامه: «و أكثر أصحابنا لم يعتبروا ما اعتبره هذا الشيخ ... و الأخبار التي ادّعى تواترها لم تصل إلينا.» «6»

10- و في مختصر أبي القاسم الخرقي: «و يجوز تقدمة الزكاة.»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 238.

(2)- المنتهى 1/ 511.

(3)- الأموال/ 702.

(4)- الجوامع الفقهية/ 642 (طبعة أخرى/ 580).

(5)- المختلف/ 188.

(6)- المختلف/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 211

..........

______________________________

11- و ذيّله في المغني بقوله: «و جملته أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة و هو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة، و بهذا قال الحسن و سعيد بن جبير و الزهري و الأوزاعي و أبو حنيفة و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد، و حكي عن الحسن: أنه لا يجوز، و به قال ربيعة و مالك و داود لأنه روي عن النبي «ص» أنه قال: «لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول»، و لأن الحول أحد شرطي الزكاة فلم

يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب، و لان للزكاة وقتا فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة. و لنا ما روى عليّ «ع» أن العباس سأل رسول اللّه «ص» في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخّص له في ذلك، رواه أبو داود. و قال يعقوب بن شيبة: هو أثبتها إسنادا. و روى الترمذي عن عليّ «ع» عن النبي «ص» أنه قال لعمر: «إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام ...» «1» هذا.

و قد ظهر بما ذكرنا من الكلمات أن المشهور بيننا عدم جواز التقديم، و المشهور بين المخالفين الجواز. و الأصل عدم الجواز إذ مقتضى القاعدة في الموقّت و المشروط عدمه ما لم يحصل الوقت و الشرط.

[الأخبار الدّالة على عدم جواز التقديم]

و لكن وردت هنا طائفتان من الأخبار متعارضتين: فالأولى منهما ما دلّت على عدم الجواز:

1- كصحيحة عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يكون عنده المال، أ يزكيّه إذا مضى نصف السنة؟ فقال: «لا، و لكن حتّى يحول عليه الحول و يحلّ عليه، إنه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلّا لوقتها، و كذلك الزكاة. و لا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء، و كل فريضة إنما تؤدّى إذا حلّت.» «2»

______________________________

(1)- المغنى 2/ 499.

(2)- الوسائل 6/ 212، الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 212

..........

______________________________

2- و صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: أ يزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: «لا، أ يصلّي الأولى قبل الزوال؟» «1»

3- و صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يفيد المال؟ قال:

«لا يزكّيه حتى يحول عليه الحول.» «2»

4- و قد تقدم في مسألة تأخير الزكاة روايتا فقه الرضا

و الصدوق في كتابيه بتفسير لهما يعاضد صحيحة عمر بن يزيد. «3»

5- و يدل على ذلك أيضا النصوص الدالّة على اعتبار الحول و أنه لا شي ء في المال قبله، فراجع الوسائل. «4»

و في سنن البيهقي بإسناده عن النبي «ص»: «ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول.» «5» اللّهم إلّا أن يقال: إن التعجيل يراد به فعل الشي ء قبل وقته، و هذا التعبير بنفسه يدل على التوقيت لا أنه ينافيه، نظير تعجيل غسل الجمعة و الإتيان به في الخميس. هذا.

[الأخبار الدالة على جواز التقديم]

و في قبال هذه الأخبار أخبار يستفاد منها جواز التقديم:

1- كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين.» «6»

2- و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: الرجل تحلّ

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 212، الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 212، الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- راجع ص 198.

(4)- راجع الوسائل 6/ 82، الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام؛ و 6/ 115، الباب 15 من أبواب زكاة النقدين.

(5)- سنن البيهقي 4/ 95، كتاب الزكاة، باب لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.

(6)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 213

..........

______________________________

عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرّم؟ قال: «لا بأس.» قال: قلت: فإنها لا تحلّ عليه إلّا في المحرم فيجعلها في شهر رمضان؟ قال: «لا بأس.» «1»

3- و خبر الحسين بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن رجل يأتيه المحتاج فيعطيه زكاته في أول السنة؟ فقال: «إن كان محتاجا

فلا بأس.» «2»

4- و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الرجل يعجل زكاته قبل المحلّ؟ فقال: «إذا مضت خمسة (ثمانية- التهذيب و الاستبصار) أشهر فلا بأس.» «3»

5- صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحل عليه الزكاة. قال: «يزكّي العين و يدع الدين». قلت:

فإنه اقتضاه بعد ستة اشهر؟ قال: «يزكيه حين اقتضاه.» قلت: فإن هو حال عليه الحول و حلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه و قد أتى لنصف ماله سنة و لنصفه الآخر ستة أشهر؟ قال: «يزكّي الذي مرّت عليه سنة و يدع الآخر حتّى تمرّ عليه سنته.»

قلت: فإن اشتهى أن يزكّي ذلك؟ قال: «ما أحسن ذلك.» «4»

6- و الرواية الثالثة لأبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها بعد حلّها.» «5»

و الرواية مروية عن السرائر و في سندها ضعف كما مرّ.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.

(2)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.

(3)- الوسائل 6/ 210، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12.

(4)- الكافى 3/ 523، باب أوقات الزكاة، الحديث 6؛ الوسائل 6/ 209.

(5)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 214

..........

______________________________

7- و قد مرّ عن المقنعة قوله: «و قد جاء عن الصادقين «ع» رخص في تقديمها شهرين قبل محلّها و تأخيرها شهرين عنه ...» ثم قال: «و الذي أعمل عليه و هو الأصل المستفيض عن آل محمد

«ص» لزوم الوقت، فإن كان حضر قبله من المؤمنين محتاج تجب صلته و أحبّ الإنسان أن يقدم له من الزكاة جعلها قرضا له ...» «1»

8- و في كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده عن الحكم بن عتيبة قال: بعث رسول اللّه «ص» عمر على الصدقة فأتى العباس يسأله صدقة ماله، فقال: قد عجلت لرسول اللّه «ص» صدقة سنتين، فرفعه عمر إلى رسول اللّه «ص» فقال: «صدق عمّي تعجلنا منه صدقة سنتين.» «2»

9- و فيه أيضا بسنده عن عليّ «ع» عن النبي «ص» «أن النبي «ص» تعجل من العباس صدقة سنتين.» «3»

10- و فيه أيضا بسنده عن حفص بن سليمان، قال: «قلت للحسن: أ أخرج زكاة ثلاثة أعوام ضربة؟ فلم ير بذلك بأسا.» إلى غير ذلك مما حكاه من الآثار ثم قال:

قال أبو عبيد: و هذه الآثار كلها هي المعمول بها عندنا: أن تعجيلها يقضى عنه و يكون في ذلك محسنا ... «4»

و راجع في هذا المجال سنن البيهقي. «5» و يظهر من بعض ما حكاه أنه- صلّى اللّه عليه و آله- كان أخّر عن العباس الصدقة عامين من حاجة بالعباس إليها ثم

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- الأموال/ 702.

(3)- الأموال/ 703.

(4)- الأموال/ 703 و 704.

(5)- سنن البيهقى 4/ 111، كتاب الزكاة، باب تعجيل الصدقة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 215

..........

______________________________

أخذ منه العامين، فلا يرتبط بالمقام. و العمدة في المقام أخبارنا الصحيحة المعارضة للطائفة الأولى، فيجب أن يتحرى لها محمل صحيح.

[الجمع بين الأخبار]

و الشيخ في الاستبصار جمع بين الأخبار بحمل أخبار الجواز على القرض و استشهد لذلك بصحيح الأحول عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة، قال: «يعيد المعطي الزكاة.» قال:

«و لو كان التقديم جائزا على كل حال لما وجب عليه الإعادة إذا أيسر المعطى عند حلول الوقت.» «1»

و هكذا صنع في التهذيب أيضا.

و ناقشه في المعتبر، قال: «و ما ذكره الشيخ ليس حجة على ما ادّعاه، إذ يمكن القول بجواز التعجيل مع ما ذكره، مع أن الرواية تضمنت أن المعجل زكاة فتنزيله على القرض تحكّم.» «2»

و لكن صاحب الجواهر استوجه توجيه الشيخ و قال ما محصله: «أن يسار المستحق بعد أخذه الزكاة على وجه الزكاة لا أثر له فيما أخذه، لكن عن المنتهى القطع باعتبار هذا الشرط على تقدير تعجيل الزكاة لصحيح الأحول السابق و لما في المدارك من أن الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقا فكذا القابض. و إن كان للنظر فيه مجال إن لم يحصل إجماع عليه و دونه خرط القتاد. و حمل صحيح الأحول على ذلك ليس بأولى من جعله دليلا على عدم جواز التعجيل الذي يؤمي إليه كثير من النصوص الدالّة على القرض للزكاة، «3»

ضرورة أنه لو كان التعجيل مشروعا لم يحتج إلى جعل ذلك قرضا. و القياس

______________________________

(1)- راجع الاستبصار 2/ 32، باب تعجيل الزكاة عن وقتها؛ و التهذيب 4/ 45، باب تعجيل الزكاة ...

(2)- المعتبر/ 274.

(3)- راجع الوسائل 6/ 208، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 216

..........

______________________________

على حال الدافع لا نقول به خصوصا مع الفارق، ضرورة انكشاف عدم الزكاة مع فقد شي ء مما يعتبر فيه بخلاف صفة القابض فإن المعتبر حصولها حال الدفع لأن الفرض كونها زكاة.» «1»

و صاحب الحدائق بعد نقل جمع الشيخ قال ما محصّله. «و مما يضعّف هذا الحمل أن الروايات قد دلّت على أنها زكاة معجّلة كما دلّت

على جواز تأخيرها شهرين و ثلاثة، فالتقديم إنما هو بعنوان الزكاة لا القرض كما أن التأخير كذلك.

و أيضا لو كان المراد القرض لكان الاقتصار على الشهرين أو الثلاثة أو نحو ذلك مما ورد في الأخبار لا معنى له.

و ما في المدارك من أن جواز التعجيل على سبيل القرض لا يتقيّد بالشهرين و الثلاثة، و التخصيص بالذكر لا يقتضي التخصيص بالحكم.

ففيه أولا: أن كلامه هذا إنما يتّجه على القول بعدم حجيه مفهوم العدد.

و ثانيا: أنه قد جزم بذلك بالنسبة إلى التأخير كما تقدم في كلامه تبعا لجدّه، و الكلام في المقامين واحد. فإن كانت الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على التخصيص بالحكم كما ذكره هنا ففي الموضعين ...

و لعل الاقرب حمل هذه الأخبار على التقية التى هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية.» «2»

أقول: القرض و إن كان لا يتقيد بالشهرين و الثلاثة، و لكن ذكرها في الأخبار لعله من جهة أن المالك لا يقرض الفقير المعوز غالبا إلّا إذا اطمأنّ بتعلق الزكاة بماله ليستو في طلبه منها، و هذا لا يتّضح غالبا إلّا في أواخر الحول،

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 464.

(2)- الحدائق 12/ 234- 236.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 217

..........

______________________________

فلعل التقييد بها بلحاظ هذه الغلبة، فتدبّر.

و صاحب الجواهر أيضا رجّح في أواخر كلامه طرح نصوص التقديم أو حملها على التقية، و قال قبل ذلك إن في الاستدلال المذكور في صحيحتي عمر بن يزيد و زرارة إشعارا بخروج تلك النصوص مخرج التقية. «1»

أقول: بعد اللتيّا و التي، المسألة في غاية الإشكال، إذ الحمل على القرض خلاف ظاهر الروايات جدّا، إذ ظاهرها الإعطاء بلا عوض بعنوان الزكاة، و القرض عقد يستلزم توجّه الطرفين إلى مضمونه. و الحمل على

التقية لا يناسب التقييد بالشهرين و الثلاثة، إذ لا يوجد هذا التقييد في كلمات المخالفين. بل ظاهر ما حكوه من صدقة العباس جواز تقديمها لسنة.

نعم إذا فرض إعراض المشهور عن الروايات وجب طرحها عملا إذ العمدة في حجيّة الأخبار بناء العقلاء، و مع إعراض المشهور لا يعتمد عليها العقلاء و لا يحصل لهم وثوق بصحّتها، و أوّل المرجّحات في باب الخبرين المتعارضين الشهرة الفتوائية.

فالأقوى، هو القول المشهور بين أصحابنا و إن لم يظهر لنا محمل للأخبار المعارضة.

و لكن لقائل أن يقول: إن عمدة ما دلّ على جواز التأخير هي أخبار جواز التقديم، فإذا فرض طرحها صار جواز التأخير بلا دليل معتد به و قد أفتيتم به مستندا إلى هذه الأخبار، و الأخذ ببعض مضمون الخبر و طرح بعضه الآخر مشكل جدّا إذ العقلاء لا يلتزمون بالتبعيض في الحجية. هذا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 462.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 218

[لو قدّمها كان المال باقيا على ملكه]

فلو قدّمها كان المال باقيا على ملكه (1) مع بقاء عينه. و يضمن تلفه القابض إن علم بالحال (2). و للمالك احتسابه جديدا مع بقائه

______________________________

و لكن يكفي في القول بجواز التأخير موثقة يونس بن يعقوب الماضية، فراجع.

بل و كذا صحيحة عبد اللّه بن سنان. «1»

و أمّا في مسألتنا فلو فرض سقوط كلتا الطائفتين من الأخبار بسبب التعارض فالقاعدة كما عرفت يقتضي المنع، إذ الحول شرط في الوجوب كالنصاب، و المشروط عدم بعدم شرطه، مضافا إلى أن الشغل اليقيني يقتضي تحصيل الفراغ اليقيني و لا سيما في الأمور العبادية، فتدبّر.

ثم إنه ربما يقال في تصحيح التعجيل مضافا إلى ما مرّ من القرض المصطلح وجوه: الأول: أنه نفل يسقط به الفرض المتأخر.

الثاني: أنه قرض يصير بحلول الحول زكاة قهرا

من غير حاجة إلى الاحتساب.

الثالث: أنه قرض على الزكاة لا على الفقير، نظير استقراض الجهة على الزكاة حيث يجعل سهم سبيل اللّه مثلا مقروضا، فالفقير في المقام يعطى بعنوان القرض على الزكاة الآتية فلا تكون ذمة الفقير مشغولة.

الرابع: أنه ليس قرضا و لا زكاة، بل هو عنوان مستقل يسقط به الزكاة.

و بيان هذه الوجوه و لوازمها يستلزم تطويلا في البحث فلنعرض عنه.

(1) اذ المفروض عدم وقوعه زكاة و لم يقصد غيرها فلا وجه لخروجه عن ملكه.

(2) و جهل المالك به، و أما مع علمهما فيشكل الضمان لأنه أهدر احترام ماله بسوء اختياره، و لعل قاعدة الإتلاف منصرفة عن مثله.

______________________________

(1)- راجع ص 199 و 201.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 219

أو احتساب عوضه مع ضمانه (1) و بقاء فقر القابض. و له العدول عنه إلى غيره.

[يجوز أن يعطي الفقير قرضا]

[المسألة 5]: إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا و لم يجئ وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضا (2).

فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة (3) بشرط بقائه على صفة الاستحقاق و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب.

______________________________

و إن جهل القابض لم يضمن، علم المالك به أو جهل، مع صدق الغرور.

فلو أخذ المال بقصد ما قصده المالك كيف ما كان، و المفروض أنه قصد الزكاة فالظاهر عدم صدق الغرور حينئذ فيضمن.

(1) الاحتساب في الإتلاف العمدي مع العلم محل إشكال.

(2) و لا يكفي فيه قصد الدافع فقط بل يجب إعلام الفقير بذلك، إذ القرض عقد يتقوّم بقصد الطرفين و إنشائهما.

(3) كما تضمنته النصوص و منها خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه «ع» (في حديث): أن عثمان بن عمران قال له: إني رجل موسر و يجيئني الرجل و

يسألني الشي ء و ليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه «ع»:

«القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت- كما تقول- موسرا أعطيته، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة. يا عثمان، لا تردّه فإن ردّه عند اللّه عظيم.» «1»

و هل يختصّ هذا بالفقير أو يعم سائر الأصناف أيضا حتّى الجهة كسبيل اللّه مثلا؟ و جهان. و لعل الأوجه هو الثاني.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 209، الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 220

و لا يجب عليه ذلك، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه و الدفع إلى غيره. و إن كان الأحوط الاحتساب عليه و عدم الأخذ منه (1).

______________________________

(1) ربما يوجّه الاحتياط بوجوه:

الأول: ما في المستمسك، قال: «و كأن منشأ الاحتياط أنه محمل النصوص المتقدمة في التعجيل، بأن يكون المراد منها أنه يقرضه قبل الحول، و تسميته تعجيلا للزكاة باعتبار تعيّن احتسابه زكاة.» «1»

و فيه: أن هذا خلاف ظاهر النصوص كما مرّ، فتأمّل. و نظير ذلك احتمال صيرورته زكاة قهرا من دون حاجة إلى الاحتساب.

الثاني: أن الإعطاء إذا كان للّه فلا رجوع فيه، و الإعطاء بقصد الاحتساب نوع منه.

و فيه: أن ما لا رجوع فيه، هو الإعطاء المجاني إذا كان للّه فلا يشمل القرض، و مجرد قصد الاحتساب لا يجعله واجبا، نظير ما إذا قصد التصدق بمال ثم بدا له.

الثالث: الأمر بالاحتساب في بعض الروايات، كقوله في فقه الرضا: «و إن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرّج به عن مؤمن فاجعلها دينا عليه، فإذا دخل عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة فإنه يحسب لك.» «2» و نحوه عبارة الفقيه. «3»

و

فيه: أن الأمر هنا للإرشاد و في مقام توهم الحظر، فلا يدل على أزيد من الجواز.

ثم لا يخفى أن مسألة القرض ثم الاحتساب زكاة مما وردت به نصوص كثيرة

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 343.

(2)- فقه الرضا/ 22 (طبعة أخرى/ 198).

(3)- الفقيه 2/ 10 (طبعة أخرى 2/ 18).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 221

[لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة]

[المسألة 6]: لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متّصلة أو منفصلة فالزيادة له لا للمالك (1)، كما أنه لو نقص كان النقص عليه.

______________________________

كما مرّ. و هل تجري هذه في باب الخمس و المظالم و الكفارات و نحو ذلك؟

فيه و جهان: من إلغاء الخصوصية، و من أن الواجب هو الإعطاء بقصد هذه الأمور، و كفاية الاحتساب في القصد فقط تحتاج إلى دليل.

(1) المشهور على أن القرض يملك بالقبض و لذا يجوز للمقترض التصرف فيه بذلك حتى ما يتوقف منه على الملك كالوطئ و البيع و نحوهما. و يشهد لذلك أيضا ما دلّ على أن زكاته على المقترض كصحيحة زرارة و نحوها. «1»

و قيل بأن الملك لا يحصل إلّا بالتصرف. و فيه دور ظاهر، إذ التصرف لا يحلّ إلّا بالملك، فلو توقف الملك عليه لزم الدور. و مقتضى الملكية كون النماء للمقترض و النقص أيضا عليه كما هو واضح.

و المشهور أيضا على أن القرض عقد لازم و هو الأصل في العقود، فليس للمقرض ارتجاع نفس العين و إنما يحصل له بالعقد المثل أو القيمة و يجوز له مطالبته متى شاء.

و أما ارتجاع نفس العين فإن كان بعنوان الفسخ فهو خلاف مقتضى اللزوم و إن كانت بدونه فهو خلاف قاعدة السلطنة.

نعم للمقترض أداء العين إن كانت مثلية بما أنها من مصاديق المثل و ليس للمقرض الامتناع

من أخذه.

و عن الشيخ: أن له ارتجاع العين و إن كره المقترض لأن القرض لا يزيد عن الهبة و لأنه من العقود الجائزة و لأنه إذا استحق المطالبة بالمثل أو القيمة فبالعين بطريق أولى.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب ما تجب عليه للزكاة، الحديث 1 و غيره.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 222

فإن خرج عن الاستحقاق، أو أراد المالك الدفع إلى غيره يستردّ عوضه لا عينه (1)، كما هو مقتضى حكم القرض، بل مع عدم الزيادة أيضا ليس عليه إلّا ردّ المثل أو القيمة.

[لو كان النصاب يتمّ بالقرض لم تجب الزكاة]

[المسألة 7]: لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول- بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضا من النصاب و خرج الباقي عن حدّه سقط الوجوب على الأصحّ (2) لعدم بقائه في ملكه طول الحول، سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة فلا محلّ للاحتساب.

______________________________

و أجيب بأن الهبة من العقود الجائزة و القرض من العقود اللازمة فلا يقاس أحدهما بالآخر، مضافا إلى أن القرض معاوضة دونها. و جواز مطالبة المثل أو القيمة غير جواز العقد. و الحق في المسألتين ما قاله المشهور، و التحقيق يطلب من محلّه.

(1) يعنى لا يجوز للمقرض ارتجاعها و لكن يجوز للمقترض ردها في المثليات بما أنها من مصاديق المثل كما مرّ.

(2) في الشرائع: «و لو كان النصاب يتمّ بالقرض لم تجب الزكاة سواء كانت عينه باقية أو تالفة على الأشبه.» «1» و ذيّله في الجواهر بما ملخصه:

«لأن التحقيق عندنا أن القرض يملك بالقبض، و أنه لا زكاة في الدين عندنا، و أن تبديل النصاب في الأثناء بجنسه أو بغير جنسه مسقط للزكاة لانثلام النصاب في الحول، خلافا للشيخ في جميع ذلك فقال: «إن

القرض يملك بالتصرف دون القبض» و قال: «إن الزكاة تجب في الدين» و قال: إن تبديل النصاب في أثناء

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 167 (طبعة أخرى/ 127).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 223

..........

______________________________

الحول لا يسقط الزكاة.» «1»

أقول: القائل بالوجوب في المقام يبتني كلامه إمّا على بقاء القرض في ملك المقرض ما لم يتصرف فيه، أو على وجوب الزكاة في الدين. و كلام الشيخ في المبسوط مبنيّ على الأول و في الخلاف على الثاني:

قال في المبسوط: «إذا كان عنده أربعون شاة فعجّل واحدة ثم حال الحول جاز أن يحتسب بها لأنها تعدّ في ملكه ما دامت عينها باقية، فإن أتلفها المدفوع إليه قبل الحول فقد انقطع حول النصاب و لا يجب على صاحبها زكاة.» «2»

و في زكاة الخلاف (المسألة 54): «إذا كان عنده أربعون شاة فعجّل شاة و حال الحول جاز أن يحتسب بها ... و قال أبو حنيفة: إذا عجّل من أربعين شاة أنها لم تقع موقعها لأن المال قد نقص عن الأربعين ... و قال الشافعي: أنها تجزيه ...

دليلنا أنه قد ثبت أن ما يعجله على وجه الدين، و ما يكون كذلك فكأنه حاصل عنده و جاز له أن يحتسب به لأن المال ما نقص عن النصاب ...» «3»

و ظاهر كلامه هذا أن الدين يتعلق به الزكاة مطلقا، و لكنه قال في المسألة الخامسة و التسعين من زكاة الخلاف: «لا زكاة في مال الدين إلّا أن يكون تأخره من قبل صاحبه.» «4» و نحو هذا التفصيل أيضا في المبسوط «5» و الجمل و العقود. «6»

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 466.

(2)- المبسوط 1/ 231.

(3)- الخلاف 1/ 288.

(4)- الخلاف 1/ 303.

(5)- المبسوط 1/ 211.

(6)- الرسائل العشر للشيخ/ 205.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 4، ص: 224

نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة- بالقصد المذكور- لم يسقط الوجوب مع بقاء عينه عند الفقير فله الاحتساب حينئذ بعد حلول الحول (1) إذا بقي على الاستحقاق.

[لو استغنى الفقير بعين هذا المال ثم حال الحول]

[المسألة 8]: لو استغنى الفقير- الذي أقرضه بالقصد المذكور- بعين هذا المال ثم حال الحول يجوز الاحتساب عليه لبقائه على صفة الفقر بسبب هذا الدين (2).

______________________________

فلعل الحكم بوجوب الزكاة في المقام كان من جهة أن ما يقرضه باختياره ليحتسب به زكاة يكون نظير ما يكون تأخره من قبل صاحبه، حيث إنه كلما أراد احتسبه زكاة و يكون بحكم النقد في اعتبار العقلاء.

و المصنف تعرّض لمسألة زكاة الدين في المسألة العاشرة في أوائل الزكاة و حكم بعدم الزكاة فيه، و الأخبار في المسألة مختلفة متعارضة و نحن قسمناها إلى ست طوائف و احتطنا نحن هناك وجوبا إخراج الزكاة إن أمكنه استيفاء الدين بسهولة أو أراد المديون الوفاء فلم يستوف الدائن مسامحة أو فرارا من الزكاة، فراجع المجلد الأول من زكاتنا. «1»

و على هذا ففي المقام أيضا لو أمكنه الاستيفاء بسهولة بحيث يكون التأخّر من قبله و يكون كالنقد الموجود عنده فالأحوط عدم سقوط الوجوب، فتدبّر.

(1) لاجتماع شرائط الوجوب حينئذ و منها ملك النصاب طول الحول، اللّهم إلّا أن لا يتمكن من التصرف فيه.

(2) في زكاة الخلاف (المسألة 49): «إذا عجّل زكاته لغيره ثم حال عليه الحول

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 94.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 225

..........

______________________________

و قد أيسر المعطى فإن كان أيسر بذلك المال فقد وقعت موقعها و لا يستردّ. و إن أيسر بغيره استردّ أو يقام عوضه، و هو مذهب الشافعي. و قال أبو حنيفة: لا يردّ على حال أيسر به أو بغيره.

دليلنا

أنه قد ثبت أنه لا يستحق الزكاة غنيّ. و إذا كان هذا المال دينا عليه إنّما يستحقه إذا حال عليه الحول، و إذا كان في هذه الحال غير مستحق لا يجوز له أن يحتسب بذلك.» «1»

أقول: أبو حنيفة كان يقول بجواز تقديم الزكاة على الحول، فعلى مبناه وقع المعجّل زكاة حين الدفع و قد وقعت في محلّها حينئذ فلهذا حكم هنا بعدم الردّ، فقوله هنا صحيح على مبناه.

و ظاهر قول الشيخ: «أيسر بذلك المال» الإيسار بعين هذا المال بحيث لو أخذت منه لم يبق له شي ء، فعلى هذا يصحّ كلامه إذ الغني و إن كان يحصل بوجدان مئونة السنة و لكن يعتبر في مئونة السنة وجدان ما يقابل الدين أيضا و الفاقد لما يقابله فقير عرفا و إن وجد قوت السنة. و قد مرّ تحقيق هذا في بعض المباحث السابقة.

و لكن الشيخ في المبسوط «2» عنون هذه المسألة بشقّيها و مثّل للإيسار بذلك المال بأن كانت ماشية فتوالدت أو مالا فاتّجر به و ربح.

و لا يخفى عدم صحة ما ذكره كما صرّح بذلك العلامة في المختلف «3»، إذ المقبوض ملكه الفقير بعنوان القرض فيكون النماء له متصلا كان أو منفصلا،

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 288.

(2)- المبسوط 1/ 230.

(3)- المختلف/ 189.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 226

..........

______________________________

فإذا صار غنيا بالنماء فقط حرمت عليه الزكاة عند حلول الحول و وجب عليه ردّ العين خاصّة دون النماء، اللّهم إلّا أن تكون العين قيميّة و وجب عليه ردّ قيمتها حين الأداء و فرض ارتفاع قيمتها حينئذ بحيث استغرقت العين و النماء معا.

و بالجملة فالشق الثاني من المسألة أعني الإيسار بغير هذا المال كما يشمل المال الآخر يشمل نماء هذا المال أيضا.

و

في الشرائع: «إذا استغنى بعين المال ثم حال الحول جاز احتسابه عليه، و لا يكلف المالك أخذه و إعادته. و إن استغنى بغيره استعيد القرض.» «1»

فذكر في الشق الأوّل عين المال فيصير النماء داخلا في الشق الثاني كما في الجواهر. «2»

و كيف كان فالاستغناء إذا كان بعين المال لا بنمائه و المفروض كونها قرضا فالفقر باق لا محالة و يجوز احتسابها و لا يجب أخذها و إعادتها، كما صرّح به المحقق.

و قال في المنتهى على ما حكاه عنه في المدارك: «لأن العين دفعت إليه ليستغني بها و ترتفع حاجته و قد حصل الغرض فلا يمنع الإجزاء، و بأنا لو استرجعناها منه لصار فقيرا فجاز دفعها إليه بعد ذلك و ذلك لا معنى له.» «3»

و لكن يظهر من ابن إدريس منع ذلك، قال: «إنه إذا كان عند حؤول الحول غنيا فلا يجزي عن الدافع لأن الزكاة لا يستحقها الغني، سواء كان غناه بها أو بغيرها على كل حال، لأنه وقت الدفع و الاحتساب غنيّ و له مال و هو القرض، لأن المستقرض يملك مال القرض دون القارض بلا خلاف بيننا و هو حينئذ غنيّ.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(2)- الجواهر 15/ 471.

(3)- راجع المنتهى 1/ 513؛ و المدارك/ 327.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 227

..........

______________________________

و عندنا أن من عليه دين و له من المال الذهب و الفضة بقدر الدين، و كان ذلك المال الذي معه نصابا فلا يعطى من الزكاة و لا يقال إنه فقير يستحق الزكاة بل يجب عليه إخراج الزكاة مما معه لأن الدين عندنا لا يمنع من وجوب الزكاة لأن الدين في الذمة و الزكاة في العين.» «1»

قال في الجواهر بعد نقل

كلامه: «و لا يخفى عليك ما فيه من الخلط بين المسألتين، ضرورة الفرق بين عدم منع الدين وجوب الزكاة على من ملك النصاب و بين اقتضائه وصف الفقر إذا فرض قصور ماله عن مقابلته و مئونة سنته.» «2»

و في المختلف في جواب ابن إدريس: «و الجواب أن الغنى هنا ليس مانعا، إذ لا حكمة ظاهرة في أخذه و دفعه.» «3»

أقول: كان الأولى له منع صدق الغنى عرفا مع فقده لما يقابل الدين كما مرّ و إلّا فيرد عليه كما في المدارك: «أن عدم ظهور الحكمة لا يقتضي عدمها في نفس الأمر.» «4» هذا.

و ابن إدريس قال بقريب من صفحة قبل هذه العبارة: «فإن حضر مستحق لها قبل وجوب الزكاة جاز أن يعطى شيئا و يجعل دينا عليه و قرضا، فإذا جاء الوقت و هو على الصفة التي يستحق معها الزكاة احتسب بذلك من الزكاة إن شاء، و إن كان قد استغنى بعينها فيجوز أن يحتسب بذلك من الزكاة، و إن كان قد استغنى بغيرها فلا يجوز أن يحتسب بذلك من الزكاة.» «5»

______________________________

(1)- السرائر 105 (طبعة أخرى 1/ 455).

(2)- الجواهر 15/ 470.

(3)- المختلف/ 190.

(4)- المدارك/ 327.

(5)- السرائر/ 105 (طبعة أخرى 1/ 453).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 228

و يجوز الاحتساب من سهم الغارمين أيضا (1).

[لو استغنى الفقير المقترض بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته]

و أما لو استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيميّا و قلنا: إن المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء (2) لم يجز الاحتساب عليه.

______________________________

و هذا موافق لما اخترناه، فلعله أراد بالعبارة السابقة الغنى الحاصل بنماء العين كما في عبارة المبسوط، فتدبّر.

(1) و وجهه واضح، و بعض المحشين جعله أحوط من جهة التشكيك في صدق الفقر بلحاظ الدين.

(2)

في المستمسك: «إذا كان يوم الأداء هو زمان الاحتساب، لأن ارتفاع القيمة ذلك اليوم يوجب زيادة الدين فلا يصير به غنيا. أما لو كان يوم الأداء متأخرا عن يوم الاحتساب، و علم بأنه تنقص قيمته يوم الأداء عن قيمته يوم الاحتساب بحيث يكون التفاوت بين القيمتين بمقدار مئونة سنته لا يجوز الاحتساب عليه لصيرورته غنيا.» «1»

أقول: لم يظهر لي مراده «قده»، إذ المفروض أن أداء الدين هنا يتحقق بالاحتساب فليس لنا أداء غير الاحتساب حتى يتأخر يومه عن يوم الاحتساب إلا أن يريد بيوم الأداء اليوم الذي عيّن في العقد للأداء فيه بناء على نفوذ التأجيل فيه.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 345.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 229

10- فصل في اعتبار نيّة القربة في الزكاة

اشارة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 231

10- فصل:

الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نيّة القربة (1).

[هل الأمر في باب الزكاة تعبّدي أو توصّلي]

______________________________

(1) هل الأمر في باب الزكاة تعبّدي يتوقف امتثاله على نيّة العمل و قصد القربة و الإخلاص، أو توصّلي يكفي في امتثاله و سقوطه حصول ذات العمل بأيّ نحو حصل كما في تطهير البدن و الثوب و نحوهما؟ و كان على المصنف ذكر الإخلاص أيضا.

[كلمات الفقهاء في المقام]

1- قال الشيخ في زكاة الخلاف (المسألة 56): «النيّة شرط في الزكاة، و هو مذهب جميع الفقهاء إلّا الأوزاعي فإنه قال: لا تفتقر إلى النية.

دليلنا قوله- تعالى-: «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ- إلى قوله-:

وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ.» و الإخلاص لا يكون إلّا بنيّة.

و أيضا فلا خلاف أنه إذا نوى كونها زكاة أجزأت عنه و لم يدلّ دليل على إجزائها مع فقد النية.

و أيضا قول النبي «ص»: «إنّما الأعمال بالنيات» يدلّ على ذلك.» «1»

أقول: الشيخ لم يدّع إجماع أصحابنا في المسألة، و إنما ادّعى اتفاق فقهاء

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 289.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 232

..........

______________________________

السنة إلّا الأوزاعي. و الفقهاء و العلماء يراد بهما في اصطلاحهم فقهاء السنة و علماؤهم.

و لعلّ السرّ في ذلك أن المسألة ليست من المسائل الأصلية المأثورة عن الأئمة «ع» و لم تكن معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل المسائل الأصلية كالمقنعة و المقنع و الهداية و الغنية و نحوها. و الشيخ أيضا لم يتعرض لها في نهايته الذي وضعه على هذا الأساس.

و إنما تعرّض لها في الخلاف و المبسوط.

و على هذا فلا وجه لادعاء إجماع أصحابنا في المسألة و الاستدلال لها بذلك، إذ إجماع المتأخرين في المسائل التفريعية الاستنباطية يكون من قبيل الإجماع في المسائل العقلية في عدم الكشف عن قول الأئمة المعصومين «ع».

ثم لا يخفى أن اشتراط النية

أعمّ من اشتراط القربة و الإخلاص المقوّمين لعبادية العمل. فإن العناوين القصدية كالتعظيم و التحقير و نحوهما و جميع الإنشائيات متقومة بالنية و القصد و ليست عبادية. و مثل ذلك أيضا أداء الدين فإن إعطاء مال لشخص خاص لا يتشخص بكونه أداء لدينه و عوضا عنه إلّا بالقصد، و لعلّ مثل ذلك أيضا أداء الزكاة و الخمس و الكفارات و النذور، حيث إنها أعمال مشتركة في الصورة و لا يتعين العمل لأحدها إلّا بالقصد. و بالجملة فلنا أمور متقومة بالقصد من دون أن يعتبر فيها قصد القربة و الإخلاص، و لكن النظر في المقام إلى اثبات كون الواجب مشروطا بالقربة و الإخلاص أعني كونه تعبديا. و الأدلة التي أقامها الشيخ و غيره بعضها يدل على أصل اعتبار النية، و بعضها يدل على اعتبار القربة و الإخلاص و كون العمل عباديا.

2- و في زكاة المبسوط: «النية معتبرة في الزكاة، و يعتبر نية المعطي سواء كان المالك

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 233

..........

______________________________

أو من يأمره المالك أو من يتولى مال اليتيم الذي يجب فيه الزكاة و مال المجنون.» «1»

3- و قال المحقق في المعتبر: «النية شرط في أداء الزكاة، و هو مذهب العلماء خلا الأوزاعي قال: إنها دين فلا تعتبر لها النية كسائر الديون.

لنا أن الدفع يحتمل الوجوب و الندب و الزكاة و غيرها، فلا يتعين لأحد الوجوه إلّا بالنيّة. و لأنها عبادة أمر بإيقاعها على وجه الإخلاص، و لا يتحقق الإخلاص إلّا مع القصد و هو المراد بالنية» «2»

أقول: قد مرّ منا أن أداء الدين و إن لم يكن عباديا و لكن تشخص المال المعطى لكونه عوضا عن الدين يتوقف على النية كما لا يخفى.

4-

و قال في الشرائع: «القول في النية. و المراعى نيّة الدافع إن كان مالكا و إن كان ساعيا أو الإمام أو وكيلا جاز أن يتولّى النية كل واحد من الدافع و المالك ...

و حقيقتها القصد إلى القربة و الوجوب أو الندب و كونها زكاة مال أو فطرة.» «3»

5- و ذيّله في المدارك بقوله: «أجمع الأصحاب على أن النيّة شرط في أداء الزكاة.» «4»

6- و في الجواهر: «لا خلاف في اعتبارها في الزكاة، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله كذلك بين المسلمين.» «5»

أقول: قد مرّ منا الإشكال في إجماع أصحابنا في المسألة لعدم كون المسألة

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 232.

(2)- المعتبر/ 275.

(3)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(4)- المدارك/ 327.

(5)- الجواهر 15/ 471.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 234

..........

______________________________

معنونة في كتب القدماء من أصحابنا.

7- و في التذكرة: «النية شرط في أداء الزكاة، فلا تصحّ من دونها عند علمائنا أجمع، و هو قول عامّة أهل العلم، و لأنه عبادة فتفتقر إلى النيّة لقوله- تعالى- «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ،» و لقوله- عليه السلام-: إنما الأعمال بالنيّات و أداؤها عمل. و لأنها عبادة تتنوع إلى فرض و نفل فافتقرت إلى النية كالصلاة و الصوم. و لأن الدفع يحتمل الوجوب و الندب و الزكاة و غيرها فلا يتعين لأحد الوجوه إلّا بالنية.

و حكي عن الأوزاعي أن النية لا تجب في الزكاة لأنها دين فلا تجب فيها النية كسائر الديون و لهذا يخرجها وليّ اليتيم و يأخذها السلطان من الممتنع، و الفرق ظاهر لانحصار مستحقه و قضاؤه ليس بعبادة و لهذا يسقط بإسقاط مستحقه، و ولي الطفل و السلطان ينويان عند الحاجة.» «1»

8- و في مختصر أبي القاسم الخرقي

في فقه الحنابلة: «و لا يجوز إخراج الزكاة إلّا بنيّة»

9- و ذيّله في المغني بقوله: «مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة إلّا ما حكي عن الأوزاعي أنه قال: لا تجب لها النية لأنها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون ...» «2»

أقول: قد وقفت في خلال ما حكيناه من الكلمات على ما استدلوا به للاشتراط.

و قال في المستمسك بعد الإشارة إلى الإجماعات المحكية: «و كفى بهذه الإجماعات دليلا على الحكم، فيعتبر في نيّتها ما يعتبر في نيّة سائر العبادات من

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 242.

(2)- المغني 2/ 505.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 235

..........

______________________________

القربة و الإخلاص و التعيين ...» «1» و ظاهره عدم تمامية سائر الأدلة عنده.

[أربعة أمور ربما يقال باعتبارها في المقام]

أقول: هنا أربعة أمور ربما يقال باعتبارها في المقام و يشار إليها في كلماتهم:

الأول: أصل النية بمعنى وقوع الفعل عن قصد و إرادة، في قبال وقوعه في النوم أو في حال الغفلة و عدم التوجّه.

الثاني: انبعاث إرادته عن داع إلهي من القربة و امتثال الأمر و نحوها، في قبال الانبعاث كلا أو بعضا عن الدواعي النفسانية أو عن رياء و شرك. و هذا هو المقوّم لعباديّة العمل.

الثالث: قصد العنوان الواقع تحت الأمر و تمييزه عن غيره من العناوين المشاركة له في الهيئة و الصورة، كصلاة الظهر مثلا عن العصر و الزكاة مثلا عن الخمس و الكفارة.

الرابع: قصد الوجه، أي الوجوب و الندب و صفا أو غاية أو كليهما.

و الواجبات التوصّلية لا يعتبر فيها شي ء من هذه الأمور إلّا إذا توقف تحقق أصل العمل على قصده، كالعناوين الاعتبارية و الإنشائية المتقومة بالقصد و النية بحيث لا ينطبق العنوان على ذات العمل إلّا بالنية.

و قد رأيت أن

بعض الأدلة التي تعرضوا لها لا يدل على أزيد من اعتبار القصد، و بعضها يدل على اعتبار التمييز و التعيين، و بعضها يدل على اعتبار القربة و الإخلاص.

و نظر المتعرضين للمسألة في المقام إلى كون الزكاة أمرا عباديا متقوما بالقصد و القربة و الإخلاص نظير الصلاة و الصوم و نحوهما.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 345.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 236

[عمدة ما ذكروه دليلا للتعبدية أمور]

اشارة

______________________________

و عمدة ما ذكروه دليلا لذلك أمور:

[الأول: الإجماع]

الأول: الإجماع.

و يرد عليه ما مرّ من الإشكال في تحقق إجماع أصحابنا لعدم كون المسألة معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا. اللّهم إلّا أن يريدوا بذلك إجماعهم في مقام العمل لا في مرحلة الإفتاء، و لكن إحراز تحقق ذلك في جميع الأعصار بحيث يكشف به تلقّيهم المسألة عن المعصومين «ع» مشكل.

[الثاني: قوله- تعالى- في سورة البيّنة]

الثاني: قوله- تعالى- في سورة البيّنة: «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ.» «1» بتقريب أن اللام إن جعلت للغاية دلّت على أن الغرض و الغاية المنظورة مما أمروا به منحصرة في العبادة و القربة.

و إن جعلت للصلة أو بمعنى أن كما في قوله- تعالى-: «وَ أُمِرْنٰا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعٰالَمِينَ» «2» كما هو الظاهر و يشهد له عطف قوله: «وَ يُقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ»، حيث لا معنى لجعلهما غايتين لسائر الواجبات، دلّت أيضا على أنهم ما أمروا إلّا بالعبادة و الإخلاص، فيستفاد منه أن الأصل في كل واجب أن يكون عبادة.

و يرد على ذلك- مضافا إلى ارتباط الآية بأهل الكتاب- أن مقتضى التقريبين وقوع تخصيص الأكثر المستهجن لكثرة الأوامر التوصّلية في الشرع المبين، فالظاهر أن المراد بالآية كونهم مأمورين بالتوحيد و إخلاص العبادة للّه- تعالى- في قبال الشرك و الإشراك في العبادة، لا وجوب كون الأعمال مع النية و القربة و وقوعها عبادة.

______________________________

(1)- سورة البيّنة (98)، الآية 5.

(2)- سورة الأنعام (6)، الآية 71.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 237

..........

______________________________

فمساق الآية مساق قوله- تعالى-: «قُلْ: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّٰهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ.» «1» و قوله: «قُلْ يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ تَعٰالَوْا إِلىٰ كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمْ أَلّٰا نَعْبُدَ إِلَّا اللّٰهَ وَ لٰا نُشْرِكَ بِهِ

شَيْئاً. الآية.» «2» و بالجملة فلا مساس للآية بباب الواجبات و اعتبار القربة فيها، و قد أشار إلى هذا المعنى الجصّاص في تفسير الآية ثم قال:

«فلا يصح الاستدلال به في إيجاب النية.» «3»

و في المجمع: «أي لم يأمرهم اللّه إلّا لأن يعبدوا اللّه وحده لا يشركون بعبادته ...

«مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»* لا يخلطون بعبادته عبادة ما سواه.» «4»

[الثالث: قوله- تعالى في سورة الليل]

الثالث: قوله- تعالى- «وَ مٰا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزىٰ إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلىٰ.» «5»

استدل به في الخلاف و المعتبر «6» على اعتبار النية في الصوم، قال في صوم الخلاف (المسألة 2): «فنفى المجازاة على كل نعمة إلّا ما يبتغى به وجهه، و الابتغاء بها وجهه هو النية.»

أقول: الظاهر من الخلاف إرجاع الضمير في «عِنْدَهُ» إلى اللّه- تعالى- فيصير المراد أنه ما لأحد عند اللّه من عمل و هيئة حسنة يجزيه اللّه بهما إلّا ابتغاء وجه الربّ. و الظاهر أن هذا اشتباه، إذ الضمير يرجع إلى الأتقى و المستثنى منقطع،

______________________________

(1)- سورة الزمر (39)، الآية 11.

(2)- سورة آل عمران (3)، الآية 64.

(3)- أحكام القرآن 3/ 584.

(4)- مجمع البيان 5/ 523، (الجزء 10).

(5)- سورة الليل (92)، الآية 19 و 20.

(6)- راجع الخلاف 1/ 337؛ و المعتبر/ 298.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 238

..........

______________________________

فيكون المراد أنه سيجنّب النار الأتقى الذي يؤتي ماله ليتزكى و لا يكون إعطاؤه للمال للتلافي و الجبران بأن يكون لأحد عنده نعمة فيجزيه بعوضها بل يكون إعطاؤه ابتغاء وجه اللّه، فلا تدل الآية على اعتبار القربة في الواجبات أصلا.

و لو سلّم رجوع الضمير إلى اللّه- تعالى- كما هو ظاهر الخلاف فلا تدل أيضا إلا على توقف الأجر و الثواب على القربة و ابتغاء وجه الربّ،

لا توقف صحة الأعمال عليها، فتدبّر.

[الرابع: قوله- تعالى في سورة البقرة]

الرابع: قوله- تعالى-: «وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ، وَ مٰا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغٰاءَ وَجْهِ اللّٰهِ، وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لٰا تُظْلَمُونَ.» «1»

ذكره المقدس الأردبيلي- قدّس سرّه- في زبدة البيان «2» و قال بدلالتها على اشتراط القربة و الإخلاص، لأن الظاهر أن المراد بالنفي النهي فيفهم النية.

أقول: الإنفاق أعم من الزكاة فمقتضى الحمل على النهي حرمة الإنفاق لغير وجه اللّه مطلقا، و الالتزام بها مشكل، فلعل المراد بالنفي حكاية حال أكثر المخاطبين حين نزول الآية و الواو للحال، قال في المجمع: «و هذا إخبار من اللّه عن صفة إنفاق المؤمنين المخلصين المستجيبين للّه و لرسوله أنهم لا ينفقون ما ينفقونه إلّا طلبا لرضا اللّه- تعالى-. و قيل: إن معناه النهى.» «3»

[الخامس: قوله- تعالى في سورة الروم]

الخامس: قوله- تعالى-: «وَ مٰا آتَيْتُمْ مِنْ زَكٰاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ.» «4»

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 272.

(2)- زبدة البيان/ 193.

(3)- مجمع البيان 1/ 386، (الجزء 2).

(4)- سورة الروم (30)، الآية 39.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 239

..........

______________________________

قال في كنز العرفان: «و في الآية دلالة على وجوب النية في الزكاة و إيقاعها على سبيل الإخلاص للّه- تعالى-.» «1»

و في فقه القرآن للراوندي: «يدلّ على أن النية واجبة في الزكاة لأن إعطاء المال قد يقع على وجوه كثيرة: فمنها إعطاؤه على وجه الصدقة، و منها إعطاؤه على وجه الهدية و منها الصلة، و منها الوديعة، و منها قضاء الدين، و منها القرض، و منها البرّ، و منها الزكاة، و منها النذر و غير ذلك، و بالنية يتميز بعضها من بعض.» «2»

أقول: ليس في الآية دلالة على اعتبار النية و الإخلاص في صحة العمل، و إنما تدل على أن

الأجر و الإضعاف يكون لمن أراد وجه اللّه، و ليس كلامنا في ذلك بل في أن إعطاءها بدون قصد القربة و الإخلاص صحيح مسقط للأمر أم لا؟

و اعتبار أصل النية في الزكاة مقطوع به لكونها كما مرّ من العناوين القصدية و صورة العمل مشتركة فلا تنطبق عليها إلا بالقصد كما بيّنه الراوندي، و لكن هذا أعم من عبادية العمل كما مرّ.

[السّادس: قوله تعالى في سورة البقرة أيضا]

السّادس: قوله- تعالى-: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلٰائِكَةِ وَ الْكِتٰابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمٰالَ عَلىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السّٰائِلِينَ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ أَقٰامَ الصَّلٰاةَ وَ آتَى الزَّكٰاةَ.» «3»

______________________________

(1)- كنز العرفان/ 233.

(2)- فقه القرآن 1/ 222.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 177.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 240

..........

______________________________

و فيه أولا أن الضمير في «حُبِّهِ» لعله يرجع إلى المال لا إلى اللّه- تعالى-.

و ثانيا أن المراد بإيتاء المال هنا لعله غير الزكاة لذكر الزكاة بعده و ثالثا أنه لا دلالة في الآية على بطلان الزكاة إن لم تقع للّه- تعالى-.

[السابع: ما روي عن النبي «ص» «إنما الأعمال بالنيّات»]

السابع: ما روي عن النبي «ص» أنه قال: «إنما الأعمال بالنيّات و إنما لا مرئ ما نوى.» و قوله «ص»: «لا عمل إلّا بنية.» «1»

أقول: في الوسائل عن مجالس الشيخ بسنده عن موسى بن جعفر «ع» عن آبائه «ع» عن رسول اللّه «ص»، (في حديث) قال: إنما الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه- عزّ و جلّ- و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلّا ما نوى.» «2»

و في صحيح مسلم بسنده عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«إنما الأعمال بالنية، و إنما لا مرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللّه و رسوله فهجرته إلى اللّه و رسوله. و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.» «3»

و في صحيح البخاري بسنده عن عمر، قال: سمعت رسول اللّه «ص»

يقول:

«إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.» «4»

أقول:- مضافا إلى أن حمل الحديثين على ظاهرهما ممتنع، و حملهما على

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 35 و 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10 و 9.

(2)- الوسائل 1/ 35، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1515، كتاب الإمارة، الباب 45، الحديث 155.

(4)- صحيح البخاري 1/ 2، باب كيف كان بدء الوحي ... (طبعة أخرى 1/ 6).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 241

..........

______________________________

نفي الصحة موجب لتخصيص الأكثر-

إن الذيل الذي رويناه للحديث الأول يدلّ على أن المقصود أن ترتّب الأجر على العمل تابع لقصد العامل، و لا ارتباط له بباب الصحة و سقوط الأمر.

و أما قوله: «لا عمل إلّا بنية» فإنه و إن روي مفردا في بعض الروايات و لكنه وقع في بعضها في عداد جمل أخر يظهر بملاحظتها أن المقصود نفي الكمال لا الصحة كما في رواية قال رسول اللّه «ص»: «لا حسب إلّا بالتواضع، و لا كرم إلّا بالتقوى، و لا عمل إلّا بنية.» «1»

الثامن: ما مرّ من المعتبر و غيره من أن الدفع يحتمل الوجوب و الندب و الزكاة و غيرها فلا يتعين لأحد الوجوه إلّا بالنية.» «2»

و يرد عليه: ما مرّ من أن التوقف على النيّة أعمّ من كون العمل عبادة، فإن العناوين القصدية يتوقف حصولها على النيّة و ليست عبادة و ذلك كجميع الأمور الاعتبارية و الإنشائية، و من هذا القبيل عنوان الزكاة و الخمس و نحوهما، فتدبّر.

[التاسع: ما مرّ من المعتبر «و لأنها عبادة أمر بإيقاعها»]

التاسع: ما مرّ من المعتبر أيضا من قوله: «و لأنها عبادة أمر بإيقاعها

على وجه الإخلاص. و لا يتحقق الإخلاص إلّا مع القصد و هو المراد بالنية.» «3» و مرّ نحو ذلك عن التذكرة «4» أيضا متمسكا بالآية الشريفة.

و يرد عليه: أن هذه مصادرة، إذ كونها عبادة أوّل الكلام، و قد مرّ أن المقصود بالآية التوحيد و نفي الشرك لا كون الأصل في الأوامر التعبدية

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 34، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 9.

(2)- راجع المعتبر/ 275؛ و الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(3)- المعتبر/ 275.

(4)- التذكرة 1/ 242.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 242

..........

______________________________

و اشتراط القربة و الإخلاص في متعلقاتها.

[العاشر: أن المتبادر من أمر المولى إيجاب إيجاده لأجل أمره]

العاشر: أن المتبادر من أمر المولى عبده بشي ء إيجاب إيجاده لأجل أمره و بداعي طلبه فلا يكفي تحقق نفس الطبيعة.

و إن شئت قلت: إن الأمر علّة لحصول المأمور به اعتبارا، و وزان العلل الاعتبارية وزان العلل التكوينية. و كل معلول بالنسبة إلى علّته لا مطلق و لا مقيّد و لكنه لا ينطبق إلّا على المقيّد. فمعلول النار مثلا ليس مطلق الحرارة و إن لم تستند إليها كما هو واضح، و لا الحرارة المقيدة باستنادها إلى النار للزوم تقدم الشي ء على نفسه، و لكن لا تستند إليها بحسب الواقع إلّا حصّة خاصة منها تنطبق على هذه المقيدة. ففي المقام أيضا لا يراد بالبعث نحو الطبيعة إلّا حصّة خاصّة تحققت بسببه و باعثيته. هذا.

و يرد عليه أوّلا أن الهيئة وضعت لنفس الطلب و المادّة لنفس الطبيعة المطلقة ذاتا.

و أمّا كون إيجادها بداعي الأمر و بعنوان الإطاعة فهو قيد زائد يحتاج اعتباره إلى دليل، و الانصراف إليه ممنوع. و قياس الأمور الاعتبارية بالعلل التكوينية بلا وجه، إذ في التكوينيّات يكون المعلول ظلّا للعلّة و ربطا محضا بالنسبة

إليه و يكون تقومه و تشخصه بها، و هذا بخلاف البعث و الطلب الإنشائي. حيث إن الملحوظ للآمر نفس الطبيعة المطلقة، و البعث يتعلق بها و تعرض عليها في الذهن و الاعتبار و تقوّمه و تشخصه بتشخص المتعلق. و إرادة الآمر الانبعاث من أمر لا توجب تقيّد متعلقه.

و ثانيا: ما قالوا من أن أخذ هذا القيد في متعلق التكليف مستلزم للدور لأن موضوع الطلب بجميع قيوده متقدم عليه رتبة، و عنوان الإطاعة متأخر عن الطلب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 243

..........

______________________________

و منتزع منه فلا يعقل أخذها في موضوعه. هذا.

و لكن إشكال الدور مرتفع كما ذكره السيّد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- و قد حررناه في نهاية الأصول في مبحث التعبدي و التوصّلي، فراجع. «1» و ملخّصه أن المأخوذ في الموضوع الإطاعة بوجودها الذهني و المتأخر عن الطلب وجودها الخارجي فلا دور.

[الحادي عشر: أن العقل يستقل بوجوب إطاعة المولى و عنوان الإطاعة لا يصدق إلّا مع النيّة]

الحادي عشر: أن العقل يستقل بوجوب إطاعة المولى و امتثال أوامره، و الشرع المبين أيضا أرشد إلى ذلك بقوله: «أَطِيعُوا اللّٰهَ»* و عنوان الإطاعة لا يصدق إلّا مع القصد و النيّة و الانبعاث من أمره- تعالى. و يعبّر عن هذا المعنى باللغة الفارسية ب «فرمان بردن و حرف شنيدن.»

و يرد عليه: أن الذي يحكم به العقل هو وجوب الإتيان بما وقع تحت الأمر، و هو المراد بالإطاعة هنا. و أما كون الانبعاث بسبب خصوص هذا الأمر بحيث لا يكفي تحقق الطبيعة المأمور بها بإطلاقها فهو قيد زائد لو كان واجبا و متعيّنا لوجب على المولى بيانه و التنبيه عليه و لو بدليل أخر. و الشك في الكلفة الزائدة مجرى أصل البراءة. و المولى يقدر على بيان أغراضه و لو بدليل مستقل.

[الثاني عشر: ما ذكروه في مبحث التعبدي و التوصّلي]

الثاني عشر: ما ذكروه في مبحث التعبدي و التوصّلي، و محصّله:

أنا و إن قلنا في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين بالبراءة، و لكن لا تجري هذه في القيود المنتزعة من نفس الأمر المتأخرة عنه رتبة كقصد الأمر و الوجوب و الندب و نحو ذلك، إذ لا يمكن أخذها في المأمور به بل هي من كيفيات الإطاعة، و الشك فيها شك في تحقق الإطاعة و الخروج عن عهدة التكليف المنجز. و العقل يلزم بالخروج عنها و تحصيل غرض المولى بعد ما تصدّى لتحصيله بسبب الأمر.

______________________________

(1)- نهاية الأصول/ 99 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 244

..........

______________________________

و يرد عليه أوّلا: ما أشرنا إليه من منع امتناع أخذ هذه القيود في المأمور به و لا يلزم منه محذور لا في مقام الأمر و لا في مرحلة الامتثال.

و ثانيا: جواز التمسك لنفيها بإطلاق الدليل إن كان

و إلّا فبأصل البراءة بعد إمكان بيانها و لو بدليل آخر.

و ثالثا: منع لزوم تحصيل الغرض إلّا بمقدار تصدّي المولى لبيانه، إذ عليه بيان كل ما هو دخيل في غرضه و لو بدليل مستقل. و العقل كما يقبّح العقاب على التكاليف إلّا بعد بيانها يقبّح العقاب على تفويت الأغراض أيضا إلّا بعد بيانها و لا سيما في الأغراض الخفيّة التي لا يطلع عليها و على محصّلاتها العبيد بعقولهم الناقصة. و تفصيل هذه الأمور موكول إلى محلّه.

فهذه هي الأمور التي ذكروها لحمل الأوامر على التعبدية و اعتبار القربة فيها إلا أن يثبت خلافه، و قد عرفت المناقشة في جميعها. و لكن بعد اللتيا و التي فرفع اليد عما تسالم عليه الأصحاب بل المسلمون في باب الخمس و الكفارات و نحوها مشكل، فالأحوط بل الأقوى اعتبار النية و القربة و الإخلاص فيها.

[و يمكن أن يستدل لذلك بأن الزكاة من أقسام الصدقة و قوام الصدقة بقصد القربة]

و يمكن أن يستدل لذلك بأن الزكاة من أقسام الصدقة و عبّر عنها بها في الكتاب و السنة. و يظهر من كثير من الأخبار أن قوام الصدقة بقصد القربة و أنها عبادة لا تقع إلّا بداع إلهي:

1- ففي صحيحة جميل قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة و هم صغار أله أن يرجع فيها؟ قال: «لا، الصدقة للّه- تعالى-.» «1»

2- و في رواية الحكم قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إن والدي تصدّق عليّ بدار ثمّ بدا له أن يرجع فيها، و إن قضاتنا يقضون لي بها، فقال «ع»: «نعم ما قضت به

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 298، الباب 4 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 245

..........

______________________________

قضاتكم، و بئس ما صنع والدك. إنما الصدقة للّه-

عزّ و جلّ-. فما جعل للّه- عزّ و جلّ- فلا رجعة له فيه. الحديث.» «1»

3- و في خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، قال: «من تصدّق بصدقة ثم ردّت عليه فلا يأكلها لأنه لا شريك للّه- عزّ و جلّ- في شي ء مما جعل له، إنما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعد ما يعتق.» «2» و روى نحوه ابن فهد في عدّة الداعي مرسلا. «3»

4- و عن قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه أن عليا «ع» كان يقول: «من تصدق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، و لا يجوز له إلّا إنفاقها، إنما منزلتها بمنزلة العتق للّه، فلو أن رجلا أعتق عبد اللّه فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله للّه، فكذلك لا يرجع في الصدقة.» «4»

5- و في صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا صدقة و لا عتق إلّا ما أريد به وجه اللّه- عزّ و جلّ-» و مثله صحيحة الفضلاء أحدهم حماد. «5»

و بالجملة فيظهر من أخبار كثيرة أن القربة مأخوذة في ماهية الصدقة بما هي صدقة، و بها تمتاز عن النحلة و الهدية و الهبة.

و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إنما الصدقة محدثة، إنما كان الناس على عهد رسول اللّه «ص» ينحلون و يهبون. و لا ينبغي لمن أعطى للّه شيئا

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 316، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 316، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 294، الباب

24 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(5)- الوسائل 13/ 320، الباب 13 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 246

[يعتبر التعيين مع تعدّد ما عليه]

و التعيين مع تعدّد ما عليه، بأن يكون عليه خمس و زكاة و هو هاشمي فأعطى هاشميّا، فإنه يجب عليه أن يعيّن أنه من أيّهما.

و كذا لو كان عليه زكاة و كفّارة فإنه يجب التعيين (1).

______________________________

أن يرجع فيه.» قال: «و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه، نحلة كانت أو هبة، حيزت أو لم تحز.» «1»

و يشهد لذلك أيضا قوله- تعالى-: «أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ.» «2»

فالصدقة تعطى للّه- تعالى-، و ما تقع في يد السائل حتى تقع في يد الربّ- جلّ جلاله- كما في الخبر. «3»

و يمكن أن يستدل للمسألة أيضا بما في نهج البلاغة بعد ذكر الصلاة قال: «ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لأهل الإسلام، فمن أعطاها طيّب النفس بها فإنها تجعل له كفّارة و من النار حجازا و وقاية فلا يتبعنّها أحد نفسه و لا يكثرن عليها لهفه فإن من أعطاها غير طيّب النفس بها يرجو بها ما هو أفضل منها فهو جاهل بالسنة مغبون الأجر ضالّ العمل طويل الندم.» «4» و اللّه العالم بحقيقة الحال، رزقنا اللّه العلم بمعارفه و أحكامه.

(1) قالوا: لأن العمل قابل لأن ينطبق عليه كل واحد من العنوانين، فيتعين لأحدهما بالقصد و التعيين. و لأن التعبد بفعل يراد به إتيانه بداعي أمره المتعلق به، و الأمر لا يدعو إلّا إلى ما تعلق به بجميع خصوصياته المأخوذة فيه فيجب قصدها حين العمل.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 334، الباب 3 من كتاب الهبات، الحديث

1.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 104.

(3)- نور الثقلين 2/ 261، الحديث 311.

(4)- نهج البلاغة، عبده 2/ 205؛ لح/ 317، الخطبة 199؛ عنه الوسائل 6/ 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 247

..........

______________________________

و بعبارة أوضح: يعتبر في عباديّة العمل أمران: أحدهما تعلق إرادة الفاعل بعين ما تعلقت به إرادة الآمر.

و ثانيهما كون الداعي له في ذلك امتثال أمره و تحصيل مراده. فلو كان المأمور به مقيدا بقيود خاصّة لا يكفي في صدق الامتثال نيّة أصل الطبيعة بإطلاقها أو المقيّدة بقيود أخر لعدم تعلق هذا الأمر بهما.

فلو أمر المولى بإحضار عالم أو طبيب مثلا لا يصدق إطاعته و امتثال أمره هذا إلّا بالقصد إلى إحضار رجل معنون بهذا العنوان الخاص، سواء كان هناك أمر آخر متعلق بإحضار شخص آخر من مطلق الرجل أو من صنف آخر منه أم لا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 247

و بذلك يظهر عدم الفرق بين كون المأمور واحدا أو متعددا. نعم يكفي في الأول القصد الإجمالى إلى ما في ذمّته فيكون هذا عنوانا مشيرا إلى المأمور به بخصوصياته الملحوظة للآمر. بل يكفي في الثاني أيضا القصد إلى ما تعلقت ذمته به أولا مع اشتراكهما بحسب الهيئة و الصورة الخارجية كصلاتي الظهر و العصر مثلا.

أقول: إن كان المأمور به من العناوين القصدية أي الأمور الاعتبارية المتقومة بالاعتبار و القصد فالقصد إليه معتبر جزما لا لتوقف العبادية و عنوان الإطاعة عليه، بل لأن الماهية التي أمر بها لا تنطبق على معنونها خارجا إلّا بالقصد، من غير فرق بين أن يكون الأمر به تعبّديا أو توصّليا.

بل و

لو لم تكن الماهية مأمورا بها، و لكن أراد الفاعل تحققها، لأن المفروض أنها لا تتحقق خارجا إلّا بالقصد. و ذلك كعناوين العقود و الإيقاعات، و المركّبات و المهيات الاختراعية التي أوجبها الشرع المبين، كالصلاة و الصيام و الحج و الزكاة و الخمس و الكفارة و نحوها، فإن انطباق هذه العناوين على ذوات الأفعال الصادرة لا يكون إلّا بالقصد. و هكذا عنوان النيابة عن الغير و القضاء و البدلية و نحوها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 248

..........

______________________________

و أما إذا لم يكن المأمور به من العناوين المتقومة بالقصد و الاعتبار بل كان من الأمور الواقعية التكوينية بحيث لا يتوقف خارجيتها و نفس أمريتها على الاعتبار كما في مثال العالم أو الطبيب الذي مثّل به في صوم مصباح الفقيه فلا نسلّم توقف صدق الامتثال و سقوط الأمر على قصد العنوان إلّا من باب المقدمية لوجوده غالبا.

فلو فرض أن المولى قال لعبده: «جئني برجل طبيب» و كان في العبد روح الانقياد و الإطاعة و لكنه لم يتوجه إلى أخذ قيد الطبابة أو توهم قيدا آخر فانبعث من أمر المولى و لم يحركه نحو العمل إلّا أمره فأتى برجل بقصد امتثال أمره و اتفق كونه طبيبا فكيف لا يسقط الأمر مع حصول المأمور به بقيوده بقصد الامتثال و هل يكلّف بردّ هذا الرجل و إعادته ثانيا عن قصد عنوان الطبابة؟

و بالجملة فالملاك في العبادية حصول المأمور به و كون الداعي امتثال الأمر فقط، و كلاهما حاصلان.

فان قلت: التحرك حينئذ يكون عن أمر و همي لا واقعي.

قلت: أوّلا: الأمر لا يحرّك بوجوده الخارجي بل بوجوده العلمي، و المفروض في المقام وقوع التحرك بالصورة المرتسمة في الذهن.

و لا دليل على اعتبار

مطابقتها للواقع، و المحكّم في باب الإطاعة و العصيان هو العقل.

و ثانيا: لا نسلّم اعتبار كون التحرك من قبل الأمر بل يكفي تحقق الفعل بداع إلهي و لو من قبيل قصد التعظيم و الشكر و نحوهما.

فإن قلت: سلّمنا سقوط الأمر بإتيان المأمور به بداع إلهي و إن لم يقصد العنوان الخاص، و لكن لا نسلّم ترتب الأجر و الثواب المترتبين على العمل الخاص إلّا بعد الالتفات إلى عنوانه و خصوصياته المأخوذة.

قلت: أوّلا: إن الأجر و الثواب من آثار الحسن الفاعلي لا الحسن الفعلي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 249

..........

______________________________

و ثانيا إن البحث هنا في صحة العمل و سقوط الأمر لا في ترتب الأجر و الثواب.

و بما ذكرنا يمكن أن يقال: إن ما يستفاد من بعض الأخبار من صحة الصيام في يوم الشك بنيّة القضاء أو آخر شعبان و وقوعه من رمضان لو انكشف كونه منه يكون على طبق القاعدة، إذ الصوم حصل بقصد الأمر إجمالا و وقع في رمضان واقعا، و ليس رمضان أمرا اعتباريا حتى يتوقف على القصد، فتأمّل.

و قد تحصّل مما ذكرناه أن المعتبر في جميع الواجبات تحقق المأمور به خارجا، و في خصوص العبادات كون الداعي للعبد إحدى الدواعي الإلهية. و أما لزوم وقوع جميع الخصوصيات الملحوظة للآمر عن اختيار و بهذا الداعي بحيث يلزم عليه الإعادة مع الاشتباه و الخطأ في المثال الذي مرّ و أشباهه فلا دليل عليه. و إنما يضرّ وقوعها بالدواعي النفسانية.

نعم، يعتبر قصد الخصوصيات فيما إذا توقف وقوعها خارجا على القصد سواء كان الواجب تعبديا أو توصليا.

بل يمكن أن يقال في المثال الذي ذكره المصنف: إن المكلف الهاشمي الذي عليه الخمس و الزكاة معا لو أعطى لفقير

هاشمي دينارا مثلا بقصد أن يعيّن أحدهما بعد ذلك في محاسباته و كان الداعي له في الإعطاء إحدى الدواعي الإلهية عدّ عبدا مطيعا للّه- تعالى-، فيمكن القول بصحّته، نظير ما يذكره المصنف بعد ذلك في المالين المتساويين من عدم لزوم التعيين حين الدفع و كفايته بعد ذلك. هذا و لكن يأتي منّا الإشكال في ذلك.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- عند قول المصنف: «مع تعدد ما عليه.»: «بل مع وحدته أيضا لما مرّ من أن المناط في لزوم التعيين هو اشتراك صورة العمل بين عنوانين أو أكثر و احتياج تخصصه بأحدها إلى قصده لا تعدّد الأمر.»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 250

[إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة يجب عليه التعيين]

بل و كذا إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة، فإنه يجب التعيين على الأحوط (1)، بخلاف ما إذا اتّحد الحق الذي عليه فإنه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمّة و إن جهل نوعه. بل مع التعدّد أيضا يكفيه التعيين الإجمالي بأن ينوي ما وجب عليه أوّلا أو ما وجب ثانيا مثلا.

[لا يعتبر نيّة الوجوب و الندب]

و لا يعتبر نيّة الوجوب و الندب (2).

______________________________

أقول: أراد بذلك ما مرّ من أن العناوين القصدية المتقومة بالقصد تحتاج في تحققها و انطباقها على الأفعال الخارجية إلى القصد و لو إجمالا من غير فرق بين تعدد الأمر و وحدته و كون الواجب تعبديا أو توصليا، فتدبّر.

(1) بل قوّاه في المستمسك، قال: لاختلافهما ذاتا و موردا و سببا و وقتا و أحكاما. «1»

أقول: بناء على ما قالوه من لزوم أن يتعلق إرادة الفاعل بعين ما تعلقت به إرادة الآمر من الخصوصيات كان اللازم في المقام أيضا التعيين لتعلّق إحداهما بالمال و الأخرى بالبدن، و تسمية كلتيهما زكاة لا تقتضي اتحادهما بحسب الماهية.

(2) 1- قد مرّ عن الشرائع قوله: «و حقيقتها القصد إلى القربة و الوجوب أو الندب و كونها زكاة مال أو فطرة.» «2»

2- و عن المعتبر قوله: «لنا أن الدفع يحتمل الوجوب و الندب و الزكاة و غيرها، فلا يتعين لأحد الوجوه إلّا بالنية.» «3»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 346.

(2)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

(3)- المعتبر/ 275.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 251

..........

______________________________

3- و في المنتهى: «و لا بدّ في النيّة من القصد إلى الذمّة (إلى القربة- ظ.)

لأنه شرط في العبادة، و من القصد إلى الوجوب أو الندب لأن الفعل صالح لهما فلا يتخلّص أحدهما إلّا بالنيّة، و من القصد إلى كونها زكاة مال

أو فطرة للاشتراك في الصلاحية فلا بدّ من مائز.» «1»

4- و لكن في المعتبر: «و النيّة اعتقاد بالقلب فإذا اعتقد عند دفعها أنها زكاة تقربا إلى اللّه كفى ذلك.» «2»

و ظاهره عدم اعتبار قصد الوجوب أو الندب و لا كونها زكاة مال أو فطرة.

5- و في المدارك في ذيل عبارة الشرائع: «الأصحّ عدم اعتبار ما زاد على نيّة القربة و التعيين.» «3»

أقول: الحقّ كما ذكره المصنف عدم اعتبار قصد الوجوب أو الندب في العبادات لا وصفا و لا غاية، لعدم الدليل عليه، و لو كان واجبا لبان مع شدّة الابتلاء به، و لا يرى منه ذكر و أثر في رواية و أثر.

و العقل الحاكم في باب الإطاعة و العصيان و كيفياتهما أيضا لا يحكم باعتباره.

و لو فرض الشك فيه كان المرجع عندنا أصل البراءة بعد إمكان أخذه في المأمور به كما مرّ الإشارة إليه.

و الاستدلال في مثل المسألة بالإجماع أو الشهرة غريب بعد عدم كونها معنونة في كتب القدماء من أصحابنا و إنما تكلّم عليها بعض المتكلمين و سرى منهم إلى الفقه.

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 516.

(2)- المعتبر/ 275.

(3)- المدارك/ 328.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 252

[لا يعتبر نيّة الجنس الذي تخرج منه الزكاة]

و كذا لا يعتبر أيضا نيّة الجنس الذي تخرج منه الزكاة أنه من الأنعام أو الغلّات أو النقدين.

من غير فرق بين أن يكون محل الوجوب متحدا أو متعددا، بل و من غير فرق بين أن يكون نوع الحق متحدا أو متعددا، كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، فإن الحقّ في كل منهما شاة.

______________________________

و أظنّ قريبا أن بعض القائلين باعتبار قصدهما أرادوا بيان اعتبار قصد الأمر في تحقق العبادية، و حيث إن الأمر إما وجوبي أو

ندبي عبّروا عن اعتبار قصده باعتبار قصدهما فليس القول باعتبار قصدهما أمرا وراء القول باعتبار قصد الأمر في حصول الطاعة.

و قد مرّ منّا أن المحقق لعبادية العمل هو صدوره منتسبا إلى اللّه و ناشئا عن إحدى الدواعي الإلهية في قبال الدواعي النفسانية، و لا ينحصر هذا في قصد الأمر و امتثاله.

ثم لا يخفى: أن ما مرّ من عدم اعتبار قصد الوجوب أو الندب لا ينافي كونهما في بعض الموارد مشيرين إلى الخصوصيات المميزة الاعتبارية المجهولة لنا كما في نافلة الفجر و فريضته حيث إنهما بعد ما اشتركتا بحسب الصورة و الهيئة لو كانتا فردين لطبيعة واحدة بلا اعتبار مائز بينهما لزم منه وقوع الفرد الأوّل مصداقا للواجب و مسقطا لأمره قهرا كما هو مقتضى كل مورد تعلّق الأمر الإلزامي بفرد ما من الطبيعة و الأمر الندبي بالزائد عليه. و المفروض في المقام خلاف ذلك، فيعلم بذلك اختصاص كل منهما بمائز اعتباري مجهول لنا يشار إليه في مقام الامتثال بوصف الوجوب أو الندب، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 253

أو كان عنده من أحد النقدين و من الأنعام، فلا يجب تعيين شي ء من ذلك. (1) سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أولا، فيكفي مجرّد قصد كونه زكاة.

______________________________

(1) 1- في الشرائع: «و لا يفتقر إلى نيّة الجنس الذي يخرج منه.» «1»

2- و ذيّله في المدارك بقوله: «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.» «2»

3- و في المنتهى: «و لا يفتقر إلى تعيين المال بأن يقول: هذه زكاة مالي الفلاني إجماعا.» «3»

أقول: لا يخفى أن ادعاء الإجماع و قطع الأصحاب في المسائل التي لم يتعرض لها القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل المسائل المأثورة غير

وجيه.

نعم يمكن ادعاء استقرار السيرة العملية في جميع الأعصار على إعطاء الزكوات من دون توجّه إلى بعض هذه الخصوصيات و قصدها حين الإعطاء.

4- و في التذكرة: «قد بيّنّا أنه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه في النيّة.

فلو كان له مالان و نوى عن أحدهما و لم يعيّنه أجزأ سواء كان المدفوع من جنس أحدهما أو من غير جنس شي ء منهما و له صرفه إلى أيّ الصنفين شاء سواء خالف أولا.» «4»

5- و في الجواهر ما محصّله: «لأنها أصناف لا أنواع: من غير فرق بين اتحاد محل الوجوب و تعدّده و بين اتحاد نوع الحق و عدمه، و بين كون المدفوع من جنس أحدهما و عدمه. و لكن لو عيّنه حال الدفع تعيّن على الظاهر. و لو دفعه

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

(2)- المدارك/ 328.

(3)- المنتهى 1/ 516.

(4)- التذكرة 1/ 243.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 254

..........

______________________________

من غير تعيين فهل يبقى له صرفه إلى ما شاء منهما أم يوزّع؟ صرّح في التذكرة بالأول و اختاره الشهيد الثاني و تظهر الثمرة في تلف أحد النصابين قبل التمكن و قبل إخراج فريضة الثاني.» «1»

و استشكل على ذلك في المستمسك فقال ما ملخّصه: «لكن يشكل ذلك بناء على تعلق الزكاة بالعين، إذ حينئذ يكون حال الزكاة حال الديون المتعلقة برهون متعددة. كما لو استقرض عشرة دراهم و جعل فرسه رهنا عليها، ثم عشرة و جعل بعيره رهنا عليها. فإذا دفع إليه عشرة دراهم، و لم يعيّن أحد الدينين بعينه، لم يسقط كل منهما، و لم يصح قبضه وفاء. فإن عيّن الأولى تحرّر الفرس، كما أنه لو عيّن الثانية تحرّر البعير.

و في المقام كذلك: إذا نوى في الشاة

المدفوعة أنها زكاة الشياه تحرّرت الشياه و بقيت الإبل على حالها لا يجوز له التصرف فيها. و لو عكس النيّة انعكس الحكم، و كذا يختلف الحكم في التلف.

فإنه إذا نواها عن الشياه فتلفت بقيت عليه زكاة الإبل، و لو نواها عن الإبل و قد تلفت الشياه لا شي ء عليه. و مع الاختلاف بهذا المقدار لا بد من النيّة لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح.

و أشكل منه ما ذكروه في الفرض الثاني، فإن الواجب في أحد النقدين أحد النقدين و في الأنعام الحيوان الخاصّ، فلو لم يعيّن- و كان المدفوع من غير الواجب بعنوان القيمة- جرى فيه ما سبق. و إن كان من نفس الواجب الأصلي فهو متعيّن في نفسه و لا مجال للتعيين. و لو نوى أنه إما زكاة عن النقد- مثلا- أو قيمة عن

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 479.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 255

..........

______________________________

الأنعام بطل، لما عرفت من عدم قصد الأمر الخاصّ.» «1»

أقول: يمكن أن يقال: إن الزكاة و إن تعلقت بالعين بنحو الإشاعة كما هو الظاهر من أخبار الباب و لكن يجوز للمالك أداؤها من غير العين أيضا بقصد الزكاة الواجبة في ماله، فهذا مما لا إشكال فيه. فإذا قصد بما دفعه أن تكون زكاة أداء لما عليه فلم لا يسقط مقداره عن عهدته و لم يصح قبضه؟ و عدم تحقق إحدى الخصوصيتين لعدم قصدها لا ينافي تحقق الطبيعة الجامعة بينهما.

و كذا الكلام في مثال الدينين، فإذا دفع عشرة دراهم بقصد أداء دينه من غير تعيين أحدهما فيمكن القول بسقوط عشرة دراهم من ذمّته، و مع ذلك يبقى الرهنان بحالهما، إذ كل رهن وقع في قبال دين خاصّ، و حيث إنه لم يقصد الخصوصيات

بقي الرهنان بحالهما.

و بالجملة فإذا كان لكل واحدة من الخصوصيات أثر و للجامع أثر آخر أمكن القول بأن قصد العنوان الجامع يوجب ترتب أثره دون آثار الخصوصيّات. بل يقال:

حيث إن تعيين الخصوصيات أيضا محوّل إليه شرعا فلم لا يجوز تعيين إحداها بعد ذلك كما مرّ عن التذكرة؟

و تعيّن كون قصد الخصوصية مقارنا لقصد الجامع و في ضمنه أول الكلام بعد كون كل منهما محوّلا إلى المالك و موضعا لأثر شرعي مستقل، فتأمّل.

و كون وجود الطبيعة الجامعة بعين وجودات الأفراد لا ينافي استقلالها بحسب القصد و الوجود الذهني.

و إذا فرض إقدام المالك على تعيين أحد الفردين فلا محالة وجد في نفسه داع يدعوه إلى هذا التعيين فلا يكون ترجيحا بلا مرجح. و لا يتفاوت الأمر بين كون

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 347.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 256

..........

______________________________

التعيين و الترجيح مقارنا للإعطاء أو متأخرا عنه. و ما هو المستحيل تحقق الترجيح بلا علّة داعية، لرجوعه إلى الترجّح بلا مرجح أعني وجود المعلول بلا علّة.

نعم، لو لم يقصد أصل الزكاة أعني الطبيعة الجامعة، بل قصد زكاة أحد المالين الخاصّين بنحو الإبهام و الترديد كما في الفرع التالي أمكن المناقشة في صحّته كما يأتي، إذ المجعول شرعا زكاة هذا المال بعينه و ذاك بعينه. و عنوان أحدهما عنوان اختراعي لا واقعية له و ليس مجعولا.

و هذا بخلاف أصل طبيعة الزكاة الموجودة بوجود الخصوصيتين فإنها مجعولة بعين جعلهما كما تكون موجودة بوجودهما اللّهم إلا أن يقال: إن قصد عنوان أحدهما يستلزم قصد الجامع أيضا.

و سيرة المتشرعة قد استقرت غالبا على قصد أصل الزكاة حين أعطائها أو الوصية بها من دون أن يلتفت المعطي أو الموصي إلى بعض خصوصيات الواجب أو

المتعلق و ربما نسيها المالك بمرور الزمان. و لو كان تعيينها واجبا لظهر و بان مع كثرة الابتلاء بالمسألة.

و قد مرّ منّا أن المعتبر في كل واجب تحقق أصل المأمور به، و في خصوص العبادات كون الداعي إحدى الدواعي الإلهية في قبال الدواعي النفسانية. و أمّا لزوم قصد كل خصوصية وقعت تحت الأمر أو قصد الأمر الخاص فلا دليل عليه، و الأصل يقتضي العدم.

اللّهم إلّا إذا كان قصد الخصوصية مقدمة لإيجادها.

نعم لو كان العمل نيابيا كان اللازم تعيين المنوب عنه و لو إجمالا.

و لو تعدد المنوب عنه لزم تعيينه قطعا، إذ النائب يعتبر نفسه بدلا عن المنوب عنه أو عمله بدلا عن عمله. و البدلية عنوان اعتباري يتوقف تحققها على القصد و تعيين البدل و المبدل منه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 257

..........

______________________________

و لعلّ عنوان القضاء أيضا كذلك فإن القضاء بدل عن الواجب الموقّت فيتوقف تحققه على قصد المبدل منه و تعيينه.

و مع تعدّده يكفي قصد الجامع و لكن لا يترتب آثار الخصوصيات إلّا أن يقصدها بخصوصها أو يعيّنها بعد العمل بناء على جوازه. مثلا لو كان عليه صوم أيام من رمضان أو رمضانين فقصد القضاء عن صوم رمضان كفى في صحّة القضاء.

و لكن لو ضاق الوقت عن الجميع و أراد عدم تعلّق كفارة التأخير وجب عليه حينئذ قصد صوم رمضان الأخيرة، أو تعيينه بعد العمل إن أجزناه كما مرّ، فتدبّر.

و قد تحصّل مما ذكرناه أن في مسألة الدينين و كذا الزكاتين و القضاءين و نحو ذلك قصد الجامع كاف في صحته و يسقط عنه بمقدار ما أتى به. و لكن ترتيب آثار الخصوصيّات يتوقف على قصدها ابتداء.

و قيل بجواز تعيينها بعد الإعطاء أيضا وفاقا

للتذكرة لإطلاق ما دلّ على كون التعيين له، و على فرض الشك يستصحب ذلك. هذا.

و لكن في نفسي من ذلك شي ء، إذ بعد الإعطاء يخرج اختيار المال من يد المالك و يصير ملكا للفقير، و بالإعطاء يتشخّص المال و يخرج عن كلّيته فلا يقبل التعيين. و قد أشار إلى هذا المعنى صاحب الجواهر كما يأتي في الفرع التالي.

و إذا ناقشنا في ذلك فيبقى في المسألة احتمالات أخر:

الأول: القول بانطباق الجامع المأتي به على الفرد الأوّل قهرا فيترتب عليه آثاره.

الثاني: التوزيع بالنسبة.

الثالث: تعيين البعض بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل سواء كان في مقام الإثبات أو في مرحلة الثبوت و الواقع. و لعلّ خير هذه الأمور أوسطها فإنه مقتضى العدل و الإنصاف، و العرف أيضا يساعد على ذلك. هذا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 258

[لو كان له مالان فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه]

بل لو كان له مالان متساويان أو مختلفان، حاضران أو غائبان أو مختلفان، فأخرج الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه، و له التعيين بعد ذلك. و لو نوى الزكاة عنهما وزّعت. بل يقوى التوزيع مع نية مطلق الزكاة (1).

______________________________

و في حاشية السيد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- عند قول المصنف:

«سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أولا.» قال: «لكن ينصرف المدفوع حينئذ إلى ما كان من جنسه و يحتاج انصرافه إلى غيره إلى قصد أنه بدله و قيمته.»

و مرّ عن المستمسك قوله: «و إن كان من نفس الواجب الأصلي فهو معين في نفسه و لا مجال للتعيين.» «1»

أقول: محلّ البحث ما إذا قصد المالك مجرّد كونه زكاة و لم يعيّن المتعلق في قصده و إرادته. و الزكاة كما تعطى من العين من جنس آخر أيضا. و الانصراف مورده

الشك في مرحلة الإثبات فلا مجال له في مقام الثبوت و الواقع، فتدبّر.

(1) 1- في المبسوط: «و إن كان له مال غائب و مثله حاضر فأخرج زكاة أحدهما و قال: هذه زكاة أحدهما أجزأه.» «2»

2- و في الشرائع: «و لو كان له مالان متساويان: حاضر و غائب فأخرج زكاة و نواها عن أحدهما أجزأته.» «3»

3- و في المغني: «و لو قال: هذا زكاة مالي الغائب أو الحاضر صحّ لأن التعيين ليس بشرط.» «4»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 348.

(2)- المبسوط 1/ 232.

(3)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

(4)- المغني 2/ 506.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 259

..........

______________________________

4- و في الجواهر بعد تعميم الحكم للمالين المختلفين و الحاضرين و الغائبين أيضا قال: ما ملخّصه: «لإطلاق الأدلّة، و ما تقدّم من عدم الدليل على وجوب تعيين الأفراد التي جمعها أمر واحد. لكن يحتمل بقاء التخيير له في التعيين بعد الدفع، بل عن الفاضل في التذكرة الجزم به، و هو مشكل، و إن ذكروا نظيره في الدين لشخصين إذا قبضه وكيلهما، و الدينين المختلفين في الرهن، لأنه لا دليل على تعيين الأفعال بعد وقوعها. و إنما الثابت تعيّنها بالنية المقارنة، إلا أن يقال: إنه باق على كليّته بعد الدفع كما كان قبله ...

و مال في البيان إلى التوزيع، و في فوائد الشرائع: «و هو قريب»، و في المسالك:

«و هو الأجود.»

لكن فيه أنه لا دليل عليه بعد فرض كونه غير مقصود ...» «1»

أقول: قد مرّ أن قصد كون الزكاة عن أحد المالين على البدل و بنحو الترديد محلّ إشكال لكونه مفهوما اختراعيا لا واقعية له، و الموجود في الخارج هذا المال بخصوصه و ذاك بخصوصه، و المجعول أيضا زكاة كل منهما

بعينه، فالإجزاء في الفرض محل إشكال.

اللّهم إلّا أن يقال: إن قصد أحدهما يتضمن قصد الجامع قهرا فيصح من هذه الجهة. ثم على فرض البطلان لو كان المال باقيا بعد و لم يتصرف فيه الفقير أمكن قصد كونه زكاة بنحو الإطلاق أو تعيينها لأحد المالين بخصوصه أو كونها لهما بنحو التوزيع بالنسبة. و لا إشكال في قصد أصل الطبيعة بإطلاقها لكونها موجودة بوجود أفرادها و مجعولة بعين جعلها. و قد مرّ بيان ذلك فلا نعيد.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 480 و 481.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 260

[يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة]

اشارة

[المسألة 1]: لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير (1).

______________________________

جواز التوكيل في أداء الزكاة و الإيصال إلى الفقير و كيفية قصد القربة في العبادات النيابيّة

[في أقسام الوكالة]

(1) أقول: الوكيل إما وكيل في الإيصال فقط نظير ما قد يحصل من الحيوان و المجنون، و إما وكيل في الأداء.

و الوكيل في الأداء على أقسام: فإنه قد يجعل وكيلا في مباشرة الأداء و الصرف في المصارف مستقلا بأن ينوي الزكاة و يؤديها إلى من يراه بنفسه مستحقا لها و لكن الإخراج من المال وقع بتصدي المالك نفسه.

و قد يجعل وكيلا في الإخراج أيضا مع علم المالك بتعلق الزكاة بماله.

و قد يجعل وكيلا فيهما مع جهل المالك بذلك كما إذا جعله المالك الوكيل المطلق في جميع ما يرتبط بشؤون حياته و أمواله و واجباته المالية إن فرض تعلقها به.

فجميع هذه من أقسام الوكالة في الأداء، و يجب إقامة الدليل على صحتها، حيث إن الظاهر من الأوامر العبادية إرادة مباشرة المأمور بنفسه بامتثالها و تقربه بإطاعتها إلّا أن يدل دليل على جواز التوكيل فيها.

قال الشهيد في كتاب الوكالة من المسالك: «و أما العبادات فالمقصود منها فعل المكلف ما أمر به و انقياده و تذلّله، و ذلك لا يحصل إلّا بالمباشرة.» «1» هذا.

و قال في المستمسك في المقام: «و الفرق بين الوكيل في الأداء و الوكيل في الإيصال: أن الأوّل ينوب عن المالك في أداء العبادة، نظير النائب في الصلاة فتتوقف صحة الأداء على قصد النيابة عن المالك مع قصد التقرب بالأمر المتوجه إليه.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 335.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 261

..........

______________________________

و أما الوكيل في الإيصال فليس نائبا عن

المالك و لا تتوقف صحة الإيصال على قصد النيابة عنه، و لا قصد التقرب بالأمر المتوجه، إذ الإيصال يتحقق و إن لم يقصد المباشر القربة، بل و إن لم يكن له شعور، كالحيوان و المجنون، بل و الريح و غيرها.» «1»

أقول: ليس في كلامه- قدّس سرّه- إشارة إلى أقسام التوكيل في الأداء مع أن في القسم الأخير مما ذكرناه نوع خفاء.

ثم إنه ربما ينسبق من كلامه أنه يعتبر في العبادة النيابية قصد المباشر قرب نفسه، مع أن الظاهر عدم اعتبار ذلك. فلنتعرض للمسألة إجمالا، حيث إن للتفصيل محلا آخر.

[اشكال عدم تمشي قصد القربة عن النائب في العبادات الاستيجارية]

اشارة

فنقول: استشكلوا في العبادات الاستيجارية بأنها لكونها عبادة يعتبر فيها قصد القربة و الإخلاص، و لا يتمشى من النائب الأجير ذلك، إذ لا أمر بها بالنسبة إليه، مضافا إلى أن قصد الأجرة ينافي قصد القربة و الإخلاص.

و قد أجيب عن هذا الإشكال بوجوه:

[وجوه الجواب عن الاشكال المذكور]
[الوجه الأوّل: النائب يجعل نفسه نائبا عن المنوب عنه و ينزّلها منزلته]

الوجه الأوّل: ما يظهر من كتب الشيخ الأعظم و تبعه البعض، منهم السيد الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- على ما قررناه من دروسه الشريفة.

و محصّله: أن النائب يجعل نفسه نائبا عن المنوب عنه و ينزّلها منزلته ثم يأتي بالعمل العبادي. فالصادر عنه عملان أحدهما في طول الآخر: الأوّل تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه اعتبارا، و هذا ليس عملا عباديّا و إن امكن إتيانه بقصد القربة أيضا بأن يأتي بها بداعي الأوامر الدالة على استحباب النيابة عن الميت في الصلاة

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 349.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 262

..........

______________________________

و الصيام و الحج و نحوها، أو بداعي امتثال أمر الوفاء بالإجارة.

و الأجرة تقع بإزاء هذا العمل الذي لا يشترط فيه قصد القربة. فإذا صار وجودا تنزيليا للمنوب عنه يقصد بما أنه كذلك الأمر العبادي المتوجه إلى المنوب عنه و يأتي بمتعلقه بداعي امتثاله. فالصلاة أو الزكاة مثلا في هذا الاعتبار صدرت عن المنوب عنه بداعي الأمر المتوجه إليه.

و بالجملة فالنيابة عبارة عن تنزيل النائب شخصه منزلة شخص المنوب عنه ليتوجه إليه أمره فيأتي بمتعلقه امتثالا له.

أقول: كان غرضهم من هذا البيان و التوجيه أولا: تصوير توجّه الأمر العبادي المتوجه إلى المنوب عنه إلى النائب.

و ثانيا: عدم وقوع الأجرة في قبال العبادة.

و لكن يرد عليه أولا: أنه لا دليل في المقام على تنزيل الشخص و لا يساعد عليه العرف أيضا، فإنهم لا يرون

في الأعمال النيابية إلّا إتيان النائب بنفسه العمل المترقب من المنوب عنه، فليس فيها تنزيل الشخص منزلة الشخص بل غايته تنزيل عمل النائب منزلة عمل المنوب عنه.

و ما في أخبار الباب من قوله «ع»: «يصلي عنهما و يحج عنهما» و نحو ذلك لا يدلّ على أزيد من تنزيل العمل منزلة العمل، بل لعلّه الظاهر من هذا التعبير.

لا أقول بعدم إمكان تنزيل الشخص منزلة الشخص اعتبارا، إذ الاعتبار خفيف المؤونة و العرف أيضا يساعد عليه في بعض المقامات كما في مجالس التعازي و الأفلام الثقافية.

بل أقول بعدم كونه معهودا في الأعمال و العبادات النيابية الرائجة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 263

..........

______________________________

و ثانيا: ما في المستمسك و مستند العروة «1»، و محصّله: أن التنزيل إنما يصح ممن له جعل الأحكام و بيده زمام الأمور و هو الشارع، و لا يكاد يصحّ ذلك من آحاد المكلفين. و هل يمكن الالتزام بجواز تنزيل الخمر منزلة الماء ثم الحكم بجواز شربه، أو تنزيل زيد مثلا نفسه منزلة عمرو ثم وطي زوجته و التصرف في أمواله؟! و على فرض التسليم و القول بوقوع ذلك بإذن الشارع فلازمه أن يكون العمل الصادر عن النائب بمنزلة عمل المنوب عنه و إن لم يقصد النائب ذلك إذ بعد تنزيل الشخص يكون هو هو و فعله فعله.

أقول: لو لا ما مرّ منّا من أن الأدلّة و العرف لا تساعد في المقام على تنزيل الشخص منزلة الشخص، أمكن أن يقال:

إن مقتضى سلطنة الناس على أموالهم سلطنتهم على أنفسهم بطريق أولى، بل يكون ذاك من شئون هذا.

و إذا فرض سلطنة الإنسان على نفسه فله أن ينزّل نفسه منزلة غيره و يفعل أفعاله و يجري برامجه كأنّه هو

كما هو المشاهد في مجالس التعازي و الأفلام السينمائية الرائجة، و الاعتبار خفيف المؤونة، و لكن يكون لهذا حدّ و مرز عند العقلاء فلا يعتبرونه بالنسبة إلى ترتيب الآثار إلّا في موارد خاصّة تقبل النيابة و التنزيل عرفا أو شرعا لا في مثل و طي زوجة الغير أو التصرف في أمواله.

و لو فرض أنه انحصر طريق تصحيح العبادات النيابية في تنزيل الشخص منزلة الشخص دلّ أدلّة جواز الاستنابة فيها بدلالة الاقتضاء علي تنفيذ الشارع لذلك في هذا القبيل من الأمور، فتدبّر.

______________________________

(1)- راجع المستمسك 7/ 106؛ و مستند العروة 5/ 139 (في مبحث صلاة الاستيجار).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 264

[الوجه الثاني: النيابة هي إضافة الفعل إلى المنوب عنه و الإتيان به بقصد أدائه عنه]

______________________________

الوجه الثاني: ما يظهر من مستند العروة في مبحث الصلاة الاستيجارية «1» و محصّله: أن النيابة ليست بتنزيل الشخص كما مرّ، بل بإضافة الفعل إلى المنوب عنه و الإتيان به بقصد أدائه عنه و تفريغ ذمّته نظير التبرع بأداء دين الغير.

و النيابة في حدّ نفسها وقعت متعلّقة للأمر الاستحبابي النفسي كما هو مقتضى النصوص، و لا شكّ في كون الأمر المذكور عباديّا فيما إذا كان مورد النيابة من العبادات. و قد يتعلق بها الإجارة أيضا فيدعو إليها أمر الوفاء بالإجارة.

و الأمر الإجاري و إن كان توصّليا في حدّ ذاته. و لكن لمّا لم يكن مورده في المقام ذات العمل بل المركّب منه و من قصد القربة فلا يكاد يحصل الوفاء بالعقد إلّا إذا أتى بالعمل بداع قربي.

فما في بعض الكلمات من أن الأمر النيابي توصّلي لا تعبّدي فلا يلزم علي النائب قصد التقرّب به كلام لا أساس له. ضرورة أن مورد النيابة في العبادات ليس هو ذات الصلاة مثلا بل هي على النحو الذي اشتغلت

به ذمّة المنوب عنه. و قد اشتغلت ذمّته بالصلاة المتقوّمة بقصد القربة.

ثم إن الداعي إلى هذا المجموع المركب من الصلاة و قصد القربة قد يكون هو استحبابها الذاتي، أو حبّه له و شفقته عليه، أو الوفاء بعقد الإجارة حتى لا يكون أخذ الأجرة أكلا للمال بالباطل.

و في فصل الصلاة الاستيجارية من العروة الوثقى (المسألة 2) قال: «و يمكن أن يقال: إنما يقصد القربة من جهة الوجوب عليه من باب الإجارة. و دعوى أن الأمر الإجاري ليس عباديا بل هو توصّلي، مدفوعة بأنه تابع للعمل المستأجر عليه

______________________________

(1)- مستند العروة 5/ 142.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 265

..........

______________________________

فهو مشترك بين التوصّلية و التعبدية.» «1»

[الوجه الثالث النائب يعمل عمل المنوب عنه ليتقرب به المنوب عنه]

أقول: الظاهر من الاستنابة في العبادات هو إتيان النائب عين ما وجب على المنوب عنه ليفرغ بذلك ذمّة المنوب عنه و يسقط عنه أمره المتوجه إليه.

و بعبارة أخرى: القربة تعتبر فيها بما أنها عمل المنوب عنه بحسب اعتبار الشرع، و القرب قربه لا قرب النائب. و ليس معنى قربه إلّا إتيان ما أمر به بداعي أمره ليسقط أمره. فهذا معنى القربة في الواجبات النيابية. سواء كان الداعي للنائب في نيابته أيضا القربة، أو العلاقة العاطفية بالنسبة إلى المنوب عنه، أو استحقاق الأجرة.

فالنيابة بما أنها عمل النائب توصّلي لا يعتبر فيها القربة، و إنما القربة تعتبر في العمل المضاف إلى المنوب عنه. و النائب يعمل عمل المنوب عنه ليتقرب به المنوب عنه. و أوامر الصلاة و الزكاة و الحج و نحوها لم تتوجّه إلى النائب بل الى المنوب عنه فلا معنى لتقرب النائب بها. و الإتيان بما وجب على الغير لإسقاط الأمر المتوجه إليه خفيف المؤونة، نظير التبرع بأداء دين الغير، و إن

كان بينهما فرق ما، حيث إنه في أداء دين الغير لا يعتبر وقوع الأداء عن المديون و بنيابته بل يكفي فيه إعطاء المتبرع بنفسه ما للغريم في ذمّة المديون بقصد إبراء ذمّته. و أما في المقام فلا بدّ من صدق أنه صلّى عنه أو حج عنه على ما هو المستفاد من أخبار الباب، و لعل الظاهر منه تنزيل الشخص أو الفعل منزلة شخص الغير أو فعله بحيث يصدق كون العمل للمنوب عنه اعتبارا، فتأمّل.

و الحاصل: أنه لا يعتبر في صحّة العبادة النيابية داعوية الأمر الندبي بالنيابة أو أمر الإجارة و إن أصرّ على ذلك في مستند العروة. و لو فرض داعويتهما

______________________________

(1)- العروة الوثقى 1/ 744.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 266

..........

______________________________

في نفس النائب كانت داعويتهما إلى النيابة التي هي عمل النائب حقيقة و ترتب عليها قربه لا قرب المنوب عنه، و الغرض من الاستنابة داعوية أمر الصلاة المتوجه إلى المنوب عنه و سقوطه بإتيانها.

فلو فرض أن النائب لم يرد قرب نفسه و لم يحركه الأمر الندبي بالنيابة أو أمر الإجارة، و إنما بعثه إلى الإتيان بواجب المنوب عنه أعني الصلاة مثلا علاقته العاطفية به و عشقه بنجاته و امتثال أمره و قربه إلى ساحة الحقّ كان هذا كافيا في صحة عمله النيابي.

نظير ما إذا وقع أحد في البحر فاستوجر أحد ليخلّصه من الغرق فهو و إن أخذ الأجرة و لكن دعاه هذا إلى الإتيان بأعمال كلها تؤثر في نجاة الغريق و لا يريد بها إلّا نجاته.

فمن مات و عليه حج أو صلاة أو صيام مثلا يكون مأخوذا بها لا محالة أو محروما من نتائجها، و الشرع لتفضّله و تلطّفه أجاز الإتيان بما وجب عليه

ليسقط الأوامر المتعلّقة بها و يحصل له آثارها بفضله و كرمه.

فإن قلت: بعد اللتيّا و التي ليست أوامر العبادة متوجهة إلى النائب بل إلى المنوب عنه فكيف تدعو النائب إلى الإتيان بمتعلقاتها، و لا يكاد يدعو الأمر إلّا من خوطب به.

قلت: قد أجاب عن هذا الإشكال في المستمسك «1» بما محصّله بتوضيح منّا: أن الخطاب و إن توجّه إلى المنوب عنه إلّا أن ملاكه موجود في كل فعل مضاف إليه إضافة الملك سواء كان مضافا إليه إضافة الصدور كفعله نفسه أم لا كفعل النائب

______________________________

(1)- المستمسك 7/ 106.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 267

..........

______________________________

بعنوان كونه للمنوب عنه، حيث إن النائب يأتي به بهذا العنوان، و أدلّة النيابة أيضا نفّذته و أمر الغير لا يدعو الإنسان إلى عمل نفسه و أمّا العمل المأتي به لمن خوطب بالأمر فلا مانع من داعويته إليه إذا فرض جواز النيابة فيه، فالنائب مهما تصوّر الفعل المأتي للمنوب عنه وجده واجدا لملاك الأمر بمقتضى أدلّة النيابة فيأتي به بعنوانه الواقع تحت الأمر بقصد تقرّب المنوب عنه و سقوط أمره فيصح عبادة كما لو صدر عن شخص المنوب عنه بهذا العنوان و بهذا القصد.

و حيث إن الفعل جعل له كان ثوابه أيضا راجعا إليه لأنه الذي يملك الفعل دون النائب.

نعم للنائب أيضا ثواب النيابة إن قصد بها القربة، و لكن لا أثر له في صحة العمل و قرب المنوب عنه.

فإن قلت: بعد ما كان الداعي للنائب استحقاق الأجرة أو العلاقة العاطفية كيف يقع الفعل عبادة و مقرّبا؟!

قلت: الداعي القريب لإتيان العبادة هو امتثال الأمر المتوجه إلى المنوب عنه و إسقاطه عنه، فهو الذي يبعث النائب إلى إتيان الصلاة مثلا.

و أمّا استحقاق الأجرة

و نحوه فأولا يكون داعيا و علة للنيابة لا لنفس العمل العبادي.

و ثانيا: يكون تأثيره بنحو الداعي على الداعي.

و بعبارة أخرى: المطلوب الأوّلي للنائب و إن كان هو استحقاق الأجرة و لكن لما كان حصوله متوقفا على امتثال أمر الصلاة المتوجه إلى الميّت و إسقاطه عنه فلا محالة ينقدح في نفسه من قصد استحقاق الأجرة قصد امتثال أمر الميت على ما هو المحقق في جميع الغايات المترتبة تكوينا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 268

..........

______________________________

و قصد الأجرة بهذا النحو لا يضرّ بعبادية العمل و مقربيته في المقام. إذ ما هو المعتبر في العبادة أولا قصد العنوان الواقع تحت الأمر، و ثانيا وقوعه على نحو مقرّب لمن له الفعل. و الفعل هنا للمنوب عنه لا للنائب. و قد وجد مطابقا لما تحت الأمر بداعي إسقاطه. و لا نعني بقرب المنوب عنه إلّا هذا. نعم لو أتى بالعمل القربي بقصد إهداء ثوابه إلى الغير كان العمل هنا عمل المباشر و القرب قربة غاية الأمر إهداء ثوابه بعد تحققه إلى الغير و لكن لا يكفي في سقوط أمر الغير إتيانه كذلك.

فإن قلت: حصول القرب مترتب على العمل الخالص للّه- تعالى-، فما يقع خالصا له إن أتى به الفاعل لنفسه صار مقربا لنفسه، و إن أتى به لغيره صار مقربا لغيره. و أما المأتي به للأجرة و لو بنحو الداعي على الداعي فلا قربة فيه و لا إخلاص، نظير ما إذا أتى به رياء.

قلت: قد مرّ منّا أولا أن الأجرة بإزاء النيابة التي هي فعل النائب. و ثانيا أن تأثيرها في نفس الفاعل يكون بنحو الداعي على الداعي و لو سلم إضراره فإنما يضرّ بقرب النائب لا المنوب عنه.

و العمل

إنما أتى به بعنوانه المطلوب بداعي أمر المنوب عنه و إسقاطه عنه، و يكفي في قرب العمل و إخلاصه كون الداعي إليه قصد حصول الامتثال فقط.

هذا.

و أمّا داعوية أمر الإجارة فيرد عليها أوّلا: أن متعلق الإجارة هو النيابة لا أصل العمل.

و ثانيا: أن داعويته موجبة لقرب النائب لا المنوب عنه.

و ثالثا: أن الظاهر أن الأمر في قوله- تعالى-: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه إرشادي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 269

..........

______________________________

لا مولوي، إذ هو إرشاد إلى ما يحكم به العقل و الفطرة من الوفاء بالعهود و المواثيق.

و لذا ذكر في أول سورة المائدة مقدمة لبيان محرمات و محللات مشرّعة و مواثيق مأخوذة من المسلمين و من اليهود و النصارى، فراجع.

فالمراد منه على الظاهر: أن فطرة الناس مجبولة على العمل بالعهود و المواثيق الواقعة بينه و بين غيره و منها العهود التي وقعت بينه و بين اللّه بحسب الفطرة من إطاعة أوامره و العمل بأحكامه و الوفاء بالمواثيق التي أخذها من عباده، فتدبّر.

و قد تحصّل مما ذكرناه بطوله: أن في العبادات النيابية لا أمر بالعبادة و لا قربة بالنسبة إلى النائب و إنما الأمر أمر المنوب عنه و القرب قربه بمعنى إتيان الفعل بداعي امتثال أمره و سقوطه عنه.

و لو لا أدلّة النيابة لقلنا باشتراط المباشرة مطلقا و عدم إجزاء فعل الغير و لكن بعد تحكيم أدلة النيابة على الأدلّة الأوّلية يعلم أنه عند عدم تمكن المخاطب من امتثال أمره يكفي فعل النائب بعنوان النيابة في حصول امتثال أمر المنوب عنه، و هذا معنى قربه. و الأمر و إن لم يتوجه إلى النائب و لكن يكفي في باعثيته له وجود ملاكه المستكشف من أدلّة النيابة.

هذا و ليجعل

ما بيناه وجها ثالثا من وجوه رفع الإشكال في المقام. و كان ما ذكرناه على أساس تنزيل العمل منزلة العمل، و إن لم يكن كلام مستند العروة على هذا الأساس فلاحظ.

[الوجه الرابع: النيابة هي إتيان نفس ما وجب على الغير من دون تنزيل]

الوجه الرابع: ما يقرب مما ذكرناه و لكن لا على أساس تنزيل الشخص أو العمل، بل بإتيان نفس ما وجب على الغير من دون تنزيل، نظير أداء دين الغير.

و قد مرّ منّا أن أداء دين الغير لا يشتمل على التنزيل و الادّعاء. بل المتبرع بشخصه يؤدّي ما على الغير بقصد فراغ ذمّته.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 270

..........

______________________________

ففي المقام أيضا يعمل المتبرع أو الأجير ما وجب على الغير بقصد امتثال أمر الغير و براءة ذمّته، و القرب أيضا قربه لا قرب الفاعل المباشر فلا ينافيه أخذه للأجرة، و لا يراد بقرب الغير إلّا موافقة الأمر المتوجه إليه و سقوطه عنه.

فكأن الواجب الإلهي دين على الميت يقضيه وليّه أو المتبرع أو الأجير، و قد نفّذ ذلك الشارع.

قال في العروة الوثقى (المسألة 1 من فصل صلاة الاستيجار): «فالمتبرع بتفريغ ذمّة الميّت له أن ينزّل نفسه منزلته و له أن يتبرّع بأداء دينه من غير تنزيل، بل الأجير أيضا يتصور فيه الوجهان، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائبا بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميت و أداء دينه الذي للّه.» «1»

و في المكاسب المحرّمة للأستاذ الإمام- طاب ثراه- بعد بيان نوعي التنزيل قال ما محصله:

«لكن الإنصاف أن ما لدى المتشرّعة و سائر العقلاء و ظاهر النصوص ليس هو التنزيل ضرورة أن الاستيجار يقع في مقابل العمل للغير لا في مقابل تنزيل الشخص أو العمل.

ففي رواية عبد اللّه بن سنان قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع»

إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين دينارا يحجّ بها عن إسماعيل، و لم يترك شيئا من العمرة إلى الحج إلّا اشترط عليه، حتى اشترط عليه أن يسعى في وادي محسّر. ثم قال:

«يا هذا، إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة بما أنفق من ماله، و كانت لك تسع بما أتبعت من بدنك.»

______________________________

(1)- العروة الوثقى 1/ 743.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 271

..........

______________________________

و لعمري إنها كالصريح في كون الأجر في مقابل العمل عنه. فما تقدم من التصورات أجنبية عن عمل المسلمين و عن مفاد النصوص. فلا بد من دفع الإشكال، و لا يندفع بما تقدم فيستكشف من النصوص صحّة العبادات الاستيجارية بنحو الداعي على الداعي. و لا يرد عليها ما أوردناه على الاستيجار في عبادة نفسه كما لا يخفى.

فالنيابة هي إتيان العمل عوض الغير و بدله كأداء الدين عنه كما صرّح به في رواية الخثعمية. فهل ترى من نفسك أن المعطي لدين غيره و عن قبله ينزّل نفسه منزلة نفسه أو عمله منزلة عمله؟ و بالجملة ليس في النصوص إلّا نحو قوله:

«يحج عنه» أو «يصلّي عنه» و ليس مفاد ذلك إلّا نحو قوله: قضى دينه عنه.» «1»

أقول: راجع رواية ابن سنان في الباب الأول من أبواب النيابة في الحج، و رواية الخثعمية في الباب 24 من أبواب وجوب الحج من الوسائل. «2» و الظاهر وجود التفاوت بين قولنا: «قضى دينه» و قولنا: «قضى عنه دينه» لظهور الأول في وقوع أصل العمل، و المناسب له ذكر اللام لا «عن» و ظهور الثاني في وقوعه بدلا عن عمل الآخر، و التنزيل الاعتباري خفيف المؤونه. و المذكور في أخبار النيابة و منها الروايتان في كلامه كلمة «عن» و

يفهم منها البدلية و تنزيل العمل.

و هو أيضا فسّر في آخر كلامه النيابة بإتيان العمل عوض الغير و بدله.

و لعلّ الظاهر من النيابة في العبادات إرادة إتيان الفعل بنحو يعدّ اعتبارا عملا للمنوب عنه لينتفع به و بآثاره. و لذا لا يكتفى بإتيان العمل و إهداء ثوابه إليه.

______________________________

(1)- المكاسب المحرمة 2/ 220.

(2)- راجع الوسائل 8/ 115، الباب 1 من أبواب النيابة، الحديث 1؛ و 8/ 44، الباب 24 من أبواب وجوب الحج، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 272

..........

______________________________

و ما هو عمل النائب في النيابة نفس النيابة و التنزيل، و العمل ينسب إلى المنوب عنه.

و بالجملة فظاهر قولهم: «صلّى عنه» أنه ناب عنه فصلّى له، أو صلّى عوضا عن صلاته و مفاد الأول تنزيل الشخص و الثاني تنزيل العمل و الأظهر هو الثاني.

و ما أشار إليه من الإيراد في الاستيجار في عبادة نفسه إشارة إلى ما يأتي من الإشكال في الداعي على الداعي و قد مرّ منا أيضا.

ثم اعلم أن النيابة في العبادات تحتاج إلى دليل متقن، إذ الظاهر من أدلّتها المباشرة كما مرّ عن المسالك. و أما جواز إعطاء دين الغير فالظاهر أنه على وفق القاعدة، فإن ما يستحقه الدائن في ذمّة المدين كلّي لا يتقيد بقيد خاصّ فينطبق قهرا على ما يعطيه المتبرع، و ليس للدائن الامتناع من أخذه.

و لكن في مستند العروة ما محصّله: «أن ذمة المدين قيد للدين، إذ هي الموجبة لاعتبار الكلي و كونه ذا قيمة عند العقلاء، و مع قطع النظر عن هذه الإضافة لا اعتبار له عندهم و لا قيمة بل يكون كسراب بقيعة لا يبذل بإزائه المال.

فجواز إعطاء الغير الدين خلاف القاعدة و إن دل عليه

و على صحّته سيرة العقلاء و النصوص الخاصّة.» «1»

أقول: يمكن أن يناقش ما ذكره بأن الظاهر كون الذمّة عند العقلاء ظرفا للكلي لا قيدا، و يكفي الظرفية الخاصة لاعتبارها مالا عندهم، فتدبّر.

[الوجه الخامس: أخذ الأجرة داع لداعي القربة]

الوجه الخامس: من الوجوه التي ذكروها لدفع الإشكال في المقام ما ذكره في العروة في فصل الصلاة الاستيجارية (المسألة 2) قال: «لكن التحقيق أن أخذ الأجرة داع لداعي القربة كما في صلاة الحاجة و صلاة الاستسقاء حيث إن الحاجة

______________________________

(1)- مستند العروة 5/ 140.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 273

..........

______________________________

و نزول المطر داعيان إلى الصلاة مع القربة.» «1»

و ناقش فيه بعض أعاظم المحشين بقوله: «الظاهر أن إيراده تقريبا للإشكال أولى من أن يذكر دفعا له.»

أقول: قياس المقام على المثالين مع الفارق، إذ الملاك في العبادية هو الانتهاء إلى اللّه- تعالى-. و في المثالين يكون المطر و الحاجة مطلوبين منه- تعالى-، و الطلب منه عبادة نظير طلب الجنة و النجاة من النار منه- تعالى-.

نعم لو كان القصد إلى مجرّد المعاوضة معه- تعالى- أشكل الصحّة.

و أما في المقام فالمطلوب استحقاق الأجرة من المستأجر و هو ينافي القرب و الإخلاص للّه- تعالى- فيما إذا أريد قرب المباشر كما في عبادة نفسه مثلا و المفروض أن غرض المصنف و غيره في ارتكاب هذه التكلفات توجيه قرب النائب لا المنوب عنه.

نعم لا يرد الإشكال علينا، إذ قد مرّ أوّلا أن فعل النائب هو النيابة فقط و هو توصّلي لا يشترط فيها القربة بل تشترط في الصلاة المضافة إلى المنوب عنه، و القرب قربه.

و ثانيا أن قصد استحقاق الأجرة بنحو الداعي على الداعي إنما يضرّ بقرب النائب لا بقرب المنوب عنه، إذ ليس في ناحيته إلّا حصول امتثال

أمره. هذا.

و كان الأستاذ آية اللّه البروجردي يستشكل على الداعي على الداعي بوجهين:

الأول: أن المهم في المقام تحصيل الأمر للنائب، و لا يحصل هذا إلّا بتنزيل الشخص منزلة الشخص حتى يتوجه إليه أمر المنوب عنه.

الثاني: أن الداعي على الداعي إنما يتصوّر فيما إذا كان هنا مرادات مترتبة

______________________________

(1)- العروة الوثقى 1/ 744.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 274

..........

______________________________

تكوينا بنحو العلية و المعلولية فيتولّد من قصد المعلول الأخير قصد علته و من قصدها قصد علّة و هكذا. فالترتب يجب أن يكون في نفس المرادات حتى ينقدح في النفس إرادات و قصود متعاقبة، و ليس الأمر في المقام كذلك، فإن استحقاق الأجرة ليس مترتبا على نفس القربة بل على قصدها، فمقتضى كونه من قبيل الداعي على الداعي أن يتولد من قصد الأجرة قصد قصد القربة، فيتوقف وجود القصد على القصد فيلزم التسلسل.

أقول: يمكن أن يناقش الوجه الأول بما مرّ منّا من أن النائب يقصد امتثال أمر المنوب عنه و إسقاطه عنه بإيجاد الفعل عنه لوجود ملاكه فيه بمقتضى أدلّة النيابة. و قد مرّ أن أمر الغير لا يدعو الإنسان إلى عمل نفسه لنفسه و أما إلى العمل لمن خوطب به بداعي إسقاط أمره فيمكن داعويته إليه على فرض جواز النيابة عنه، فتأمّل.

و يناقش الوجه الثاني بأن تحقق قصد خاص في مورد خاصّ بالقصد لا يستلزم التسلسل في القصود، و إنما يلزم التسلسل لو قيل بأن القصد قصدي مطلقا.

و من الممكن أن يكون القصد في مورد خاص بنفسه موضوعا لأمر خاص و مشتاقا إليه فيوجده المكلف في نفسه باختياره لاشتياقه إلى ترتب حكمه و أثره، كما إذا اشتاق المسافر مثلا إلى الصلاة تماما في بلد خاص و حيث

إنها تتوقف على قصد الإقامة فيه أوجد في نفسه هذا القصد باختياره، و مال هذا إلى قصد القصد.

و إن شئت قلت: إذا كان القصد بنفسه موضوعا لأثر فالشوق إلى ترتب هذا الأثر يوجب تحقق القصد باختياره، و هذا معنى قصد القصد. و القول بأن اختيارية القصد بذاته لا بقصد آخر واضح البطلان لكونه نحو خلط بين الحمل الأوّلي الذاتي و الحمل الشائع، حيث إن القصد و إن كان قصدا بالحمل الأوّلي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 275

..........

______________________________

و لكنه بالحمل الشائع أمر حادث يحتاج إلى علّة، و لا يعقل كونه علّة لوجود نفسه، فتأمّل. هذا.

و كان الأمر فيما قويناه يصل بالأخرة إلى الداعي على الداعي أيضا، إذ استحقاق الأجرة كان متوقفا على امتثال أمر الغير فيتولد من قصده قصده، فراجع ما حرّرناه.

و قد طال البحث في المقام، فأعتذر من القراء الكرام و نسأل اللّه- تعالى- التوفيق و خير الختام.

[حكم التوكيل في المقام]

اشارة

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى بيان حكم التوكيل في المقام:

[كلمات الأصحاب في المقام]

1- قال في الشرائع: «و للمالك أن يتولّى تفريق ما وجب عليه بنفسه و بمن يوكله.» «1»

أقول: العبارة تحتمل كلا من وكيلي الأداء و الإيصال.

2- و في المدارك: «لا خلاف بين علماء الإسلام في قبول هذا الفعل للنيابة للأخبار الكثيرة الدالّة عليه.» «2»

3- و في الجواهر: «إذ لا خلاف بيننا، بل بين المسلمين كافّة في قبول هذا الفعل للنيابة التي استفاضت بها النصوص أو تواترت.» «3»

4- و فيه أيضا: «بل يمكن دعوى السيرة القطعية التي هي أعظم من الإجماع عليه، بل النصوص أيضا دالة عليه.» «4»

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 164 (طبعة أخرى/ 124).

(2)- المدارك/ 322.

(3)- الجواهر 15/ 416.

(4)- الجواهر 15/ 474.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 276

..........

______________________________

5- و في مصباح الهدى: «و للسيرة القطعية على قبول إخراجها للنيابة التي هي أعظم من الإجماع.» «1» هذا.

[الأخبار في المقام]

و أما الأخبار التي تعرضوا لها أو أشاروا إليها:

1- صحيحة محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ الحديث. «2»

2- صحيحة زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت. «3»

3- صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يعطي غيره الدراهم يقسمها؟ قال: «يجري له مثل ما يجري للمعطي و لا ينقص المعطي من أجره شيئا.» «4»

4- صحيحة على بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن «ع» عمن يلي صدقة العشر على من لا بأس به، فقال: «إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت و ضعها في مواضعها.» «5»

5- خبر شهاب بن عبد ربّه، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إني

إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسمها؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك أما إنه أحد المعطين.» «6»

6- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل يعطى الزكاة

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 366.

(2)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(5)- الوسائل 6/ 193، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(6)- الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 277

..........

______________________________

يقسمها أله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال:

«لا بأس به.» «1»

7- موثقة سعيد بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يعطى الزكاة فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم.» «2»

8- صحيحة الحسين بن عثمان، عن أبي إبراهيم «ع» في رجل أعطي مالا يفرّقه في من يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره.» «3»

و نحوها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن «ع»، فراجع. «4»

أقول: هذه ما وقفت عليها عاجلا من الأخبار في زكاة المال الواجبة. و أنت ترى أن مورد هذه الأخبار صورة إخراج المالك الزكاة بنفسه و عزلها من ماله، و إنما أحال إلى الغير تقسيمها فقط. و قد مرّ جواز عزل الزكاة و تعيّن المعزول زكاة. فالنية و الإخراج صدرا عن المالك، و المحال إلى الغير إيصالها إلى أهلها و تقسيمها فيهم.

نعم يظهر من بعضها أن للوكيل الاستقلال في

تشخيص المصرف و تعيينه، و ليس من قبيل الحيوان و المجنون الواسطتين في الإيصال فقط، و لكن الإخراج من المال و نيّة الزكاة قد تحققا من قبل المالك بالمباشرة. و لعلّ موارد التسليم إلى الإمام أو العاملين أيضا كذلك.

و بالجملة ليس في هذه الأخبار التي تمسّك بها الأصحاب في المقام ما يدلّ

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 195، الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 199، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 278

..........

______________________________

على جواز التوكيل في أصل الإخراج، و لا سيّما مع عدم التفات المالك إلى تعلق الزكاة بماله، بل مفادها هو التوكيل في التقسيم فقط.

نعم يمكن أن يستفاد من أخبار وردت في زكاة مال التجارة و زكاة الفطرة و زكاة القرض إجمالا جواز نيابة الغير في الإخراج أيضا، و هو ملازم قهرا لاستقلال الوكيل و نيته أيضا كما في نيابة الحج:

1- ففي موثقة سماعة قال: سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة، هل عليه في ذلك المال زكاة إذا كان يتّجر به؟ فقال: «ينبغي له أن يقول لأصحاب المال:

زكّوه فإن قالوا: إنا نزكّيه فليس عليه غير ذلك، و إن هم أمروه بأن يزكّيه فليفعل.

الحديث.» «1»

2- و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تأخذنّ مالا مضاربة إلّا مالا تزكّيه أو يزكّيه صاحبه.» «2»

و الظاهر أن الزكاة الواجبة و المندوبة مساقهما واحد إذ يشترط في كليهما القربة.

3- و في خبر إسحاق بن عمّار، عن معتّب، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة و عن الرقيق و أجمعهم و لا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم إنسانا تخوفت عليه الفوت.» «3»

4- و في صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا بأس بأن يعطى الرجل عن عياله و هم غيّب عنه و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب عنهم.» و رواه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 50، الباب 15 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 50، الباب 15 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 228، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5؛ عن الفقيه 2/ 118 (طبعة أخرى 2/ 181).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 279

..........

______________________________

الشيخ أيضا و زاد في آخره: «يعني الفطرة.» «1»

5- و في باب زكاة القرض صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده.

قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه. و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض.» «2»

و ظاهر الصحيحة بدوا جواز أداء المقرض زكاة القرض تبرعا مع أن زكاته على المقترض لأنه ماله، كما دلّ على ذلك أخبار مستفيضة ذكرها صاحب الوسائل في هذا الباب و أوضحها صحيحة زرارة.

و يمكن أن يستفاد من هذه الصحيحة جواز أداء كل أحد زكاة مال غيره تبرعا، إذ لا خصوصية للمقرض بعد صيرورة القرض ملكا للمقترض و صيرورة المقرض أجنبيا عنه بالكلية، فتأمّل.

و قد أفتى بظاهر الصحيحة العلامة في المنتهى، قال: لو أدّى القارض الزكاة عن المقترض برئت ذمّته لأنه بمنزلة قضاء الدين عنه. و يؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم ...»

«3»

أقول: ظاهر تعليله بأنه بمنزله قضاء الدين عنه تعميمه إلى غير المقرض و عدم لزوم الاستيذان أيضا.

و في المدارك: «و لو تبرّع المقرض بالإخراج عن المقترض فالوجه الإجزاء، سواء أذن له المقترض في ذلك أم لا، و به قطع في المنتهى ... و اعتبر الشهيد في الدروس

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 255، الباب 19 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2

(3)- المنتهى 1/ 477.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 280

..........

______________________________

و البيان في الإجزاء إذن المقترض. و الرواية مطلقة.» «1»

أقول: يمكن أن يقال: إن الصحيحة ليست في مقام البيان بالنسبة إلى المقرض حتى يتمسك بإطلاقها، إذ هي في مقام بيان وظيفة المقترض كما هو ظاهر السؤال. و على هذا فالقدر المتيقن منها صورة إذن المقترض فينوي الزكاة نيابة عنه، بل يمكن منع دلالة الصحيحة على جواز التبرع أيضا حتى مع الإذن، إذ لعلّ المراد أداؤها بحساب المقترض قرضا عليه كالأصل، و أيّ مقرض يؤدّي زكاة القرض من مال نفسه تبرعا و مجّانا!؟ فهذا أمر نادر جدّا و لذا لم نجد هذا المضمون مفتى به في كلمات القدماء من أصحابنا و لم يفت به في النهاية و الشرائع أيضا. هذا.

و في العروة الوثقى في أوائل الزكاة (المسألة 11) أفتى بجواز أداء غير المقترض زكاة القرض تبرّعا من غير فرق بين المقرض و الأجنبي، و قوّى عدم اعتبار الاستيذان أيضا. و راجع ما حررناه في شرح المسألة «2»، و إن كان في بعض ما حرّرناه هناك نظر لكونه على أساس تفسير النيابة بتنزيل الشخص منزلة الشخص، و قد مرّت المناقشة في ذلك.

كما أن ما ذكرناه هناك

كان على فرض جواز التبرع في الزكاة، و قد عرفت آنفا المناقشة في ذلك. هذا.

و يمكن أن يستدلّ لجواز النيابة في الزكاة أيضا بأخبار النيابة عن الوالدين، إذ ذكر فيها التصدق عنهما أيضا، و لعلّه باطلاقه يعمّ الزكاة الواجبة عليهما أيضا و لا سيما مع ذكرها في عداد الصلاة و الصيام. «3» هذا.

______________________________

(1)- المدارك/ 291.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 100 و ما بعدها.

(3)- راجع الوسائل 5/ 365، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 281

[يستدلّ لإطلاق جواز التوكيل في كل عمل بوجوه]

اشارة

______________________________

و ربما يستدلّ لإطلاق جواز التوكيل في كل عمل إلّا فيما ثبت خلافه بوجوه:

[الأوّل: الأصل عدم اشتراط المباشرة و جواز الوكالة في كل شي ء]

الأوّل: ما في الجواهر، و ملخّصه: «أن الأصل عدم اشتراط المباشرة و جواز الوكالة في كل شي ء، و أنه المستفاد من التأمّل في كلام الأصحاب كما يؤمي إلى ذلك ذكر الدليل فيما لا تصحّ فيه من النصّ على اعتبار المباشرة دون ما صحّت فيه. و لعلّ مرجع ذلك إلى دعوى اشتراط المباشرة و الأصل عدمه.

و أصالة عدم الوكالة قد انقطع بثبوت مشروعيتها كغيرها من العقود خصوصا مع ملاحظة التمسك من الأصحاب في كل عقد بالعمومات. و ليس في شي ء منها سوى ما دلّ على مشروعية طبيعتها المقتضي للمشروعية في كل فرد من أفرادها حتى يعلم فساده.» «1»

[الثاني: ادعاء الإطلاق في بعض روايات الوكالة]

الثاني: ادعاء الإطلاق في بعض روايات الوكالة كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه «ع»، و فيها: «إن الوكيل إذا وكّل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا. و الوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل بثقة. الحديث.» «2»

و صحيحة معاوية بن وهب و جابر بن يزيد عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال:

«من وكّل رجلا علي إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتّى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها.» «3»

[الثالث: أن التوكيل من الأمور العقلائية غير المحتاجة إلى دليل شرعي]

الثالث: أن التوكيل من الأمور العقلائية غير المحتاجة إلى تأسيس و دليل شرعي، بل يكفي فيها عدم الردع كسائر العقود و الإيقاعات العرفية العقلائية،

______________________________

(1)- الجواهر 27/ 377.

(2)- الوسائل 13/ 286، الباب 2 من كتاب الوكالة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 285، الباب 1 من كتاب الوكالة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 282

..........

______________________________

و يؤيد ذلك قاعدة سلطنة الناس على أنفسهم.

[يمكن أن يجاب عن الوجه الأوّل]

و يمكن أن يجاب عن الوجه الأوّل بأن أدلّة بعض العقود لا عموم لها و لا إطلاق، فكيف يتمسك بها في موارد الشك؟ إلّا أن يحرز فيها القطع بالمناط و عدم دخل الخصوصية.

و أما قوله- تعالى-: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فيرد على الاستدلال به أوّلا: أن الظاهر كونه إرشادا إلى ما يحكم به العقل من الوفاء بالعهود الواقعة بين اللّه- تعالى- و بين أفراد الإنسان بحسب الفطرة، أو بين بعضهم مع بعض كما يرشد إلى ذلك ذكره في أول المائدة مقدمة و توطئة لبيان محلّلات و محرّمات شرعية و مواثيق مأخوذة من المسلمين و من اليهود و النصارى فيكون مفاد الآية بالنسبة إلى أحكام اللّه- تعالى- مفاد قوله: «أَطِيعُوا اللّٰهَ» إرشادا محضا لا يقبل المولوية و إلّا لتسلسل.

اللّهم إلّا أن يقال: إن الحكم الإرشادي في اللزوم و عدمه تابع للمرشد إليه، و المرشد إليه هنا بنحو اللزوم عند العقل فيكفي في الاستدلال، و لكن مرجع ذلك إلى التمسك بحكم العقل.

أو يقال: إن وجوب الوفاء و إن كان بنحو الإرشاد بالنسبة إلى العهود الواقعة بين اللّه و بين خلقه لرجوعه إلى وجوب الإطاعة، و لكن لا مانع من حمله على المولوية بالنسبة إلى العقود و العهود الواقعة بين الناس بعضهم مع بعض، و الأصل في الأمر المولوية إلّا

فيما ثبت خلافه. هذا.

و لكن يشبه هذا استعمال اللفظ في معنيين و الجمع بين اللحاظين، إلّا أن يقال الأمر للبعث بنحو الإطلاق فيعمّهما معا.

و ثانيا: أنه ليس مشرّعا منقّحا لموضوع نفسه فلا يكون مصححا لعقد شكّ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 283

..........

______________________________

في صحّته، بل الصحّة يجب أن تثبت إما بدليل و إطلاق شرعي آخر أو ببناء العقلاء بضميمة عدم الردع. و مفاد هذه الآية وجوب الوفاء بها بعد ما تحققت صحتها. و صحّه الوكالة في العبادات و الأمور القربية أوّل الكلام. و قد عرفت من المسالك أن الأصل في العبادات المباشرة.

اللّهم إلّا أن يقال: إن العقود في الآية تحمل على العقود العرفية ما لم يحرز بطلانها، فكلّما أطلق عليه العقد عندهم يشمله الموضوع و الحكم في الآية الشريفة، و لذا تمسّكوا بها لصحّة العقود المستحدثة كالتأمين و نحوه.

و ثالثا: أن التمسك بالآية في الوكالة يستلزم كونها من العقود اللازمة و هو خلاف الإجماع و ضرورة الفقه. إلّا أن يراد بوجوب الوفاء صحة العقد و ترتيب أحكامه عليه على ما هو عليه من اللزوم أو الجواز، فتدبّر.

[يجاب عن الوجه الثاني]

و يجاب عن الوجه الثاني بأن التمسك بالصحيحتين يتوقف على كونهما في مقام البيان من هذه الجهة.

و الظاهر أنهما ليستا في مقام بيان ما يصحّ فيه الوكالة، بل بيان أن الوكالة بعد ما تحققت في مواردها و صحّت تبقى أبدا ما لم يبلغ العزل.

[يجاب عن الوجه الثالث]

و يجاب عن الوجه الثالث بأن التمسك ببناء العقلاء إنما يصحّ فيما ثبت بناؤهم و استقرّت سيرتهم عليه حتى في عصر النبي «ص» و الأئمة- عليهم السلام-، كما في كثير من العقود و الإيقاعات و منها بعض الوكالات.

و أما التوكيل في العبادات و الأمور القربية الظاهرة في المباشرة فلم يثبت استقرار سيرتهم عليها في تلك الأعصار. و ثبوتها بالنسبة إلى بعض الموضوعات لا يكفي لادّعاء استقرارها في جميعها، و إلغاء الخصوصية لا يجري في موارد الشكّ.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 284

[حكم ما إذا كان وكيلا في الايصال فقط]

اشارة

و في الأوّل ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك.

و الأحوط تولّي المالك للنيّة أيضا حين الدفع إلى الوكيل. و في الثاني لا بدّ من تولّي المالك للنيّة حين الدفع إلى الوكيل. و الأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير (1).

[كلمات الأصحاب في المقام]

______________________________

(1) 1- في المبسوط: «النية معتبرة في الزكاة. و يعتبر نيّة المعطي سواء كان المالك أو من يأمره المالك، أو من يتولّى مال اليتيم الذي يجب فيه الزكاة و مال المجنون. و ينبغي أن يقارن النية حال الإعطاء.» «1»

2- و فيه أيضا: «من أعطى زكاته لوكيله ليعطيها الفقير و نواه أجزأه إذا نوى الوكيل حال الدفع، لأن النية ينبغي أن يقارن حال الدفع إلى الفقير. و إن لم ينو ربّ المال و نوى الوكيل لم يجز لأنه ليس بمالك له.

و إن نوى هو و لم ينو الوكيل لم يجز لما قلناه لأنه يدفعها إلى الوكيل و لم يدفعها إلى المستحق.

و إن نويا معا أجزأه. و متى أعطى الإمام أو السّاعي و نوى حين الإعطاء أجزأه لأن قبض الإمام أو السّاعي قبض عن أهل السهمان. و إن لم ينو الإمام أيضا أجزأه لما قلناه ...» «2»

3- و في الشرائع: «و المراعى نية الدافع إن كان مالكا، و إن كان ساعيا أو الإمام أو وكيلا جاز أن يتولى النية كل واحد من الدافع و المالك.» «3»

4- و ذيّله في الجواهر بقوله: «قيل: أما الأخير فلتعلق الزكاة به أصالة فكانت

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 232.

(2)- المبسوط 1/ 233.

(3)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 285

..........

______________________________

نيّته حين الدفع إلى الفقير كافية. و أما الإمام و نائبه و الوكيل فلقيامهم مقام المستحق (المالك

خ. ل).

و فيه أن الأوّل مخالف للمحكي عن الشيخ بل المصنف في المعتبر من عدم إجزاء نيّة الموكّل دون الوكيل.

اللّهم إلّا أن يحمل ذلك على غير المفروض الذي هو النية حال الدفع للمستحق، و إنما هو النية حال الدفع للوكيل ...» «1»

5- و في التذكرة: «و الوكيل و الوليّ و الحاكم و السّاعي ينويان زكاة من يخرجون عنه.» «2»

6- و فيه أيضا: «الزكاة إن فرّقها المالك تولّى النية حالة الدفع. و إن دفعها إلى وكيله ليفرقها فإن نوى الموكّل حالة الدفع إلى الوكيل و نوى الوكيل حالة دفعه إلى الفقراء أجزأ إجماعا.

و إن لم ينويا معا بأن ينويا الصدقة دون الزكاة لم يجزئه.

و إن نوى المزكّي حالة دفعه إلى الوكيل و لم ينو الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء لم يجزئه عندنا، و هو أحد قولي الشافعية بناء على الوجهين في جواز تقديم النية و منهم من قال: يجزئه هنا وجها واحدا لأنه لمّا أجيزت له النيابة جازت النية عند الاستنابة.

و ينتقض بالحج، و لأن نيّة الموكّل لم تقارن الدفع فوقع الفعل بغير نيّة فلا تعدّ عملا.

و لو نوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء و لم ينو الموكّل حال الدفع إلى الوكيل

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 473.

(2)- التذكرة 1/ 242.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 286

..........

______________________________

لم يجزئه، و به قال الشافعي و أحمد لأن الفرض يتعلق بالمالك و الإجزاء يقع عنه.

و يحتمل الإجزاء لو نوى الوكيل لأنه نائب عن المالك و الفعل مما تدخله النيابة فصحّت نية الوكيل كالحجّ. أما لو لم ينو المالك حالة الدفع إلى الوكيل و نوى حالة دفع الوكيل إلى الفقراء و لم ينو الوكيل أجزأ لأن النائب لا اعتبار به مع فعل

المنوب ما وقعت فيه النيابة.» «1»

و راجع في هذا المجال المنتهى أيضا. «2»

أقول: قد أطال الفقهاء البحث في المقام و سلك كل واحد منهم مسلكا.

و محصّل الكلام أن الوكيل إن كان وكيلا في الإيصال فقط بأن أخرجها المالك بنية الزكاة و أحال الإيصال إلى الوكيل ففي المتن: «لا بد من تولّي المالك للنّية حين الدفع إلى الوكيل.»

[دليل وجوب النية على المالك حين الدفع]

و يمكن أن يوجّه ذلك بوجهين: الأوّل: ما يظهر من المستمسك في المقام، و محصّله بتوضيح منّا: «أن في هذه الصورة لا يجب بل لا يكفى نية الوكيل وقت الإيصال إلى الفقير لعدم كونه وكيلا في الأداء و الإيتاء و وزانه في ذلك وزان الصغير و المجنون، بل الواجب نية المالك حين الدفع إلى الوكيل لأنه زمان صدور الفعل عنه.

و لا يلزم حصول نيّة المالك حال الوصول إلى الفقير لصدق التقرّب بالمسبب إذا كان متسببا إليه بفعل السبب و تكون النية قبل وقوع الواجب لا حال وقوعه، نظير المسببات التوليدية كالقتل و نحوه، حيث إن زمان صدور الفعل من الفاعل هو زمان إيجاده للسبب كالرمي مثلا فينسب القتل إليه و لو فرض موته في زمان

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 243.

(2)- المنتهى 1/ 516.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 287

..........

______________________________

وقوع المسبب خارجا.» «1»

و لعلّ إلى هذا البيان ينظر ما في المعتمد في شرح مناسك الحج، و محصّله:

«أن الفعل قد يصدر من المباشر و لكن ينسب إلى الآمر و السبب من دون دخل قصد قربة العامل فيه أصلا، كبناء المساجد و إيصال الزكاة بالواسطة، فإن المعتبر فيه قصد قربة الآمر و لا أثر لنية العامل أو الواسطة.

و قد يصدر الفعل من نفس النائب و يكون العمل عمل النائب لا المنوب

عنه كالحج النيابي و الصلاة و الصوم و الطواف و الرمي. فإن العامل المباشر هو الذي يقصد القربة و يقصد الأمر المتوجه إلى نفسه كالأمر الوجوبي المتوجه إلى الولد الأكبر و الأمر الاستحبابي التبرعي بالنيابة.

و بالجملة موارد اعتبار نية العامل هو ما إذا ثبتت مشروعية النيابة و توجه الأمر إلى النائب، و أما الموارد التي لا أمر فيها بالنيابة و لم تشرع النيابة فلا معنى لنية العامل و منها الزكاة، فإن المأمور بإعطاء الزكاة نفس المالك و لكن الواجب عليه الإعطاء الأعم من المباشرة و التسبيب، فحينئذ لا معنى لنيّة العامل أي الواسطة في الإيصال و كذلك الذبح في المقام فإن الذابح المباشر لا أمر له ...» «2»

الوجه الثاني: أن المالك بنفسه تصدّى للإخراج و العزل، و المعزول بنية الزكاة يتعين زكاة على ما مرّ فيكفي النية حينه. هذا.

[وجوب استمرار النية و لو في الارتكاز إلى حين الوصول إلى الفقير]

و لكن الأقوى وجوب استمرار النية و لو في الارتكاز و خزانة النفس إلى حين الوصول إلى الفقير.

إذ يرد على الوجه الأوّل أن الواجب العبادي هنا إيتاء الزكاة للفقير،

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 349.

(2)- المعتمد 5/ 292.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 288

..........

______________________________

و الوصول إلى يد الوكيل لا يكفي في صدق الإيتاء له، إذ يده يد المالك لا يد الفقير.

و ليس المقام من قبيل المسببات التوليدية الحاصلة قهرا. فلو سلّمها إلى الوكيل بقصد الزكاة و بقصد القربة ثم بدا له أو قصد الرياء و السمعة قبل وصولها إليه فهل يمكن القول بالإجزاء حينئذ؟

و أمّا ما في المعتمد من قصد النائب أمر نفسه فقد مرّ الكلام فيه.

و يرد على الوجه الثاني: أن التعيين بالعزل ليس إيتاء للزكاة و لا يتحقق الإيتاء إلّا بالوصول إلى الفقير. و من المحتمل اشتراط

مقارنة النيّة للوصول إليه كما هو المحقق في سائر العبادات.

فلو فرض العزل من ناحية المالك بقصد الزكاة و القربة و لكن بدا له و لم يعطها للفقير أو أعطاها رياء مثلا لم تبرأ ذمته. فيجب استمرار النيّة إلى حين الوصول إلى أهلها و لو بواسطة الوكيل.

نعم يكفي الاستمرار الحكمي و بقاء النية في خزانة نفسه.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه- في هذا المقام:

«بل يقوى حينئذ لزومها عند دفع الوكيل إلى الفقير.»

أقول: أراد هو لا محالة الاستمرار الحكمي و إلّا فليس الموكل ملازما للوكيل دائما حتى ينوي تفصيلا حين دفعه إلى الفقير.

بل نقول: إن النية الأولية حين الدفع إلى الوكيل لا أثر لها، و إنما المهم وجودها و لو حكما بشرائطها حين الوصول إلى الفقير. فلو فرض عدم النية الصحيحة إلّا حينه كانت كافية. و قد أشار إلى هذا الأستاذ الإمام- طاب ثراه- في حاشيته، فراجع.

هذا كله فيما إذا كان وكيلا في الإيصال فقط.

[حكم ما إذا كان وكيلا في الإخراج و الأداء]

و أما إذا كان وكيلا في الإخراج و الأداء بنحو الإطلاق و الاستقلال في العمل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 289

..........

______________________________

- إن قلنا بجواز ذلك كما ادعاه الأصحاب و استدلّوا له بالسيرة القطعية و عدم الخلاف و استفدناه من بعض الأخبار كما مرّ- فالقاعدة تقتضي حينئذ كفاية نية الوكيل حين الدفع إلى الفقير، إذ العمل محوّل إليه و يكون هو نائبا في العمل بشروطه و منها النية كما في نيابة الحج و الصلاة و نحوهما.

و هل يكفي نية المالك فقط حين التوكيل أو حين الإخراج أو حين دفع الوكيل إلى الفقير؟ و جهان: من أنه الأصل في العمل و الأمر قد توجّه إليه. و من أن الوكيل

هو المباشر للعمل مستقلا فعليه أن ينويه مقارنا له كما في الحج النيابي و سائر الواجبات النيابية. بل ربما يناقش في صحة التوكيل في ذات العمل بدون النية. هذا.

و لا يترك الاحتياط بنية الموكّل و الوكيل معا، حيث إن الأمر توجّه إلى الموكل، و العمل عمل الوكيل حقيقة و لو بقصد النيابة. و الظاهر أنه لا يكفي في نية الموكل حينئذ نيّته حين التوكيل أو الإخراج فقط بحيث لا يضرّ به البداء بعد ذلك بل يعتبر استمرارها و لو حكما إلى حين الوصول إلى المصرف، لما عرفت من أن يد الوكيل يد المالك لا يد الفقير و المصرف، فالوصول إليها لا يكفي في سقوط الأمر و ارتفاع الضمان.

نعم يكفي الاستمرار الحكمي، إذ لا يجب ملازمة المالك للوكيل دائما حتى ينوي تفصيلا عند كل إعطاء يصدر عنه. و السيرة على خلاف ذلك، فإنهم يحيلون التقسيم إلى الوكيل و لا يلازمونه و لا يفتّشون عن موارد الإعطاء و أزمنته.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه- في هذا المورد عند قول المصنف: «و الأحوط تولّي المالك للنية أيضا.» قال: «بأن ينوي الزكاة في دفع الوكيل إلى المستحق لا دفع نفسه إياه إلى الوكيل.»

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 290

..........

______________________________

أقول: أراد هو لا محالة الاستمرار الحكمي لا النية التفصيلية كما مرّ وجهه.

و هذا أيضا مراد من شرط اقتران نيّة المالك بالعمل.

نعم، يقع الإشكال فيما إذا جعل وكيلا عامّا في جميع أموره بحيث يشمل أداء الزكوات و الأخماس أيضا على فرض تعلقها. حيث إن المالك حينئذ ربما لا يلتفت أصلا إلى تعلّق الزكاة بماله فكيف ينويها و لو إجمالا؟ و مثله مال المفقود إذا فرض تعلق الزكاة

أو الخمس به.

اللّهم إلّا أن ينكر صحة ذلك، حيث لم نجد لها دليلا من الأخبار، و تحقق السيرة في مثله أيضا قابل للمنع.

و قد منعنا إطلاق صحيح منصور بن حازم في أداء المقرض زكاة القرض و قلنا أن المتيقن منه صورة الاستيذان من المقترض.

هذا كلّه حكم الوكيل من قبل المالك.

و أما الإمام فإن جعله المالك وكيلا له كان حكمه حكم الوكيل و كذا الساعي و الفقيه. و كذا لو تصدّى الإخراج عن المالك لغيبته أو امتناعه ولاية عليه، إذ كان حينئذ بمنزلة المالك فينوي عنه.

و أما إذا أدّاها المالك للإمام بما أنه إمام المسلمين و وليّ الفقراء و المصارف فالظاهر حينئذ كفاية نية المالك حين إعطائها له. و كذا الساعي و الفقيه الحاكم.

و يرتفع عنه الضمان بذلك إذ يد الإمام حينئذ يد الفقير و المصارف. و لا وجه لاعتبار نيّة المالك حين إعطاء الإمام للفقير إذ الأمر قد تمّ في ناحية المالك، و ليس الإمام نائبا عنه حتى يكون فعله فعله فينوي حينه.

و لا ولاية له أيضا على المالك لينوي عنه مع عدم كونه ممتنعا، و لو سلّم فنيّة الوليّ كافية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 291

..........

______________________________

و في حكم هذه الصورة أيضا صورة كون الإمام وكيلا للفقير في أخذ الزكاة له فأعطي بهذا العنوان بناء على صحة ذلك.

و قد ظهر بما ذكرنا عدم كون وكيل المالك و الإمام بما أنه إمام في هذا الباب على وزان واحد، و إن كان يظهر هذا من عبارة الشرائع، إلّا أن يريد ما مرّ من أخذ الإمام من مال المالك ولاية عليه، فتدبّر. هذا.

و يمكن أن يقال بعدم وجوب النية على الإمام و عمّاله و نوّابه، بل على الوكيل

في التقسيم أصلا، بل يبعد وجوب ذلك بالنسبة إلى الإمام المبسوط اليد و عمّاله، فإن الأموال بعد تجمعها في بيت المال من موارد مختلفة تقسم على موازين خاصة قررها الإمام من دون أن يلتفت المقسمون إلى ماهيتها و مصادرها و أنها من الزكوات أو من غيرها. و مثلها الأخماس و سائر الضرائب المجتمعة عنده في بيت المال.

قال في المستند: «لو دفع المالك إلى الإمام أو الفقيه أو الساعي أو الوكيل و نوى فهل يجب على الدافع إلى الفقير منهم أيضا النيّة؟ الظاهر لا، للأصل و لعدم كونها عبادة مخصوصة بالنسبة إليه و لذا تبرأ ذمّته لو دفع رياء أو لعدم تمكنه من عدم الدفع فلا يجب عليه قصد أنه زكاة أو زكاة فلان أو القربة.

و هل يكفي نيّة أحد هؤلاء عن نية المالك؟ الظاهر لا، لأن الزكاة عبادة للمالك فلا بد من نيّته إلّا إذا وكّله المالك في إخراج الزكاة من مال المالك.» «1»

و قد تحصّل مما ذكرنا بطوله أن الوكيل في الإيصال فقط لا أثر لنيته، و المعتبر فيه نية المالك حين الوصول إلى الفقير و لو بالاستمرار الحكمي.

______________________________

(1)- المستند 2/ 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 292

[إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نية القربة]

[المسألة 2]: إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نية القربة، له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير (1). و إن تأخرت عن الدفع بزمان.

______________________________

و أمّا الوكيل في الأداء و الإخراج مستقلا فالأحوط فيه نية كليهما و بقاء نيّة المالك إلى حين الوصول إلى الفقير و لو حكما.

و أما الإمام بما هو إمام و كذا الفقيه الحاكم فيكفي فيهما نية المالك حين الإعطاء لهما، و لا دليل على وجوب النية عليهما و على عمالهما بل لا

وجه له، و مثل ذلك وكيل الفقير في القبض له إن جوّزناه، فتدبّر.

(1) في الشرائع في مبحث نية الزكاة قال: «و تتعين عند الدفع، و لو نوى بعد الدفع لم أستبعد جوازه.» «1»

و ذيّله في الجواهر بما ملخصه: «بلا ريب فيه مع بقاء العين لعدم خروجها عن الملك. بل و مع التلف إذا كان القابض عالما بالحال لكونه مشغول الذمّة بالعوض فيجوز احتسابها كسائر الديون. نعم، المتّجه عدم الجواز مع التلف و عدم العلم لعدم الضمان حينئذ.» «2»

أقول: يمكن أن يناقش في صورة التلف مع علمهما بأن المالك بنفسه أهدر احترام ماله فيشكل الحكم بالضمان.

و في المستمسك: «لأن المراد من إيتاء الزكاة وصول المال إلى الفقير أعمّ من الحدوث و البقاء فتصح نية الزكاة حال البقاء كما تصحّ حال الحدوث.» «3»

أقول: المقصود احتساب وجوده البقائي عند الفقير فلا يجزي احتساب الدفع الأوّل بالنية المتأخرة لوجوب مقارنة النية للدفع، و يشهد للمقام ما دلّ على جواز

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(2)- الجواهر 15/ 478.

(3)- المستمسك 9/ 350.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 293

بشرط بقاء العين في يده أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون.

و أما مع تلفها بلا ضمان فلا محلّ للنية (1).

[يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء]

[المسألة 3]: يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال، و يجوز بعنوان أنه وليّ عامّ على الفقراء. ففي الأول يتولّى الحاكم النية وكالة حين الدفع إلى الفقير. و الأحوط تولّي المالك أيضا حين الدفع إلى الحاكم. و في الثاني يكفي نية المالك حين الدفع إليه و إبقاؤها مستمرة إلى حين الوصول إلى الفقير. و في الثالث أيضا ينوي المالك حين

الدفع إليه، لأن يده حينئذ يد الفقير المولّى عليه (2).

______________________________

احتساب الدين زكاة من دون أن يكلف بالقبض و الدفع ثانيا، فاحتياط بعض الأعاظم المحشين بالإقباض المجدّد لا يجب رعايته.

(1) في المستمسك: «لعدم الموضوع بعد فرض التلف و عدم الضمان.» «1»

(2) يظهر حكم المسألة بشقوقها ممّا مرّ في المسألة الأولى.

و قد مرّ منا أن الأحوط في الوكيل في الأداء نية كليهما و بقاء نية المالك و لو حكما إلى حين الوصول إلى الفقير.

و في الوكيل في الإيصال أن الأقوى أنه لا أثر لنيته و المعتبر فيه نية المالك حين الوصول إلى الفقير و لو بالاستمرار الحكمي.

و في الإمام بما هو إمام و كذا الحاكم كفاية نية المالك حين دفعه إليه لما في المتن من أن يده حينئذ يد الفقير، فراجع ما حررناه في تلك المسألة.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 350.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 294

[إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما]

[المسألة 4]: إذا أدّى وليّ اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولّي للنية (1).

______________________________

(1) قد مرّ منّا في أوائل الزكاة «1» أن لفقهاء السنة في زكاة مال الطفل قولين:

ثبوتها فيه مطلقا بنحو الوجوب، و عدم ثبوتها فيه أصلا.

و أمّا أصحابنا الإمامية فقالوا بعدم الزكاة في نقديه و استحبابها في مال تجارته.

و اختلفوا في غلّاته و مواشيه على أقوال ثلاثة: الوجوب و الندب و عدم الزكاة أصلا.

و ألحق المشهور المجنون أيضا بالطفل. و قد مرّ البحث أيضا في أن تعلّقها بمالهما هل يكون بنحو ثبوت الملك أو الحق في مالهما أو ثبوت ملاك التكليف فقط، و أن خطاب التكليف هل يتوجه إليهما أو إلى الوليّ، و كيف يتصور الملك أو الحق بنحو الندب؟ فراجع ما كتبناه في هذا المجال. «2»

إذا عرفت هذا

فنقول: قد مرّ عن المصنّف قوله: «و المتولّي لإخراج الزكاة هو الوليّ و مع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي.»

و مرّ عن المبسوط قوله: «و يعتبر نيّة المعطي سواء كان المالك أو من يأمره المالك أو من يتولّى مال اليتيم الذي يجب فيه الزكاة و مال المجنون.» «3»

و في الشرائع: «و الوليّ عن الطفل و المجنون يتولّى النيّة أو من له أن يقبض منه كالإمام و الساعي.» «4»

و ذيّل الجملة الأولى في الجواهر بقوله: «بلا خلاف و لا إشكال» «5»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 26.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 81.

(3)- المبسوط 1/ 232.

(4)- الشرائع 1/ 168 (طبعة أخرى/ 128).

(5)- الجواهر 15/ 478.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 295

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 295

..........

______________________________

و في المستمسك: «لأنه نائب عنهما في الأداء، فإذا فرض توقف صحّته على النية ناب عنهما في النيّة كسائر شرائط الصحّة.» «1»

أقول: و بعبارة أوضح: المفروض وجوب الأداء أو استحبابه، فلا بدّ ممن يتولّى ذلك، و حيث إنهما محجوران عن التصرف في مالهما ناب عنهما الوليّ.

و ربما يشهد لذلك موثقة يونس بن يعقوب، قال: أرسلت إلى أبي عبد اللّه «ع»:

أن لي إخوة صغارا، فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال: «إذا وجب عليهم الصلاة وجب عليهم الزكاة.» قلت: فما لم تجب عليهم الصلاة؟ قال: «إذا اتّجر به فزكّه.» «2»

و خبر أبي العطارد الخيّاط، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: مال اليتيم يكون عندي فأتّجر به؟ فقال: «إذا حرّكته فعليك زكاته. قلت: فإني أحركه ثمانية أشهر و أدعه أربعة أشهر؟ قال: «عليك زكاته.» «3»

إذ المتيقن صورة كون المأمور

بالأداء وليّا، إلّا أن يحمل الخبران على استقراض الوليّ مالهما و تجارته لنفسه و لكنه خلاف الظاهر. هذا.

و لكن القول بتوجّه التكليف أوّلا إلى الوليّ خلاف الظاهر، إذ المال مال للمولّى عليه لا للوليّ، و الوليّ نائب عنه.

ففي المجنون و الصغير غير المميّز يتولّى هو عنهما.

و أمّا إذا كان مراهقا و قلنا بشرعية عباداته كما هو الحقّ و كان يحصل منه قصد القربة فلعلّ الأحوط أن يتولّى هو بنفسه للإعطاء كسائر العبادات الشرعية كالحج و الصلاة و نحوهما إما بإذن الوليّ أو مطلقا لكونها من مصاديق الصدقة.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 351.

(2)- الوسائل 6/ 55، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 296

[إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه]

[المسألة 5]: إذا أدّى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولّى هو النيّة عنه (1).

______________________________

و قد دلّ بعض الأخبار على صحّة صدقته إذا بلغ عشرا: ففي خبر زرارة عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدّق أو أوصى على حدّ معروف و حقّ فهو جائز. «1»

و هل يجوز له إعطاء الصدقة المندوبة من ماله و لا يجوز له إعطاء ما تعلّق بماله من الزكاة بقصد القربة و إطاعة الأمر؟

ثم إن الوليّ يجب أن ينوي في إعطائه عنوان الزكاة، و أما القربة فلا يراد بها قرب النائب كما مرّ و يشكل تصويره بالنسبة إلى الصغير و المجنون أيضا إلّا أن يراد به قصد سقوط أمره و تخلّص ماله على فرض الوجوب. و لا يراد بالوجوب هنا لا محالة إلا الوضعي لا التكليفي

كما هو واضح، فتدبّر.

(1) في المستمسك: «لأنه وليّه فيتولّى الأداء الصحيح عنه المتوقف على النية.» «2»

أقول: لا يخفى أن في الزكاة و كذا في الخمس جهتين: جهة العبادية و جهة المالية و الحقيّة، فإنها وضعت للفقراء و المصارف الخاصّة، و الحاكم وليّ لهم، و لذا كان النبي «ص» و الخلفاء بعده يطالبونها ثم يقسمونها فيهم. و الظاهر أن أخذها من الممتنع يكون بالاعتبار الثاني فهو يأخذها منه بما أنه وليّ الفقراء و المصارف.

و أمّا جهة العباديّة المرتبطة بالمالك فثبوت الولاية بالنسبة إليها مشكل. فلو امتنع المكلّف من إتيان صلاته أو صومه أو حجّه فغاية ما للحاكم أن يقهره على أداء فرائضه، و أما إتيانها عنه ولاية عليه فلم يعهد من الشرع.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 321، الباب 15 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1؛ و ص 429، الباب 44 من كتاب الوصايا، الحديث 4.

(2)- المستمسك 9/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 297

..........

______________________________

و بالجملة أخذ الزكاة من الممتنع يكون من جهة الولاية على الفقراء و المصارف في استيفاء حقوقهم لا على المالك.

إلّا أن يقال إن الأخذ متوقف على الإعطاء زكاة، إذ ليس للفقراء و المصارف أخذ المال قهرا و بلا عنوان، فإذا فرض وجوب الأخذ و استيفاء الحقوق بنحو الإطلاق وجب الإعطاء من باب المقدمة فيتصدى له الحاكم ولاية على المالك، فهذا هو الفارق بين بابي الخمس و الزكاة و بين سائر الواجبات الشرعية، فتدبّر.

و بعد أخذ الحاكم بعنوان زكاة المال الخاصّ يتخلص المال قهرا و تبرأ ذمة المالك من الزكاة، و لكن تبقى عليه تبعة ترك الإيتاء بما أنه كان واجبا عباديا مشروطا بقصد القربة من قبله بنحو تعدّد المطلوب.

و بهذا يفترق المقام عن الدين

إذا اقتصّ منه إلّا أن يثبت العقاب من جهة التجرّي أو يقال إن التأخير بنفسه عصيان موجب للعقاب.

و لو فرض عدم وجود الحاكم الشرعي أو عدم قدرته على التصدّي أمكن القول بجواز أخذها و صرفها في مصارفها بتصدّي عدول المؤمنين، بل فسّاقهم أيضا مع عدم العدول أو عدم قدرتهم.

فإن الحكومة و شئونها- التي من أهمّها إدارة أمور الفقراء و الضعفاء- تكون من أظهر مصاديق الحسبة. و يستفاد هذا أيضا من أدلّة الترغيب في الإحسان و الأمر بالمعروف، و التعاون على البرّ، و قوله «ص» في الخبر الصحيح:

«كل معروف صدقة.» «1» و قد أشار إلى هذا إجمالا المحقق النراقي- قدّس سرّه- في المستند. «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 321، الباب 41 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(2)- المستند 2/ 46.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 298

[إذا أخذ الحاكم الزكاة من الكافر يتولّى النيّة عند أخذه منه]

و إذا أخذها من الكافر (1) يتولّاها أيضا عند أخذه منه (2) أو عند الدفع إلى الفقير (3)

______________________________

و لكن يجب الالتفات إلى أن إعلام هذا الحكم ربما يوجب سوء الاستفادة من قبل بعض العناصر غير الصالحة و تصرّفهم في أموال الناس باسم أخذ الزكوات و الأخماس فيكون ضرّه أكثر من نفعه، فراجع ما حررناه سابقا في هذا المجال. «1»

(1) قد مرّ في أوائل الزكاة في المسألة السادسة عشرة البحث في أخذ الزكاة من الكافر بناء على وجوبها عليه، و قلنا هناك بجواز الأخذ من الحربي و عدم جواز أخذها من الذمّي إلّا إذا شرط في عقد الذمّة و إلّا فلا يؤخذ منه إلّا الجزية، فراجع. «2»

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشكال في أن الأخذ منه يكون بنية الزكاة، و إنما الإشكال في نية القربة و أنها هل تعتبر فيها أم لا؟ و على

الأول فهل ينويها الكافر أو الحاكم عنه أو عن نفسه؟ و سيأتي البحث فيه إجمالا.

(2) في المستمسك: «إذا كان الأخذ بعنوان الولاية على الفقراء أيضا فيكون أخذه إيتاء.» «3»

(3) في المستمسك: «إذا كان الأخذ بعنوان الولاية عليه فقط، فيكون أخذه مقدمة للإيتاء، و يتحقق الإيتاء بالدفع إلى الفقراء.» «4»

أقول: قد مرّ منّا الإشكال في ثبوت الولاية له على المالك في تصدّي العمل العبادي من قبله، و إنما الثابت جواز قهره على العمل. إلّا أن يقال بثبوتها مقدّمة لاستيفاء حقّ الفقراء و المصارف.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 423.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 131 و ما بعدها.

(3)- المستمسك 9/ 351.

(4)- المستمسك 9/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 299

عن نفسه لا من الكافر (1).

______________________________

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي: «هذا أيضا موقوف على أن ينويه زكاة عند أخذه منه.»

أقول: و هذا صحيح، لما مرّ من أنه ليس للفقراء أخذ المال بلا عنوان بل أخذ ما يؤتى زكاة و أخذ بهذا العنوان.

(1) أقول: قد وقع البحث هنا و في خمس الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم- بناء على ثبوت الخمس في رقبتها- في أن الحاكم هل ينوي عن المالك الكافر أو عن نفسه؟ و القاعدة و إن كانت تقتضي النية عن المالك، لكن لما لاحظوا أن الكافر لا يحصل له القرب و لا تقع منه العبادة و لا تصحّ، أفتى بعضهم بأن الحاكم ينوي عن نفسه فيكون هو بفعله متقربا، و أفتى بعضهم بعدم وجوب النية أصلا.

و الظاهر أن مرادهم بالنية المختلف فيها هنا نيّة القربة، إذ أصل نية الزكاة أو الخمس مما لا بدّ منها لكونهما من العناوين المتقومة بالقصد و النيّة كما مرّ و لا محذور

في نيتهما، و إنما لإشكال في قصد القربة فلنذكر بعض الكلمات:

1- ففي خمس أرض الذمّي من البيان: «و لا يشترط فيها النصاب و لا الحول و لا النيّة.» «1»

2- و من الدروس: «و النية هنا غير معتبرة من الذمّي، و في وجوبها على الإمام أو الحاكم نظر، أقربه الوجوب عنهما لا عنه عند الأخذ و الدفع.» «2»

3- و في خمس المسالك: «و يتخيّر الإمام أو الحاكم بين أخذ خمس العين أو خمس الارتفاع و يتولّيان النية عند الأخذ و الدفع وجوبا عنهما لا عنه.

______________________________

(1)- البيان/ 217.

(2)- الدروس/ 68.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 300

..........

______________________________

مع احتمال سقوط النية هنا و به قطع في البيان، و الأول خيرة الدروس» «1»

4- و في الجواهر عن حواشي الإرشاد للمحقق الكركي في خمس أرض الذمّي: «و يتولّى النية هنا الإمام أو الحاكم، و لا ينويان النيابة عن الكافر، إذ لا تقع العبادة منه و لا عنه.

مع احتمال أن يقال: إن هذا القسم من العبادة لا يحتاج إلى النيّة كتغسيل الكافر للمسلم و كغسلها إذا كانت حائضة تحت مسلم و قد طهرت و قلنا إنه لا يحلّ إتيان الحائض حتّى تغتسل.» قال: و نحوه في حاشية الشرائع.

ثم قال في الجواهر: «و الظاهر جريان نحو هذا البحث في الزكاة المأخوذة من الكافر و نحوه مما لا تصحّ منه النية، فيتولّاها حينئذ الإمام أو الحاكم عنهما لا عنه على حسب ما عرفت.

و لا ينافي ذلك كون الخطاب لغير المتقرب، لأنه بعد أن قصّر لعدم الإيمان المانع من صحّة عباداته كان المخاطب بإيتاء الزكاة من ماله الإمام أو الحاكم، فالتقرب حينئذ منهما باعتبار هذا الخطاب الذي لا ريب في إجزائه في نحو الزكاة المشابهة

للديون من جهات، و لذا جازت النيابة فيها ...» «2»

أقول: نظر هؤلاء الأعلام إلى أن الزكاة عبادة تحتاج إلى القربة، و العبادة لا تصحّ لا من الكافر لاشتراط الإسلام و لا عنه لعدم صلوحه للقرب، فلا بد أن يتقرب بها الحاكم الذي يتصدى لأخذها. و بالجملة قالوا شعرا وقعوا في ضيق قافيته فطلبوا مضيقا للتخلص منها.

أقول: لو قيل بأن الأمر بالزكاة متوجه من أوّل الأمر إلى الحاكم لكان ما

______________________________

(1)- المسالك 1/ 67.

(2)- الجواهر 15/ 472.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 301

[لو كان له مال غائب فنوى أنه إن كان باقيا فهذا زكاته]

[المسألة 6]: لو كان له مال غائب مثلا فنوى أنه إن كان باقيا فهذا زكاته، و إن كان تالفا فهو صدقة مستحبّة صحّ (1).

بخلاف ما لو ردّد في نيّته و لم يعيّن هذا المقدار أيضا فنوى أن هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة فإنه لا يجزي.

______________________________

ذكروه وجيها. و لكن الالتزام بهذا مشكل، إذ المال مال الكافر، و المسألة مبتنية عندهم على ما ادّعوه من كون الكفار مكلفين بالفروع، فأمر الزكاة على هذا متوجه إلى الكافر في ماله، غاية الأمر نيابة الحاكم عنه في امتثاله ولاية عليه فكيف يتقرب النائب بأمر المنوب عنه؟

و أمر الحاكم بأخذ الزكاة من الممتنع توصلي مغاير لأمر الزكاة فلا يشترط بالقربة.

و على هذا فلا محيص إمّا من منع اشتراط القربة في المقام و لا سيّما على ما قالوا من أن عمدة دليله الإجماع إذ لا إطلاق له و المتيقن من معقده صورة إعطاء المسلم زكاته لصلوحه للقرب.

أو منع عدم صلوح الكافر للقرب إذ للقرب مراتب فلعلّ الإتيان ببعض فرائضه نيابة عنه يوجب تخفيف عقوبته و لا سيّما بناء على كون الثواب و العقاب من لوازم الإطاعات و المخالفات.

أو القول

بما مرّ منا من أن معنى النيابة في العبادات هو إتيان النائب بما أمر به المنوب عنه بداعي امتثال أمره و سقوط عنه. و المعتبر فيها قرب المنوب عنه لا النائب.

و لا يراد بالقرب هنا إلّا امتثال أمره و سقوطه و لو ببعض جهاته. و المفروض في المقام أن ما يأخذه الحاكم بقصد الزكاة يصير زكاة فيسقط أمرها و تبرأ ذمة المنوب عنه و إن بقيت عليه بعض تبعاته.

(1) 1- في المبسوط: «من كان له مال غائب يجب عليه فيه الزكاة فأخرج زكاته و قال: إن كان مالي باقيا فهذا زكاته أو نافلة أجزأه. و قد قيل: إنه لا يجزيه

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 302

..........

______________________________

لأنه لم يعين النية في كونها فرضا.

و إن قال: إن كان مالي باقيا سالما فهذه زكاته، و إن لم يكن سالما فهو نافلة أجزأه بلا خلاف لأنه أفرده بالنيّة.» «1»

2- و في التذكرة: «لو كان له مال غائب فأخرج الزكاة و قال: إن كان مالي سالما فهذه عنه أو تطوّع لم يجزئ عنه إن كان سالما، و به قال الشافعي لأنه شرّك بين الفرض و النفل فلم يتخلّص نية الفرض، و قال الشيخ في المبسوط: يجزئه، و ليس بمعتمد.

و لو قال: إن كان سالما فهذه عنه و إن كان تالفا فهي تطوّع فكان سالما أجزأ عنه لعدم التشريك في النية بين الفرض و النفل، و إنما رتّب فيها النفل على الفرض.» «2»

3- و في الشرائع: «لو قال: إن كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاته و إن كان تالفا فهي نافلة صحّ. و لا كذا لو قال: أو نافلة.» «3»

4- و في الجواهر ذيّل الفرع الأوّل بقوله: «بلا خلاف أجده

بين من تعرّض له منّا، بل في فوائد الشرائع: لا مانع من صحّته بوجه من الوجوه: بل عن الشيخ الإجماع عليه.» «4»

و ذيّل الفرع الثاني بما ملخّصه: «لكون الترديد حينئذ في النية بخلاف الأولى فإنه في المنوي و هو غير قادح.

و التحقيق أن هذا و إن كان ترديدا لكن بعد الإجماع عليه و شدّة الحاجة إليه في كثير من المقامات و ثبوت شرعيته في الفائتة المجهولة و في ركعات الاحتياط

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 232.

(2)- التذكرة 1/ 243.

(3)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

(4)- الجواهر 15/ 479.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 303

..........

______________________________

و كثير من موارد الاحتياط لا مناص من القول به مع الاضطرار دون الاختيار بخلاف الصورة الأخرى التي لا دليل على صحّتها بل ما دلّ على اعتبار النية يقتضي العدم ...» «1» انتهى ما في الجواهر.

5- و في المستمسك جزم بالصحّة في الصورة الأولى المذكورة في المتن، قال: «إذ لا دليل على قدح مثل هذا الترديد في صحّة العبادة، إذ لا ترديد في المنويّ امتثاله، و إنما الترديد في وصفه و أنه وجوبيّ أو استحبابي. و لذا نقول بجوازه مع الاختيار و إمكان استعلام الحال و إن كان المشهور المنع من ذلك، بل ربما حكي الإجماع عليه و أنه لا يجوز الامتثال الإجمالي إذا أمكن الامتثال التفصيلي ...» «2»

أقول: لا يخفى أن المسألة و أمثالها ليست من المسائل الأصلية المتلقاة عن المعصومين- عليهم السلام-، و لم يتعرض لها القدماء من أصحابنا في كتبهم المعدّة لنقل هذا السنخ من المسائل، بل هي من المسائل التفريعية الاجتهادية، فالإجماع فيها على فرض تحققه نظير الإجماع في المسائل العقلية لا اعتبار به أصلا.

فالواجب إتمام المسألة على وفق الأصول

و القواعد.

و في الجواهر و غيره عبّر عن الصورة الأولى بالترديد في المنويّ و عن الثانية بالترديد في النية مع وضوح أن النية بما هي نيّة لا ترديد فيها.

كيف؟! و هي حالة نفسانية متحققة في النفس، و كل متحقق مجزوم به.

فالترديد في كلتا الصورتين يرجع إلى المنويّ، إلّا أن يراد بالترديد في النية الترديد في الصورة الذهنية و بالترديد في المنويّ الترديد في تحقق المنويّ خارجا.

و كيف كان فالمنويّ في إحدى الصورتين صورة هذا أو ذاك بنحو الترديد. و هذا

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 479.

(2)- المستمسك 9/ 352.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 304

..........

______________________________

أمر انتزاعى لا واقعية له. و هذا بخلاف الأخرى فإن المنوى فيها أمران مترتبان، فالمنويّ أوّلا هو الواجب ليس إلّا، فهو ناو لامتثال أمره بنحو الجزم و لكن على تقدير وجوده بوجود موضوعه. فلا ترديد في النية و لا في المنويّ، غاية الأمر كون تحققه معلقا على تحقق موضوعه. و هذا التعليق متحقق تكوينا نواه الفاعل أو لم ينوه نظير تعليق طلاق المرآة على كونها زوجة.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه-: «لو نجّز أوّلا نيّة كونه زكاة ثم نوى منجزا الصدقة المندوبة حتّى لا يكون من التعليق في النيتين، بل من التردّد فيما هو المؤثر منهما لكان أقرب و أحوط.»

أقول: النية و القصد غير الإنشاء فالإنشاء خفيف المؤونة فيمكن إنشاء أمرين متنافيين مترتبين بنحو التنجيز.

و أما النية القلبية فالتنجيز فيها ملازم للجزم بحصول المنويّ فكيف تتعلق كذلك بأمرين متنافيين مع حصول التردد فيهما. مضافا إلى استلزام ذلك للتشريع المحرّم.

و بالجملة فلا محيص في المقام إلّا من التعليق على الموضوع فتأمّل.

و كيف كان فالمقام نظير جميع الاحتياطات التي يستحسنها العقل

و الشرع.

و الحاكم في باب الإطاعة و العصيان و كيفياتهما هو العقل.

و لا يعتبر في صحة العبادة إلّا وقوعها عن اختيار و إرادة بداع إلهي و لو كان امتثال الأمر الوجوبي المحتمل. و لا دليل على اعتبار الجزم بالوجوب أو الندب أو قصدهما و إن تمكن من ذلك بالاستعلام، بل العبودية في موارد الاحتمال أجلى و أتمّ و تكون حاكية عن شدّة اهتمام العبد بأوامر مولاه. و لا يعدّ الاحتياط لعبا بأمر المولى و إن قدر على الاستعلام و الامتثال التفصيلي لكثرة الدواعي العقلائية

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 305

..........

______________________________

على ترك السؤال.

و بما ذكرنا يظهر عدم صحّة ما يظهر من الجواهر من كون هذا النحو من الترديد منافيا للنية المعتبرة في العبادات و لكن لا مناص منه في خصوص موارد الاحتياط و الاضطرار من باب شدّة الحاجة.

كيف؟! و شدّة الحاجة لا يصحّح ما يكون باطلا لو لاها، و إلّا لزم صحّة كل ما فقد الجزء أو الشرط عند الحاجة إليه، و هو كما ترى كما في مصباح الهدى «1» هذا.

و نقض المقام بصوم يوم الشك، حيث إن الظاهر منهم وجوب قصد صوم شعبان و عدم صحّة الإتيان به بقصد رمضان إن كان و إلّا فندبا.

مدفوع أوّلا بمنع عدم صحة ذلك و قد أفتى بعض الأعاظم بصحّته. و لو سلّم فللاستظهار من أخبار خاصة وردت فيه و إلّا فالقاعدة تقتضي الصحّة.

كما أن النقض ببطلان العقود و الإيقاعات مع التعليق إجماعا يمكن دفعه أوّلا بمنع الإجماع على البطلان إن وقع التعليق على الموضوع كتطليق المرأة معلقا على كونها زوجة.

و ثانيا بأن البطلان في موارد خاصة لدليل لا يوجب البطلان في غيرها.

و ثالثا: فرق بين تعليق النية

التي هي أمر قلبي كما في المقام و تعليق الإنشاء، و الممنوع تعليق الإنشاء.

و أمّا ما في المستمسك في المقام من عدم الترديد في الأمر المنوي امتثاله بل في وصفه و أنه وجوبي أو استحبابي.

ففيه أنه خلاف الفرض. إذ المفروض في المسألة أن الفاعل لم يقصد طبيعة الأمر الجامعة بين الوجوب و الاستحباب، بل قصد خصوص الوجوب على فرض

______________________________

(1)- راجع مصباح الهدى 10/ 381.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 306

[لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثم بان كونه تالفا]

[المسألة 7]: لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثم بان كونه تالفا فإن كان ما أعطاه باقيا له أن يستردّه.

و إن كان تالفا استردّ عوضه إذا كان القابض عالما بالحال.

و إلّا فلا (1).

______________________________

تحققه بتحقق موضوعه، و المندوب على فرض عدم تحققه. هذا.

و أما الصورة الثانية المذكورة في المتن و غيره فعمدة الإشكال فيها أن النيّة تعلقت في الذهن بهذا أو ذاك بنحو الترديد و هو أمر انتزاعي لا واقعيّة له، إذ الواقع هو خصوص هذا أو ذاك متعيّنا و معلوم أنه لم ينو لا هذا و لا ذاك.

اللّهم إلّا أن يقال: إن قصد أحدهما و لو بالترديد لا يخلو عن قصد طبيعة الأمر الجامعة بينهما، و يكفي في العبادة قصد طبيعة الأمر، و بإيجاد فرد ما من طبيعة المتعلق يسقط الأمر الوجوبي على فرض تحققه قهرا، و لهذا حكم الشيخ بصحّته، فتدبّر.

(1) في المبسوط: «و إن قال: هذا زكاة مالي إن كان سالما، و كان سالما أجزأه.

و إن كان تالفا لم يجز أن ينقله إلى زكاة غيره لأن وقت النية قد فاتته.» «1»

و في الشرائع: «و لو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلى غيره على الأشبه.» «2»

أقول:

القاعدة تقتضي بقاء المعطى مع بقاء عينه على ملك المالك، و كذا مثله أو قيمته إن تلف مع الضمان، إذ المفروض عدم وقوعه زكاة عما قصد، و لم يقصد به الصدقة المطلقة حتى يقال بعدم جواز الرجوع فيما جعل للّه.

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 232.

(2)- الشرائع 1/ 169 (طبعة أخرى/ 128).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 307

..........

______________________________

فله أن يصنع به ما يشاء من نقله إلى زكاة غيره أو يحتسبه خمسا أو كفارة مثلا أو يسترجعه لنفسه.

و لا وجه لما ذكره الشيخ- قدّس سرّه- إلّا أن يريد المنع من احتساب الدفع السابق بالنية المتأخرة، فإن النية التفصيلية و إن قلنا بجواز تقديمها على الفعل مع بقاء الداعي إجمالا في النفس و لكن لا ريب في عدم جواز تأخّرها عن الفعل مثل أن يجعل الإمساك في يوم الجمعة صوما بالنية في يوم السبت مثلا. إذ الشى ء لا ينقلب عما وقع عليه.

اللّهم إلّا أن ينتقض هذا بنيّة الصوم قبل الزوال في الواجب الموسّع و قبل الغروب في المندوب.

و بالجملة فالمحقق أراد جواز نقل المعطى بوجوده البقائي بالنية المقارنة، و لعلّ الشيخ أراد المنع عن نقل الإعطاء السابق بوجوده الحدوثي بالنية المتأخرة فلا خلاف بينهما، فتدبّر.

و المصنف جعل الملاك في جواز استرداد عوض التالف علم القابض بالحال، و لكن الظاهر أن الملاك ضمان القابض و عدمه.

فلو جهل القابض و لكن لم يكن مغرورا كأن قصد ما قصده المالك كيف ما كان ثبت الضمان أيضا. هذا.

و لا يخفى أن المحقق أجاز نقل المعطى إلى زكاة مال آخر فقط، و المصنف أجاز الاسترداد مطلقا.

و القاعدة و إن كانت تقتضي ما ذكره المصنف كما بيّناها، و لكن ربما يستفاد من بعض الأخبار عدم جواز

استرداد ما أعطي بعنوان الصدقة و تعيّن إنفاقه في سبيل اللّه:

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 308

..........

______________________________

1- مثل ما عن قرب الإسناد عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه أن عليّا «ع» كان يقول: «من تصدّق بصدقة فردّت عليه فلا يجوز له أكلها، و لا يجوز له إلّا إنفاقها، إنما منزلتها بمنزلة العتق للّه، فلو أن رجلا أعتق عبدا للّه فردّ ذلك العبد لم يرجع في الأمر الذي جعله للّه فكذلك لا يرجع في الصدقة.» «1»

2- و خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، قال: «من تصدق بصدقة ثم ردّت عليه فلا يأكلها لأنه لا شريك للّه- عزّ و جلّ- في شي ء مما جعل له، إنما هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردّها بعد ما يعتق.» «2»

و روى نحوه ابن فهد في عدّة الداعي مرسلا. «3»

3- و في خبر أخر عنه «ع» في الرجل يخرج بالصدقة ليعطيها السائل فيجده قد ذهب، قال: «فليعطها غيره و لا يردّها في ماله.» «4» و أفتى بمضمون هذا الخبر في النهاية فراجع. «5»

و على هذا فالظاهر في المسألة جواز نقل المعطى إلى زكاة مال آخر، و الأحوط عدم تصرّف آخر فيه، فتدبّر.

ختام فيه مسائل متفرّقه

اشارة

ختام فيه مسائل متفرّقه

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 316، الباب 11 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 294، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 295، الباب 24 من أبواب الصدقة، الحديث 3.

(5)- النهاية/ 603.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 311

[الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ]

اشارة

الأولى:

استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه (1) للصبيّ و المجنون تكليف للوليّ، و ليس من باب النيابة عن الصبيّ و المجنون (2).

______________________________

(1) على القول به، و هو المشهور و الأقوى، لما دلّ عليه من الأخبار المستفيضة و فيها الصحيحة، «1» خلافا لابن إدريس، و ما ذكره اجتهاد في مقابل النص و تبعه في المدارك، فراجع. «2»

(2) بمعنى أن الخطاب الفعلي لم يتوجه إليهما، بل إلى الوليّ:

ففي موثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه «ع» في مال الطفل:

«إذا اتّجر به فزكّه.» «3»

و في خبر أبي العطارد عنه «ع» في ماله: «إذا حرّكته فعليك زكاته.» «4»

و في خبر موسى بن بكر عن أبي الحسن «ع» في مال المرأة المصابة: «إن كان

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...

(2)- راجع كتاب الزكاة 1/ 60 و ما بعدها.

(3)- الوسائل 6/ 55، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 5.

(4)- الوسائل 6/ 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 312

[المناط هو اجتهاد الوليّ أو تقليده]

فالمناط فيه اجتهاد الوليّ أو تقليده (1).

______________________________

أخوها يتّجر به فعليه زكاة.» «1» بناء على رجوع الضمير إلى الشخص لا إلى المال.

و هذا بخلاف موارد الوكالة و الاستنابة، فإن الخطاب الفعلي متوجه إلى المنوب عنه، و النائب ينوب عنه في فعله و يعمل عمله. هذا.

و لكن الظاهر أن ملاك الاستحباب و مصلحة الخطاب يرجعان إلى الطفل و المجنون لأن المال مالهما و الخطاب الفعلي إنما توجّه إلى الوليّ من جهة أن الإخراج تصرّف مالي و هما محجوران عنه شرعا فينوب هو عنهما.

فلو كان الطفل مميزا يتحصل منه النية و

قصد القربة و أمكن توجه الخطاب الفعلي إليه فالأحوط حينئذ أن يتصدّى هو بنفسه للإخراج و الأداء و لكن تحت نظر الوليّ، إلّا أن يرى الوليّ إخراج نفسه أصلح. و قد دلّ بعض الأخبار و فيها الصحيح على صحّة الصدقة ممن بلغ عشرا، فراجع الوسائل. «2»

و الزكاة من أظهر مصاديق الصدقة. و هل يجوز أداؤه للصدقة المندوبة و لا يجوز أداؤه للزكاة المتعلقه بماله؟

و نظير المقام باب الحج و مناسكه من الطواف و الذبح و الرمي و نحوها، فإن الملاك فيها ثابت للصبي نفسه، فهو يأتي بها بنفسه تحت نظر الوليّ، إلّا أن لا يتمكن فيأتي بها الوليّ عنه، فتدبّر.

(1) كون المناط ذلك واضح بعد كون التكليف الفعلي متوجها إليه دونهما لرفع القلم عنهما.

و لكن لا يتفرع هذا على عدم نيابته عنهما، إذ في موارد النيابة أيضا مع إطلاقها

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 59، الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2.

(2)- راجع الوسائل 13/ 321، الباب 15 من كتاب الوقوف و الصدقات؛ و ص 429، الباب 44 من كتاب الوصايا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 313

فلو كان مذهبه- اجتهادا أو تقليدا- وجوب إخراجها أو استحبابه ليس للصبي بعد بلوغه معارضته (1)

______________________________

يكون النائب موظّفا بإتيان الفعل صحيحا بنحو يترتب عليه آثاره المترقبة منه و لا يحصل هذا بنظره إلّا إذا أتى به على كيفية يقتضيها اجتهاده أو تقليده، إذ غيرها يكون باطلا باعتقاده إلّا أن يكون مطابقا للاحتياط، و لكن لا إلزام بالأخذ به.

و إطلاق الإجارة أو الوكالة أيضا يقتضي الإتيان بالعمل صحيحا، فيجب أن يأتي بالصحيح في اعتقاده.

نعم لو عيّن الموكل أو المستأجر كيفية خاصّة أو انصرف العقد إلى الصحيح باعتقادهما تعيّن

حينئذ الإتيان بهذه الكيفية و إن علم الأجير أو الوكيل ببطلانها، إلّا إذا كان العمل عبادة فلم يتمكن فيه من القربة. إلّا أن يقال بعدم اعتبار قرب النائب و يكفي في صحة العقد ترتب الفائدة العقلائية عليه و هو اعتقاد المنوب عنه فراغ ذمّته به. هذا.

و مع علم المستأجر و الأجير أو الموكل و الوكيل باختلاف الكيفيات يجب تعيين الكيفية المطلوبة في متن العقد دفعا للغرر.

و الأحوط لوصيّ الميت تعيين ما يصحّ عند الميت أيضا لاحتمال انصراف الوصية إليه. و أما وليّ الميت و كذا المتبرع فيكفي لهما الإتيان بما يصحّ عندهما.

و لو روعي في الجميع الصحة عند النائب و المنوب عنه معا كان أحوط و ارتفع الإشكال بحذافيره، فتدبّر.

(1) إذ التكليف كما عرفت متوجه إلى الوليّ، و الأمر مفوّض إليه حسب النصّ و الفتوى و مقتضى ذلك إتيان الفعل حسب ما يقتضيه اعتقاده اجتهادا أو تقليدا، و ظاهر ذلك عدم الضمان عليه و عدم التبعة إن عمل بوظيفته المفوضة إليه.

و عمله و إن كان بالنيابة عنهما على ما مرّ و لكنه محسن بإتيانه ما فيه صلاحهما

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 314

و إن قلّد من يقول بعدم الجواز (1).

[الحال في سائر تصرّفات الوليّ في مال الصبي]

كما أن الحال كذلك في سائر تصرّفات الوليّ في مال الصبي أو نفسه من تزويج و نحوه. فلو باع ماله بالعقد الفارسي، أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية و كان مذهبه الجواز ليس للصبيّ بعد بلوغه إفساده بتقليد من لا يرى الصحّة (2).

______________________________

على حسب حكم الشرع، و ما على المحسنين من سبيل، فتأمّل.

و لكن في المستمسك ما ملخّصه: «هذا غير ظاهر إلّا إذا قام الدليل على أن اجتهاد

الوليّ أو تقليده مأخوذ موضوعا لحكم الطفل، و لكنه ممنوع. فإذا اختلفا كما لو كان تقليد الوليّ الوجوب أو الاستحباب و تقليد الصبي عدم المشروعية عمل كل منهما على ما يقتضيه تكليفه. فإن أدّى إلى النزاع و المخاصمة رجعا إلى حاكم ثالث كما يظهر من المقبولة.

نعم قد يكون نظر الحاكم الذي يترافعان إليه عدم الضمان لعدم التعدّي أو التفريط.» «1»

أقول: يظهر مما بيّناه وجه المناقشة فيما ذكره. و العمدة توجّه الخطاب الى الوليّ و ظهوره في عدم التبعة عليه و أنه محسن في عمله.

اللّهم إلّا أن يكون العين موجودة فيمكن أن يقال بجواز استردادها إن أدّى إليه تقليده أو اجتهاده.

(1) أو أدّى إليه اجتهاده.

(2) في المستمسك: «بل يتعين عليه ذلك عملا بتقليده لمن يرى الفساد.

نعم لو كان رأى مجتهده كون عمل الوليّ- الجاري على مقتضى اجتهاده

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 354.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 315

..........

______________________________

أو تقليده- صحيحا بالإضافة إلى عمل الصبيّ جاز له ترتيب آثار الصحّة حينئذ عملا بتقليده له.» «1»

أقول: ما مرّ كان في جواز عمل الوليّ في مال الصبي أو نفسه حسب ما يقتضيه وظيفته اجتهادا أو تقليدا و أنه ليس للصبيّ الاعتراض عليه في ذلك أو تضمينه بعد ما بلغ و قلّد من يخالفه.

و لا ينحصر هذا في إعطاء الزكاة من ماله. بل لو باع له أو اشترى أو صنع في ماله عملا آخر حسبة فليس للصبي تضمينه و لا الاعتراض عليه.

و لكن لا يقتضي هذا صحّة عقود الوليّ بالنسبة إلى الصبيّ حتّى بعد بلوغه بحيث يجب عليه ترتيب الأثر عليها و إن ظهر له خطأ الوليّ.

بل يتفرع هذا على ما قالوا في مسألة الإجزاء.

و بالجملة فالمصنف خلط بين المسألتين فعدم

جواز الاعتراض أمر و صحة العقود بالنسبة الى الصبى أمر آخر.

فلو بقي مورد عقد الوليّ محلا لابتلاء الصبي فعلا بعد بلوغه كالعين المشتراة له بعقد فاسد عنده أو الزوجة المعقودة له بالعقد الفارسي مثلا أو مع كونه مرتضعة بلبنه عشر رضعات مع حكم مجتهده بتحقق الرضاع الشرعي بذلك أو نحو ذلك فإجزاء العقد السابق بالنسبة إليه و جواز ترتيب آثار الملكية أو الزوجية فعلا محل إشكال بل منع، إذ هو فعلا مكلف بالعمل على طبق حجته الفعلية.

و ليس مؤدّى الحجة الفعلية من الاجتهاد أو التقليد بيان الوظيفة بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة فقط. بل مطلقا فيكون وظيفته فعلا تطبيق اللاحق و السابق على طبق ما هو الحجة له فعلا لعدم حجية اجتهاد الوليّ أو تقليده في حقّه.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 354.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 316

[لو شك الوليّ بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه]

نعم لو شك الوليّ بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما و أراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال. لأن الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرّف مال الصبي. نعم لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيا (1).

______________________________

و بالجملة فليس المقام من قبيل تبدّل الموضوع نظير تبدّل الحاضر بالمسافر مثلا حتّى يحكم بصحّة ما مضى في ظرفه، بل من قبيل انكشاف الخطاء أو العثور على حجة أقوى. و مؤدّى الحجة الفعلية مطلق يشمل السابق و اللاحق فيجب الأخذ بها بإطلاقها.

و القول بالإجزاء فيما يرتبط بعمل الغير أو مطلقا بالنسبة إلى الأعمال السابقة الواقعة عن اجتهاد أو تقليد صحيح بنحو الإطلاق أو ما لم يحصل العلم الوجداني بمخالفتها للواقع أو في خصوص ما يجري في تنقيح موضوع التكليف و تحقيق متعلقه كما في الكفاية، بدعوى الإجماع على ذلك أو

سيرة المتشرعة، أو لزوم العسر و الحرج لولاه، أو أن هذا ظاهر أدلّة حجيتها و إرجاع الشارع إليها، أو مقتضى استصحاب حجيتها بالنسبة إلى الأعمال السابقة و إن بقيت موضوعاتها أو غير ذلك مما قيل في المقام مخدوش عندنا.

نعم لو لم يعلم كيفية عمل الغير من الوليّ أو غيره و شك في صحّته حكم بها بمقتضى أصالة الصحة في فعل الغير.

و كذا إذا شك في صحة أعمال نفسه و قد مضى وقتها أو محلّها مع الشك في كيفيتها. و كذا في الخلل الذي لا يضرّ مع الجهل و العذر كما في غير الأركان من الصلاة بمقتضى صحيحة لا تعاد. هذا، و محل البحث في المسألة علم الأصول، فراجع.

(1) أقول: التصرّف في مال الصبيّ في حدّ نفسه محرّم قطعا فكيف يعارضها احتمال الاستحباب بل و احتمال الوجوب أيضا مع عدم وجوب الاحتياط فيه؟!

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 317

[الحال في غير الزكاة مثل إخراج الخمس]

اشارة

و كذا الحال في غير الزكاة- كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبيّ- حيث إنه محلّ للخلاف (1).

______________________________

نعم، يعارضها إذا كان الاحتياط فيه وجوبيا، كما إذا كان طرفا للعلم الإجمالي مثلا، و لكن الظاهر تقدّم احتمال الحرمة لاحتمال الأهمية لو لا القطع بها.

اللّهم إلّا أن يقال: إنه ليس كل تصرّف في ماله محرّما، إذ يجوز قرب ماله بالتي هي أحسن، و تحصيل المصالح و الملاكات الأخروية له من أظهر مصاديق الأحسن، فإذا احتمل وجود الأمر الندبي أو الوجوبي كان الاحتياط فيه واقعا في طريق تحصيل المصالح، و هذا أمر يستحسنه العقل و الشرع فلا يكون محرّما كما في مال نفسه.

هذا مضافا إلى أنه في موارد الاحتياط الوجوبي يكون أداء الزكاة تخليصا لما له من الشركة المانعة

من التصرف و هذا أيضا من أظهر مصالحه، و هكذا في باب الخمس، فتأمّل.

[دليل القولين في المسألة]

(1) في خمس المستمسك تعرّض لدليلي القولين فقال: «لإطلاق النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات، بل قيل: إن تصريحهم باشتراط الكمال في الزكاة و إهمالهم ذلك هنا كالصريح في عدم اشتراطه هنا.

و في رسالة شيخنا الأعظم «ره»: أنه يفهم من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز و المعدن و الغوص بأنها اكتسابات فتدخل تحت الآية، ثم تعميم الوجوب فيها للصبيّ و المجنون ثم دعواهم الإجماع على وجوب الخمس في مطلق الاكتسابات: عدم الفرق بين البالغ و غيره فتفطن.

و لإطلاق ما ورد من أنه ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي ء.» «1»

أقول: الرواية المذكورة أخيرا صحيحة، فراجع الوسائل «2» و لكن في ذيلها:

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 566.

(2)- الوسائل 6/ 54، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 318

..........

______________________________

«فأما الغلّات فعليها الصدقة واجبة.» و الظاهر أن الذيل قرينة على أن المراد بالشي ء المنفيّ هي الزكاة، و لا سيّما مع كثرة وقوع هذا التعبير في أخبارها.

و إسراء حكمها إلى باب الخمس بدعوى كونه بدلا عنها قابل للمناقشة، لعدم الدليل على إطلاق البدلية بحيث يرفع به اليد عن إطلاق أدلّة الوجوب.

كيف؟ و في الزكاة نفسها فرّق بين المال الصامت و الغلّات، و لعلّ وجهه أن الزكاة حيث تتكرر كل سنة فهي في المال الصامت توجب فناء مال الصبيّ، فلذا لم تجب و لا يجري هذا في غلّاته لأنها لا تتكرر فيها، و الخمس أيضا كذلك فإنه لا يجب في مال واحد إلا مرّة واحدة. هذا.

و إطلاق بعض نصوص الباب و فتاوى الأصحاب و عدم

تعرّضهما لاشتراط التكليف مع كونهما في مقام البيان و كون المسألة مبتلى بها يقتضي عدم الاشتراط.

ففي موثقة سماعة قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الخمس فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير.» «1»

و يمكن التمسك أيضا بعموم الآية بناء على شمولها لجميع أنواع الخمس كما هو المستفاد مما وقع في تفسيرها.

وجهة الوضع في بابي الزكاة و الخمس أقوى من جهة التكليف، و لذا يجوز أخذهما من الكافر على القول بكونه مكلفا بالفروع، و كذا إجبار الممتنع على دفعهما بل الأخذ من ماله إن لم يدفع.

و الاعتبار أيضا يساعد على ذلك، إذ قد عرفت أنهما من الضرائب الإسلامية و لا سيما الخمس فإنها حقّ الإمارة. و المتعارف في جميع الحكومات أخذ الضرائب من كل من يستفيد من إمكانيات الحكومة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 319

..........

______________________________

نعم التمسك بالإجماع في المقام بل و كذا في سائر أنواع الخمس بلا وجه بعد عدم كون المسألة معنونة في كتب القدماء من أصحابنا.

و كيف كان فالظاهر ثبوت خمس الأرباح في أرباح الصبي و المجنون فيدفع عنهما وليّهما.

[الكلام حول حديث الرفع]
اشارة

فإن قلت: حديث رفع القلم حاكم على الإطلاقات المذكورة، إذ المستفاد منه استثناء الصبيّ و المجنون عن دفتر التشريع من غير فرق بين التكليف و الوضع فترتفع عنهما الأحكام الشرعية برمّتها.

اللّهم إلّا أن يكون الرفع منافيا للامتنان كما في موارد الضمانات أو ورد فيه نصّ خاصّ كما في التعزيرات.

قلت: لا يخفى أن العمل قد يكون من قبيل الواجبات العبادية المحضة كالصلاة و الصوم و الحج.

و قد يكون من قبيل العباديات المتضمنة للوضع كأداء الزكاة و الخمس.

و قد يكون

من الواجبات غير العبادية كدفن الميت مثلا.

و قد يكون من المندوبات العبادية أو غير العبادية.

و قد يكون من المكروهات. و قد يكون من قبيل التصرفات في مال نفسه إتلافا له أو نقلا كبيعه أو هبته أو إجارته أو رهنه أو إعارته أو عتقه أو وصيّته أو نحو ذلك مما يوجب نقل العين أو المنفعة أو الانتفاع.

و قد يكون إعمالا لسلطته الشرعية كطلاق زوجته أو تصرفا في نفسه كإجارته لنفسه.

و قد يكون من الأمور الموجبة لحصول الملك أو حقّ الاختصاص شرعا كحيازته للمباحات و سبقه إلى الأمكنة المشتركة كالمساجد و المدارس و نحوها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 320

..........

______________________________

و قد يكون من الأعمال المترتب عليها الحدود أو التعزيرات كالزنا و اللواط و السرقة و القذف.

و قد يكون من الأعمال التي يترتب عليها آثار وضعية كإتلاف مال الغير و قتله و جرحه و ضربه، و كجماعه و ملاقاته للنجاسة و قبضه و إقباضه و صيده و ذبحه و نحره.

و قد يكون من قبيل الأقوال المترتب عليها آثار شرعية كإسلامه و إقراره و إجرائه للعقود و الإيقاعات للغير وكالة عنه أو فضولة، و كإذنه في دخول دار الغير و نحو ذلك.

و قد يكون من المحرمات التي يترتب عليها استحقاق المؤاخذة و العقوبة الأخروية إلى غير ذلك من أقسام العمل.

فهل يشمل الحديث بإطلاقه لجميع هذه الأعمال و يكون صدورها من الصبي و المجنون كالعدم نظير البهائم؟

لا يخفى عدم جواز الالتزام بهذا التعميم بسعته إذ الضمانات و كذا الجنابة و النجاسة و الطهارة و نحوها من الوضعيات غير مرفوعة قطعا.

و لو قيل بأن الحديث في مقام الامتنان، و رفع الضمانات خلاف المنّة، أو أن الضمان بحكم العقلاء و المرفوع الشرعيات

المحضة. قلنا فما تقول في مثل الجنابة و النجاسة و الطهارة؟ هذا.

مضافا إلى أن رفع أثر الحيازة و الإحياء و السبق و الحجر بل و رفع المندوبات التي يترتب عليها أجور كثيرة أيضا خلاف المنّة، و هكذا رفع جهة الوضع في الزكاة و الخمس لأن رفعهما خلاف المنّة بالنسبة إلى المستحقين.

[الاحتمالات حول حديث الرفع]

و بالجملة فحديث رفع القلم يحتمل فيه أمور: الأوّل: أن يراد به رفع قلم

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 321

..........

______________________________

التشريع الشامل لجميع الأحكام الشرعية برمّتها من الوضعية و التكليفية الإلزامية و غير الإلزامية، و لعله الظاهر بدوا. و لكن مقتضاه ورود تخصيصات كثيرة للقطع بشمول كثير من الأحكام الوضعية لهما.

الثاني: أن يراد به رفع قلم تشريع الأحكام التكليفية فقط مطلقا.

و فيه- مضافا إلى عدم الدليل على إرادة ذلك- أن رفع المندوبات خلاف الامتنان.

الثالث: أن يراد رفع قلم تشريع الأحكام الإلزامية فقط حفظا لظهوره في الامتنان. و ربما يستظهر هذا الاحتمال و يرتّبون عليه شرعية العبادات الواجبة أيضا و استحبابها للصبيّ المميز فيفككون الإلزام عن أصل الرجحان. بتقريب أن إطلاق أدلّتها يشمل الصبي المميز، و المرفوع بالحديث إلزامها فيبقى أصل الرجحان و الشرعية.

و فيه: أنه ليس مفاد الأمر شيئين حتى يرتفع أحدهما و يبقى الآخر، و إنما التكثر بالتحليل العقلي. و المدلول للأمر معنى بسيط و هو الطلب.

و طلب المولى تمام الموضوع لحكم العقل بالإلزام و استحقاق العقوبة على المخالفة ما لم يرد من ناحية الشرع ترخيص في الترك.

و إن شئت قلت: إن الوجوب ينتزع من الطلب بشرط لا، و الندب من الطلب بشرط الترخيص في الخلاف فمنشأ انتزاع الندب مركب.

الرابع: أن يراد بالقلم المرفوع قلم الملك الموكّل بكتابة السيئات و الأعمال أو الأعمال

و التروك الممنوعة حين ارتكابها كما ربما يشهد بذلك قوله «ع» في خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه «ع»: «فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 30، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 322

..........

______________________________

و في خبر عبد اللّه بن سنان عنه «ع»: «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيئة و عوقب.» «1»

و يمكن أن يقال: إن مآل هذا الاحتمال إلى الاحتمال الثالث، إذ عدم كتابة السيئات حين العمل كاشف عن عدم تشريع الواجبات و المحرّمات عليه في مرحلة التشريع.

الخامس: أن يراد بالقلم المرفوع قلم استحقاق المؤاخذة و العقوبة دنيوية كانت أو أخروية. و يمكن أن يقال برجوع هذا أيضا إلى الثالث.

إلّا أن يقال: لا مانع من ثبوت ملاكات الأحكام و تشريعها و يكشف عن ذلك إطلاقات الأدلّة و لكن المؤاخذة رفعت إرفاقا فلا يوجب هذا تخصيصا في الأدلة.

السادس: أن يراد به خصوص قلم السياسة الشرعية الدنيوية أعني رفع الحدود و التعزيرات و القصاص. و قد قوّى هذا الاحتمال الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- فيما كتبناه من تقريرات بحثه الشريف مستشهدا لذلك بتطبيق الحديث على هذه الموارد، فراجع الوسائل. «2»

و فيه: أن التطبيق على بعض الموارد لا يقتضي الاختصاص بها.

[المتيقن من الحديث هو رفع المؤاخذة]

إذا عرفت الاحتمالات فنقول: حمل الحديث على رفع جميع الأحكام الشرعية يوجب ورود تخصيص كثير عليه. و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال إذ يجب الأخذ بالقدر المتيقن.

و الظاهر أن المتيقن منه بملاحظة الموارد المنطبق عليها رفع المؤاخذة دنيوية كانت أو أخروية، كما يشهد بذلك تطبيقه على التكاليف الإلزامية و على الحدود و القصاص:

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 431، الباب 44

من كتاب الوصايا، الحديث 12.

(2)- راجع الوسائل 18/ 316، الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود؛ و 19/ 66، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 323

..........

______________________________

1- ففي موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: «إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم. و الجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم.» «1»

2- و في خبر أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ «ع» أنه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبيّ الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ، تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم.» «2»

3- و في خبر حماد بن عيسى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ «ع»، قال: «لا حدّ على مجنون حتّى يفيق، و لا على صبيّ حتّى يدرك، و لا على النائم حتّى يستيقظ.» «3»

4- و عن إرشاد المفيد، قال: روت العامّة و الخاصّة: أن مجنونة فجر بها رجل و قامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها الحدّ، فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين «ع» فقال:

ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: إن رجلا فجر بها فهرب و قامت البينة عليها فأمر عمر بجلدها، فقال لهم: ردّوها إليه و قولوا له: أما علمت أن هذه مجنونة آل فلان و أن النبي «ص» قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق، و أنها مغلوبة على عقلها و نفسها، فردّوها إليه فدرأ عنها الحدّ. «4»

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 32، الباب 4 من أبواب

مقدمة العبادات، الحديث 12.

(2)- الوسائل 19/ 66، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 316، الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 316، الباب 8 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 324

..........

______________________________

5- و في خبر زرارة قال: سألت أبا جعفر «ع» عن المستضعف فقال: «هو الذي لا يهتدي حيلة إلى الكفر فيكفر و لا يهتدي سبيلا إلى الإيمان، لا يستطيع أن يؤمن و لا يستطيع أن يكفر، فهم الصبيان، و من كان من الرجال و النساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم.» «1»

6- و عن كتاب فضائل الأشهر الثلاثة بسنده عن الرضا «ع» عن رسول اللّه «ص» في حديث: «و إن الصائم لا يجرى عليه القلم حتى يفطر ما لم يأت بشي ء ينقض. و إن الحاج لا يجري عليه القلم حتّى يرجع ما لم يأت بشي ء يبطل حجه. و إن النائم لا يجري عليه القلم حتى ينتبه ما لم يكن بات على حرام. و إن الصبي لا يجري عليه القلم حتى يبلغ. و إن المجاهد في سبيل اللّه لا يجري عليه القلم حتّى يعود إلى منزله ما لم يأت بشي ء يبطل جهاده. و إن المجنون لا يجري عليه القلم حتّى يفيق، و إن المريض لا يجري عليه القلم حتّى يصح.» «2»

و الظاهر أن المراد بالقلم المرفوع في هذه الرواية قلم الملك الموكّل بكتابة السيئات لا قلم التشريع كما لا يخفى.

و جعل النائم في الحديث رديفا للصبيّ و المجنون مما يشهد على كون المرفوع خصوص المؤاخذة و العقوبة. و على هذا فلا دليل على شموله للأحكام الوضعية و منها جهة الوضع من الخمس

و الزكاة. هذا مضافا إلى أن رفعهما خلاف المنّة على المستحقين كما عرفت.

______________________________

(1)- الكافى 2/ 404، كتاب الإيمان و الكفر، باب المستضعف، الحديث 1.

(2)- بحار الأنوار 94/ 81 (- طبعة إيران 97/ 81)، كتاب الصوم، الباب 56 (باب فضائل شهر شعبان)، الحديث 49.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 325

[حكم سائر التصرفات في مال الصبيّ]

و كذا في سائر التصرفات في ماله (1). و المسألة محلّ إشكال مع أنها سيّالة.

______________________________

اللّهم إلّا أن يقال: إن المتحصل من مجموع أخبار باب الزكاة عدم وجوبها في مال اليتيم أصلا و إن استحبت في بعض أمواله فلعلّ المنساق من ذلك عدم وجوب الخمس أيضا لكونهما في أكثر الأبواب على مساق واحد، و الأصحاب يسوّون بينهما، فتدبّر.

(1) يمكن أن يقال كما مرّ: إن الممنوع شرعا هو التصرف في نفس الصبي و المجنون و مالهما بما يعدّ قبيحا عقلا أو شرعا نظير الإسراف و التبذير. و أما ما يستحسنه الشرع أو العقل كصرف المال في موارد الاحتياط و لو مستحبا أو في حفظ وجاهتهما الاجتماعية كالصرف في ضيوفهما المتعارفة أو المصالح العامّة التي يتعاون فيها المجتمع و يترقّب من كل أحد الإعانة فيها بقدر سعته و موقعيته و نحو ذلك مما يعدّ صرفا في التي هي أحسن فلا دليل حينئذ على عدم جوازه.

و بالجملة فالوليّ عليهما يعدّ عقلا منفصلا لهما فكما يصرف هو من مال نفسه في الأمور التي يستحسنها الشرع أو العقل و ينتظر منه ذلك فكذلك يجوز له أن يصرف من مالهما أيضا في هذا السنخ من الأمور التي ينتظر منهما.

و الشبهة في أمثال ذلك تعدّ وسواسا لا يرضى به العقل و الشرع، و من هذا القبيل أيضا تحريض الصبيّ بل و إجباره على إتيان

الصلاة و الصيام و الحج و الزيارات و نحوها من شعائر الشرع المبين ليأنس بها و يتعوّدها، مع أن التصرّف في نفس الصبي كالتصرف في ماله، فتأمّل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 326

[الثانية إذا علم بتعلق الزكاة بماله و شكّ في أنه أخرجها أم لا]

اشارة

الثانية إذا علم بتعلق الزكاة بماله و شكّ في أنه أخرجها أم لا، وجب عليه الإخراج للاستصحاب (1). إلّا إذا كان الشك بالنسبة إلى السنين الماضية فإن الظاهر جريان قاعدة الشك بعد الوقت أو بعد تجاوز المحلّ (2). هذا.

[إذا شكّ في الإخراج يجب الإخراج]

______________________________

(1) العلم بالاشتغال يقتضي تحصيل البراءة اليقينية و لا يكفي فيه احتمال الامتثال، إما لأن العقل يحكم بوجوب ذلك و أن حكمه بنفسه باق بعد احتمال الامتثال أيضا كما يظهر من كلمات الشيخ الأعظم «ره» أو لاستصحاب التكليف المعلوم كما هو مختار صاحب الكفاية و يظهر من المصنف أيضا. هذا مع بقاء العين.

و أما مع عدم بقائها و احتمال الأداء منها أو من غيرها فربّما يتوهم عدم الوجوب بتقريب أن الحقّ بعد تلفها لو ثبت انتقل إلى الذمّة، و الأصل يقتضي عدم اشتغالها.

و لكن الظاهر أن اشتغال الذمّة مسبب عن بقاء التكليف الأول و الشك فيه مسبب عن الشك فيه فلا محيص عن إجراء الأصل في السبب و مقتضاه بقاء التكليف بأداء زكاة العين، و لا ينحصر امتثال ذلك في الأداء من نفس العين، فتأمّل.

(2) إذا شك بالنسبة إلى السنين الماضية فهل يجري فيها قاعدة الحيلولة أعني الشك بعد الوقت أو قاعدة التجاوز عن المحلّ كما في المتن؟

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 327

..........

______________________________

قد يقال: نعم، بتقريب أن وقت إخراج ما عليه في كل سنة هو هذه السنة لعدم جواز التأخير منها بما يعدّ تسامحا، و لو سلم فلا يجوز أكثر من أربعة أشهر كما مرّ.

و قد أورد على ما ذكر من التقريب أوّلا: بأن القاعدتين وردتا في باب الصلاة فيشكل إسراؤهما إلى غيرها:

ففي صحيحة زرارة و الفضيل عن أبي جعفر «ع» قال: «متى استيقنت أو

شككت في وقت فريضة أنك لم تصلّها أو في وقت فوتها أنك لم تصلّها صلّيتها. و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتى تستيقن. فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت.» «1»

و في صحيحة إسماعيل بن جابر، قال: قال أبو جعفر «ع»: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض. كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه.» «2»

و في صحيحة زرارة قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة؟ قال: يمضي: قلت: رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبّر؟

قال: يمضي، (إلى أن قال): «يا زرارة، إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء.» «3»

و ثانيا: أن قاعدة الحيلولة موردها كون الواجب مقيّدا بالوقت كالصلوات اليومية مثلا، و قاعدة التجاوز موردها الواجب الذي له أجزاء مترتبة شرعا فشك في بعضها بعد الدخول في اللاحق. و ليست الزكاة كذلك لعدم تقيدها بالوقت

______________________________

(1)- الوسائل 3/ 205، الباب 60 من أبواب المواقيت، الحديث 1.

(2)- الوسائل 4/ 937، الباب 13 من أبواب الركوع، الحديث 4.

(3)- الوسائل 5/ 336، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 328

..........

______________________________

بحيث تصير قضاء بانقضائه، و عدم كونها ذات أجزاء مترتبة.

و مجرّد وجوب الأداء فورا لا يقتضي التوقيت شرعا بحيث يكون الوقت قيدا في الواجب، فالمقام نظير صلاة الآيات للزلزلة و أداء دين الغير مع مطالبته و قدرة المديون. نعم يمكن القول بكون زكاة الفطرة موقتة بغروب ليلة العيد

إلى زوال يومه.

و ثالثا: أنه لو كان وجوب الأداء فورا مع التأخير عملا كافيا في الحكم بعدم الوجوب جرى هذا في زكاة السنة الأخيرة أيضا في بعض صورها كما لا يخفي. هذا.

و لكن في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- بعد الإشكال في إجراء القاعدتين قال: «نعم لو كانت عادته إخراجها أول حلولها مثلا و شك في أنه أخرجها فيه أو سها عنها لم يبعد الحكم بالمضيّ على إشكال فيه أيضا.»

أقول: يمكن أن يقال: إن المستفاد من قوله «ع» في الصحيحة الأولى:

«و قد دخل حائل.» و ما في ذيل الصحيحتين الأخيرتين من ذكر قاعدة كلّية، عدم كون الصحاح المذكورة في مقام إعمال التعبّد المحض، بل التعليل بما يحكم به العقلاء و استقرت عليه سيرتهم في جميع أعمالهم من عدم الاعتناء بالشك بعد مضيّ الزمان العادي للعمل. حيث إن الإنسان محل النسيان و لا يحتفظ غالبا أعماله الماضية فترتيب الأثر على الشك فيها و الإلزام بإتيانها يوجب العسر و الحرج بل اختلال النظام أيضا في بعض الأحيان.

و الحاكم بوجوب الإطاعة و مواردها و أنحائها هو العقل و العقلاء، و هم لا يلتزمون في مثل هذه الموارد بلزوم الإطاعة بالنسبة إلى ما مضى، و لا يفرّقون في ذلك بين مضيّ الوقت الشرعي أو الوقت العادي، بل الملاك عندهم الفصل الزماني و لا سيما الطويل منه، و لا سيما بالنسبة إلى من استقرت عادته على الإتيان بالعمل في وقته العاديّ، و لا سيما مع كون التأخير حراما و معصية

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 329

..........

______________________________

كما في صلاة الزلزلة و كما في المقام. و لا فرق فيما ذكر بين باب الصلاة و غيرها، إذا المورد لا

يخصّص.

و المقصود من التجاوز أو الخروج من الشي ء في الصحيحتين بقرينة ما فيهما من الأمثلة هو الشكّ في أصل إتيان الفعل لا في صحّته، و لا أقلّ من التعميم لهما.

و الظاهر أنه لا موضوعية للدخول في الغير. بل الملاك صدق التجاوز عن الشي ء يعني عن محلّه، و الدخول في الغير محقق له أو أمارة عليه.

كما ربما يشهد لذلك قوله «ع» في الخبر الموثق سندا- على الظاهر- عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء. إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه.» «1»

حيث حصر فيه الشك الذي يعتنى به في الشك في شي ء لم تجزه.

فالملاك صدق الجواز منه و عدم الجواز. و لعله يكفي في صدقه الدخول فيما يتأخر عنه عادة، فيصدق الجواز عرفا على أعمال السنين الماضية.

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «إذا شك الرجل بعد ما صلّى فلم يدرأ ثلاثا صلّى أم أربعا و كان يقينه حين انصرف أنه كان قد أتمّ لم يعد الصلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك.» «2»

و لعل المستفاد منها عدم الاعتبار بالشك بعد البعد الزماني الطويل، فتأمّل.

و في صحيحة أخرى له عن أبي جعفر «ع» قال: «كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو.» «3» و ظهورها في عدم اعتبار الشك فيما مضى قويّ إلّا أن يناقش

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 331، الباب 42 من أبواب الوضوء، الحديث 2.

(2)- الوسائل 5/ 343، الباب 27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 5/ 336، الباب 23 من أبواب الخلل

الواقع في الصلاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 330

[لو شك في أنه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحبّ إخراجها]

و لو شك في أنه أخرج الزكاة عن مال الصبيّ في مورد يستحبّ إخراجها كمال التجارة له بعد العلم بتعلّقها به، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب لأنه دليل شرعى، و المفروض أن المناط فيه شكّه و يقينه لأنه المكلف (1)، لا شكّ الصبيّ و يقينه. و بعبارة أخرى ليس نائبا عنه.

______________________________

فيها بأن موردها الشك في صحة ما مضى بعد العلم بتحققه بقرينة قوله:

«فامضه كما هو» بناء على قراءته بباب الإفعال.

و تجري هذه المناقشة أيضا في موثقة بكير بن أعين، قال: قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال: «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك.» لوضوح أن موردها الشك في الصحة أو في إتيان بعض أجزاء العمل بعد الفراغ منه فلا ترتبط بالمقام.

و كيف كان فالظاهر كما مرّ استقرار سيرة العقلاء على عدم الاعتناء بالشك مع الفصل الزماني الطويل، و لا سيما مع وجوب الفورية و كون التأخير معصية كما في المقام، و لا سيما مع تحقق العادة على الإطاعة إذ الترك حينئذ مستند إلى السهو، و الأصل يقتضي عدمه و هو الملاك لحجية قاعدة التجاوز أيضا كما لا يخفي. هذا.

و لكن الأحوط الاقتصار على صورة الوثوق بالإتيان و لو نشأ من العادة فإنه علم عاديّ يعتمد عليه العقلاء في أمورهم.

(1) فالملاك قيام الحجة عنده على عدم الإخراج، فكما أنه لو قامت عنده البيّنة جاز له الاعتماد عليها فكذلك إذا تحقق عنده ركنا الاستصحاب. و الظاهر أنه لا يتوقف هذا على عدم كونه نائبا عن الصبيّ. بل قد عرفت منا الإشكال في ذلك و أن المال الصبي و المصلحة عائدة إليه فيكون الوليّ نائبا عنه

من قبل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 331

..........

______________________________

الشارع، و لكن حيث إن العمل مفوّض إليه وجب أن يعمل على وفق إحرازه.

و بذلك صرّح في المستمسك أيضا. «1»

و نظيره الوكيل المطلق حيث يعمل على طبق تشخيص نفسه، و لكن ليس معنى ذلك عدم الاعتبار ليقين الموكل و شكّه أصلا. فلو فرض يقين الموكل بإخراج الوكيل زكاة ماله لم يكن الوكيل مخالفته و العمل على وفق تشخيص نفسه لأنه فرعه.

و على هذا ففي المقام أيضا إذا فرض كون الصبيّ مميزا بحيث تصحّ صدقته كان يقينه بالإخراج مانعا من عمل الوليّ بالاستصحاب.

بل قد عرفت أن الأحوط حينئذ تصدّي نفسه لأداء الزكاة و لكن تحت نظر الوليّ، فراجع ما حرّرناه في المسألة الأولى من هذا الختام.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 356.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 332

[الثالثة إذا باع الزرع أو الثمر و شك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب أو قبله]

الثالثة إذا باع الزرع أو الثمر و شك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب حتى تكون الزكاة عليه أو قبله حتى تكون على المشتري ليس عليه شي ء (1)، إلّا إذا كان زمان التعلق معلوما و زمان البيع مجهولا، فإن الأحوط حينئذ الإخراج.

______________________________

(1) لأصالة البراءة، و للاستصحاب في بعض الصور، و لا محالة إن جرى هو يكون حاكما عليها و إن وافقها كما لا يخفى.

و ملخّص الكلام أن الحادثين كالبيع و التعلق في المقام إما أن يكونا معلومي التأريخ أو مجهولى التأريخ أو مختلفين. لا إشكال في المعلومين.

و أما المجهولان فقد يقال بعدم جريان الاستصحاب فيهما لعدم إحراز اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن لاحتمال تخلل الضدّ المعلوم إجمالا بينهما فيكون من الشبهات المصداقية لقاعدة الاستصحاب.

و لكنه مدفوع باتصالهما وجدانا، إذ متعلق اليقين و الشك هو الصورة الذهنية لا الخارج و هما كيفيتان نفسيتان

حاضرتان للنفس لا يشكّ الإنسان فيهما.

و احتمال تخلّل الضدّ المعلوم إجمالا بخارجيته لا يضرّ بل هو المنشأ للشكّ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 333

على إشكال في وجوبه (1)، و كذا الحال بالنسبة إلى المشتري

______________________________

فيجري استصحاب عدم كل منهما إلى زمان وجود الآخر. و لا محالة يتعارضان و يرجع بالأخرة إلى أصالة البراءة. نعم لو فرض عدم الأثر في أحد الطرفين أو كونه مثبتا لم يجر.

هذا إذا كان المال بعد انتقاله إلى المشتري خارجا عن ابتلاء البائع بالكلية.

و أما إذا كان محلا لابتلائه بالأكل أو الشراء أو نحو ذلك فمقتضى العلم الإجمالي بوجوب الزكاة عليه أو حرمة تصرّفه في المال بعد انتقاله إلى المشتري بالشراء و نحوه وجوب الاحتياط كما لا يخفى. نظير ما قلناه في مسألة الجنابة الدائرة بين شخصين.

و لا يجري هذا الإشكال في الفرع التالي، إذ الاستصحاب بعد جريانه يوجب انحلال العلم الإجمالي حكما. هذا كله في مجهولي التأريخ.

و أما المختلفان فإما أن يكون زمان البيع معلوما و زمان التعلق مجهولا أو بالعكس.

فعلى الأوّل يجري استصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع المعلوم، و مقتضاه عدم وجوبها على البائع، و لا مجال لأصالة البراءة لحكومته عليها و إن وافقها.

و أمّا على الثاني فيستصحب عدم البيع إلى زمان التعلق المعلوم.

و إن شئت قلت: يستصحب ملكية البائع إلى زمان التعلق المعلوم، و مقتضاه تعلّقها به و وجوبها عليه. فهذا هو الوجه لاحتياط المصنف بالإخراج في هذه الصورة. و لعلّه الأقوى كما قوّاه كثير من المحشين.

(1) إما لأن الوجوب عليه مترتّب على كون التعلق في زمان ملكيته له، و استصحاب القيد أعني الملكية لا يثبت المقيد.

أو لأن استصحاب عدم البيع إلى زمان التعلق معارض باستصحاب عدم

التعلق إلى زمان البيع، فإن التعلق و إن كان زمانه معلوما بالقياس إلى عمود الزمان، و لكنه

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 334

..........

______________________________

بالقياس إلى زمان البيع مجهول فيستصحب عدمه.

أو لأن الغرض من استصحاب الملكية إلى زمان التعلق إن كان إثبات حق الزكاة في المبيع لإبطال البيع بالنسبة إليه، ففيه أنه خلاف أصالة الصحّة في البيع، و هي مقدّمة على غيرها من الأصول الموضوعية.

و إن كان إثبات ضمان البائع لحقّ الزكاة، ففيه أنه مثبت إذ الضمان يتوقف على تحقق عنوان وجودي من الإتلاف أو الحيلولة مثلا فلا يثبت باستصحاب الملكية. هذا.

و لكن يمكن أن يورد على الوجه الأوّل بأن الملك موضوع و تعلّق الزكاة حكم شرعي له فيجري الاستصحاب في الموضوع لترتيب حكمه عليه.

و أورد على الوجه الثاني بأن زمان البيع إن لوحظ ظرفا لعدم التعلق المعلوم، ففيه أنه عبارة أخرى عن لحاظ العدم مضافا إلى أجزاء الزمان، و المفروض أنه معلوم من هذه الجهة لا شكّ فيه.

و إن لوحظ قيدا له بحيث يكون العدم المقيد موضوعا للأثر، ففيه أنه لم يكن للعدم المقيد حالة سابقة حتّى تستصحب، بل اللازم حينئذ استصحاب عدم هذا العدم المقيّد.

و إن شئت قلت: إن مفاد دليل الاستصحاب إطالة عمر اليقين و إبقاء ما كان في الزمان المشكوك فيه لا مقارنة شي ء معلوم الوقت لشي ء آخر، فتأمّل.

و أورد على الوجه الثالث كما في المستمسك «1» بأنه لو كان السبب في الضمان بيع موضوع الحق أمكن إثبات الضمان بالأصل المذكور لأن السبب المذكور يثبت بعضه بالأصل و بعضه بالوجدان، فتأمّل.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 357.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 335

إذا شك في ذلك فإنه لا يجب عليه شي ء إلا إذا علم زمان

البيع و شكّ في تقدم التعلّق و تأخّره، فإن الأحوط حينئذ إخراجه (1) على إشكال في وجوبه.

______________________________

(1) ما مرّ كان في مقام بيان وظيفة البائع مع الشك.

و أما المشتري فتارة يلاحظ حاله و شكه بالقياس إلى التعلق بنفسه مع قطع النظر عن البائع و أنه شاكّ أو عالم بالتعلق بنفسه أو بالمشتري و أنه بان على الأداء من هذا المال أو من مال آخر أو غير بان عليه. و أخرى يلاحظ حاله بالقياس إلى البائع أيضا:

ففي الصورة الأولى أعني حاله بالقياس إلى نفسه من حيث اليقين و الشك يتصور فيه أيضا ما مرّ من الشقوق: فحكم المعلومين واضح.

و في مجهولي التأريخ تجري البراءة بعد تعارض الاستصحابين كما مر.

و في المعلوم زمان التعلّق فقط يستصحب ملكية البائع أو عدم البيع إلى زمان التعلق المعلوم. و مقتضاه عدم التعلق بالمشتري بل بالبائع. و الاستصحاب حاكم على أصالة البراءة و إن وافقها كما مرّ.

و في المعلوم زمان البيع فقط يجري استصحاب عدم التعلق إلى زمان البيع المعلوم، و لكنه ليس بنفسه موضوعا لوجوب الزكاة على المشتري، بل الموضوع له كون التعلق في ملك المشتري، و إثباته باستصحاب العدم المذكور تعويل على الأصل المثبت.

و على هذا فاحتياط المصنف هنا بنحو الوجوب بالقياس إلى حال المشتري محلّ المناقشة.

هذا حكم المشتري بالقياس إلى تعلق الزكاة بنفسه.

و أما من حيث ملاحظته و لو مع البائع فإن علم بأن البائع أخرج زكاة هذا المال

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 336

..........

______________________________

أو يخرجه لعلمه بتعلقها به أو للاحتياط فلا إشكال. و كذا إن احتمل إخراجه لها مع علمه بالتعلق لأصالة الصحة في بيعه حينئذ. و إلّا فالمشتري يقطع بوجوب إخراج الزكاة من هذا المال

إما لأجل تعلقها بالبائع أو بنفسه فيجب عليه إخراجها.

و للحاكم أو الساعي أيضا الرجوع إليه بل و إخراجها منه مع امتناعه.

و ليس له الرجوع إلى البائع بعد الإخراج، إذ المفروض عدم علمه بتعلقها بالبائع. و لأصالة الصحة في بيعه، فتأمّل.

و هل له فسخ المعاملة الكذائية مع الجهل لتضرره بها؟ و جهان. و على فرض الجواز فلو فسخها و رجع المال إلى البائع وجبت عليه زكاتها للقطع بتعلقها به عنده أو عند المشتري، فتدبّر. و المصنف لم يتعرض لما يقتضيه وظيفة المشتري بالقياس إلى البائع.

ثم لا يخفى أن شمول نصوص زكاة الغلات لمن انتقلت إليه على أصولها بالشراء و نحوه و لا سيما قبل زمان التعلق بمدة قصيرة بحيث لا تحتاج إلى السقي أصلا لا يخلو من إشكال، إذ المستفاد من تفصيل النصوص و الفتاوى بين ما سقي سيحا أو بالدلاء كون المخاطب بهذه الزكاة الزرّاع و المالكين للأشجار المتصدين لزرعها و سقيها فإن المنتقل إليه قبل وقت التعلق لا يتفاوت بحاله كيفية سقيها، إذ لا تحتاج إلى السقي بعد الشراء و نحوه. فحال المشتري هنا حال من اشترى الأنعام أو النقدين قبيل انقضاء الشهر الحادي عشر مثلا، حيث لا زكاة فيها حينئذ لا على البائع و لا على المشتري.

اللّهم إلّا أن يثبت الحكم بالإجماع، و لكن دون إثباته خرط القتاد لعدم كون المسألة معنونة في كتب القدماء من أصحابنا و المسألة من المسائل التفريعية.

إلّا أن يقال إن سيرة النبي «ص» و الخلفاء قد استقرت على مطالبة الزكوات

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 337

..........

______________________________

من الغلات من غير استفسار أن المالك لها ملكها بالزراعة أو بالشراء و نحوه.

و عليك بمراجعة المسألة في المجلد الأول من زكاتنا.

«1»

و لعلّه إلى هذا الإشكال ينظر الأستاذ الإمام- طاب ثراه- في حاشية له في أوائل زكاة الغلات عند قول المصنف: «أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلّق الزكاة»، قال: «على الأقوى فيما إذا نمت مع ذلك في ملكه و على الأحوط في غيره.»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 343 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 338

[الرابعة إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته]

الرابعة إذا مات المالك بعد تعلّق الزكاة وجب الإخراج من تركته (1).

و إن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة (2)، و إذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلّق أو بعده لم يجب الإخراج

______________________________

(1) في المستمسك: «بلا إشكال لأنها إن كانت في ذمّة الميت كانت كسائر الديون المقدمّة على الوصايا و المواريث. و إن كانت في العين فالموت لا يسقطها فإنه لا وجه له.» «1»

أقول: و لو لم تف التركة بجميع ديون الميت فإن كانت العين الزكوية باقية تقدم الزكاة لتعلقها بالعين. و إن لم تكن باقية فالظاهر التقسيط بالنسبة. و احتمال تقدم سائر الديون عليها لكونها من حقوق الناس ضعيف.

(2) مع استجماع سائر الشرائط، و وجهه واضح. و لكن ما مرّ في المسألة السابقة من الإشكال في شمول النصوص و الفتاوى لما انتقل إليه على أصولها قبل التعلق بمدة قليلة يأتي هنا أيضا.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 358.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 339

من تركته و لا على الورثة (1) إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب، إلّا مع العلم بزمان التعلّق و الشك في زمان الموت، فإن الأحوط حينئذ الإخراج (2) على الإشكال المتقدم. و أما إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم،

______________________________

(1) أمّا على

الورثة فواضح مع فرض عدم بلوغ نصيب واحد منهم النصاب.

و أما عدم وجوب الإخراج من تركته فلأنه في مجهولي التأريخ يسقط الاستصحابان فيرجع إلى أصل البراءة. و في صورة العلم بزمان الموت و الجهل بزمان التعلق يستصحب عدم التعلق إلى زمان الموت المعلوم.

(2) لاستصحاب حياة المالك و عدم موته و بقاء المال على ملكه إلى زمان التعلق المعلوم فيقع التعلق في ملكه. و لا يعارضه استصحاب عدم التعلق إلى زمان الموت لما مرّ من عدم جريانه في معلوم التأريخ.

فهذا وجه احتياط المصنف في هذه الصورة بالإخراج، و لعلّه الأقوى كما مرّ في المسألة السابقة. هذا.

و في حاشية بعض الأعاظم في المقام أن قاعدة اليد في هذه الصورة تقضى بكون جميع المال للميت و لا أثر معها للاستصحاب.

أقول: اليد أمارة للملكية في موارد الشك فيها، و أماريّتها في المقام إنما تصحّ مع احتمال التفات الميت في زمان حياته بتعلق الزكاة بما له و أدائه لها.

و أما مع العلم بعدم التفاته إلى ذلك ما دام حيّا أو عدم أدائه لها و إنما وقع الالتفات و الشك في التقدم و التأخر للوارث فلا أمارية لها حينئذ.

و الظاهر أن مورد البحث في المسألة صورة العلم بعدم أداء الميت للزكاة بل و عدم التفاته إليها، فتأمّل.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 340

للعلم الإجمالي بالتعلّق به (1) إما بتكليف الميت في حياته أو بتكليفه هو بعد موت مورّثه بشرط أن يكون بالغا عاقلا، و إلّا فلا يجب عليه لعدم العلم الإجمالي بالتعلّق حينئذ.

______________________________

(1) بل للعلم التفصيلي به المتولد من العلم الإجمالي.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 341

[الخامسة: إذا علم أن مورّثه كان مكلفا بإخراج الزكاة و شكّ في أنه أدّاها أم لا]

الخامسة إذا علم أن مورّثه كان مكلفا بإخراج الزكاة و شكّ في أنه أدّاها

أم لا، ففي وجوب إخراجه من تركته- لاستصحاب بقاء تكليفه- أو عدم وجوبه- للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، و استصحاب بقاء تكليف الميّت لا ينفع في تكليف الوارث- و جهان:

أوجههما الثاني، لأن تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت حتى يتعلق الحق بتركته. و ثبوته فرع شك الميت و إجرائه الاستصحاب لا شك الوارث. و حال الميّت غير معلوم أنه متيقن بأحد الطرفين أو شاكّ.

و فرق بين ما نحن فيه و ما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقا- و هو نائم- و شك في أنه طهّرهما أم لا. حيث إن مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة- مع أن حال النائم غير معلوم أنه شاكّ أو متيقن-، إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 342

بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم، بل يقال: إن يده كانت نجسة، و الأصل بقاء نجاستها، فيجب الاجتناب عنها بخلاف المقام، حيث إن وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت و اشتغال ذمّته بالنسبة إليه من حيث هو.

نعم لو كان المال الذي تعلّق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال:

الأصل بقاء الزكاة فيه.

ففرق بين صورة الشك في تعلّق الزكاة بذمّته و عدمه، و الشك في أن هذا المال الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا. هذا كلّه إذا كان الشك في مورد لو كان حيّا و كان شاكّا وجب عليه الإخراج.

و أما إذا كان الشك بالنسبة إلي الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها- مما يجري فيه قاعدة التجاوز و المضيّ، و حمل فعله على الصحّة- فلا إشكال (1).

و كذا الحال إذا علم اشتغاله بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك.

______________________________

(1)

إذا علم بتعلّق الزكاة بمورّثه و شكّ في أنه أدّاها أم لا فإما أن يكون الشك في زكاة السنوات السابقة، و إما أن يكون في زكاة السنة الأخيرة التي مات فيها.

و على الفرضين فإما أن تكون العين الزكوية باقية أولا. و على الثاني فإما أن يعلم أنه لم يؤدّها حين وجود العين و إنما الشك في أدائها بعد تلف العين، و إما أن يشك في ذلك أيضا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 343

..........

______________________________

و على الفرضين فإما أن يعلم أن تلفها كان بلا تعدّ و تأخير بحيث لو كان فيها زكاة لم يضمنها.

و إما أن يعلم أن التلف كان بالإتلاف أو التلف الموجب للضمان على فرض بقاء الزكاة فيها.

و إما أن يشك في ذلك و لا يعلم أنه على أيّ النحوين كان ذلك.

إذا عرفت هذا فنقول: أما إذا كان الشك في زكاة السنوات السابقة فسيأتي البحث فيها.

و أما إذا كان في زكاة السنة الأخيرة فإن كانت العين الزكوية باقية فالظاهر وجوب أداء زكاتها بمقتضى الاستصحاب، إذ المفروض هو العلم بثبوت حق الزكاة في هذا المال و الشك في إخراجها. اللّهم إلّا أن يجري ما يأتي من حمل عمل المورّث على الصحة في المقام أيضا.

و أما مع تلف العين فإن علم بأنه لم يستتبع ضمان المالك بأن تلفت بعد التعلق فورا من دون تسامح منه فلا إشكال في عدم وجوب الأداء حينئذ للقطع بعدم وجوبه على نفس الميت.

و أما إن علم بأنه استتبع ضمان المالك قطعا لعدم أدائها تسامحا مع إمكانه حتى أتلفها أو تلفت و احتملنا أداءها بعد التلف فاشتغال ذمّة الميت بالزكاة معلومة و أداؤها مشكوك فيه فيستصحب اشتغال ذمّته كسائر الديون المعلومة، إذا شك

في أدائها فيجب أداؤها، إذ التكليف فعلا متوجه إلى الوارث فيكون الملاك يقين نفسه و شكه. فكما أنه لو كان متيقنا باشتغال ذمّة الميت وجب عليه إبراؤها بالأداء فكذلك إذا شك فيه بعد ما كان متيقنا به بمقتضى دليل الاستصحاب لكونه ذا أثر بالنسبة إليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 344

..........

______________________________

و إشكال المصنف بأن تكليف الوارث فرع تكليف الميت و تكليفه فرع يقينه و شكه.

مدفوع- كما في المستمسك- بأن تكليف الميت واقعا إنما يتفرع على اجتماع شرائطه لا على يقينه و شكه، بل الذي يتفرع عليهما هو التنجز بواسطة الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال و المقصود هنا استصحاب الوارث لا استصحاب الميت.

نعم لو كان الميت يريد الاستصحاب كان الملاك يقين نفسه و شكّه.

و بالجملة فالكلام في استصحاب الوارث لإثبات ما هو الموضوع لتكليف نفسه أعني التكليف الواقعي للمورث، فلا فرق بين المقام و بين نجاسة يد النائم التي مثّل بها المصنف.

و الظاهر أن المصنّف أيضا التفت إلى عدم صحّة ما ذكره هنا فقال في المسألة الأولى من فصل الوصية بالحج «نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقا و لم يعلم أنه أتى به أولا فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل.

و دعوى أن ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكّه لا شك الوصيّ أو الوارث، و لا يعلم أنه كان شاكا حين موته أو عالما بأحد الأمرين مدفوعة بمنع اعتبار شكّه، بل يكفي شكّ الوصيّ أو الوارث أيضا.» «1»

هذا كله في صورة بقاء العين الزكوية، أو تلفها مع العلم بكون التلف مستتبعا للضمان.

و أما إذا كانت العين تالفة و لم يعلم كونه مستتبعا للضمان بأن

احتمل الأداء حين بقاء العين أو وقوع التلف قهرا بعد التعلّق من دون تفريط و تسامح في

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 522.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 345

..........

______________________________

الأداء فقد يقال بعدم المجال للاستصحاب. إذ التكليف بأداء الزكاة و إن توجه إلى المالك في بادي الأمر قطعا و لكنه كان حكما تكليفيا متعلقا بأداء زكاة العين منها أو من مال آخر و لم تكن ذمّته مشغولة بشي ء إذ الزكاة تتعلق بالعين.

و بعد التلف ما هو الموضوع و هو العين غير باقية، و الانتقال إلى الذمّة أيضا مشكوك فيه، و إثباته باستصحاب التكليف بالأداء تعويل على الأصل المثبت.

نعم في صورة الإتلاف يمكن أن يقال: بأن الضمان يثبت بالإتلاف المحرز بالوجدان بضميمة عدم الإخراج المحرز بالاستصحاب، كما هو الحال في جميع الموضوعات المركبة.

هذا محصّل ما يستفاد من المستمسك في المقام «1»

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- عند قول المصنف:

«لأن تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت» قال: «بل لأنه لا علم للوارث بحدوث اشتغال المورّث حين تلف النصاب ببدل الزكاة حتّى يستصحب. و لو فرض علمه بذلك و أن تلفه كان على وجه يضمنها كان شكّه في بقائه كافيا في استصحابه.»

و في حاشية الأستاذ الإمام- طاب ثراه- عند قول المصنف: «أوجههما الثاني» قال: «هذا مع الشك في اشتغال ذمّة الميت ببدل الزكاة حين تلفها، و استصحاب عدم الإتيان إلى حين التلف لا يثبت الضمان. و أما مع العلم باشتغال ذمته به فالأوجه الأوّل، و ما ذكره الماتن غير وجيه.»

و في حاشية بعض الأعاظم هنا: «لا لما ذكر بل لأن استصحاب عدم الأداء لا يترتب عليه الضمان.»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 359.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص:

346

..........

______________________________

و يوجد نحو هذا المضمون في حواش أخر أيضا، فراجع.

و لكن في مصباح الهدى فيما إذا وقع الشكّ في الأداء من العين و علم بأنه لو لم يؤدّها كان التأخير و التلف بنحو يوجب الضمان قال: «إن الأصل يجري في نفس بقاء الاشتغال لا في عدم الإخراج لإثبات الاشتغال، و ذلك لتمامية أركان الاستصحاب فيه من اليقين بالوجود و الشك في بقائه من جهة الشك في الأداء.

و حيث إن التلف يكون على وجه الضمان على تقدير عدم الأداء فيكون بقاء الاشتغال مشكوكا بعد التلف كما كان مشكوكا قبله، فيصحّ استصحاب بقائه لإثبات وجوب الإخراج على الوارث.

و الحاصل أن الاشتغال مشكوك قبل التلف و حال التلف و بعده، فيصحّ استصحابه، و لا يحتاج إلى العلم به بعد التلف.

و بذلك يسقط ما في حواشى بعض أساتيذنا في المقام من منع إجراء الاستصحاب في هذه الصورة مع التزامه بصحّته فيما لو علم بالاشتغال بعد التلف ...» «1»

أقول: ظاهر كلامه- قدّس سرّه- قابل للمناقشة بأنه مع وجود العين ليس في الذمّة شي ء، و الموجود هو التكليف المحض بأداء زكاة العين، و اشتغال الذمّة إنما يتحقق بالتلف مع الضمان، و المفروض احتمال الأداء من العين فلا علم بالاشتغال، و إثباته باستصحاب التكليف تعويل على الأصل المثبت.

و لكن الظاهر أنه أراد بلفظ الاشتغال في كلامه الاشتغال بالتكليف لا ثبوت الحقّ في الذمّة.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 398.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 347

..........

______________________________

و لعلّه بنى كلامه هذا إمّا على كون الشك في اشتغال الذمّة مسببا عن الشك في بقاء التكليف إلى ما بعد التلف، بتوهم أن إثبات المسبب الشرعي بإجراء الأصل في السبب ليس من قبيل الأصل المثبت، و اشتغال الذمّة

يكون عنده من الأحكام الشرعية الوضعية.

و إمّا على أن التكليف السابق المعلوم هو وجوب أداء الزكاة و لو من مال آخر، و بقاء هذا التكليف المتعلق بالمال بنفسه و لو بالاستصحاب كاف في وجوب الإخراج من التركة، نظير أداء النذور و الكفّارات.

بل يمكن أن يقال: إن هذا ليس بأنزل مرتبة من الواجبات البدنية كالصلاة و الصيام التي أفتى البعض و منهم المصنف بوجوب إخراجها من أصل التركة، قال:

«لأنها دين اللّه، و دين اللّه أحقّ أن يقضى.» «1» و نحن أيضا احتطنا إخراجها من الأصل و لكن من سهام كبار الورثة، فراجع. هذا.

و لكن الوجه الأول يشكل المساعدة عليه، إذ أوّلا في كون اشتغال الذمّة حكما شرعيا خفاء.

و ثانيا: أنه لم يعدّ اشتغال الذمّة في لسان الأدلة من الآثار الشرعية لبقاء التكليف بالأداء، و المعتبر في حكومة الأصل السببي على المسببي كون الترتب شرعيا بحيث يوجب التعبّد بالسبب رفع الشك تعبدا عن المسبب.

نعم لو صحّ ما مرّ من المستمسك من ترتب الضمان شرعا على الإتلاف المحرز بالوجدان بضميمة عدم إعطاء الزكاة المحرز بالاستصحاب وجب الحكم بالضمان في الإتلافات و هي الغالبة في الأموال. بل أمكن إسراء هذا البيان إلى بعض موارد

______________________________

(1)- العروة الوثقى 1/ 745، المسألة 3 من صلاة الاستيجار.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 348

..........

______________________________

التلف أيضا. هذا.

و يظهر من حاشية بعض الأعاظم في صورة تلف العين، التفصيل بين ما إذا استقرت عادة المالك على إخراج زكاته عند وجوبها فورا، و بين غيره، فحكم في الأول بعدم وجوب الإخراج.

أقول: كفاية مجرّد العادة لا دليل عليها، نعم لو استقرت بحيث كان احتمال الترك مستندا إلى السهو و الغفلة فقط كان جواز الاعتماد عليها وجيها كما مرّ،

و لا سيما إذا كان التأخير معصية، و لكن الأحوط الاقتصار على صورة الوثوق بالأداء.

نعم هنا شي ء و هو أن الشك بالنسبة إلى الزكوات و الأخماس السابقة المتعلقة بأموال المورثين يقع كثيرا و تكون المسألة محلا للابتلاء غالبا.

و البناء فيها على العمل بالاستصحاب و الالتزام بأدائها حتى مع تلف الأعيان المتعلقة لهما خلاف السيرة المستمرّة بين المتشرعة الملتزمين بموازين الشريعة السمحة السهلة.

بل مقتضاه الحكم بحرمة كثير من تصرفات الموتى في أموالهم، و هذا مخالف لمذاق الشرع المبين. بل يجري هذا البيان في بقاء الأعيان أيضا مع الشك في أداء حقوقها الواجبة.

ففي الحديث عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال: «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه.» «1»

و المستفاد منه و من أمثاله الحكم بإتيان المسلم جميع ما وجب عليه و تركه ما حرّم عليه و استقامته على الطريقة الحقّة عملا و عدم تأخيره لوظائفه بنحو يوجب العصيان.

______________________________

(1)- الكافي 2/ 362، كتاب الإيمان و الكفر، باب التهمة و سوء الظن، الحديث 3.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 349

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 349

..........

______________________________

و بالجملة الواجب هو الحكم بعدالة المسلمين و حمل أعمالهم على الصحّة و تصرفاتهم على أساس الشريعة، و هذا يقتضي عدم الاعتناء بالشك في هذه الموارد.

و معلوم أن أصل الصحة مقدّم على الاستصحاب كما قرر في محلّه، فتأمّل.

و إن ناقشت في تسمية ما ذكرنا بأصالة الصحّة فنقول: نحن لا نصرّ على هذه التسمية، بل نقول: إن الواجب هو الحكم بعدالة المسلمين و استقامتهم في تصرّفاتهم و أعمالهم مطلقا، و من هذا القبيل

الحكم بصحة معاملاتهم من العقود و الإيقاعات. هذا.

و المصنّف فصّل بين السنة الأخيرة و بين السنين السابقة، فحكم في الثاني يجريان قواعد الحيلولة و التجاوز و أصالة الصحة. و قد عرفت في المسألة الثانية الإشكال في إجراء القاعدتين الأوليين في المقام و أن موردهما الموقتات و المركبات ذوات الأجزاء.

و في المستمسك «1» أورد على أصالة الصحة بما محصله: أولا: أنها تتمّ لو كان صدر منه فعل يتصف بالصحة و الفساد يتوقف على أداء الزكاة كالبيع و نحوه.

و ثانيا: أن إثباتها لشرط العقد مثلا بلحاظ أثر أجنبي عن موضوع الصحة محل إشكال.

أقول: الظاهر كما عرفت أن بناء الشرع و المتشرّعة على حسن الظنّ بالمسلمين و القضاء عليهم على ظاهر العدالة الشرعية، و هذا أعم و أوسع من الحكم بصحة العقود و الايقاعات و لا نصرّ على صدق عنوان الصحّة.

و كيف كان فالحكم بالوجوب بمقتضى الاستصحاب و لا سيما في صورة تلف الأعيان مشكل و لكن الأحوط الأداء إلّا مع الوثوق بأدائه. و اللّه العالم بالحال.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 361.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 350

[السادسة إذا علم اشتغال ذمّته إما بالخمس أو الزكاة وجب إخراجهما]

اشارة

السادسة إذا علم اشتغال ذمّته إما بالخمس أو الزكاة وجب إخراجهما، إلّا إذا كان هاشميا، فإنه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمّة (1).

______________________________

(1) إذا علم باشتغال ذمّته إما بالخمس أو بالزكاة فإما أن يكون المعلوم بالإجمال من جنس واحد و بمقدار واحد، مثل أن يعلم مثلا أن عليه ألف درهم إما زكاتا أو خمسا.

و إما أن يكون من جنس واحد و لكن بمقدار مختلف على التقديرين، مثل أن يعلم أن عليه إما ألف درهم زكاتا أو ألفي درهم خمسا.

و إما أن يكون من جنسين مثل أن يعلم أن عليه إما

ألف صاع من الحنطة زكاتا أو ألف أو أكثر درهم خمسا.

و لا يخفى أن الأقوى أن الزكاة و الخمس يتعلقان بالعين، و على فرض الإتلاف أو التلف الموجب للضمان أيضا فالظاهر أن العين تنتقل إلى الذمّة و إن كان في مقام الأداء يتخيّر الإنسان مطلقا بين الأداء من العين أو من مال آخر قيمة.

إذا عرفت هذا فنقول: إن مقتضى العلم الإجمالي وجوب تحصيل البراءة اليقينية بأيّ طريق حصلت. و على هذا فعليه في المقام أن يحتاط بإيصال مقدار

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 351

..........

______________________________

الزكاة المحتملة إلى أهلها و إيصال الخمس المحتمل إلى اهله. و لكن لو كان المالك هاشميا جاز له أن يعطي الواجب المعلوم المردّد بينهما أو قيمته- مع الاستجازة من الحاكم على الأقوى- إلى هاشمي مستحقّ بقصد ما عليه واقعا من الخمس أو الزكاة بداعي أمره الخاص المتوجه إليه واقعا.

و القصد الإجمالي كاف في الامتثال و إن لم يعلم عنوان المأمور به و خصوصية الأمر المتوجه إليه، حيث إن الحاكم في باب الإطاعة و العصيان هو العقل، و الملاك صدق الإطاعة و الامتثال، و لا دليل على اعتبار التميز.

و نظير المقام ما إذا اشتغلت ذمّته لشخص معيّن بمقدار معيّن مردّد بين أن يكون لدينه أو للنذر له فيجوز إعطاؤه بقصد ما عليه، و يكفي في حصول البراءة و القربة قصد ما توجّه إليه من الأمر واقعا.

و كذلك يجوز للمالك مطلقا و إن لم يكن هاشميا أن يعطي المقدار المعلوم المردّد إلى الحاكم الشرعي الوليّ للمصرفين، و يعلمه بذلك حتّى يطبقه على المصرفين، أو يوزّعه بينهما بمقتضى قاعدة العدل و الإنصاف المساعد لها العرف بل الشرع أيضا، كما في مسألة الدرهم أو الدينار

أو البعير بين الرجلين، فراجع الوسائل «1» أو يعمل فيه بالقرعة إذ «كل مجهول ففيه القرعة» على ما في الخبر «2» على ما يقتضيه نظر الحاكم في تزاحم الحقوق.

و يمكن القول بالتخيير بين الأمرين لورود كليهما في تزاحم الحقوق و يساعدهما اعتبار العقلاء و عملهم أيضا في مخاصماتهم الحقوقية، و إن كانت أخبار القرعة أكثر بمراتب و في بعضها إشارة إلى تخطئة الحكم بالتنصيف الذي

______________________________

(1)- راجع الوسائل 13/ 169 و ما بعدها، كتاب الصلح، الأبواب 9، 10 و 12.

(2)- الوسائل 18/ 189، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 11.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 352

و إن اختلف مقدارهما قلّة و كثرة أخذ بالأقلّ (1)، و الأحوط الأكثر.

______________________________

أفتى به أبو حنيفة كما في خبر الحسين بن المختار. «1» و التحقيق موكول إلى محلّه.

(1) ما مرّ كان على فرض كون المعلوم بالإجمال من جنس واحد بمقدار واحد.

و أمّا مع الاختلاف في أحدهما أو كليهما فهل يجوز له الاكتفاء بالأقلّ منهما عينا أو قيمة بتقريب كونه من قبيل الأكثر و الأقل الاستقلاليين كالدين المردّد بينهما.

فينحلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بوجوب الأقل و الشكّ البدوي في وجوب الزائد. أو يتعين هنا الاحتياط و لو بإعطاء الأكثر بقصد ما عليه واقعا لمن ينطبق عليه المصرفان؟

إذ في الدين المردّد بين الأقل و الأكثر مثلا يكون المستحق شخصا واحدا نعلم باستحقاقه للأقل و نشكّ في الزائد، فليس في الحقيقة علم إجمالي مردّد بين أمرين، بل علم تفصيلي بالأقل و شك بدوي في الزائد. و التعبير عنه بالعلم الإجمالي إنما يكون بالنظر البدوي المسامحي.

و أما إذا فرض العلم بأنه مديون إمّا بألف درهم لزيد أو بألفين لعمر و مثلا فلا

إشكال حينئذ في وجوب الاحتياط بإعطاء الأقل لزيد و الأكثر أيضا لعمرو، لدوران الأمر بين متباينين.

و المقام أيضا يكون من هذا القبيل إذ مستحق الأكثر هنا غير مستحق الأقل إذ المفروض كون أحدهما خمسا و الآخر زكاتا. و مع اختلاف المستحق يتباين الثابت في الذمّة قهرا، و لا سيما مع الاختلاف في الجنس و المقدار معا، نظير العلم بوجوب الصلاة قصرا أو تماما، و مقتضى العلم الإجمالي تنجز الواقع في

______________________________

(1)- راجع الكافي 7/ 138، كتاب المواريث، باب ميراث الغرقى و أصحاب الهدم، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 353

..........

______________________________

أيّ الطرفين كان فلا مجال حينئذ إلّا للاحتياط.

و بالجملة فإذا تردّد الأمر بين وجوب الألف درهم زكاتا أو الألفين خمسا، أو ألف صاع من الحنطة زكاتا أو ألف أو ألفين درهم خمسا يكون الأكثر بتمامه طرفا للعلم الإجمالي و على فرض وجوبه واقعا يصير بأجمعه منجزا و مجرّد إمكان تطبيق المصرفين على مصداق واحد في مرحلة الامتثال كما إذا كان المالك هاشميا لا يوجب عدم تنجز الأكثر بعنوانه على فرض كونه المأمور به واقعا.

و نظير المقام أيضا ما لو علم إجمالا بوجوب صوم أول رجب مثلا أو الأيام البيض منه بمقتضى النذر فلا إشكال حينئذ في وجوب الإتيان بكلا الطرفين و إن كان أحدهما أكثر من الآخر.

[ينبغي التنبيه على أمور]

و اعلم أن هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها:

الأول: قد يقال: إن في صورة احتياط المالك كلّ واحد من الشخصين الآخذين للمال إن علم بالحال لا يجوز له التصرّف فيه لدوران ما أخذ بين انتقاله إليه و بقائه على ملك المالك فيجب عليه أن يتصالح مع المالك.

و لكن يمكن أن يجاب عن ذلك بأن العلم الإجمالي بالتكليف أوجب على

المالك الإتيان بالطرفين عقلا من باب المقدمة العلمية لحصول الواجب، و مقتضى ذلك تحليله للمال على فرض عدم وجوبه و إلّا لزم منه عدم الإتيان بالواجب بنحو يترتب عليه أثره المترقّب منه.

فوزان المقدمّة العلمية وزان المقدمات الوجودية التي تستلزم صرف الأموال، حيث يحكم العقل بوجوب إتيانها و لا دليل على إلزام الفقير بالتصالح، فتدبّر.

الثاني: قد يقال: إن المستفاد من الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة عدم وجوب الاحتياط المطلق في باب تعارض الأموال و تزاحمها لاستلزامه التضرّر

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 354

..........

______________________________

المنفي في الشريعة السمحة، بل يحكم في باب الأموال مطلقا بقاعدة العدل و الإنصاف أو بالقرعة كما مرّ.

و الأحوط إرجاع هذا إلى الحاكم حتى يعمل بما يقتضيه نظره، إذ من المحتمل كون الأمرين من وظائف الإمام و الحكام في مقام القضاء، فليس لغيره إعمالهما.

و في خبر يونس في باب القرعة: «لا يستخرجه إلّا الإمام لأن له على القرعة كلاما و دعاء لا يعلمه غيره.» «1» فتأمّل.

الثالث: ربما ينقدح في الذهن في باب الأقل و الأكثر الاستقلاليين التفصيل بين ما إذا كان الجهل بمقدار الواجب من أول الأمر أو حصل النسيان بلا مسامحة و تأخير، و بين ما إذا كان عالما بالمقدار ثم عرضه الجهل به لأجل تقصيره و تأخيره و استخفافه به. ففي القسم الأول يجوز الاكتفاء بالأقل و نفي الزائد بالبراءة.

بخلاف القسم الثاني، و لعله على ذلك كان يبتني فتوى المشهور في فوائت الصلاة المرددة بين الأقل و الأكثر حيث حكم الأكثر بوجوب الإتيان حتى يحصل الظن بالفراغ، و أفتى بعضهم بوجوب الاحتياط و الإتيان بالأكثر.

و وجه وجوب الاحتياط في القسم الثاني أن الحكم الواقعي بسبب تعلّق العلم به وصل إلى المكلف

و تنجّز عليه بحدوده و واقعيته بحيث يستحق على مخالفته العقوبة كيف ما كان.

و بعد عروض النسيان مع التقصير و إن زال العلم و لكن احتماله احتمال للتكليف المنجز الموجب تركه للعقوبة على فرض ثبوته واقعا.

و المفروض في المقام أن التكليف صار بواقعيته من الأقل أو الأكثر منجزا موجبا لاستحقاق العقوبة على الترك. و لا نسلّم أن زوال العلم بسبب التقصير

______________________________

(1)- الوسائل 16/ 44، الباب 34 من كتاب العتق، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 355

..........

______________________________

و التأخير يوجب سقوط التنجز الذي حصل بالعلم فلا تجري البراءة. إذ البراءة إنما تجري فيما إذا حصل بجريانها القطع على عدم العقوبة.

نعم في الشك السّاري يرتفع التنجز قهرا لانكشاف عدم العلم و بطلانه من أول الأمر و كونه جهلا مركبا.

و يمكن أن يقاس عليه أيضا عروض النسيان بلا عذر و تأخير بمقتضى حديث رفع النسيان.

و أما مع المسامحة و التأخير المحرم فأيّ وجه لارتفاع التنجز الذي حصل بالعلم؟

و حديث الرفع ينصرف عن مثله. و هذا باب واسع يجري في كثير من أبواب الفقه، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 356

[السابعة: إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيره و لم يتمكن من التعيين]

السابعة إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيره و لم يتمكن من التعيين فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما (1)، إلّا إذا أخرج بالقيمة فإنه يكفيه إخراج قيمة أقلّهما قيمة، على إشكال، لأن الواجب أوّلا هو العين و مردّد بينهما (2) إذا كانا موجودين، بل في صورة التلف أيضا لأنهما مثليّان (3). و إذا علم أن عليه

______________________________

(1) لتعلق الزكاة بالعين، فالواجب إما الحنطة أو الشعير فيكون مردّدا بين متباينين.

(2) و التخيير بين العين و القيمة إنما يكون في مرحلة الامتثال و الأداء لا في مرحلة التعلق، فمقتضى

العلم الإجمالي تحصيل البراءة اليقينية بالنسبة إلى ما وجب أوّلا بأداء عينه أو قيمته فيجب أداء قيمة الأكثر قيمة، و هذا واضح.

(3) يعني فيكون الترديد بين متباينين في الذمّة كما في صورة وجود العين.

أقول: هذا بناء على كون تلف المثلى بنفسه موجبا لاشتغال الذمّة بمثله.

و أما إذا قلنا بأن التلف بنفسه لا يوجب الانتقال إلى المثل أو القيمة، بل العين تبقى

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 357

إما زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة، يكفيه إخراج شاة (1).

و إذا علم أنّ عليه إما زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة وجب الاحتياط (2)، إلا مع التلف فإنه يكفيه قيمة شاة (3). و كذا الكلام في نظائر المذكورات.

______________________________

في الضمان غاية الأمر أنه في مرحلة الامتثال يجوز له الأداء بكل من المثل أو القيمة فالأمر أوضح، إذ المفروض كون الموضوعين بنفسهما متباينين.

(1) يعني بنية ما عليه بداعي أمره الخاص و إن لم يتميز عنده كما مرّ. و مثله ما إذا علم بأن عليه إمّا زكاة عشر من الإبل أو زكاة مأئة و واحد و عشرين من الشاة مثلا.

(2) لتردّد الواجب بين متباينين و يكفي في الاحتياط إعطاء أكثرهما قيمة بقصد ما عليه مردّدا بين عين الأكثر و قيمة الأقل.

(3) بتقريب أنه بالتلف ينتقل الحق إلى القيمة في الذمّة و المتيقن منها هو الأقل.

و لكن يرد عليه ما مرّ من أن العين بنفسها تبقى في الضمان و لو بعد التلف و إنما يجوز أداء القيمة في مرحلة الامتثال، فالواجب تحصيل البراءة اليقينية بالنسبة إلى ما وجب أوّلا، و لا يحصل هذا إلّا بأداء قيمة الأكثر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 358

[الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها]

الثامنة إذا كان عليه الزكاة فمات

قبل أدائها، هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا؟ إشكال (1).

______________________________

(1) من أن المانع انتسابهم القريب إليه و صدق العناوين المذكورة في الأخبار من الولد و الوالد و المرأة و المملوك.

أو أنهم عياله لازمون له و يجبر على النفقة عليهم فيكونون بذلك أغنياء حكما؟

الظاهر من أخبار المسألة هو الثاني بمقتضى التعليلين المذكورين فيها، بل بمناسبة الحكم و الموضوع أيضا، إذ الانتساب إلى الميت بما أنه انتساب إليه لا يناسب المنع بل يناسب رجحان الإعطاء له، فالمانع ليس إلّا كون نفقتهم عليه و أن الإعطاء لهم مساوق للإخراج من كيس و الإلقاء في كيس آخر. و على هذا فاستصحاب المنع السابق لا مجال له، لتبدّل الموضوع.

و نظير المقام بوجه ما إذا طلّق زوجته و بانت منه، حيث إن الظاهر عدم الإشكال في جواز الإعطاء لها مع استجماعها لسائر الشرائط.

قال في المستمسك: «و إطلاق جواز الدفع لغير واجب النفقة محكّم على

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 359

..........

______________________________

الاستصحاب. مضافا إلى أن تعليل المنع من إعطاء واجب النفقة بأنهم لازمون له يقتضي انتفاء المنع بانتفاء اللزوم.» «1»

أقول: ظاهره أن الاستصحاب يجري و لكن العامّ يقدم عليه مع أن أصل جريانه قابل للمنع كما مرّ.

و كيف كان فالأقوى الجواز، و ربما يشهد له أيضا صحيحة علي بن يقطين، قال:

قلت لأبي الحسن الأوّل «ع»: رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن تقضى عنه الزكاة، و ولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضررا شديدا فقال: «يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم و يخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم.» «2»

و لعلّ الأمر بدفع البعض إلى غيرهم كان لانصراف الوصية عن دفع الجميع إلى أنفسهم، أو لتوقع

سائر الفقراء من الميت بحسب موقعيته الاجتماعية.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 363.

(2)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 360

[التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة و شرط على المشتري زكاته]

اشارة

التاسعة إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة و شرط على المشتري زكاته لا يبعد الجواز (1) إلا إذا قصد كون الزكاة عليه، لا أن يكون نائبا عنه، فإنه مشكل.

[الأمر بفعل ظاهر في إتيانه مباشرة لا بالتسبيب]

______________________________

(1) لا يخفى أن الأمر بفعل ظاهر في إتيانه مباشرة لا بالتسبيب و النيابة، إذ المتعلق و إن كان مجرّد الطبيعة بإطلاقها، و لكن توجيه الخطاب و الحكم إلى الشخص ظاهر في أن المطلوب صدور الفعل عن نفسه. و لو فرض أن المطلوب إعطاء المال كما في المقام فالظاهر منه كون الإعطاء من مال نفسه و لا سيما إذا كان الأمر عباديّا و كان الواجب متعلقا بالعين كما في بابي الخمس و الزكاة، و لا سيّما مع ما ورد في الزكاة من التعليل بقوله: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا»، إذ الظاهر أن تطهير الشخص و تزكيته إنما يحصلان بإعطائها من مال نفسه.

و على هذا فكفاية الإعطاء من مال آخر أو إعطاء الغير لها من مال المالك أو مال نفسه تحتاج إلى دليل. و إلّا فاستصحاب بقاء الحق في المال و عدم حصول الامتثال محكّم. هذا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 361

..........

______________________________

و لكن لا إشكال في كفاية إعطاء المالك من مال آخر قيمة كما مرّ في محلّه. «1»

و كذا لا إشكال في جواز الإعطاء عن الميّت زكاة ماله سواء أوصى بذلك أم لا، و يشهد بذلك- مضافا إلى ما دلّ على استحباب التصدّق عن الوالدين الشامل بإطلاقه للزكاة عنهما، «2» فتأمّل- صحيحة شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

إن على أخي زكاة كثيرة أ فأقضيها أو أؤدّيها عنه؟ فقال لي: و كيف بذلك؟

قلت: أحتاط. قال: «نعم إذا تفرّج عنه.» «3»

و ظاهره كون الأخ ميتا، و إطلاقه يشمل الإعطاء

من مال نفسه و مال الميت.

و إما الإعطاء عن الحيّ فيجوز إعطاؤها نيابة عنه باستنابته.

[الروايات الدالّة على قبول الزكاة للنيابة]

و قد مرّ في المسألة الأولى من الفصل السابق الروايات الدالّة على قبول الزكاة للنيابة، و إن كان مورد أكثرها صورة التوكيل في التوزيع و الإيصال فقط، و لكن كان مفاد البعض جواز استقلال النائب في الأداء، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده. قال: «إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض.» «4»

بناء على أن زكاة القرض على المستقرض و أن الدين لا زكاة فيه كما دلّت على ذلك الأخبار فيكون إعطاء المقرض بنيابة المستقرض.

و يمكن أن يستفاد من الصحيحة جواز إعطاء كل أحد من مال نفسه زكاة غيره،

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 1/ 212؛ و 2/ 17؛ و راجع الوسائل 6/ 114، الباب 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

(2)- راجع الوسائل 5/ 365، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات.

(3)- الوسائل 6/ 177، الباب 22 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 362

..........

______________________________

إذ لا خصوصية للمقرض في ذلك بعد صيرورته أجنبيا عن القرض.

بل يمكن أن يستفاد منها جواز الإعطاء بدون إذن من عليه الزكاة أيضا، كما هو ظاهر المنتهى «1» و صريح المدارك «2»، و إن ناقشنا نحن في ذلك، لعدم كون الصحيحة في مقام البيان بالنسبة إلى المقرض حتّى يتمسك بإطلاقها، إذ هي في مقام بيان وظيفة المستقرض كما هو ظاهر السؤال.

و على هذا فالمتيقن من الصحيحة صورة

الأداء بحساب المستقرض قرضا عليه مع الإذن منه فتدبر.

2- و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول:

«باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار، و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين، و إنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي.» «3»

3- و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال فاشترط في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين.» «4»

و دلالتهما على إحالة زكاة الثمن إلى المشتري و استقلاله في أداء الزكاة عن البائع واضحة، و كأن الزكاة جزء من الثمن.

و لكن في النفس من هاتين الصحيحتين شي ء: فهل كان الإمام «ع» يريد إبقاء الثمن عشر أو ست سنين؟ و كيف اعتمد هو على عمل هشام أو سليمان؟! و هل كانا يصرفان الزكاة في محلّها المقرّر شرعا؟ و ما أريد من التعليل بكون هشام

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 477.

(2)- المدارك/ 291.

(3)- الوسائل 6/ 118، الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 118، الباب 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 363

..........

______________________________

هو الوالي؟!

و لعلّ الإمام «ع» كان تحت الضغط من ناحية أمراء الخليفة بالنسبة إلى ما كان يملكه فباعه للخليفة فرارا من ذلك. و لعلّه «ع» كان يتوقع الخطر من ناحيتهم بالنسبة إلى الثمن أيضا باسم الزكاة فشرط هذا الشرط تخلّصا من ذلك فيرجع التعليل إلى أن الإمام صنع ذلك تخلّصا من شرّ الخليفة و أمرائه، فكان شرط الزكاة شرطا صوريا.

4- و في فقه الرضا: «فإن بعت شيئا و قبضت ثمنه

و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك فإنه يلزمه دونك.» «1»

و قد ورد في هذا المجال أخبار في زكاة مال التجارة و زكاة الفطرة أيضا، و قد تعرضنا لها سابقا، فراجع الوسائل. «2» و الظاهر وحدة الملاك، فيجوز إسراء حكمهما إلى مطلق الزكاة.

و لكن الظاهر في الجميع وجوب كون الإعطاء بنيابة المالك بحيث يستند إليه و يعدّ العمل عمله، حيث إن الخطاب متوجه إليه و أمره أمر عبادي. فجواز التبرع عنه بلا إذن منه مشكل و إن كان يصحّ ذلك في سائر الديون، فتأمّل إذ يمكن أن يقال إن في الزكاة جهتين: جهة العبادية و جهة المالية، و الثانية لعلها أقوى فيجوز تبرّع الغير بها و لو بلا إذن فتسقط قهرا بانتفاء موضوعها إذ لا يزكى مال واحد مرتين.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: لبيع النصاب أربع صور: إذ تارة يكون مع بقاء الزكاة في العين و هو الظاهر من عبارة المصنّف، و أخرى يكون مع انتقالها إلى ذمّة البائع.

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 23 (طبعة أخرى/ 198).

(2)- راجع الوسائل 6/ 50، الباب 15 من أبواب ما تجب فيه الزكاة ...؛ و ص 228، الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5؛ و ص 255، الباب 19 منها، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 364

..........

______________________________

و على الأول قد يكون الشرط إعطاء المشتري زكاة العين نيابة عن البائع.

و قد يكون الشرط إعطاءها من قبل نفسه بأن يصير التكليف بالزكاة ساقطا عن البائع و منتقلا إلى المشتري بالكلّية.

كما أنه على الثاني أيضا قد يكون الشرط إعطاء المشتري لما في ذمّة البائع نيابة عنه، و قد يكون الشرط انتقال ما في ذمّة البائع إلى ذمّة

المشتري و انتقال التكليف منه إليه بنحو شرط النتيجة. فهذه أربع صور.

و لا يخفى أن انتقال الزكاة إلى ذمّة البائع مع وجود العين إنما يتصور بمصالحته مع الحاكم الشرعي على ذلك. أو القول بجواز ذلك اختيارا كما هو أحد الاحتمالين في موثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه «ع» بعد ذكر العزل، قال: قلت:

فإن أنا كتبتها و أثبتّها يستقيم لي؟ قال: «نعم لا يضرّك.» «1»

و قد يتوهم جواز ذلك بالمصالحة مع الفقير أيضا، و لكن الظاهر عدم صحة ذلك لعدم كون فقير خاصّ وليا على الزكوات. نعم يجوز إعطاؤها لفقير خاص و تمليكها له ثم استقراضها منه فيجب حينئذ ردّها إلى نفسه كما هو واضح.

[حكم الصور الأربع]

اشارة

إذا عرفت ذلك فلنتعرض لحكم الصور الأربع:

[الصورة الأولى: بيع جميع النصاب بشرط أداء المشتري زكاته نيابة عن البائع]

الصورة الأولى: بيع جميع النصاب بشرط أداء المشتري زكاته نيابة عن البائع مع كون الزكاة في العين. و المصنف لم يستبعد جواز ذلك، و ظاهره الجواز وضعا أعني صحّة البيع و الشرط معا.

و الظاهر عدم الإشكال في صحّة الزكاة، لما عرفت من الروايات الدالّة على جواز إحالة الزكاة إلى الغير و الاستنابة فيها. مضافا إلى ما قد يقال من عموم أدلّة الوكالة و إطلاقها و إن ناقشنا في ذلك سابقا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 365

..........

______________________________

و من هذا القبيل كان شرط الإمام «ع» الزكاة على هشام و سليمان و إن كان الشرط هنا زكاة الثمن المأخوذ. نعم يقع الإشكال في صحّة البيع، إذ مقتضى كون الزكاة في العين كون البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليا متوقفا على إجازة وليّ الزكوات أعني الحاكم.

فإن قلت: هذا إذا لم يشترط على المشتري زكاتها و إلّا أمكن القول بصحة البيع و عدم احتياجه إلى الإجازة إمّا لأن المالك يجوز له أداء الزكاة من مال آخر، و شرطها على المشتري يكون من هذا القبيل. و إمّا لأن له نقلها إلى ذمّة نفسه على ما مرّ من خبر يونس، و لعلّ بيع تمام النصاب مع الشرط يرجع إلى نقلها إلى ذمّته باختياره ثم توكيل المشتري في أدائها عنه. و إما لأن بيع النصاب مع الشرط المذكور يرجع إلى عدم كون مقدار الزكاة جزء من المبيع و كون الثمن بتمامه بإزاء البقية، فإن أدّاها من العين فهو، و إن أدّاها من مال آخر انتقل إليه بذلك ذلك الجزء قهرا، و لعله إلى هذا كان

ينظر الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في حاشيته في المقام، حيث قال: «بل يجوز بلا إشكال، إذ الزكاة على العين التي تصير إلى المشتري لا على البائع، و فائدته عدم رجوعه عليه بما قابلها إن أخذت منه، و ثبوت الخيار له إن تخلف.»

قلت: جميع هذه الوجوه الثلاثة قابلة للمناقشة: أمّا الأول فلأن المفروض أن الزكاة ثابتة في العين، فهي تبقى فيها ما لم تعط خارجا من مال آخر، و ليس مجرد شرطها على المشتري إعطاء لها، و لذا لا تفرغ عهدة البائع و لا يسقط التكليف منه لو تخلف المشتري.

و أما الثاني: فلأن مجرّد بيع النصاب لا يلازم نقل زكاتها إلى الذمّة لأنه أمر قصدي يتوقف على نية مستقلة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 366

..........

______________________________

و أما الثالث: فلأن العقود تابعة للقصود، و المفروض في عبارة المصنف وقوع البيع على تمام النصاب، و ظاهره كون شرط الزكاة بمنزلة الجزء من الثمن، فإشكال الفضولي بحاله، فإن أجازه الحاكم كان عليه القيمة بمقدارها و إلّا وجب عليه الزكاة من العين و تؤخذ منها قهرا عليه.

و على هذا فلا يبقى فرق بين أن يشرط الزكاة على المشتري أم لا في كون المعاملة بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولية.

نعم لو كان البيع صحيحا كان الفرق بينهما أنه على فرض شرطها على المشتري لو أعطاها لم يجز له الرجوع بها إلى البائع و أما مع عدم الشرط فإن أخذت منه مع الجهل بها رجع بها و مع الأخذ من العين كان له خيار تبعض الصفقة أيضا. هذا.

و يمكن أن يقال: إن المعاملة و إن كانت بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولية و لكن لا نحتاج في صحّتها إلى إجازة الحاكم، بل

يكفي فيها أداء الزكاة من قبل البائع أو المشتري فتصير المعاملة من قبيل من باع ثم ملك. بناء على عدم احتياجه إلى إجازة لا حقة.

و ربما يشعر بذلك صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري، قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: «نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع.» «1»

إذ لو كانت المعاملة بالنسبة إلى مقدار الزكاة موقوفة على الإجازة لنبّه عليه الإمام «ع».

إلّا أن يقال: إنه بقرينة السؤال يظهر أن الصحيحة ليست في مقام بيان حكم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 86، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 367

..........

______________________________

المعاملة صحة و فسادا، بل في مقام بيان حكم الزكاة فقط. و حينئذ فإن أدّاها المشتري من مال آخر تلقّى مقدارها من العين بنفسه لا من البائع. و إن أدّاها البائع فمقدارها من العين ينتقل إلى البائع، و يمكن أن يتوقف انتقاله منه إلى المشتري إلى إجازة لاحقة. و المسألة محل الخلاف بين الأعلام.

قال المحقق في زكاة المعتبر: «لو باع النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه صحّ فيما عدا الزكاة. فإن اغترم حصّة الفقراء قال الشيخ «ره»: صحّ الرهن في الجميع و كذا البيع. و فيه إشكال لأن العين غير مملوكة له. و إذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا و افتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة كمن باع مال غيره ثم اشتراه.» «1»

أقول: حيث إن الفضولي حين الإنشاء يفرض نفسه مالكا و بذلك صحّحنا بيع الفضولي الذي باع لنفسه فيمكن أن يقال: إنه في المقام كان جميع ما يعتبر في اللزوم محققة

عدا كونه مالكا حقيقة، و مقتضى ذلك تحقق اللزوم بمجرد تحقق الملكية. و راجع ما مرّ منا في المسألة. «2»

ثم إن الواجب في هذه الصورة إعطاء المشتري الزكاة بنيابة البائع، فإنه الذي توجّه إليه الخطاب أوّلا و استناب المشتري لذلك.

و لكن لو لم ينو عنه و لكن نوى زكاة هذا المال الخاص و حصلت منه القربة فالظاهر سقوط الأمر عن البائع قهرا لارتفاع موضوعه بأدائه، و لا يزكى مال واحد مرّتين، فتأمّل.

و إن أعطاها من مال آخر ملك مقدار الزكاة من العين مباشرة لا من البائع كما مرّ.

______________________________

(1)- المعتبر/ 276.

(2)- كتاب الزكاة 2/ 118

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 368

..........

______________________________

و في حاشية آية اللّه العراقي- طاب ثراه-: «بناء على تعلق الزكاة بالعين لا يعني من المخاطب بالزكاة إلّا من بيده تعيين الزكاة في مال خاصّ و هو حينئذ ليس إلّا المشتري.»

و لعلّ قريبا من ذلك أيضا يظهر مما مرّ من حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- قدّس سرّه-.

أقول: التكليف أوّلا تعلّق بالبائع فصارت الزكاة في ضمانه و عهدته و إن لم تنتقل إلى ذمته، و لذا لو لم يؤدّها المشتري وجب على البائع أداؤها، و كان للحاكم أيضا الرجوع إليه على حسب ما تقرر في تعاقب الأيادي الغاصبة، فتدبّر.

[الصورة الثانية: أن تكون الزكاة في العين و أريد بالشرط انتقال التكليف بالكلية إلى المشتري]

الصورة الثانية: من الصور الأربع: أن تكون الزكاة في العين و أريد بالشرط انتقال التكليف بالكلية إلى المشتري و سقوطه عن البائع.

و الظاهر أن هذا الشرط فاسد، إذ الخطاب توجّه أوّلا إلى البائع، و الشرط لا يصلح لنقل التكليف بالكلية.

و إن شئت قلت: إن الشرط بهذا النحو مخالف للكتاب و السنة.

نعم لما كانت العين تصير خارجا في يد المشتري فلا محالة يصير هو أيضا مكلفا بأداء

ما فيها من الحقّ و لكن لا بنحو يسقط التكليف عن البائع.

و على هذا فيجب على البائع أيضا أداؤها بنفسه أو بالاستنابة، و ما لم يؤد المشتري كان التكليف باقيا بحاله و كان البائع ضامنا لها كما مرّ.

و الضمان أعمّ من اشتغال الذمّة لصدق الأوّل مع بقاء العين أيضا.

و ما في كلام المصنف من الاستثناء إن أريد به صيرورة المشتري بالشرط مكلفا بالأداء فالظاهر أنه بأخذ العين يصير مكلفا و إن لم يكن شرط.

و إن أريد به سقوط التكليف بذلك عن البائع بالكلية فهذا مشكل بل

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 369

..........

______________________________

غير صحيح كما مرّ.

[الصورة الثالثة: أن تكون الزكاة في ذمّة البائع و قد استناب المشتري لأدائها عنه]

الصورة الثالثة: أن تكون الزكاة في ذمّة البائع و قد استناب المشتري لأدائها عنه، و لا إشكال حينئذ في صحة البيع و الزكاة معا، إذ النصاب خالص له، و الاستنابة في الزكاة أيضا جائزة بمقتضى ما مرّ من الأخبار و يكون الشرط في الحقيقة كالجزء من الثمن، و لكن لو تخلف المشتري و لم يؤدها لم تبرأ ذمّة البائع.

[الصورة الرابعة: أن تكون الزكاة في ذمّة البائع، فأراد بالشرط انتقال ما في ذمّته إلى ذمّة المشترى]

الصورة الرابعة: أن تكون الزكاة في ذمّة البائع، فأراد بالشرط انتقال ما في ذمّته إلى ذمّة المشترى و انتقال التكليف إليه بنحو شرط النتيجة، فهنا أمران:

الأول: هل يصحّ شرط النتيجة مطلقا إلّا فيما إذا ثبت بالدليل توقف المشروط على أسباب خاصّة كالزوجية المتوقفة على أسباب معينة مثلا، أو لا يصحّ مطلقا إلّا إذا فرض وجود دليل خاصّ على صحّته؟

من إطلاق أدلة الشروط و وجوب الوفاء بها. و معنى الوفاء بها هنا ترتيب آثار المسببات، نظير ما قيل في نذر النتيجة، فلو نذر كون مال خاص صدقة أو غنم خاص أضحية مثلا شملهما أدلّة الوفاء بالنذور. و مقتضاه ترتيب آثار الصدقة و الأضحية عليهما.

و من أن الظاهر من مذاق الشرع المبين أن كل واحد من المسببات الشرعية له سبب خاصّ شرعا، و الأصل عدم تحققها بمجرد هذا النحو من الشرط، و إطلاق أدلّة الشروط ظاهرة في شرط الفعل.

أقول: أظهر القولين هو القول الأوّل، و التحقيق موكول إلى محلّه. و راجع ما مرّ منا في أوائل الزكاة. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 114.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 370

..........

______________________________

الأمر الثاني: هل يصحّ في المقام شرط انتقال ذمّة البائع إلى ذمّة المشتري بدون إذن وليّ الفقراء، و لازمه انتقال التكليف أيضا إليه، أم لا يصحّ إلّا مع الإذن؟

أقول: نقل الذمّة

إلى الذمّة أمر معهود شرعا كما في الضمان و الحوالة عند فقهائنا، و لكنه يتوقف على إذن من له الحقّ و قبوله، لأنه تصرّف في سلطته، فكما لا يصحّ ضمان الدين أو الحوالة به إلّا بإذن الدائن و قبوله، فكذا في المقام.

و إذا فرض إذن الحاكم في ذلك فلا محالة ينوي البائع الزكاة و القربة حين الشرط، فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 371

[العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز]

العاشرة إذا طلب من غيره أن يؤدّي زكاته تبرّعا من ماله جاز و أجزأ عنه (1).

______________________________

(1) قد مرّ أن الظاهر من أوامر الزكاة إيتاء المخاطب إيّاها مباشرة من مال نفسه، و أن الغرض المستفاد من قوله تعالى: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» إنما يحصل بذلك.

و لكن ربّما يستظهر من صحيحة منصور بن حازم الماضية «1» جواز أداء المقرض زكاة القرض من مال نفسه مع أنها على المقترض بمقتضى الأخبار المستفيضة.

و لا خصوصية للمقرض في ذلك بعد صيرورة القرض ملكا للمقترض و صيرورة المقرض أجنبيا عنه.

و يشهد لذلك أيضا إجمالا ما مرّ من صحيحة شعيب «2» الدالّة على جواز أداء الزكاة عن الأخ الميت الشاملة بإطلاقها للأداء من مال المؤدّي نفسه كما مرّ، إذ لو لم يجز التبرّع بها لم يجز عن الميت أيضا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 177، الباب 22 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 372

و لا يجوز للمتبرّع الرجوع عليه. (1) و أمّا إن طلب و لم يذكر التبرّع فأدّاها عنه من ماله، فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه. (2)

لقاعدة احترام المال، إلّا إذا علم كونه متبرعا.

______________________________

هذا ما قيل في المقام و كنا نقول

به أيضا، و لكن لا يخفى أنّ صحيحة منصور ليست في مقام بيان حكم المقرض حتى يتمسك بإطلاقها بالنسبة إليه، و القدر المتيقن منها صورة كون الإعطاء بحساب المقترض و قرضا عليه كأصل المال مع إذنه.

و أيّ مقرض يؤدّي زكاة القرض من مال نفسه مجانا؟! و لم نجد الفتوى بذلك في كلمات القدماء من أصحابنا أيضا كما لم نجدها في النهاية و الشرائع.

و صحيحة شعيب مورده إعطاء زكاة الميت، و لعلّ للميت خصوصية حيث انقطع من مال الدنيا فيستحقّ الترحّم كما يظهر من جواب الإمام «ع» بقوله:

«إذا تفرج عنه.» هذا.

و أما ما في المستمسك من الاستدلال للمقام بأدلّة التوكيل و نيابة الحاكم عن الممتنع. «1» ففيه أنّ الكلام هنا في التبرّع لا في النيابة، و الملاك فيهما متفاوت، إذ النائب يؤدّيها من مال المنوب عنه بإذنه نيابة عنه، فيعدّ العمل بوجه ما عمله و يصدق أنه أخرج الزكاة من ماله بالتسبيب فيحصل له بذلك طهارة إجمالا. و هذا بخلاف الأداء من مال المؤدّي نفسه فالعمدة دلالة الصحيحتين لو سلّمت.

(1) إذ المؤدّى حينئذ إمّا أن يقصد التبرّع في مقام الأداء، أولا يقصد ذلك عمدا أو نسيانا. أمّا في الأوّل فهو بنفسه أذهب احترام ماله. و أمّا في الثاني فلأنّه و إن لم يقصد التبرّع وقت الأداء و لكنه بهذا الوجه غير مأذون فيه إذ الإذن مقيّد بالتبرّع و المجانية، فلا يعدّ صرف المال كذلك مستندا إلى أمر المالك حتّى يضمنه.

(2) إذ مال الغير و عمله محترمان عند العقلاء، و يعدّون الأمر بأداء مال

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 364.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 373

..........

______________________________

خاصّ أو الإتيان بعمل خاصّ ذا قيمة، التزاما منه بدفع العوض.

و لو اعتذر بعد

الأمر بأنّي قصدت المجانية لم يسمع دعواه عندهم.

و قد استقرّت سيرتهم على التضمين في أمثال المقام كما إذا قال: اعتق عبدك عنّي أو أدّ ديني الخاصّ أو اختط ثوبي أو احمل متاعي فالأمر عندهم سبب للضمان بالمسمّى إن سمّي ثمن خاصّ و إلّا فبالمثل أو القيمة، بل يشمل المقام قاعدة الغرور أيضا.

و يمكن أن يستدلّ ببعض الأخبار أيضا:

1- ففي موثقة أبي بصير عن أبي جعفر «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»:

«سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر. و أكل لحمه معصية. و حرمة ماله كحرمة دمه.» «1»

2- و في مسند أحمد بإسناده عنه «ص»: «سباب المسلم أخاه فسوق. و قتاله كفر. و حرمة ماله كحرمة دمه.» «2» فمال المسلم محترم إلّا أن يهدر هو بنفسه حرمته.

3- و في المسند أيضا بإسناده عنه «ص» في خطبة له: «و لا يحلّ لا مرئ من مال أخيه إلّا ما طابت به نفسه.» «3»

4- و في عوالي اللئالي عنه «ص»: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه.» «4»

5- و فيه أيضا عن العالم «ع» في حديث: «لا يتوى حقّ امرئ مسلم.» «5» إلى غير ذلك من الأخبار. هذا.

______________________________

(1)- الكافى 2/ 360، كتاب الإيمان و الكفر، باب السباب، الحديث 2.

(2)- مسند احمد 1/ 446.

(3)- مسند احمد 3/ 423.

(4)- عوالى اللئالي 2/ 113.

(5)- عوالى اللئالى 1/ 315.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 374

..........

______________________________

و في المستمسك استدلّ للضمان و جواز الرجوع بقوله: «إمّا لأنّ ظاهر الأمر بالعمل- إذا كان ممّا له قيمة معتدّ بها- أن ذلك على وجه الضمان، فيكون الأمر بمنزلة الإيجاب، و الفعل بمنزلة القبول ... و إمّا لاقتضاء الأمر بالفعل كون الفعل لأجله مستوفى للآمر فيضمنه لعموم على

اليد، بناء على شموله للأعيان و المنافع.» «1»

أقول: العمدة في المقام سيرة العقلاء و قاعدة الغرور بضميمة ما مرّ من الأخبار.

و أمّا كون مجرّد الاستدعاء من طرف و العمل من طرف آخر عقدا بينهما فيشمله أدلة العقود، أو شمول قاعدة اليد للمقام، فقابلان للمناقشة و لا سيّما الثاني.

إذ كيف يعدّ عمل العامل أو المال الذي أعطاه باستدعاء الغير تحت يد المستدعي و تحت استيلائه؟

و كيف كان فالظاهر أن مجرّد الاستدعاء مع عدم قصد التبرّع من العامل أو المعطي واقعا كاف في الحكم بالضمان و جواز الرجوع، و لا دخل لعلم المستدعي بذلك.

فقول المصنف أخيرا: «إلّا إذا علم كونه متبرّعا.» مخدوش فتدبّر. هذا.

و لكن في كتاب الجعالة من الشرائع بعد التمثيل بجعل الجعل على ردّ العبد أو الضالّة قال: «أمّا لو استدعى الردّ و لم يبذل أجرة، لم يكن للرادّ شي ء لأنه متبرّع بالعمل.» «2»

و ذيّله في الجواهر بقوله: «كما في القواعد و الإرشاد و التحرير، بل قيل:

هو قضية كلام اللمعة. للأصل الذي لا يقطعه طلبه الأعمّ من كونه بأجرة.» «3»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 364.

(2)- الشرائع 3/ 163 (طبعة أخرى/ 707).

(3)- الجواهر 35/ 207.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 375

..........

______________________________

أقول: مقتضى ما ذكروه أنّ مجرّد الاستدعاء لا يكفي في الحكم بالضمان ما لم يذكر الأجرة صريحا. و هذا ينافي ما مرّ منّا فيجب أن يحمل كلامهم على صورة ظهور المجانية و انصرافه إليها لاستقرار العادة عليها أو لحقارة العمل.

و صاحب الجواهر أيضا اعترض عليهم فقال بعد العبارة السابقة: «و فيه أنّه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم كماله التي اعترفوا بها فيمن أمر غيره بعمل له أجرة ما لم يصرّح بالتبرع أو يقصده العامل. بل و قالوا فيمن

أمر غيره بالبيع و الشراء و أداء ثمنه: إنّه يلزمه العوض. و فيمن ضمن بسؤاله و أدّى إنّه يرجع، بل عن سبعة كتب حكاية الإجماع على ذلك صريحا و ظاهرا، بل قيل: ورد به خبران و ما اختلف فيه اثنان، و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الضمان.» «1»

______________________________

(1)- الجواهر 35/ 207 و راجع 26/ 133 و 134.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 376

[الحادية عشرة: إذا وكّل غيره في أداء زكاته هل تبرأ ذمّته بمجرد ذلك]

الحادية عشرة إذا وكّل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمّته بمجرد ذلك أو يجب العلم بأنه أدّاها، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟

لا يبعد جواز الاكتفاء- إذا كان الوكيل عدلا- بمجرد الدفع إليه. (1)

______________________________

(1) أقول: البحث تارة في مقام الثبوت و أخرى في مرحلة الإثبات.

أمّا في مقام الثبوت فالقاعدة تقتضي بقاء التكليف إلى أن تصل الزكاة إلى أهلها أو من بحكمه من وليّه أو وكيله، نظير ما إذا كان الإنسان مديونا للغير حيث إنّ الملاك الوصول إليه واقعا، فلو حصل العلم مثلا بوصول الدين إلى الدائن ثم انكشف الخلاف كان الدين باقيا بحاله.

نعم قد تقرّر في باب الزكاة أنّه لو لم يجد لها أهلا فعزلها و بعث بها لتقسم فضاعت من دون تفريط منه لم يضمن.

كما هو المستفاد من صحيحتي زرارة و محمد بن مسلم و غيرهما فراجع الوسائل. «1» فهذا استثناء من تلك القاعدة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 377

..........

______________________________

و أمّا في مرحله الإثبات- و إليها نظر المصنف ظاهرا- فهل يتوقّف الفراغ إثباتا على العلم بوصولها إلى أهلها، أو يكفي الوثوق أيضا، أو يكتفى فيه بمجرد التوكيل في الأداء أو الإيصال، أو بشرط إخبار الوكيل بأحدهما،

أو بشرط كونه عادلا أو ثقة، أو يفصل بين التوكيل في الأداء و التوكيل في الإيصال؟

في المسألة وجوه:

وجه الأوّل: أن الشغل اليقيني يقتضي تحصيل البراءة اليقينية.

و إن شئت قلت: إنّ الاشتغال يستصحب إلى أن يحصل العلم بارتفاعه.

و وجه الثاني: انّ الوثوق بنفسه علم عاديّ يعتمد عليه العقلاء في جميع شئونهم.

و وجه الثالث: ما ورد من النهي عن اتهام من ائتمنه الإنسان، و الوكيل مؤتمن لا محالة فيجب أن يعتمد عليه:

ففي خبر مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه «ع» أنّ رسول اللّه «ص» قال: «ليس لك أن تتّهم من قد ائتمنته، و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته.» «1»

و في خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ليس لك أن تأتمن من خانك، و لا تتّهم من ائتمنت.» «2» بل يظهر من كلماتهم في باب الوديعة و العارية التسالم على عدم اتهام المؤتمن و عدم تضمينه فراجع.

و وجه الرابع: أن يقال: إنّ المقصود من عدم اتّهامه عدم اتّهامه في أفعاله و أقواله فما لم يصدر عنه فعل أو قول يدلّ على أدائه للزكاة لا معنى للاعتماد عليه في قبال الشغل اليقيني بها.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 229، الباب 4 من كتاب الوديعة، الحديث 10.

(2)- الوسائل 13/ 229، الباب 4 من كتاب الوديعة، الحديث 9.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 378

..........

______________________________

و يوجّه الخامس: بأنّه لا يجوز توكيل من ليس ثقة أو عدلا في مثل الزكاة و نحوها و لا يأتمنه العقلاء أيضا في شئونهم، و المقصود في الأخبار المذكورة و كلمات الأصحاب أيضا ايتمان الشخص الأمين الموثوق به لا مطلقا، و لذا نهى فيها عن ايتمان الخائن، فالملاك كونه موثوقا به و بقاؤه

أيضا على ذلك.

فإن كان كذلك اعتمد عليه العقلاء و يكون محكوما عندهم بالاستقامة و حسن العمل و عدم كونه تاركا لوظائفه أخبر بذلك أم لم يخبر. و احتمال السهو و الغفلة أيضا مدفوع عندهم إلّا أن يغلب عليه ذلك.

و يوجّه السادس: بأنّ في الوكيل في الإيصال قد حصل من المالك العزل بالنيّة، و قد مرّ كفاية العزل في تمحّض المعزول زكاة، و حيث جاز التوكيل في التوزيع و الإيصال بمقتضى الأخبار الواردة فبالإعطاء له قد تمّ ما كان من قبل المالك.

و هذا بخلاف الوكيل في الأداء مستقلا إذ لم يحرز منه عزل و لا أداء فكيف يكتفى بمجرد توكيله ما لم يحصل وثوق بأدائه.

و الأقوى هو الوجه الخامس لاستصحاب بقاء الشغل ما لم يحصل العلم أو الوثوق بالأداء أو أنّه يؤدّي عاجلا.

و في صحيحة على بن يقطين قال: سألت أبا الحسن «ع» عمّن يلي صدقة العشر على من لا بأس به. فقال: «إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت وضعها في مواضعها.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 193، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 379

..........

______________________________

و في خبر صالح بن رزين قال: دفع إليّ شهاب بن عبد ربّه دراهم من الزكاة أقسّمها فأتيته يوما فسألني هل قسّمتها؟

فقلت: لا فأسمعني كلاما فيه بعض الغلظة فطرحت ما كان بقي معي من الدراهم و قمت مغضبا. فقال لي: ارجع حتى أحدثك بشي ء سمعته من جعفر بن محمد «ع» فرجعت فقال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إنّي إذا وجبت زكاتي أخرجتها فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها؟ قال: «نعم لا بأس بذلك، أما إنّه أحد المعطين.»

قال صالح: فأخذت الدراهم حيث سمعت الحديث فقسّمتها. «1» هذا. و لو انكشف الخلاف و أن الوكيل لم يؤدّها فالشغل باق إلّا فيما مرّ من عدم تاخيره و تفريطه.

______________________________

(1)- الكافي 4/ 17، كتاب الزكاة، باب أنّ الذي يقسّم الصدقة شريك صاحبها في الأجر، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 380

[الثانية عشرة إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة، فأعطى شيئا للفقير]

الثانية عشرة إذا شكّ في اشتغال ذمّته بالزكاة، فأعطى شيئا للفقير و نوى أنه إن كان عليه الزكاة كان زكاة، و إلّا فإن كان عليه مظالم كان منها، و إلّا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له، و إلّا فمظالم له، و إن لم يكن على أبيه شي ء فلجدّه إن كان عليه- و هكذا- فالظاهر الصحّة. (1)

______________________________

(1) قد مرّ سابقا: أنّ الزكاة و الخمس و الكفارات و نحوها و إن كانت أمورا قصدية متقوّمة بالقصد و النيّة لكن يكفي فيها القصد الإجمالي كأن ينوي مثلا ما في ذمّته إن كان واحدا أو ما اشتغلت به ذمّته أوّلا أو نحو ذلك.

و على هذا ففي المثال الذي ذكره المصنّف من الأمور الطولية يتصوّر وجوه:

الأوّل: أن ينوى كما في المتن مرتّبا، و ليس فيها ترديد لا في النيّة و لا في المنوىّ، بل في واقعية المنويّ في كلّ مرتبة.

فالمنوي في كلّ مرتبة أمر واحد نوى امتثال أمره بنحو الجزم و التعين و لكن على تقدير ثبوته خارجا، نظير جميع موارد الاحتياط.

و التعليق على الموضوع ثابت تكوينا نواه الفاعل أو لم ينوه و ذكره أو لم يذكره.

نظير تعليق طلاق المرأة على كونها زوجة، و بيع المال على كونه ملكا له.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 381

..........

______________________________

و الإجماع على بطلان التعليق في العقود و الإيقاعات على فرض تسليمه لم يثبت شموله لمثل ذلك مضافا إلى أن النيّة ليست عقدا و لا إيقاعا.

الثاني: أن ينوي على هذا الترتيب و لكن لا بنحو التعليق بل بنحو الجزم في كلّ مرتبة نظير الإنشاء منجزا في موارد الشكّ. ففي حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في المقام: «نيّة العناوين القصدية أشبه شي ء بالإنشاء فإن نوى تلك العناوين مرتّبة على نحو التنجّز كان أولى، غاية الأمر أن تأثيرها في وقوع المنويّ مرتّب على ثبوت موضوعه.» «1»

أقول: قد مرّ منّا سابقا: أنّ النيّة و القصد غير الإنشاء، فإنّ الإنشاء خفيف المؤونة فيمكن إنشاء أمور متنافية بنحو الترتيب مع الترديد في الواقع منها.

و أمّا النية القلبية فالتنجيز فيها ملازم للجزم بحصول المنوي. مضافا إلى استلزام ما ذكر لنحو من التشريع المحرّم. و ما قد يقال من تصوير التجزّم مع الترديد و الشكّ يشكل لنا تصويره.

الثالث: أن يرتّبها في ذهنه كما شاء ثمّ ينوي أوّل ما له الواقعية منها بحسب هذا الترتيب و هذا صحيح قطعا و لا تعليق فيه أيضا.

الرابع: أن ينوي ما هو الثابت منها أوّلا بحسب عمود الزمان، و لا محالة إن كان على أبيه أو جدّه شي ء انطبق عليه قهرا إلّا إذا فرض كون اشتغال ذمّة نفسه مقدما على اشتغال ذمّتهما.

الخامس: أن ينوي ما هو الثابت منها واقعا من دون لحاظ الترتيب، و مقتضى ذلك التوزيع مع التعدّد فتأمّل.

______________________________

(1)- العروة الوثقى/ 426، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 382

[الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا]

الثالثة عشرة لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أوّلا فأوّلا. (1) فلو كان عليه زكاة السنة

السابقة و زكاة الحاضرة، جاز تقديم الحاضرة بالنيّة. و لو أعطى من غير نية التعيين فالظاهر التوزيع. (2)

______________________________

(1) إذ لا دليل على وجوب الترتيب، و الإطلاق و كذا الأصل ينفيه.

(2) قد علّق الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- على لفظ التوزيع فقال:

«بل الظاهر وقوعه عن بعض ما عليه من الزكاة بلا تعيّن زائد على ذلك.» و يظهر قريب من ذلك من حواش أخر أيضا. «1»

و في المستمسك: «مع اختلاف المأمور به في الخصوصيّات الموجبة لاختلاف الأحكام- كما إذا كان أحدهما في الذمّة و الآخر في العين، أو كان أحدهما في نصاب الإبل و الآخر في نصاب الغنم- لا بدّ من التعيين و لو على نحو التوزيع.

فلو لم يقصد شي ء من ذلك أصلا لم يسقط شي ء من الزكاة، لئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح.

و مع عدم الاختلاف- كما إذا كان كلّ منهما في الذمّة- يسقط من الزكاة

______________________________

(1)- راجع العروة الوثقى/ 426، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 383

..........

______________________________

بمقدار ما أعطى و يبقى الباقي من دون تعيين لامتناع التعيين من دون معيّن.» «1»

أقول: قد مرّ عن المصنّف في أوائل الفصل السابق البحث في التعيين بنحو يظهر منه حكم المقام أيضا، و مرّ منّا أيضا الكلام فيه مفصّلا. «2»

و إجماله أن المجعول شرعا و إن كان زكاة هذا المال بخصوصه و ذاك بخصوصه، و لكن يكفي في مقام الأداء قصد أصل الطبيعة الجامعة بين الخصوصيات بداعي مطلق الأمر، فإنها مجهولة بعين جعلها كما تكون موجودة بعين وجودها.

و سيرة المتشرعة أيضا قد استقرت في جميع الأعصار على قصد أصل الزكاة حين أدائها أو الوصية بها من دون التفات إلى الخصوصيات غالبا و لعلّها صارت

منسيّة لهم، و لكن لا يترتب آثار الخصوصيات إلّا على قصدها بخصوصها.

نظير ما إذا كان عليه قضاء رمضان من سنين مختلفة فإنه يكفي فيه قصده إجمالا في حصول الامتثال بالنسبة إلى أصل الطبيعة و لكن مع ضيق الوقت لو أراد عدم تعلّق الكفارة بالنسبة إلى السنة الأخيرة وجب عليه قصد قضائها بخصوصه.

و مع اختلاف المتعلق عنده أيضا يسقط عن عهدته مقدار ما أعطاه بقصد أصل الزكاة من دون تعيّن بعض الخصوصيات إذ المفروض أنّها كما يجوز أن تؤدّى من العين يجوز أن تؤدّى من مال آخر أيضا بعنوان الزكاة، و لا نريد إضافتها إلى بعض المصاديق الخاصّة أو ترتيب آثارها حتّى يلزم الترجيح بلا مرجّح. و كون المعطي موافقا لبعض الأنواع لا يوجب انصرافه إليه- كما ظهر سابقا من المستمسك و من حاشية آية اللّه البروجردي هناك- «3» إذ المفروض أنّه قصد مجرّد كونه زكاة

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 366.

(2)- راجع كتاب الزكاة 4/ 246.

(3)- راجع المستمسك 9/ 348، و العروة/ 422 ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 384

..........

______________________________

من دون تعيين المتعلق في قصده و إرادته. و الانصراف مورده الشك في مرحلة الإثبات فلا مجال له مع الإطلاق ثبوتا و بحسب القصد.

و أما ما يظهر من التذكرة من جواز تعيين بعض الخصوصيات بعد أدائها و إيصالها إلى المصرف «1»،

فأورد عليه في الجواهر بما محصّله: «عدم الدليل على جواز ذلك بعد وقوع الفعل، و بالأداء يخرج المال عن الكليّة و عن اختيار المالك و يصير ملكا للفقير فلا يقبل التعيين.» «2»

و إن شئت قلت: الشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه فإذا وقع بلا عنوان لا يقع بعد ذلك معنونا بعنوان خاصّ.

نعم يمكن

أن يقال: إنّ التوزيع ممّا يقتضيه قاعدة العدل و الإنصاف و يساعده العرف و الاعتبار أيضا في تزاحم الحقوق. و حكاه في الجواهر عن البيان و المسالك و فوائد الشرائع.

و إن كان الأحوط عدم ترتيب آثار الخصوصيات أصلا إلّا مع قصدها أوّلا، إذ التوزيع عليهما أيضا نحو من التعيين فيتوقّف على القصد. و إن شئت تفصيل المسألة فراجع ما حرّرناه في أوائل الفصل السابق. «3»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 243.

(2)- الجواهر 15/ 480.

(3)- راجع كتاب الزكاة 4/ 246 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 385

[الرابعة عشرة: في المزارعة الفاسدة، الزكاة]

الرابعة عشرة في المزارعة الفاسدة، الزكاة- مع بلوغ النصاب- على صاحب البذر. (1) و في الصحيحة منها عليهما (2) إذا بلغ نصيب كلّ منهما. و إن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط.

و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما، و إن بلغ المجموع النصاب.

______________________________

(1) سواء كان للمالك أو للزارع أو لكليهما لتسالمهم على كون الزرع ملكا لصاحب البذر و تابعا له، و البحث فيه موكول إلى محلّه. و لا محالة لو كان لكليهما اعتبر بلوغ نصيب كلّ منهما إلى حدّ النصاب.

(2) لأنّ الزرع ملك لهما على ما عقدا عليه، و لا تأثير للخلطة عندنا خلافا لبعض أهل الخلاف فعندنا يحسب مال كلّ منهما بحياله.

و يدلّ عليه مضافا إلى الإجماع المدّعى بقسميه صحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد اللّه «ع»- في حديث زكاة الغنم- قال: «و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق.» «1» أى في الملك على ما فسرّت بذلك.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 85، الباب 11 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 386

..........

______________________________

و صحيحة زرارة عن أبى جعفر

«ع»- في حديث- قال: قلت له: مأتي درهم بين خمس أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم أ يجب عليهم زكاتها؟

قال: «لا هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث، ليس عليهم شي ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مأتا درهم.» قلت: و كذلك في الشاة و الإبل و البقر و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال: «نعم». «1»

و إن شئت تفصيل المسألة فراجع ما حررناه في المسألة الثالثة و الرابعة من زكاة الأنعام «2».

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 102، الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة، الحديث 2.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 195.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 387

[الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة]

اشارة

الخامسة عشرة يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة (1) و يصرفه في بعض مصارفها، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلّا بصرف مال و لم يكن عنده ما يصرفه فيه، أو كان فقير مضطرّ لا يمكنه إعانته و رفع اضطراره إلّا بذلك، أو ابن السبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك و كان لا يمكن تأخيره فحينئذ يستدين على الزكاة و يصرف، و بعد حصولها يؤدّي الدين منها.

[صور الاقتراض في المسألة و دليل الجواز]

______________________________

(1) أقول: الاقتراض في المقام إمّا أن يقع على نفس الزكاة بما هي مالية إسلامية.

أو على أربابها و مصارفها الثمانية لا بأشخاصها بل بعناوينها العامّة من حيث هم مصارفها.

أو على الحاكم لا بشخصه بل بمنصبه و بما أنّه وليّ الزكوات و المصارف.

أو على بيت المال بما أنّه يحوي الزكوات و غيرها و لو في المآل.

فهذه وجوه أربعة متقاربة. و المصنف تعرّض في المسألة للثلاثة الأول و أرجع بعضها إلى بعض.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 388

..........

______________________________

أمّا الأوّل فبأن يقترض على نفس الزكاة و يصرفه في مصارفها فتصير الزكاة مديونة به سواء قصد زكاة مال خاصّ أو زكاة بلد خاصّ، أو مطلق الزكوات، أو ما يؤدّي منها إليه في المستقبل.

قال في الجواهر في مسألة تقديم الزكاة: «أو على كونه قرضا على الزكاة على حسب استقراض المجتهد عليها فلا تكون ذمّة الفقير حينئذ مشغولة و يكون الدفع إليه كالصرف في سبيل اللّه، على الزكاة فإنّه لا شغل ذمّة فيه لأحد.» «1»

و في المستمسك ما محصّله: «الظاهر عدم الإشكال في ذلك إذ لا إشكال في أنّ وليّ الزكاة يستأجر لحفظها و جمعها و نقلها و رعيها و يشتري لعلفها و سقيها فتكون الأجرة أو

القيمة مستحقة على الزكاة لا على الوالي و لا على غيره.» «2»

و ظاهر المصنف توقف الجواز على الاضطرار، و لكن الظاهر كفاية الحاجة العرفية أو وجود المصلحة فيه و لو لصيرورة الاقتراض و الصرف في المصارف باعثا للملّاك على أداء زكواتهم.

و نظير المقام اقتراض متولي الموقوفة على نمائها المترقب لإصلاحها و تعميرها أو للصرف في مصارفها المقرّرة.

و كذلك اقتراض هيئة الأمناء على الصناديق المعيّنة لقرض الحسنة أو الإعانات و الخيرات و بناء المساجد و المعاهد و نحو ذلك إذا خلت فعلا من النقود. إذ الاقتراض يقع في الحقيقة على أموالها المترقبة.

و هذا أمر متعارف في جميع البلاد. و الشخصية الحقوقية في أعصارنا أمر يعتبره العقلاء كثيرا بحيث يقع أكثر التجارات المهمّة و العقود و منها الاستقراض

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 465.

(2)- المستمسك 9/ 366.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 389

..........

______________________________

بينها و ربّما يكون اعتبارها عندهم أقوى من الشخصيات الحقيقية كما نشاهد ذلك في معاملات البنوك و المصارف.

بل لعلّه يكون من هذا القبيل أيضا استقراض بعض الدول من بعض الشائع في جميع الأعصار و البلاد إذ الاستقراض يقع غالبا على أساس الماليّات المقررة من قبل الدولة المقترضة المترقب أخذها في المستقبل.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ الاستقراض يقع على هيئة الدولة لا على الماليّات و إن كان اعتبار الدولة بها بنحو التعليل. هذا.

و يكفي في صحة هذا الاقتراض إطلاق قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.» بناء على كونه في مقام التشريع و إرادة جميع العقود العقلائية منه و إن لم تتعارف في عصر التشريع.

و كذلك إطلاق أخبار الاستدانة و الاستقراض على اللّه- تعالى- مع الحاجة، «1» بناء على تعميمها للهيئات و العناوين و الشخصيات الحقوقية أيضا بإلغاء الخصوصية، إذ استقراض

الهيئات و الدول من أشدّ الحاجات الاجتماعية، و ربّما يكون الحاجة إليه أشدّ من حاجة الأشخاص، و قد يحكم العقل و العقلاء بلزومه و ذمّ تاركه.

فعلى الفقيه البصير بالمسائل الاجتماعية ملاحظة المسائل بلحاظ واسع شامل حيث إنّ الدين واسع. فلا وجه لاحتمال اختصاص الجواز بالحاجات الشخصية فتدبّر.

بل يمكن أن يقال: إنّ في المعاشرات و الأمور العادية و منها المعاملات و العقود المتعارفة بين افراد المجتمع و بين القبائل و الدول لا نحتاج إلى التأسيس و الإجازة

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 79، الباب 2 من أبواب الدين و القرض.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 390

..........

______________________________

من قبل الشارع، بل يحيلها الشارع- كغيره من المقننين- إلى عقلاء الأمّة، و إنّما على الشارع في هذا السنخ من الأمور، الردع عمّا فيه مفسدة و ضرر كما نهى عن الربا و بيع الغرر و الغشّ و نحو ذلك. فما لم يصل منه ردع في الأمور العادية يجوز العمل فيها على طبق ما يقرّره العقلاء فتأمّل. هذه غاية تقريب كلام المصنّف.

[أدلة المنع]

اشارة

و أورد على ذلك مناقشات نتعرّض لها:

[الأوّل: الزكاة لا ذمّة لها حتّى تشتغل بالاقتراض عليها]

الأولى: ما في كلام المصنّف من أنّ الزكاة لا ذمّة لها حتّى تشتغل بالاقتراض عليها.

و أجاب هو عن ذلك بأنّ هذه الأمور اعتبارية، و العقلاء يصحّحون هذا الاعتبار. و نظيره استدانة متولي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه.

أقول: مضافا إلى ما قيل من أنّ قوام الأمر الاعتبارى باعتبار العقلاء له، و اعتبار الزكاة و نحوها من الأموال مالكا للقرض مديونا به بعيد عن ارتكازهم فتأمّل، إذ يمكن أن يقال: إنّ الاعتبار خفيف المؤونه و أكثر الشخصيات الحقوقية تدور مدار الأموال.

قد أورد على ذلك بوجود الفارق بين مثال الزكاة و ما ذكره من مثال الوقف:

إذ في مثال الوقف يكون الاستقراض على العين الموقوفة بداعي الصرف في مصالحها بخلاف المقام فإنّه على الزكاة التي لم تحصل بعد بداعي الصرف في مصارفها لا في مصالحها.

[الثاني: كون الدين على الزكاة مستلزم لكون ما أخذ قرضا ملكا للزكاة لا زكاة]

الثانية: ما في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في المقام حيث قال: «كون الدين على الزكاة مستلزم لكون ما أخذ قرضا ملكا للزكاة لا زكاة كما أفاد، فلو صحّ لوجب صرفه فيما يحتاج إليه الزكاة لا في مصارفها، كما في الاستدانة على الوقف حيث يصرف في تعميره لا في الموقوف عليهم. ثم إن الزكاة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 391

..........

______________________________

ملك أو حقّ لمستحقّيها، و ليست من الجهات التي يعتبر لها ملك ذمّة.» «1»

و قد تعرّض لما ذكره- قدّس سرّه- بعض الحواشي الأخر أيضا.

أقول: قد مرّ الكلام فيما ذكره أخيرا. و أمّا ما ذكره أوّلا فيمكن أن يجاب عنه بأنّه ليس الاستقراض على الزكاة إلّا كالاستقراض على ما في الصناديق و البنوك، و الاستقراض على عوائد الدولة حيث يقصد بذلك بدلية القرض عنها و صرفه في مصارفها، فيكون البدل

عوض المبدل منه و بحكمه، و هذا معنى مالكية الزكاة و الصندوق و البنك للقرض و صيرورتها مديونة به عند العقلاء و أهل الفنّ.

فكما أن المال المشترى بالزكاة يصير بحكم الزكاة و عوضا عنها فكذلك المال المأخوذ قرضا عليها إذ القرض أيضا نحو من المبادلة.

و إن شئت قلت: مال الشخص يصرف في مصالحه، و لكن من أهمّ مصالحه إدارة ما عليه من المصارف فكذلك مال الزكاة أيضا إذ من أهمّ مصالحها إدارة ما عليها من المصارف الثمانية فتأمّل.

[الثالث: الاقتراض فيه ليس لمصلحة الزكاة بل لمصلحة الفقير]

الثالثة: ما في المستمسك قال: «نعم قد يشكل القرض بأنّ الاقتراض فيه ليس لمصلحة الزكاة بل لمصلحة الفقير، و ليس له الولاية عليه.

مع أن فرض الولاية عليه يقتضي جواز الاقتراض على ذمّته لا على ذمّة الزكاة.» «2»

أقول: يرد عليه أوّلا: ما مرّ آنفا من أنّ إدارة مصارف صاحب المال من أهمّ مصالحه.

و ثانيا: أنّ الزكاة ليست لفقير خاصّ حتّى يشكك في ولاية الحاكم عليه،

______________________________

(1)- راجع العروة الوثقى/ 427، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه-. ق.

(2)- المستمسك 9/ 367.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 392

..........

______________________________

بل هي لعنوان الفقراء و سائر المصارف العامّة، و رعاية مصالح العناوين العامّة و إحقاق حقوقها من أهمّ وظائف الحاكم على الأمّة.

و ثالثا: أنّ الاقتراض على مال العنوان عبارة أخرى عن الاقتراض على ذمّته إذ ذمّته لا تفرغ إلّا بهذا المال.

[الرابع: الزكاة التي لم تحصل بعد كيف يعتبر لها ذمّة و يستقرض عليها؟]

الرابعة: ما في بعض الكلمات من أنّ الزكاة التي لم تحصل بعد كيف يعتبر لها ذمّة و يستقرض عليها؟

و يمكن أن يجاب بأن الاعتبار خفيف المؤونة، و المستقبل المتحقّق الوقوع بمنزلة المتحقّق فعلا و يعتبره العقلاء و يرتبون عليه الآثار و إن شئت قلت: إنّ وجود قوة الشي ء يعتبر نحو وجود لذلك الشي ء، فالزكاة المترقب الوجود كالماليات و عوائد الدولة المترقبة حيث يعتبرها العقلاء و يقرضون و يعاملون عليها فتدبّر.

[الخامس: هذه المسألة مبنية على ثبوت الولاية العامّة للفقيه و في المبنى إشكال]

الخامسة: ما في حاشية آية اللّه الخونساري- طاب ثراه- حيث قال:

«هذه المسألة مبنية على ثبوت الولاية العامّة للفقيه، و في المبنى إشكال.» «1»

و يظهر هذا الإشكال من بعض الحواشي الأخر أيضا.

أقول: قد حقّقنا في محلّه أن الحكومة العادلة الحافظة لنظام المجتمع و حقوقه المانع عن التعدّي و الكفاح ضرورة واضحة للبشر و لا تقوم حياتهم الاجتماعية إلّا بها.

و في نهج البلاغة: «إنّه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر.» «2»

و في البحار عن أمير المؤمنين «ع»: «أسد حطوم خير من سلطان ظلوم، و سلطان ظلوم خير من فتن تدوم.» «3»

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 343، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 125، عبده 1/ 113، لح/ 82. الخطبة/ 40.

(3)- بحار الأنوار 72/ 259 (ط. بيروت)، كتاب العشرة، باب أحوال الملوك و الأمراء، الحديث 74.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 393

..........

______________________________

و بيّنا في محله شرائط الحاكم الإسلامى على أساس الكتاب و السنة، و لا محالة تنطبق في عصر الغيبة على الفقيه الجامع للشروط الثمانية التي ذكرناها. «1»

و وظيفته حفظ النظام و إدارة شئون الأمّة على أساس موازين الإسلام.

فلا نقول بولاية كلّ فقيه، بل بولاية الفقيه الجامع للشرائط.

و لا تنحصر وظيفته في خصوص الأمور

الجزئية من قبيل أموال الغيّب و القصّر فقط، بل حفظ جميع الشؤون الاجتماعية المرتبطة بقيّم المجتمع و منها الأمور المشار إليها.

و أيّ حسبة أهمّ من إدارة شئون المسلمين و حفظ كيانهم و تنفيذ قوانين الإسلام فيهم؟ و هذا هو المقصود بالولاية المطلقة أو الولاية العامّة في قبال من خصّ ولايته بالأمور الجزئية فقط.

و لا نريد بالولاية المطلقة أو العامّة قدرته المطلقة و كونه فعّالا لما يشاء بلا حساب و لا كتاب بحيث يرجع إلى الاستبداد و الديكتاتورية كما قد يتوهّم، فإنّ ولاية النبي «ص» و الأئمة «ع» أيضا لم تكن على هذا الأساس.

قال اللّه- تعالى- في سورة المائدة مخاطبا لنبيه «ص»: «فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ عَمّٰا جٰاءَكَ مِنَ الْحَقِّ.»

و قال: «وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكَ.» «2»

فولاية رسول اللّه «ص» أيضا كانت في إطار تنفيذ أحكام اللّه- تعالى- لا على أساس القدرة المطلقة.

______________________________

(1)- راجع دراسات في ولاية الفقيه ... 1/ 259 و ما بعدها.

(2)- سورة المائدة (5)، الآيتان 48، 49.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 394

..........

______________________________

و اللّه- تعالى- أمره أن يكون حكمه بينهم على أساس أحكام اللّه لا على متابعة أهواء الناس و أصواتهم.

و هذا هو الفارق البيّن بين الحكم الإسلامي و الحكومة الشعبية المطلقة الرائجة في أعصارنا المراعى فيها أهواء الناس و آرائهم و لو كانت على خلاف موازين الإسلام و العقل الصحيح.

و ما تسمع من وجود أحكام سلطانية مولوية صدرت عن رسول اللّه «ص» بما أنّه كان وليّ أمر المسلمين فليس معناه حكمه بأحكام مضادّة لأحكام اللّه- تعالى-، بل الظاهر أنّها كانت أحكاما

عادلة موسميّة من قبيل الصغريات و المصاديق للأحكام الكلية النازلة من قبل اللّه- تعالى-.

و ربّما كان يفوّض إليه بالوحي تشريع أحكام خاصّة و هذا كان من خصائصه، و ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى، و لو تقوّل على اللّه بعض الأقاويل لأخذ منه باليمين و لقطع منه الوتين. «1»

و كيف كان فالروح الحاكم على مجتمع المسلمين ليس إلّا ما أنزله اللّه تعالى حتى في الأحكام الثانوية فإنّها أيضا مستفادة من كبريات كليّة أنزلها اللّه على نبيّه قال اللّه- تعالى-: «إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ»* و قال: «أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ.» «2»

و بالجملة فيفترق الحكم الإسلامي عن سائر الحكومات الدارجة بوجهين أساسيّين:

الأوّل: أنّ الحاكم الإسلامي ينتخب على أساس الشرائط المستفادة من الكتاب و السنة و قد أنهيناها إلى ثمانية فراجع.

الثاني: إنّ أساس حكمه هي أحكام اللّه- تعالى- و إن شئت قلت: الأصول

______________________________

(1)- اقتباس من سورة النجم (53)، الآيتان 3 و 4 و سورة الحاقة (69)، الآيات 44- 46.

(2)- سورة الأنعام (6)، الآيتان 57 و 62.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 395

[إذا أعطى فقيرا من هذا الوجه و صار عند حصول الزكاة غنيا لا يسترجع منه]

و إذا أعطى فقيرا من هذا الوجه و صار عند حصول الزكاة غنيا لا يسترجع منه، إذ المفروض أنّه أعطاه بعنوان الزكاة.

و ليس هذا من باب إقراض الفقير و الاحتساب عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمّة الفقير بخلاف المقام فإنّ الدين على الزكاة (1).

______________________________

و القوانين التي يشرّعها و يبينها فقهاء الأمة و خبراؤها على أساس موازين الإسلام و أحكامه.

و لا يجوز له في هذه الصورة تخلّفها بعد ما كان انتخابه على هذا الأساس لكونه من قبيل الشرط في ضمن العقد.

و كيف كان فالولاية العامّة بالمعنى الذي ذكرناه ثابتة للفقيه

الجامع للشرائط بلا إشكال.

و كما يحتاج الأشخاص في حياتهم الفردية إلى الاستقراض و أجازه الشرع المبين، فقد يحتاج الحاكم أيضا في إطار حكمه و في تنفيذ واجباته إلى ذلك.

و قد بيّنا سابقا أنّ الزكاة ضريبة إسلامية جعلت أوّلا و بالذات تحت اختيار الحاكم الإسلامي ليضعها في مواضعها على الوجه الصحيح.

فلا محالة يجب أن يعمل فيها على أساس المصلحة للمصارف المعينة، و ربّما يحتاج في ذلك إلى الاستقراض عليها، فالإشكال في ذلك بعدم ثبوت الولاية العامّة مدفوع فتدبّر.

(1) و بالجملة فما في صحيحة الأحول عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل عجّل زكاة ماله ثمّ أيسر المعطى قبل رأس السنة قال: «يعيد المعطى الزكاة.» «1» مورده صورة

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 211، الباب 50 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 396

و لا يضرّ عدم كون الزكاة ذات ذمّة تشتغل. لأنّ هذه الأمور اعتبارية، و العقلاء يصحّحون هذا الاعتبار (1).

[استدانة متولي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد من نمائه]

و نظيره: استدانة متولي الوقف لتعميره ثمّ الأداء بعد ذلك من نمائه (2) مع أنّه في الحقيقة راجع إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة (3) من الفقراء و الغارمين و أبناء السبيل من حيث هم من مصارفها، لا من حيث هم هم، و ذلك مثل ملكيّتهم للزكاة فإنّها ملك لنوع المستحقين فالدين أيضا على نوعهم من حيث إنّهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم.

______________________________

إقراض الفقير الخاص من قبل المالك بقصد الاحتساب بعد ذلك و لا يشمل المقام حيث إنّ المعطى له في المقام ليس قرضا عليه بل من باب الزكاة فتدبّر.

(1) مرّ الكلام في ذلك.

(2) المناسب للمقام التنظير بالاستدانة على عوائد الوقف و نمائه للصرف في مصارفه إذ لأحد أن يقول: إنّ الوقف بنفسه

عين خارجية فيمكن أن يعتبر لها ذمّة و هذا بخلاف الزكاة التي لم تحصل بعد.

ثمّ القرض على الوقف يصير ملكا له فيصرف في تعميره، و القرض على الزكاة لا يصير زكاة فكيف يصرف في مصارفها. هذا. و لكن قد أجبنا عن كلا الأمرين.

(3) قد أورد على ذلك أوّلا بمنع رجوعه إليه بل كلّ منهما وجه مستقل إذ الاستقراض في الأوّل على نفس الزكاة و في الثاني على أربابها.

و ثانيا: أن جعل عنوان الفقراء مثلا مديونا لا يصحّح صيرورة المأخوذ قرضا عليه زكاة بحيث يصير ملكا للفقير المعطى له بعنوان الزكاة، بلا اشتغال لذمّته.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 397

..........

______________________________

و ثالثا: أن مقتضى ذلك أداء دين العنوان من سهم الغارمين لا من سهم الفقراء.

و رابعا: ما في المستمسك حيث قال: «فيه أن بعض أرباب الزكاة مثل سبيل اللّه- تعالى- ممّا لا ذمّة له كالزكاة فيرجع الإشكال. مضافا إلى أنّ إشغال ذمّة أرباب الزكاة بما أنّهم من مصارفها لا ولاية للحاكم الشرعي عليه كإشغال ذمّتهم بما أنّهم هم لعدم الدليل على هذه الولاية. و قولهم: الحاكم الشرعي وليّ الفقراء. يراد منه أنّه وليّ الزكاة الراجعة إليهم فولايته على الفقراء بلحاظ خصوص الزكاة الراجعة إليهم.» «1» هذا.

و يمكن أن يجاب عن الأوّل بأنّ الإشكال يرد على فرض الاستقراض على نفس العناوين الثمانية، و لكن المصنّف فرض الاستقراض عليهم من حيث هم مصارف الزكاة و أربابها، و ظاهر الحيثيّة المأخوذة كونها تقييدية لا تعليليّة.

و على هذا فمآل الوجهين واحد.

اللّهم إلّا أن يقال بوجود الفرق بينهما مع ذلك أيضا فإن الاستقراض في الأوّل على نفس الزكاة و في الثاني على مالكها من حيث مالكيّته لها.

و بما ذكرنا يظهر الجواب عن

الثاني أيضا فإنّ الاستقراض على العناوين من حيث هم أرباب الزكاة و مصارفها يرجع إلى جعل القرض بدلا عن الزكاة و بحكمه فإنّه نوع من المبادلة.

و يجاب عن الثالث بأنّ الاستقراض على الفقراء مثلا بما هم أرباب الزكاة يرجع إلى جعل القرض بدلا عن سهم الفقراء، و مقتضى ذلك جواز الأداء من سهمهم.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 368.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 398

[يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقين بقصد الأداء من مالهم]

و يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقين بقصد الأداء من مالهم، و لكن في الحقيقة هذا أيضا يرجع إلى الوجه الأوّل. (1).

______________________________

و أمّا ما في المستمسك فيرد عليه أوّلا: ما مرّ من كون الاعتبار خفيف المؤونة فيمكن اعتبار الذمّة لعنوان سبيل اللّه أيضا، و هذا أمر عقلائي.

و ثانيا: ما أشار إليه هو أخيرا إذ ليس المقصود لنا الولاية على العناوين بنحو الإطلاق، بل بما هم أرباب الزكاة الراجعة إليهم حيث فوّضت أمرها إلى حاكم الإسلام كما مرّ. فعليه رعاية حقوقهم و صلاحهم، و ربّما أوجب ذلك الاستقراض عليهم بما أنّهم أربابها فتدبّر.

(1) في المستمسك: «لأنّ التصرف بعنوان الولاية راجع إلى التصرّف في المولّى عليه.» «1»

أقول: و إن شئت قلت كما مرّ منّا: أنّ الظاهر من الحيثية كونها تقييدية فيرجع هذا الوجه أيضا إلى الوجه الأوّل.

و لكن قد مرّ إمكان المناقشة في ذلك للفرق البيّن بين نفس الزكاة و بين الوليّ عليها و لو من حيث ولايته.

و يمكن افتراقهما في الآثار أيضا فلو كان القرض على نفس الزكاة جاز للمقرض الأخذ منها مقاصّة لو فرض موت الحاكم مثلا بخلاف ما إذا كان على الحاكم بمنصبه فإنّ اللازم في مثله الرجوع إلى الحاكم بعده فتأمّل.

و كيف كان فلو

ناقشنا في الوجهين السابقين فالظاهر عدم جريان المناقشة في هذا الوجه لاستقرار سيرة العقلاء من الحكام و الولاة و رؤساء الدول و أرباب المناصب في أنحاء العالم على الاستقراض على أنفسهم بلحاظ مناصبهم و الأموال

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 369.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 399

..........

______________________________

الواقعة و لو في المآل تحت اختيارهم سواء اعتبرت الحيثيّة تقييديّة أو تعليليّة.

و إن كان الظاهر كما مرّ كونها تقييديّة فيكون الموضوع للاستقراض في الحقيقة نفس المنصب، و لذا ينتقل القرض منه مع الموت أو الانعزال إلى من تصدّى للولاية و المنصب بعده. و لو كانت الحيثيّة علّة لصيرورة الشخص موضوعا لم يكن وجه لانتقال القرض و التعهدات منه إلى من بعده. و هذا هو الفارق بين الحيثيتين.

و بالجملة فكما أنّ الملكيّة قد تعتبر للمناصب و العناوين و الهيئات و يكون الموضوع لها نفس الحيثية، فكذلك الاستقراض و التعهدات يمكن أن تقع على نفس الحيثيات و العناوين.

و من هذا القبيل أيضا عنوان الدولة و الوزارة و الإدارة و المؤسسة و نحو ذلك فقد شاع في العالم استقراض بعض الدول من بعض أو من الأشخاص، و كذا استقراض بعض الإدارات أو الوزارات من بعض كما يجري بينهم المعاملات الأخر أيضا. و الظاهر أنّ التشكيك في صحّة أمثال ذلك تشكيك في البديهيات. هذا.

و لا يخفى جريان الإشكالات التي مرّت في الوجه الثاني في هذا الوجه أيضا.

و الجواب عنها الجواب.

و قد مرّ في صدر المسألة احتمال وقوع الاستقراض على عنوان بيت المال أيضا فإنّه أيضا أمر يعتبره العقلاء و الدول ذا شخصية حقوقية عندهم، نظير البنوك و المصارف حيث يعامل بعضها مع بعض و يستقرض بعضها من بعض و من الأشخاص الحقيقية أيضا، و

لا يسند المعاملة و الاستقراض إلى رئيس البنك مثلا بل إلى نفس البنك و يعتبر له شخصيّة حقوقيّة.

و الملاك اعتبارها عند الناس و إن لم يوجد له نقود فعلية و الأولى اختيار أحد الوجهين الأخيرين و لا يتعيّن بعد ذلك أداء الدين من سهم الغارمين إذ استدانة الحاكم بما أنه وليّ سهم الفقراء مثلا يقتضي أداء دينه من هذا السهم فتدبّر. هذا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 400

[هل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها]

و هل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها، أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ و جهان. (1) و يجري جميع ما ذكرنا في الخمس و المظالم و نحوهما.

______________________________

و المناسب نقل حاشية الأستاذ الإمام- طاب ثراه- أيضا في المسألة و قد علّقها على الوجه الأوّل من الوجوه التي ذكرها المصنّف قال: «هذا محلّ إشكال بل منع.

و على فرض جوازه صرفه في مصارف الزكاة محلّ منع. ثم جواز أداء هذا الدين من الزكاة محلّ إشكال بل منع لعدم كون أداء قرض الزكاة من مصارفها، و على فرض جواز صرفه لا يجوز إلّا بعد وجوب الزكاة. و وقت تعلقه لا مطلقا.

و القياس على اقتراض المتولّي على رقبات الوقف مع الفارق.

و كون الشي ء من الاعتباريّات لا يلزم جواز اعتباره بأيّ نحو يراد، و كون ذلك راجعا إلى اشتغال ذمّة أرباب الزكاة واضح المنع، كما أنّه مع استدانته على نفسه من حيث إنّه وليّ الزكاة يكون أداؤه منها محل إشكال إلّا من سهم الغارمين مع اجتماع الشرائط و هو غير ما في المتن، كما أنّ جواز الاستدانة على المستحقين و ولاية الحاكم على ذلك محلّ إشكال بل منع، فالمسألة بجميع فروعها محلّ إشكال.

نعم لا مانع من الاقتراض

ثمّ الإقراض على الفقير ثمّ أخذ الزكاة عوضا عن قرضه.» «1»

أقول: و من خلال ما ذكرناه بطوله يظهر مواضع المناقشة في كلامه فلا نعيد.

(1) الظاهر من العبارة الأولى إقراض المالك من مال نفسه على الزكاة أو على أربابها بما هم أربابها.

و من العبارة الثانية الاستدانة لذلك من مال غيره.

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 343، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 401

..........

______________________________

و لا يخفى أنّ الأخبار المستفيضة الدالة على جواز تعجيل الزكاة و إن حملت على إقراض المالك قبل وقتها، و لكن المراد به إقراضه لفقير خاصّ من مال نفسه حتى يحتسب به عند حلول الزكاة، و لذا شرطوا فيه بقاءه على صفة الفقر و سائر الشرائط إلى حين الاحتساب و هذا ممّا لا إشكال فيه كما هو ظاهر.

و أمّا في المقام فالمقصود إقراض المالك من مال نفسه على طبيعة الزكاة أو على عنوان الفقراء و الأصناف بما هم أربابها على نحو ما كان يصنعه الحاكم.

و الأعاظم المحشّون في المقام صرّحوا بعدم الجواز «1»، و علّل ذلك بعدم ولاية المالك لا على الزكاة و لا على أربابها.

و لكن لأحد أن يقول: لو فرض في بلد خاصّ عدم وجود الحاكم و تصدّى فيه عدول المؤمنين للأمور الحسبيّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها، فلو فرض كون المالك منهم و رأى ضرورة إدارة شئون الفقراء و سائر الأصناف و احتاج لذلك إلى الاقتراض على الزكوات المستقبلة أو أربابها فالظاهر صحّته على حذو ما كان الحاكم يصنعه فتدبّر. و قد طال الكلام في المقام و باللّه- تعالى- الاعتصام.

______________________________

(1)- راجع العروة الوثقى/ 427، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 402

[السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم «دستگردان»]

اشارة

السادسة عشرة

لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمّ الردّ عليه المسمى بالفارسية ب «دستگردان» أو المصالحة معه بشي ء يسير، أو قبول شي ء منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك. (1) فإنّ كلّ هذه حيل في تفويت حقّ الفقراء. و كذا بالنسبة إلى الخمس و المظالم و نحوهما.

[توضيح المصالحة و «دستگردان»]

______________________________

(1) مثل أن يصالح المالك مع الفقير مقدار مأئة درهم الذي عليه بما يساوي عشرة دراهم، أو يقوّم عند نفسه ما يساوي عشرة بمائة فيعطيه بعنوان المائة. أو يبيع ما يساوي عشرة بمائة في ذمّة الفقير ثمّ يحتسب المائة زكاة. أو يبيع الفقير للمالك ما يساوي مأئة بعشرة فيردّه المالك إليه زكاة بعنوان المائة. إلى غير ذلك من الأمثلة.

[الكلام في ما يقتضيه القواعد الشرعية]

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 402

و الكلام في المسألة تارة فيما يقتضيه القواعد الشرعية مع قطع النظر عن حكمة تشريع الزكاة و نحوها. و أخرى مع لحاظها.

أمّا الأوّل: فلا يخفى أنّه ليس للمالك ولاية على الزكاة في ماله إلّا على إعطائها عينا أو قيمة إلى الحاكم أو الأصناف، فليس له ولاية على تفويتها أو مصالحتها بأقل من قيمتها المتعارفة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 403

..........

______________________________

و حين ما أعطاها بوجهها و شروطها التي منها قصد العنوان جدّا و قصد القربة.

جاز الأخذ منه و تبرأ ذمّته بذلك قهرا.

و لا إلزام على الآخذ في الردّ عليه و إن وقع الإعطاء بهذا الداعي، إذ الداعي لا يقيّد العمل، بل و لو كان مع شرط الردّ لعدم ولاية المالك على الشرط فيقع لغوا.

اللّهم إلّا أن يكون الشرط منافيا للقصد الجدّي بالنسبة إلى الإعطاء أو قصد القربة فيبطل العمل من أصله. أو يقال: إنّ مع الشرط لا إطلاق لإذن المالك في التصرّف و مع عدم إذنه لا يجوز الأخذ منه و التصرف فيه. إلّا أن يمنع أصل ثبوت الولاية لمثل هذا المالك الذي يجعل الزكاة ألعوبة فيرجع أمرها إلى الحاكم.

هذا بالنسبة إلى

المالك.

و أمّا الحاكم فولايته مقصورة على ما تقتضيه مصلحة الزكاة و أربابها فلا يجوز له ردّها إلى المالك أو صلحها أو بيعها منه أو من غيرها بأقلّ إلّا إذا اقتضته المصلحة لهم في مورد خاصّ لخصوصية فيه.

و أمّا الفقير فقبل أن يأخذ الزكاة من المالك لم يستحقّ شيئا حتّى يسقطها أو يصالح عليها بأقلّ من قيمتها أو نحو ذلك، إذ الزكاة ملك للعناوين لا للأشخاص إلّا بعد الإعطاء لهم.

و أمّا بعد الأخذ و الملكية فمقتضى القواعد جواز هبته لها للمالك و غيره و صلحه و بيعه لها بما شاء من القيمة. و كذا مداورته مع المالك و لو بمراتب و لو كان بحيث يصير غنيّا بالأخذ الأوّل لأنّه بعد كلّ ردّ يرجع فقيرا فيجوز له الأخذ ثانيا.

و في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع»: «فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء.» فقلت: يتزوّج بها و يحجّ منها؟ قال: «نعم هي ماله.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 200، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 404

..........

______________________________

نعم لو وقع ردّ الفقير حياء لا عن طيب نفسه لم يحلّ للمالك أخذها و لا يصحّ أيضا أداؤها ثانيا بعنوان الزكاة إذ لم تصر مالا له.

هذا كلّه مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في بيان حكمة الزكاة.

[الكلام بلحاظ الأخبار]

و أمّا بلحاظها- و هي مستفيضة بل متواترة- فلا مجال إلّا لمنع هذه الحيل لمنافاتها للحكمة التي لأجلها شرّعت الزكاة:

1- ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم.

إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن أوتوا من منع من منعهم حقّهم لا مما فرض اللّه لهم. الحديث.» «1»

2- و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم، و إنّما يؤتى الفقراء فيما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة.» «2»

3- و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ اللّه نظر في أموال الأغنياء ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحجّ.» «3»

4- و في رواية معتّب عن الصادق «ع»: «لو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 405

..........

______________________________

مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّه له، و إن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلّا بذنوب الأغنياء» «1»

5- و في رواية العقرقوفي عن أبي الحسن موسى بن جعفر «ع» قال:

«إنّما وضعت الزكاة قوتا للفقراء و توفيرا لأموالهم.» «2» و في كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده عن أبي جعفر «ع» يحدّث أنّ عليا «ع» قال: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي

للفقراء. فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء. و حقّ على اللّه- تبارك و تعالى- أن يحاسبهم و يعذّبهم.» «3» إلى غير ذلك من الأخبار.

و الظاهر أن ذكر الفقراء في هذه الأخبار من باب التمثيل بأظهر أفراد المصارف الثمانية.

و المستفاد منها أن الزكاة شرّعت بنحو تكفيهم جميعا بحيث لو عمل الناس بوظيفتهم فيها لم يبق فقير محتاج و انسدّ جميع خلّات المجتمع. و لو فرض أنّ كلّ فقير يجوز له أن يأخذ من الزكاة و يهبها للمالك و غيره بلا حدّ و لا حساب لأمكن أن يستوعب جميع الزكوات بهذا النحو شرذمة قليلون منهم و يبقى الآخرون محتاجين.

فيعلم بذلك عدم سعة الملكية و إطلاقها في المقام، و أنّ كلّ فقير إنما يستحقّ من الزكوات مئونة سنته و ما أعطى لنفقاته و حاجاته العرفية و منها التزويج و الحجّ و الهدية و التصدّق بمقدار يطابق شأنه و يعدّ من نفقاته و مئونته عرفا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(3)- الاموال/ 709، باب قسم الصدقة في بلدها ...، الحديث 1910.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 406

..........

______________________________

فلا يجوز له الأخذ و الردّ إلى المالك مجانا أو الصلح أو البيع محاباة بنحو يوجب عرفا تفويت حقوق الفقراء و الأصناف.

كيف؟! و لو جاز ذلك شرعا لشاع و ذاع بين الناس المحبيّن للدنيا المولعين بها و هم الأكثرون منهم. و جرت عليه السيرة في جميع الأعصار حتّى أعصار الأئمة «ع»، و لسألوهم عن ذلك و تظافرت به الروايات و استمرّ عليه العمل.

مع أنّك ترى استنكار الناس لذلك بفطرتهم و يرونه

ألعوبة، و ليس هذا إلّا لالتفاتهم إلى أهداف التشريع، و أن الأحكام الشرعية يجب أن يؤخذ بها بنحو يترتب عليها أغراضها المترقبة منها.

بل يمكن أن يقال بصدق قوله «ع»: «و لكن أوتوا من منع من منعهم حقوقهم» على مثل هذا الشخص الذي لعب بالحقّ الّذي عليه بنحو من هذه الأنحاء التي مرّت و إن أدّاه صورة.

قال في كتاب الطلاق من الجواهر في مقام المنع عن الحيل المنافية لغرض الحكم:

«و لعلّ من ذلك ما يتعاطاه بعض الناس في هذه الأزمنة من التخلّص ممّا في ذمّته من الخمس و الزكاة ببيع شي ء ذي قيمة رديّة بألف دينار مثلا من فقير برضاه ليحتسب عليه ما في ذمّته عن نفسه، و لو بأن يدفع له شيئا فشيئا ممّا هو مناف للمعلوم من الشارع من كون المراد بمشروعية ذلك نظم العباد و سياسة الناس في العاجل و الآجل بكفّ حاجة الفقراء من مال الأغنياء، بل فيه نقض للغرض الذي شرّع له الحقوق.

و كلّ شي ء تضمن نقض غرض أصل مشروعيّة الحكم يحكم ببطلانه كما أومأ

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 407

..........

______________________________

إلى ذلك غير واحد من الأساطين. و لا ينافي ذلك عدم اعتبار اطراد الحكمة، ضرورة كون المراد هنا ما عاد على نقض أصل المشروعية كما هو واضح.

و لعلّ ذلك هو الوجه في بطلان الاحتيال المزبور، لا ما قيل من عدم القصد حقيقة للبيع و الشراء بالثمن المزبور حتّى أنّه لذا جزم المحدث البحراني بعدم جوازه لذلك إذ هو كما ترى ضرورة إمكان تحقّق القصد ...» «1»

أقول: و قد يتوهّم جواز ذلك معتذرا بأنّ هذا هو الطريق الوحيد لاستنقاذ بعض الحقوق إذ لو قيل للمالك بعدم صحّة ذلك لاستنكف عن أداء

الحقوق بالكليّة فيتوسّل بهذا الطريق، و إن كان المحسوب شرعا ما أعطاه بالفعل.

و لكن لا يخفى أن هذا اعتذار أسوأ من الذنب و نفاق بيّن و إغراء بالجهل و شركة في تفويت الحقوق و تضييعها، و إنما الواجب شرعا على الفقيه و العالم بيان الحكم الشرعي و ترغيبه في العمل به بنحو يتمّ الحجة عليه عمل به أو لم يعمل فيكون الوزر عليه فقط. هذا.

و يمكن أن يستأنس للمنع في المقام بالأخبار الدالّة على المنع من تملك ما أخرجه في الصدقة و إن حملها الأصحاب على الكراهة: مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها إلّا في ميراث.» «2»

و روى نحوه الكليني أيضا عن منصور بن حازم عنه «ع» «3».

و في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع»: «إذا تصدق الرجل بصدقة

______________________________

(1)- الجواهر 32/ 202.

(2)- الوسائل 13/ 318، الباب 12 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 319، الباب 12 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 5.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 408

[لو كان شخص عليه الزكاة أو المظالم مبلغ كثير و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها]

نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير و صار فقيرا لا يمكنه أداؤها و أراد أن يتوب إلى اللّه- تعالى- لا بأس بتفريغ ذمّته بأحد الوجوه المذكورة. (1)

______________________________

لم يحلّ له أن يشتريها و لا أن يستوهبها و لا أن يملكها بعد أن تصدّق بها إلّا بالميراث الحديث» و رواه عنه في المستدرك أيضا. «1»

و ظاهر عبارة المقنعة و النهاية في المسألة الإفتاء بالحرمة ففي باب الوقوف و الصدقات من المقنعة:

«و إذا تصدّق الإنسان على غيره بدار أو أرض أو ثمرة أو عرض من الأعراض لم يجز له تملكه منه و لا من غيره بهبة أو صدقة، و لا بأس أن يملكه منه بميراثه.» «2»

و في باب النحل و الهبة من النهاية: «و ما يهبه الإنسان لوجه اللّه فلا يجوز له الرجوع فيه على حال. و ما تصدّق الإنسان به لوجه اللّه فلا يجوز له أن يعود إليه بالبيع أو الهبة أو الصدقة و إن رجع إليه بالميراث كان جائزا.» «3»

و احتمال إرادتهما من الصدقة الوقف بقرينة الباب و شيوع استعمالها فيه مردود بقرينة ذكر الميراث إذ الوقف لا يورث.

و قد حقّقنا المسألة في المسألة العشرين من فصل بقية أحكام الزكاة و رجحنا فيها الكراهة فراجع. «4»

(1) في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه-: «لكن لا يصحّ الأوّل من الحاكم في الأغلب، و الثاني من الفقير، و الثالث منهما اللّهم إلّا أن يكون

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 339، و المستدرك 2/ 513، الباب 7 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(2)- المقنعه/ 100.

(3)- النهاية/ 603.

(4)- راجع كتاب الزكاة 4/ 177.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 409

..........

______________________________

بنحو الاشتراء بأزيد من القيمة ثمّ الاحتساب فحينئذ يصحّ من الفقير.» «1»

أقول: قد مرّ منّا في مطاوي البحث أن الحيل المتصورة في المقام على قسمين:

بعضها فاسدة من أصلها مثل أن يسقط فقير ما في ذمّة المالك أو يصالح عليه بالأقل، أو يبرئ الحاكم ذمّة المالك جزافا بلا رعاية لمصلحة الضرائب و أربابها لما مرّ من عدم ولايتهما على ذلك.

و بعض منها صحيحة على القواعد لو لا ما مرّ من الأخبار الواردة في بيان حكمة تشريعها مثل أن يأخذ الفقير

الزكاة و يتملّكها ثمّ يهبها للمالك بقصد جدّي، أو يشتري من المالك شيئا بأضعاف قيمته ثمّ يحتسب المالك ما في ذمّة المشتري زكاة أو خمسا.

فكلام المصنّف في المقام لا بدّ أن يحول حول هذا القسم.

و يمكن أن يقرّب ما ذكره بأنّ المفروض صحّة العمل من أصله و كونه على وفق القواعد، و المالك الذي أراد التوبة إلى اللّه- تعالى- يتحقّق منه قصد الإخراج و القربة جدّا بحيث لو كان متمكنا من الأداء بلا ردّ عليها لأداها مخلصا للّه تعالى فلا إشكال من هذه الناحية.

و ما مرّ من كونه مخالفا لحكمة التشريع لا يجري في أمثال المقام ممّا لا يقدر المالك على الأداء، و ليس في البين إلّا اشتغال ذمّته بلا نفع لأرباب الضرائب فقد يعلم حينئذ برضا الشارع بتفريغ ذمّته، و قد يشكّ فيرجع إلي الأصل المقتضي للجواز كما في المستمسك «2». و الشريعة السمحة السهلة أيضا تقتضي جواز ذلك بل حسنه، و لا يصدق التفويت للحقوق أيضا بعد عدم تمكن المالك من الأداء.

______________________________

(1)- العروة الوثقى/ 427، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

(2)- المستمسك 9/ 370.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 410

..........

______________________________

قال في الجواهر بعد ما مرّ منه المنع في المسألة قال: «نعم قد يقال: إنّ فتح الباب المزبور يعود على الغرض بالنقض فلا ينافيه ما يصنعه بعض حكام الشرع في بعض الأحوال مع بعض الناس لبعض المصالح المسوّغة لذلك، ضرورة أنّه قد يتّفق شخص غلب الشيطان عليه في أوّل أمره ثمّ أدركته التوبة و الندامة بعد ذلك، ثمّ صار صفر الكفّ أو مات كذلك و لكن ذمّته مشغولة بحقّ الخمس مثلا فإنّ الظاهر جواز السعي في خلاصه بل رجحان بالطرق الشرعية التي يندرج بها

في الإحسان و تفريج الكربة عن المؤمن و نحو ذلك من الموازين الشرعية المأمور بها.» «1»

أقول: إذا فرض عدم جواز إعمال الحيل الصحيحة بمقتضى الأخبار الواردة في بيان حكمة التشريع كما مرّ كان اللازم القول بعدم الجواز في المقام أيضا، إذ المستفاد من تلك الأخبار أنّه لا يجوز للفقير أن يأخذ و يتملّك إلا مقدار مئونته و نفقاته المتعارفة، و ليست مالكيته لما يأخذه مالكية مطلقة بحيث يصنع فيه ما يشاء و هذا البيان يجري في المقام أيضا، و يصدق عليه أيضا تفويت الحقوق.

كيف؟! و لو جاز صرف الزكوات و الأخماس في تفريغ ذمم المديونين بهما من باب الإحسان و تفريج الكربة عن المؤمن و نحو ذلك لجاز صرفهما في تفريغ ذمم سائر المديونين أيضا فيجلس فقير هاشمى مثلا في بيته و يأخذ جميع أخماس البلد ساعة بعد ساعة و يصرفها في تفريغ ذمم المديونين و المفلّسين أو إحداث المشاريع العامّة و يبقى فقراء السادة محرومين فهل يمكن الإفتاء بجواز ذلك؟!

و الشرع المبين قد سهّل الأمر على المديون الذي لا يتمكّن من أداء دينه فأنظره إلى ميسرة، و يشمل هذا للحقوق الشرعية أيضا فما دام لا يتمكن فهو في مهلة شرعا و إذا تمكن أدّاها و لو تدريجا، فلا مجال لتضييع الحقوق الشرعية لأجل تفريغ

______________________________

(1)- الجواهر 32/ 203.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 411

[إذا كان مرجوّ التمكن بعد ذلك]

و مع ذلك إذا كان مرجوّ التمكن بعد ذلك، الأولى أن يشترط عليه أداؤها بتمامها عنده. (1)

______________________________

ذمّة المديونين بها و لم يعدّ هذا من مصارفها المقررة شرعا.

و أمّا الردّ عليه بما أنّه فقير أو غارم فيرد عليه أن أدلّة المصارف الثمانية منصرفة عن نفس المالك.

نعم لو فرض هنا فقيران اشتغلت

ذمّة كليهما بزكوات مثلا فالظاهر جواز أن يستقرض أحدهما مالا و يؤدّيه إلى الآخر بقصد ما في ذمّته ثمّ يردّ الآخر ما أخذه إلى الأوّل بهذا القصد فيفرغ ذمّة كليهما، و لا يعدّ مثل ذلك ألعوبة بالزكاة إذ أداء الدين أيضا يعدّ من المؤونة و لو كان الدين من الحقوق الشرعية.

كما أنّه لو فرض كون المالك بانيا جدّا على أداء الحقّ بتمامه و لكن يتوقف هذا على إمهاله لتعسّر الأداء دفعة فالظاهر حينئذ جواز أخذ الحاكم منه ثمّ إقراضه له و إمهاله بمقدار لا يصدق عليه تضييع الحقوق و لا يوجب مسامحة المكلّف في أداء الحقّ، و اللازم مع ذلك أخذ الأوراق و الأسناد الدارجة المعتبرة منه. هذا.

و ليحذر العلماء الأعلام عن المداورات المتعارفة التي لا تؤخذ فيها على الحقوق الثابتة وثائق و لا أسناد معتبرة فإنّها أشبه شي ء باللعبة و الأضحوكة: و لا يترتب عليها إلّا فراغ خاطر المكلف بلا أداء شي ء و شركة الحاكم في الضمان.

(1) في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه-: «لا يبقى موضوع لهذا الشرط في الأوّل و الثالث.» و نحو ذلك في بعض الحواشي الأخر أيضا. «1»

أقول: لم يظهر لي وجه عدم بقاء الموضوع للشرط فيهما إذ الشرط خفيف المؤونة و المؤمنون عند شروطهم فيمكن أن يردّ الفقير ما أخذه إلى المالك الذي صار فقيرا و يشترط عليه أداء مثله إلى الفقراء إذا تمكن من ذلك فتدبّر.

______________________________

(1)- العروة الوثقى/ 427، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق، و طبعة أخرى 2/ 345، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 412

[السّابعة عشرة: في اشتراط التمكن من التصرّف فيما لا يعتبر فيه الحول إشكال]

السّابعة عشرة اشتراط التمكن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول- كالأنعام و النقدين- معلوم. و

أمّا فيما لا يعتبر فيه الحول- كالغلّات- ففيه خلاف و إشكال. (1)

______________________________

(1) قد مرّ في أوائل الزكاة أنّه يشترط في تعلّق الزكاة و وجوبها مضافا إلى أصل الملكية تمكّن المالك من التصرّف في ملكه، فهذا إجمالا ممّا لا إشكال فيه عند أصحابنا و إن اختلف فيه أهل الخلاف كما في الخلاف. «1»

و يدلّ على ذلك مضافا إلى الإجماع المدّعى في التذكرة و غيرها أخبار مستفيضة قد مرّت. «2»

1- قال في النهاية: «و لا زكاة على مال غائب إلّا إذا كان صاحبه متمكنا منه أيّ وقت شاء، فإن كان متمكنا منه لزمته الزكاة ... و من ورث مالا و لا يصل إليه إلّا بعد أن يحول عليه حول أو أحوال فليس عليه زكاة، إلّا أن يصل إليه و يحول عليه حول.» «3»

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 1/ 45. و الخلاف 1/ 281، كتاب الزكاة، المسألة 29.

(2)- راجع الوسائل 6/ 61، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة ...

(3)- النهاية/ 175.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 413

..........

______________________________

2- و في المقنعة: «و لا زكاة على المال الغائب عن صاحبه إذا عدم التمكّن من التصرف فيه و الوصول إليه.» «1»

3- و في الشرائع: «و التمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلّها.» «2»

4- و ذيّله في المدارك بقوله: «هذا الشرط مقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال في التذكرة: إنّه قول علمائنا أجمع.» «3»

و قد تعرّضنا للمسألة بالتفصيل في محلّها فراجع. «4»

و إنّما الإشكال في أنّ هذا الشرط هل يختصّ بما يعتبر فيه الحول، أو يجري في الغلّات الأربع أيضا؟

و المصنّف هنا جعل المسألة موردا للخلاف و الإشكال و مضى منها، و في المسألة الحادية و الأربعين من

هذا الختام تعرّض لها ثانيا و استظهر فيها عدم اعتبار هذا الشرط في الغلّات، و لم يظهر وجه لتكرارها.

و كيف كان فقد مرّ من الشرائع اعتبار الشرط في الأجناس كلّها فيشمل الغلّات أيضا.

و في المسالك في ذيل قول المصنّف: «و لا تجب الزكاة في المغصوب.» قال:

«هذا إذا كان المال ممّا يعتبر فيه الحول، أمّا ما لا يعتبر فيه كالغلّات فإن استوعب الغصب مدّة شرط الوجوب و هو نموّه في ملكه بأن لم يرجع حتى بدا الصلاح لم يجب، و لو عاد قبل ذلك و لو بيسير وجبت كما لو انتقلت إلى ملكه حينئذ.» «5»

______________________________

(1)- المقنعة/ 39.

(2)- الشرائع 1/ 141 (طبعة أخرى/ 106).

(3)- المدارك/ 290 (ط. الجديد 5/ 32).

(4)- كتاب الزكاة 1/ 45.

(5)- المسالك 1/ 51.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 414

..........

______________________________

و لكن ناقش في ذلك في المدارك بأنّ «غاية ما يستفاد من الروايات المتقدّمة:

أن المغصوب إذا كان ممّا يعتبر فيه الحول و عاد إلى مالكه يكون كالمملوك ابتداء فيجري في الحول من حين عوده، و لا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه. و لو قيل بوجوب الزكاة في الغلّات متى تمكن المالك من التصرّف في النصاب لم يكن بعيدا.» «1»

و اعترض عليه في مفتاح الكرامة ب «أن معاقد الإجماعات متناولة له و فيها بلاغ.» «2»

و في الجواهر: «قد يدفعه ما سمعت من إطلاق معاقد الإجماعات و غيرها الذي لا ينافيه الاقتصار على ذي الحول في بعض النصوص كما هو واضح.» «3»

و للشيخ الأعظم- قدّس سرّه- في هذا المجال كلام طويل نذكره ملخصا، قال:

«و اعلم أنّ اعتبار التمكّن من التصرّف فيما يعتبر فيه الحول لا إشكال فيه. و أمّا ما لا يعتبر

فيه كالغلّات فهل يعتبر التمكّن حال تعلّق الوجوب أو لا بل يكفي التمكّن من الإخراج و لو بعد زمان تعلّق الوجوب؟

ظاهر كلامهم و المصرّح به في المسالك هو الأوّل لكونه كسائر الشروط من الملكيّة و البلوغ و العقل و نحوها.

اللّهم إلّا أن يدّعى اختصاص أدلّته بما يعتبر فيه الحول من الأجناس، لكنه خلاف فتاوى الأصحاب و ظاهر الأخبار أيضا. فإنّ قوله «ع» في رواية سدير المسؤول فيها عن المال الذي فقد بعد حلول الحلول و وجده صاحبه بعد سنين:

______________________________

(1)- المدارك/ 291 (ط. الجديد 5/ 34).

(2)- مفتاح الكرامة ج 3، كتاب الزكاة ص 16.

(3)- الجواهر 15/ 52.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 415

..........

______________________________

«إنّه يزكّيه سنة واحدة- يعنى السنة الأولى قبل الفقدان- لأنّه كان غائبا عنه.» «1»

يدلّ بمقتضى التعليل على أنّ كلّ مال غائب لا تجب عليه الزكاة، و المراد بالغائب ما يعمّ المفقود.

و لا شك في عدم القول بالفصل بينه و بين مطلق غير التمكن منه كالمغصوب و المجحود و نحوهما. فدلّ الخبر على أنّ الزكاة لا تتعلق بالعين التي لا يتمكن مالكه من التصرّف فيها كما إذا فرضنا الزرع حال انعقاد حبّته أو تسميته حنطة أو شعيرا مغصوبا، فالزكاة لا تتعلّق بعينها، فإذا لم تتعلق بها حينئذ فلا تتعلّق به بعد ذلك، لأن الزكاة إنما تتعلّق بالغلّات بمجرد صدق الاسم أو انعقاد الحبّ في ملك المكلف.

ألا ترى أنّه لو دخلت في ملك المكلّف بعد ذلك أو حدث شرط لم يكن قبل ذلك انتفى الزكاة إجماعا.» «2»

أقول: قد مرّ منّا في محلّه أن التمسك بالإجماع في أصل المسألة محلّ إشكال، لاحتمال كون مدرك الفتاوى الأخبار المستفيضة الواردة فكيف في المقام مع عدم كونه معنونا في كلمات

القدماء من أصحابنا أصلا.

و يشكل ثبوت الإطلاق في معاقد الإجماعات لاحتمال كون النظر فيها إلى ما هو المستفاد من أخبار الباب فإذا قيل بانصراف الأخبار إلى خصوص ما يعتبر فيه الحول كما يظهر من المدارك فلا يبقى مجال لأن يتمسك للتعميم بإطلاق معاقد الإجماعات.

و أمّا ما ذكره الشيخ من التمسك بعموم التعليل الوارد في خبر سدير فلا بأس به، و السند إليه صحيح و هو بنفسه ممّن لا بأس به و إن ورد فيه عن أبي عبد اللّه «ع»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 61، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1.

(2)- كتاب الطهارة للشيخ الاعظم/ 477 (طبعة أخرى/ 417).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 416

..........

______________________________

أنّه عصيدة بكلّ لون. نعم مورد خبر سدير دفن المال ثمّ احتفار موضعه و عدم إصابته عند حلول الحول، فلا يصحّ ما ذكره الشيخ من كون فقدان المال بعد حلول الحول، إلّا أن يريد بذلك العلم بالفقدان لا نفس الفقدان واقعا فتأمّل.

و يمكن أن يستدل للتعميم أيضا بصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتّى يقع في يديك.» «1»

إذ ليس فيها ذكر من الحول، اللّهم إلّا أن يقال بانصراف لفظ المال إلى خصوص النقدين بما أنّهما ملاك مالية الأشياء.

و يمكن أن يستدلّ أيضا بإطلاق موثقة إسحاق بن عمار و استفادة العموم منها بترك الاستفصال قال: سألت أبا إبراهيم «ع» عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال:

«يعزل حتّى يجي ء.» قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: «لا حتى يجي ء.» قلت: فإذا هو جاء

أ يزكّيه؟: فقال: «لا حتّى يحول عليه الحول في يده.» «2»

إذ الميراث بإطلاقه يعمّ الغلّات أيضا.

فإن قلت: الذيل قرينة على كون مورد السؤال خصوص ما يعتبر فيه الحول.

قلت: الذيل سؤال آخر مستقل، و لو لا سؤال السائل إيّاه لاقتصر الإمام على الجواب الذي قبله بإطلاقه. اللّهم إلّا أن يقال كما مرّ بانصراف المال إلى خصوص النقدين و لعلّه لأجل ذلك لم يتمسك الشيخ بهذين الخبرين و تمسّك بالتعليل الوارد في خبر سدير.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 63، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 62، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 417

..........

______________________________

فإن قلت: إطلاق ما دلّ على ثبوت الزكاة في الغلات يشمل المقام أيضا فبأيّ دليل نخرج عن هذا الإطلاق؟

قلت: يكفي في الخروج عنه ما مرّ من الدليل على الاشتراط، و إطلاق المخصّص مقدّم على إطلاق العامّ.

فإن قلت: ربّما ينقدح في الذهن أن اعتبار التمكن من التصرف كان من جهة أن تشريع الزكاة على المال في كلّ سنة نحو جزاء و عقوبة ماليّة على عهدة من يدّخر الأموال و لا يصرفها في حاجاته و حاجات المجتمع، و حيث إن غير المتمكن من التصرف لا يقدر على صرفها فلا يستحق هذا الجزاء و العقوبة.

و بالجملة فالمتمكن من التصرّف يقدر على صرف ماله في خلال السنة بنحو لا تتعلّق به الزكاة بخلاف غير المتمكّن فهذا هو الفارق بينهما.

و هذا البيان لا يجري فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات إذ لا يتمكن من دفع الزكاة عن ماله أمكن من التصرّف فيه أم لا فليس تشريع الزكاة فيها من قبيل الجزاء و العقوبة فلا محالة تتعلّق بها

مطلقا.

قلت: مضافا إلى أنّ هذا استحسان ظنّي لا دليل عليه نقول: إنّ مالك الغلّات أيضا يتمكّن من دفع الزكاة عن ماله ببيع الأصول أو الثمر قبل وقت التعلّق أو بيع الزرع قصيلا فتأمّل.

و كيف كان فالأقوى اعتبار شرط التمكّن في الغلّات أيضا، و إن كان الأحوط أداء زكاتها إن رفع المانع و تمكّن منها بعد زمان التعلّق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 418

[الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان و نسي موضعه]

الثامنة عشرة إذا كان له مال مدفون في مكان و نسي موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب فيه الزكاة إلّا بعد العثور و مضىّ الحول من حينه (1).

و أمّا إذا كان في صندوقه مثلا لكنه غافل عنه بالمرّة فلا يتمكّن من التصرّف فيه من جهة غفلته، و إلّا فلو التفت إليه أمكنه التصرف فيه، فيجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول (2) و يجب التكرار إذا حال عليه أحوال فليس هذا من عدم التمكّن الذي هو قادح في وجوب الزكاة.

______________________________

(1) لما مرّ في أوائل الزكاة من اشتراط التمكّن من التصرّف. «1»

(2) في المستمسك ما محصّله: «أنّ المستفاد من الأدلّة كون المانع من التعلّق هو القصور الناشي في ناحية المال ككونه في يد الغاصب أو المدفون في مكان لا يعرف، لا القصور في ناحية المالك، و لذا لا يظنّ الالتزام بأن النوم أو الإغماء

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 1/ 45 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 419

..........

______________________________

في أثناء الحول يقطع الحول.

و إن شئت قلت: ليس لدليل اعتبار التمكّن إطلاق يشمل المقام فيبقى داخلا في عموم الوجوب.» «1»

أقول: قد عرفت في محلّه أنّ عنوان التمكّن من التصرّف ليس مذكورا في أخبار الباب، بل المذكور فيها عدم الزكاة في المال الغائب

أو المدفون الذي لم يصبه و اعتبار أن يحول الحول عليه و هو عنده أو بيده.

و المستفاد من جميع ذلك اعتبار كون المال تحت اختياره و يقدر على التصرّف فيه متى شاء و لا يكون خارجا عن تحت سلطته و اختياره.

و المال في المقام يكون تحت سلطته و اختياره و لكنّه لقصوره غافل عنه.

و لو شكّ في شمول دليل الشرط للمقام فالمرجع كما مرّ من المستمسك دليل الوجوب لجواز التمسك بالعامّ في الشبهة المفهوميّة للمخصّص فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 372.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 420

[التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين]

التاسعة عشرة إذا نذر أن لا يتصرّف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين، أو أكرهه مكره على عدم التصرّف، أو كان مشروطا عليه في ضمن عقد لازم، ففي منعه من وجوب الزكاة، و كونه من عدم التمكّن من التصرّف الذي هو موضوع الحكم إشكال. (1)

لأنّ القدر المتيقّن ما إذا لم يكن المال حاضرا عنده، أو كان حاضرا و كان بحكم الغائب عرفا.

______________________________

(1) أقول: لا يخفى أنّ الأمثلة المذكورة مختلفة سنخا و ملاكا فإنّ الإكراه مانع من التصرّف خارجا.

و هذا بخلاف النذر و الشرط فإنّهما مانعان عنه شرعا، إلّا أن نلتزم بأنّ الممنوع شرعا كالممتنع عقلا و خارجا مطلقا و يراد بالتمكن المذكور في كلمات الأصحاب في المقام التمكّن خارجا و شرعا.

و التحقيق أن يقال كما مرّ: إن المذكور في أخبار الباب ليس عنوان التمكن من التصرّف، و إنّما المستفاد منها عدم الزكاة في المال المدفون الذي فقده صاحبه أو الوديعة التي لا يصل إليها و ما غاب عنه صاحبه. و الظاهر عدم الموضوعيّة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 421

..........

______________________________

لعنوان الغيبة المقابلة للحضور و إن لم يستبعد ذلك في الكفاية.

«1»

بل المستفاد منها اعتبار استيلاء المالك على المال بحيث يقدر على نوع التصرّفات المترقّبة منه و لو بأياديه و عمّاله.

ففي خبر عبد اللّه بن بكير عمّن رواه (عن زرارة- المنتهى) «2» عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال: «فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعامّ واحد. فإن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين.» «3»

حيث يدلّ على أنّ الاعتبار بالقدرة على الأخذ و التصرّف. و هذا هو المتبادر أيضا مما دلّ على اعتبار كونه عنده و بيده و عند ربه.

و التعبير بالغيبة لعلّه من جهة أنّ الغيبة في تلك الأعصار كانت ملازمة غالبا للانقطاع من المال بالكلّية. و على هذا فالحاضر المنقطع عنه بالكلّية بسبب الإكراه يكون بحكم الغائب قطعا. هذا.

و في الشرط أيضا حقّ المشروط له يقتضى عدم جواز التصرّف فيكون كالمنقطع عنه بالكلّية.

نعم ربّما يقع الإشكال في النذر و أن مفاده إثبات حقّ للّه- تعالى-، أو التزام محض و لكن أيّهما كان فالشرع المبين أوجب الوفاء به، و الملتزم بالشرع ينقطع به عن المال قهرا.

و لذا قال في المستمسك: «و النذر و ما بعده يجعله بحكم الغائب عرفا لأنّه

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 1/ 53، و كفاية الأحكام/ 35.

(2)- المنتهى 1/ 475.

(3)- الوسائل 6/ 63، الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 422

..........

______________________________

مانع من التصرّف في النصاب.» «1»

و على هذا فما يظهر من بعض الحواشي في المقام من التفكيك بين الأمثلة الثلاثة بحسب الحكم لا يخلو من إشكال.

إلّا أن يراد عدم انعقاد النذر لعدم

رجحان المتعلق أو عدم منعه من الزكاة لكونها أهمّ منه و لكن الثاني ممنوع إذ على فرض صحّة النذر و نفوذه و قاطعيّته للحول يكون واردا على دليل الزكاة كما لا يخفى، هذا.

و من المحتمل أن يكون النظر في هذه المسألة إلى أن عدم إمكان التصرّف أو عدم جوازه في شهر أو شهرين هل يقطع الحول و يمنع من تعلق الزكاة، أو الذي يمنع منه هو الانقطاع من المال في تمام الحول أو أكثره؟ و هذا أمر قابل للتأمّل، و إن كان الظاهر من الأخبار و كلمات الأصحاب اعتبار هذا الشرط أيضا كسائر الشروط في جميع الحول فراجع.

و يمكن أن يقال بأنّ الالتزام بانقطاع الحول بمثل النذر و الشرط المذكورين يستلزم فرار أكثر المالكين من الزكاة بأن ينذر في أواخر الحول أو يشترط في عقد لازم عدم تصرّفه في ماله شهرا أو شهرين و هكذا. و تشريع جواز ذلك من ناحية الشارع مخالف لحكمة تشريع الزكوات. فالأحوط في غير مسألة الإكراه القول بعدم انقطاع الحول فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 373.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 423

[العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته كتابا أو قرآنا و يوقفه]

العشرون يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتابا أو قرآنا أو دعاء و يوقفه و يجعل التولية بيده أو يد أولاده. (1) و لو أوقفه

______________________________

(1) أقول: الوقف هنا يتصوّر على وجهين: الأوّل: أن يشتري من مال نفسه كتابا مثلا ثم يجعل الكتاب زكاة يقفه في سبيل اللّه.

الثاني: أن يعزل الزكاة و يعيّنها ثم يشتري بها كتابا مثلا و يقفه كذلك.

و يستفاد جواز ذلك بكلا وجهيه ممّا دلّ على جواز تأدية الزكاة من مال آخر و لو من غير النقدين. و جواز صرف المالك بنفسه إياها في المصارف

الثمانية.

و من المعلوم أنّ كثيرا من ذلك لا يمكن غالبا إلّا بالتقويم و التعويض كأداء دين الغارمين و فكّ الرقاب و عمارة المساجد و الإحجاج بها و تجهيز المقاتلين و ابن السبيل و الموتى و نحو ذلك فراجع.

و بالجملة فبدلالة الاقتضاء يستفاد جواز ذلك.

و أمّا جعل التولية لنفسه و لأولاده فقابل للمناقشة، إذ الأصل في الزكاة كما مرّ في محلّه أن تكون تحت اختيار الحاكم الإسلامي المبسوط اليد، و جعل توزيعها بيد المالك كأنّه حكم ثانوي موقّت مأذون فيه في ظرف عدم استقرار الحكومة العادلة المبسوطة. و على هذا فالقدر المتيقّن ممّا جعل بيده أصل التوزيع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 424

على أولاده و غيرهم- ممّن تجب نفقته عليه- فلا بأس به أيضا. (1)

نعم لو اشترى خانا أو بستانا و وقفه على من تجب نفقته لصرف نمائه في نفقتهم، فيه إشكال. (2)

______________________________

في المصارف و منها سبيل اللّه، و من أفراده الوقف أيضا.

و أمّا جعل التولية لنفسه و لأولاده فأيّ دليل على جوازه و نفوذه و ليس المال ماله، و إثبات ذلك بقوله «ع»: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها.» «1»

مشكل، إذ المتبادر من الأهل الملّاك، و النظر إلى تعيين المصرف لا جعل التولية.

اللّهم إلّا أن لا يتمكّن من الحاكم فيجعلها لنفسه بما أنّه من عدول المؤمنين فتدبّر.

(1) في المستمسك: «لأنّه ليس ذلك صرفا للزكاة في نفقة واجب النفقة فيقتضيه إطلاق ما دلّ على الصرف في سبيل اللّه- تعالى-» «2»

أقول: فيجب أن يقتصر على ما لا يعدّ عرفا من حاجاتهم و من نفقاتهم اليومية المتعارفة كالكتب الدراسية اللازمة.

(2) بل لا يجوز لعدم جواز صرفها في نفقاتهم اليومية و لو بقصد سائر السهام لأنّه يجبر

على النفقة عليهم كما في الحديث، و لا يجدي في ذلك كون الصرف من منافع الزكاة لا من عينها.

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 295، الباب 2 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(2)- المستمسك 9/ 373.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 425

[الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة لا يجوز للفقير المقاصة من ماله]

الحادية و العشرون إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة لا يجوز للفقير المقاصة من ماله. (1)

إلّا بإذن الحاكم الشرعي في كلّ مورد.

______________________________

(1) إذ لا ولاية له عليها و إنما يملكها بقبضها. نعم لا يبعد الجواز مع عدم الحاكم من باب ولاية عدول المؤمنين و مثل ذلك الكلام في الخمس بالنسبة إلى فقراء السّادة أيضا فلا يجوز لهم الأخذ مقاصّة.

بل الأقوى أن الخمس بأجمعه حقّ وحداني راجع إلى الحاكم فلا يجوز للمالك أيضا دفعه إلى السّادة إلّا بإذنه فراجع. هذا. و أمّا قول المصنف: «في كلّ مورد» فقابل للمناقشة إذ للحاكم الإذن الكلّي لفقير خاصّ بعد الاعتماد عليه و أنّه لا يطغى و لا يتعدّى فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 426

[الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج]

الثانية و العشرون لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج أو نحوهما من القرب (1) و يجوز من سهم سبيل اللّه.

______________________________

(1) أقول: هذا لا يوافق ما بنى عليه المصنّف في المسألة الثانية من فصل أصناف المستحقين من جواز إعطاء الفقير زائدا على مئونة سنته، بل إعطاؤه بمقدار يصير به غنيّا عرفيّا، إذ بعد ما كان فقيرا و أخذها و ملكها جاز له صرفها في كلّ ما أراد من المصارف المحلّله العقلائية، و لا دليل على عدم جواز تعيين المالك أيضا لبعض المصارف بعد جواز الصرف فيها، بل الظاهر استقرار السيرة على ذلك و أنّ الملّاك ربّما يعيّنون مصارف خاصّة.

نعم يقع الإشكال على ما بنينا عليه من الاحتياط في المسألة و أنّه لا يعطى الفقير إلّا بمقدار مئونة سنته.

و لكن يمكن أن يقال على هذا المبنى أيضا أنّ المؤونة لا تنحصر في المأكل و المشرب و الملبس و نحوها، بل الزيارة

و الحجّ و بعض القرب الأخر أيضا ربّما تعدّ في بعض الأحيان لبعض الأشخاص من الحاجات و المؤونات المتعارفة اللازمة عرفا.

و لا سيّما إذا كان بحيث يعسر على الفقير تركها أو يعدّ تركه عيبا عليه عرفا.

و نظير ذلك بعض المصارف و الأسفار التنزهيّة أيضا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 427

..........

______________________________

و بالجملة فاحتياج الإنسان إلى الغذاء الروحاني ليس بأقل من احتياجه إلى الغذاء لجسمه و بدنه، يعرف هذا من عرف الإنسان و أدركه.

و في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما يشاء.» قال: و قال: «إنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها و هي الزكاة، فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع بها ما يشاء.» فقلت: يتزوّج بها و يحجّ منها؟ قال: «نعم هي ماله.»

قلت: فهل يوجر الفقير إذا حجّ من الزكاة كما يوجر الغنيّ صاحب المال؟

قال: «نعم.» «1»

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ اللّه نظر في أموال الأغنياء ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بلى فليعطه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يتزوّج و يتصدّق و يحجّ.» «2»

و ظاهر الخبرين كون الإعطاء بعنوان الفقر و من سهم الفقراء.

و في صحيحة محمد بن مسلم قال: سأل رجل أبا عبد اللّه «ع» و أنا جالس فقال: إني أعطى من الزكاة فأجمعه حتّى أحجّ به؟ قال: «نعم يأجر اللّه من يعطيك.» «3»

و الظاهر منها أيضا الإعطاء بعنوان الفقر، و لا أقلّ من شمولها لذلك أيضا بترك الاستفصال. بل يدلّ على المقصود. خبر الحكم بن عتيبة

أيضا قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: رجل يعطي الرجل من زكاة ماله يحجّ بها؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 200، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 202، الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 428

..........

______________________________

قال: «مال الزكاة يحجّ به؟!» فقلت له: إنّه رجل مسلم أعطى رجلا مسلما. فقال:

«إن كان محتاجا فليعطه لحاجته و فقره و لا يقول له: حجّ بها، يصنع بها بعد ما يشاء.» «1»

و الخبر ضعيف بالحكم. و لعلّ استعجاب الإمام «ع» كان من الصرف في الحج مع كثرة المحتاجين، و نهيه عن تعيين الحجّ يحمل على الإرشاد و الكراهة لنفي التضييق على المسلم فتأمّل. و كيف كان فهو صريح في جواز صرف سهم الفقراء في الحجّ.

______________________________

(1)- الكافى 3/ 557، كتاب الزكاة، باب الرجل يحجّ من الزكاة، الحديث 1، الوسائل 6/ 201، الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 429

[الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة]

الثالثة و العشرون يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كلّ قربة، حتّى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شرّه (1) إذا لم يمكن دفع شرّه إلّا بهذا.

______________________________

(1) قد مرّ البحث في المقصود من سبيل اللّه في آية الزكاة و أنّه هل يراد به مطلق القربات أو خصوص المصالح العامّة، أو المصالح العامّة الدينية فقط؟

و الأحوط هو الاقتصار على الثالث إذ أكثر موارد استعمال الكلمة في الكتاب العزيز هو دين اللّه القويم، و إن كان التعميم لمطلق المصالح العامّة بل مطلق القربات لا يخلو من قوّة فراجع ما حرّرناه في ذلك المبحث.

و يدلّ على التعميم خبر علي بن إبراهيم

عن العالم «ع» قال: «و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوّون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير.» «1»

و على هذا المبنى أفتى المصنف في المقام، و بالإعطاء تبرئ ذمّة المكلّف ممّا كان عليه من الزكاة لصرفها في مصرفها.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 146، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 430

..........

______________________________

و لكن لا يجوز للظالم أخذها و لا تباح له و يكون ضامنا لها فيجب عليه صرفها أو صرف عوضها في المستحقّين أو إيصالها إلى وليّهم أعني الحاكم، و أمّا المالك فصار أجنبيا عنها كما في مصباح الهدى «1» إذ عمل بوظيفته و خرج بالتعيين و الإعطاء عن عهدتها فتأمّل.

و لو كان المؤمن الأسير غنيّا يقدر على تخليص نفسه بالمال و لكن يبخل به و تكون حياته في معرض الخطر، فهل يجوز تخليصه بالزكاة، أو يخلّصه الحاكم من مال نفس الأسير بالأخذ منه بدون إذنه أو الاستقراض عليه حسبة؟ لا يبعد تعيّن الثاني إلّا أن لا يتمكّن من ذلك فيجوز تخليصه من الزكاة فتدبّر.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 426.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 431

[الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله لشخص بعنوان نذر النتيجة و بلغ ذلك النصاب]

الرابعة و العشرون لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخله أو كرمه، أو نصف حبّ زرعه لشخص- بعنوان نذر النتيجة (1)- و بلغ ذلك النصاب، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضا لأنّه مالك له حين تعلّق الوجوب. و أمّا لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص. و في وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال.

______________________________

(1) بناء على صحّته كما قوّيناها، و استشكل فيها في المستمسك فراجع. «1»

و لكن

هنا أمران يجب أن ينبّه عليهما:

الأوّل: أنّ متعلق النذر إن كان أمرا إيقاعيا لا يتوقف على القبول صحّ القول بتحقّقه بمجرد النذر، و ذلك ككون المال الخاصّ صدقة أو الشاة المعيّنة أضحية مثلا و قد أفتى بذلك كثيرون.

و أمّا كون شي ء ملكا لشخص كما في المقام فيمكن المناقشة فيه بأن الملكية القهرية خلاف سلطنة النفوس على أنفسهم فيشكل الالتزام بها إلّا فيما ثبت

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 37، و كتاب الزكاة 1/ 114.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 432

..........

______________________________

بالدليل القطعى كالميراث و إلّا فالقاعده تقتضي توقّفها على القبول.

و لذا قوّينا في الوصية التمليكيّة أن الوصية بنفسها إيقاع تقع بنفس إنشائها و لكن فعليّة مالكيّة الموصى له تتوقّف على قبوله.

ففي المقام أيضا يشكل ثبوت الملكيّة للمنذور له بمجرد النذر، بل القاعدة تقتضي توقفه على قبوله. و دليل وجوب الوفاء ناظر إلى بيان وظيفة الناذر فقط و أنّه لا يجوز له تخلّفه عمّا نذر، و لا يدلّ على سلب سلطنة المنذور له عن نفسه.

نعم لا يرد هذا الإشكال على شرط النتيجة المذكور في ضمن عقد لازم إذ بقبول المشروط له لنفس العقد يقع قبول الشرط أيضا.

الثاني: أنّ ما ذكره المصنّف من مالكية المنذور له حين تعلّق الوجوب، يرد عليه مضافا إلى ما مرّ أنّه يصحّ في النذر المنجّز أو المعلّق على أمر يحصل قبل زمان التعلّق، ففي هاتين الصورتين يكون الملك حين تعلّق الزكاة للمنذور له، و لا محالة يتعلق بحصّته الزكاة إن كانت بحدّ النصاب.

و أمّا النذر المعلّق على أمر يحصل بعد زمان التعلّق فمالكيّة المنذور له لا تتحقّق فيه إلّا بعد حصول المعلّق عليه فلا تتعلّق به الزكاة قطعا كما في نذر الفعل.

و هل تتعلق بالناذر؟

الظاهر العدم أيضا إذ المال و ان لم يخرج حينئذ عن ملكه لكنه منقطع عنه شرعا لتعلق حقّ اللّه به و وجوب حفظه إلى زمان حصول المعلّق عليه فيكون من موارد عدم التمكّن من التصرّف.

و مثله نذر الفعل أيضا. و إن شئت تفصيل المسألة بشقوقها فراجع ما حرّرناه في المسألة الثانية عشرة من فصل شرائط الوجوب. «1»

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 105.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 433

[الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكّل شخصا يقبض له الزكاة]

الخامسة و العشرون يجوز للفقير أن يوكّل شخصا يقبض له الزكاة (1) من أيّ شخص و في أيّ مكان كان.

______________________________

(1) 1- في المستمسك: «لأنّ القبض ممّا يقبل النيابة عندهم كما يساعده ارتكاز العرف و العقلاء.» «1»

2- و لكن في كتاب الوكالة من السرائر ما ملخّصه: «و قال بعض أصحابنا:

يجوز من أهل السهمات التوكيل في قبضها، و قال ابن البرّاج: لا يجوز ذلك، و هو الذي يقوى في نفسي، لأنّه لا دلالة عليه و الحكم الشرعي يحتاج إلى دليل.

و أيضا الذمّة مرتهنة بالزكاة، و لا خلاف بين الأمّة أن بتسليمها إلى مستحقها تبرئ الذمّة، و ليس كذلك إذا سلّمت إلى الوكيل لأنّه ليس من المصارف الثمانية.

و لأنّ الزكاة و الخمس لا يستحقّهما واحد بعينه و لا يملكهما إلّا بعد قبضه.

و الوكيل لا يستحق إلّا ما تعيّن ملكه للموكّل و استحق المطالبة به.» «2»

3- و في المدارك حكى كلام ابن إدريس و استظهره. «3»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 374.

(2)- السرائر/ 174 (طبعة أخرى 2/ 82).

(3)- المدارك/ 328 (ط. الجديد 5/ 301).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 434

..........

______________________________

4- و في الجواهر حكى ما في السرائر من الأدلّة الثلاثة ثمّ قال: «و الجميع كما ترى ضرورة صلاحيّة إطلاق أدلّة الوكالة للأعمّ من ذلك كما

لا يخفى على من له أدنى بصيرة.» «1»

أقول: قد مرّ في مسألة جواز التوكيل في أداء الزكاة كلام صاحب الجواهر في كتاب الوكالة منه حيث قال: «قد يستفاد من التأمّل في كلام الأصحاب أنّ الأصل جواز الوكالة في كلّ شي ء» «2»

ثمّ استدلّ لذلك ببعض الأخبار الصحيحة و أراد استفادة الإطلاق منها.

و لكن نحن ناقشنا في دلالتها فراجع. «3» فما ذكره في المقام من إطلاق الأدلّة ممنوع.

نعم الظاهر صحّة ما مرّ من المستمسك من مساعدة ارتكاز العرف و العقلاء في المقام، و قد استقرت سيرتهم في جميع الأعصار على الاستنابة في القبض بالنسبة إلى جميع الأموال و الحقوق بل في جميع الأمور العادية التي لا يعتبر فيها المباشرة عند العقلاء. و إذا صحّ التوكيل و الاستنابة في أداء الزكاة مع كونه عملا عباديا يقتضي طبعه المباشرة فكيف بقبضها الذي يكون آلة و طريقا محضا لوصول المال إلى مصرفه. و أفتى بعض الأصحاب بجواز الاستنابة في حيازة المباحات، و المقام نظير ذلك أو أولى بالجواز.

و بالجملة فالتشكيك في مثل ذلك تشكيك في الأمور الواضحة عند العرف و العقلاء، و قد مرّ منّا في بعض الأبحاث السابقة أنّ في الأمور العادية المتعارفة

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 478.

(2)- الجواهر 27/ 377.

(3)- راجع كتاب الزكاة 4/ 260.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 435

و يجوز للمالك إقباضه إيّاه مع علمه بالحال. (1) و تبرأ ذمّته و إن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلي الفقير. (2) و لا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلا على ذلك. (3)

______________________________

عند العقلاء لا نحتاج إلى إمضاء الشارع، بل يكفي في مثلها عدم وقوع الردع عنها.

و لا دليل على اختصاص جواز التوكيل في القبض بموارد استحقاق

المطالبة.

و بما ذكرنا يظهر الإشكال فيما مرّ من ابن إدريس في المقام.

و لا فرق فيما ذكرنا بين التوكيل لقبض شي ء خاصّ من شخص معيّن، أو قبض أيّ شي ء كان من أيّ شخص كان.

(1) مع الوثوق به إذ في غير هذه الصورة ربّما يعدّ الدفع إليه تضييعا للمال، و لا سيّما مع الظنّ بكونه خائنا متلفا للمال.

(2) إذ يد الوكيل هنا يد الفقير فيرتفع بالإيصال إليه ضمان المالك، و لو فرض تفريطه ضمن هو لا المالك.

(3) لإطلاق أدلّة الجعالة، و عمل المسلم محترم يقابل بالمال، بل لا يبعد جواز أن يجعل الجعل من نفس الزكاة المأخوذة لأنّه من نفقات الفقير نفسه و من مئوناته اليومية.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 436

[السادسة و العشرون: لا تجري الفضولية في دفع الزكاة]

السادسة و العشرون لا تجري الفضولية في دفع الزكاة. فلو أعطى فضوليّ زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصحّ. (1)

______________________________

(1) قد تعرّض لاحتمال جريان الفضولية في المقام صاحب الجواهر فإنّه بعد ما قوّى صحّة التبرّع بالزكاة كالدين من غير إذن صاحبها إن كان المدفوع من مال المتبرّع، و اعتبار الوكالة سابقا أو لا حقا على نحو الفضولي في الوكالة، إن كان من مال المالك قال: «بل قد يقال بجريان الفضولي في الزكاة من دون اعتبار الوكالة لكنّه لا يخلو من إشكال أو منع.» «1»

أقول: و استدلّوا لعدم الجريان بوجوه:

الأوّل: أنّ الأصل يقتضى الفساد و عدم ترتيب الأثر إلّا فيما ثبت بالدليل.

و إن شئت قلت: الذمّة مشغولة بالزكاة، و الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية.

الثاني: ما ادّعوه من الإجماع على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات.

الثالث: أنّ الزكاة عبادة، و الأصل فيها المباشرة إذ المطلوب فيها حصول القربة لشخص المكلّف.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 473.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 437

..........

______________________________

و قد مرّ كلام الشهيد في كتاب الوكالة من المسالك حيث قال: «و أمّا العبادات فالمقصود منها فعل المكلّف ما أمر به و انقياده و تذلّله، و ذلك لا يحصل إلّا بالمباشرة.» «1»

الرابع: أنّ التصرّف في مال الغير بدون إذنه محرّم شرعا فيمتنع قصد القربة به، و الزكاة عبادة تشترط بالقربة فتبطل بدونها. هذا.

و يرد على الوجه الأوّل: أنّ المستفاد من أدلّة جواز التوكيل في أداء الزكاة عدم اعتبار المباشرة فيها و أن الغرض أصل وقوع الفعل خارجا و لو من غير المكلف. غاية الأمر لزوم رضاية المالك بذلك و أذنه بحيث ينسب الفعل إليه بذلك.

و أمّا اعتبار وقوع الإذن سابقا على العمل فلا دليل عليه.

و يشهد لذلك أيضا استقرار سيرة العقلاء في معاملاتهم على الاكتفاء بالإجازة اللاحقة.

و بعبارة أخرى يجري في المقام ما صنعه الشيخ الأعظم في المكاسب من الاستدلال لصحّة بيع الفضولي و غيره من العقود الفضولية بعموم أدلّتها، لأنّ خلوّها عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم البيع و العقد عنه، غاية الأمر اشتراط ترتّب الأثر عليها بالرضا و الإذن، و لكن لا يقتضي ذلك اعتبار سبق الإذن فيتمسك لنفي اعتباره بالعمومات و الإطلاقات.

و بالجملة فمقتضى أدلّة إيتاء الزكاة بعد تحكيم أدلّة جواز التوكيل عليها صحة العمل و إن وقع من الغير، خرج منها العاري عن الإذن و الإجازة معا، و لم يعلم خروج ما فقد الإذن و لحقه الإجازة، و العموم حاكم على ما ذكر من أصالة الفساد و اشتغال الذمّة.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 335.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 438

..........

______________________________

و من هذا القبيل ما شاع من أداء المكلف من الخمس بسهميه بلا إذن من الحاكم مع

أنّه وليّ الخمس فيجيز الحاكم ذلك بعد الأداء.

و لو قيل في المقام بما اختاره صاحب المدارك و غيره من جواز التبرّع بالزكاة و لو بدون إذن المكلّف تمسكا بإطلاق صحيحة منصور بن حازم الماضية «1» في زكاة القرض، صار الأمر أسهل، و لكن نحن منعنا إطلاق الصحيحة من هذه الجهة كما مرّ فراجع. «2»

و يرد على الوجه الثاني أوّلا: أنّ المقام عقد لا إيقاع لأنّه تمليك للفقير و يحتاج إلى قبوله اللّهم إلّا أن يكون بنحو الصرف فيه لا الإعطاء له.

و ثانيا: أن عدم جريان الفضولية في الإيقاعات غير ثابت إلا في بعض الموارد المجمع عليها. و نمنع تحقّق الإجماع في جميع الإيقاعات.

و يؤيّد ذلك ذهاب الكلّ أو الجلّ إلى صحّة عتق الراهن للعبد المرهون متوقّعا للفكّ أو الإجازة، بل صرّح بعضهم بصحّة عتق المرتهن عن الراهن مع إجازته و الحال أن أمر العتق أشكل من غيره من حيث اشتراطه بقصد القربة.

و عن العلّامة صحة عتق المفلّس مع إجازة الغرماء.

و عن المحقّق الكركي صحّة تدبير الفضولي مع إجازة المولى.

و عن كاشف الغطاء تقوية الجواز ما لم يقم الإجماع على المنع منه.

بل لو كانت الوصية من الإيقاعات- كما هو الأوجه- لكانت الوصية بما زاد على الثلث داخلة في الفضولي، و لا شبهة في صحّتها مع إجازة الوارث.

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع. «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.

(2)- راجع كتاب الزكاة 1/ 101.

(3)- حاشيه المكاسب لآية اللّه الغروي الأصفهاني «قدس سره» 1/ 130.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 439

..........

______________________________

و يرد على الوجه الثالث: أنّ المفروض عدم اعتبار المباشرة في أداء الزكاة و قبوله للنيابة.

و يرد على الوجه

الرابع: فرض المسألة في صورة غفلة الفضولي عن حرمة التصرّف و تحقّق قصد القربة منه، اللّهم إلّا أن يقال بعدم الصحّة من الجاهل أيضا لحرمة تصرّفه في ملك الغير فلا يصلح لأن يقع عبادة إلّا أن يكون قاصرا. هذا.

و في مصباح الهدى استدلّ لعدم جريان الفضولية في المقام ببيان مفصّل نذكره ملخّصا لاشتماله على فوائد قال:

«و تحقيق الكلام في ذلك: أنّ إخراج الزكاة أو الخمس أو الدين أو الكفارات و نحوها من الأمور الإيجادية.

و الإيجادات منها ما يتعلّق بالأمور الخارجيّة التأصليّة، و ذلك مثل الضرب أو إخراج الزكاة و نحوها ممّا يكون موطن وجودها الخارج.

و منها ما يتعلّق بالأمور الاعتبارية التي لا وعاء لوجودها إلّا عالم الاعتبار.

أمّا الخارجيّات فيترتب وجودها على إيجادها بلا مهلة و لا يعقل التفكيك بينهما كالكسر و الانكسار و التسخين و التسخّن.

و أمّا الاعتباريّات ففيها مرحلتان: مرحلة وجود المنشأ في موطن الإنشاء و هذه المرحلة كالخارجيّات لا ينفكّ المنشأ فيها عن الإنشاء.

و مرحلة تحقّق المنشأ في عالم الاعتبار، و هذه المرحلة يمكن انفكاكها عن الإنشاء فيما توقّف تحقّقه على أمر آخر كالقبض مثلا في بيع الصرف و السلم.

إذا تبين ذلك فنقول: الخارجيات إما قابلة للنيابة أو لا تقبلها، و على التقديرين فلا يجري فيها الفضولي، أمّا ما لا تقبل النيابة فلأنها عند تحقّقها تكون مستندة إلى فاعلها المباشر. و أمّا القابلة منها للنيابة، فإن كان بإذن سابق تكون مستندة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 440

..........

______________________________

إلى الآذن، و إن لم تكن بإذن سابق فلا تصير بالإذن اللاحق مستندة إلى الآذن لا معناه المصدري و لا اسم المصدر، أمّا معناه المصدري فلا فلاستحالة انقلابه عمّا وقع عليه، و المفروض صدوره عن مباشره

و لا يعقل أن يصير بالإجازة مستندا إلى المجيز. و أمّا اسم المصدر فلتحقّقه حين الإيجاد من غير مهلة و الشي ء الواقع لا يعقل أن ينقلب عمّا وقع عليه ففي مثله يستحيل تأثير الإجازة المتأخّرة فلا يتمشّى فيه الفضولي.

فينحصر مورده في الاعتباريات التي تقبل النيابة بالنسبة إلى معناه الاسم المصدري، و ما لا تقبل النيابة منها لا يجري فيها الفضولي كما في المعنى المصدري ممّا تقبل النيابة منها. فتبيّن مما ذكرناه عدم جريان الفضولي في إخراج الزكاة و أمثاله. و المال المخرج بفعل الفضولي لا يتعيّن زكاة بل يبقى على ملك مالكه فله استرداده مع بقاء عينه، كما أنّ له أن ينوي كونه زكاة فيصير زكاة من حين قصده بإنشاء كونه كذلك لا بتنفيذ فعل الفضولي حتّى يجري فيه حديث الكشف و النقل بل هو إخراج صادر عن المالك نفسه ...» «1»

أقول: محصّل كلامه- قدّس سرّه- يرجع إلى أنّ الفضولية تجري في الاعتباريّات التي تقبل النيابة حيث توجب الإجازة اللاحقه فيها استناد الأمر المعتبر أعني اسم المصدر إلى المجيز و بذلك ينطبق عليه دليله و إعطاء الزكاة و نحوها أمر خارجي تكويني فلا يجري فيها ذلك.

و لكن يمكن أن يقال أوّلا: إنّ الإعطاء بنفسه و إن كان أمرا خارجيّا تكوينيا، و لكن كون المال المعطى زكاة أو خمسا أو نحوهما أمر اعتباريّ متقوّم بالقصد يعتبره المعطي بقصده و ينشأه بفعله، و حيث إنّه أمر يتوقّف على رضا المالك

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 430 و 431.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 441

..........

______________________________

و يقبل النيابة فيمكن أن يجيزه المالك بما أنّه أمر اعتبره الفضولي و أنشأه.

كما أن إنشاء البيع مثلا بالصيغة أمر وقع من الفضولي خارجا و

لكن الحاصل من إنشائه في عالم الاعتبار يستند إلى المالك بإجازته اللاحقة فلا فرق بين المقامين.

و ثمرة إجازة ما اعتبره الفضولي صحّة ما أعطاه إذا كان المعطى له واجدا للشرائط حين الإعطاء و إن فقدها حين الإجازة، بناء على ما هو الحقّ في الفضولي من كون مفاد الإجازة اللاحقة تنفيذ عمل الفضولي من أصله بنحو الكشف.

و بذلك يفترق عن إنشاء المالك الزكاة فعلا لتوقفه على كون المعطى له واجدا للشرائط فعلا.

و ثانيا: يمكن أن يقال في الأعمال الخارجية التكوينيّة القابلة للنيابة أيضا بأنّ العقلاء كما يسندونها إلى الآذن قبلا يمكن أن يعتبروا إسنادها إلى المجيز بالإجازة اللاحقة أيضا، و الاعتبار خفيف المؤونة، و كأنّه تقبّل عمل الغير إذا كان يترتّب عليه أثر للمجيز فعلا، و لا سيّما إذا فعل المباشر الفعل بعنوان النيابة عن الغير بقصد أن يستجيز منه كما أشار إلى ذلك صاحب الجواهر فيما مرّ من كلامه من الإتيان بعنوان الوكالة الفضولية.

و قد ورد: «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم.» «1» و هذا في الأفعال التكوينية فتأمّل. هذا.

و قد شاع كما مرّ أداء السهمين المباركين بلا إذن المراجع ثمّ الاستجازة منهم فيجيزون مع أنّ أمرهما و لا سيّما سهم الإمام راجع إليهم.

و الفرق بين ذلك و بين من يؤدّي من مال الغير زكاته أو خمسه بدون إذنه

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1163، عبده 3/ 126، لح/ 499، الحكمة 154.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 442

نعم لو كان المال باقيا في يد الفقير أو تالفا في ضمانه- بأن يكون عالما بالحال (1)- يجوز له الاحتساب إذا كان باقيا على فقره. (2)

______________________________

إذا أجاز لا حقا مشكل لاشتراك المقامين في الفضولية.

نعم يمكن حصر الصحّة فيما إذا

كان الإعطاء بقصد الاستجازة حتى يتحقّق الإسناد بالإجازة. و أمّا القربة فنكتفي فيها بقصد المجيز ذلك إذ المعتبر قرب المالك لا المباشر فتدبّر.

(1) بل و إن كان جاهلا به إذ المال لغير الدافع و لم يقع التسليط عليه من قبل المالك. نعم لو أخذ منه جاز له الرجوع إلى الدافع الغارّ له و عليه يستقر الضمان.

و هل يجوز له الرجوع إليه حتّى بعد احتساب المالك عليه زكاة؟ مشكل إذ لم يغرم شيئا حتى يرجع فيه إلى من غرّه.

و يظهر من مصباح الهدى «1» عدم جواز الاحتساب عليه و جواز رجوعه إلى الغارّ، و كأنّه لأنّ الدين إنّما يجوز أن يحتسب زكاة إذا كان مستقرا في الذمّة و لم يكن له مرجع يطلب منه فتأمّل.

(2) الظاهر أنّ مع التلف يكون احتسابه من سهم الغارمين فلا يعتبر فيه الافتقار لمئونة السنة بل الافتقار لأداء الدين فقط.

______________________________

(1)- مصباح الهدى 10/ 431.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 443

[السابعة و العشرون إذا و كلّ المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله]

اشارة

السابعة و العشرون إذا و كلّ المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: ادفعه إلى الفقراء، يجوز له الأخذ منه لنفسه إذا كان فقيرا مع علمه بأن غرضه الإيصال إلى الفقراء. (1) و أمّا إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز.

[المسألة لا تختصّ بباب الزكاة بل تجري في الخمس و النذور و الكفّارات]

______________________________

(1) اعلم أنّ المسألة واسعة النطاق لا تختصّ بباب الزكاة بل تجري في الخمس و النذور و الكفّارات و الصدقات المندوبة و نحوها. و يجري البحث في وصيّ الميت أيضا.

و نظير المسألة ما لو وكّلت المرأة رجلا في تزويجها من رجل فيقع البحث في جواز تزويجها لنفسه، و كذا إذا وكّل رجل رجلا في أن يبيع له شيئا أو يوجره أو يشتري له شيئا أو يستأجر له.

[الكلام في مرحلة الثبوت]

و الكلام تارة في مرحلة الثبوت، و أخرى في مرحلة الإثبات.

أمّا في مرحلة الثبوت فواضح أنّ الملاك شمول إذن الموكّل أو الموصي لنفس الوكيل أو الوصيّ فإن شمله الإذن جاز الأخذ لنفسه و إلّا فلا فهذا ممّا لا إشكال فيه.

[الكلام في مرحلة الإثبات]

و إنّما المهمّ الكلام في مرحلة الإثبات.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 444

..........

______________________________

و شقوق المسألة كثيرة جدّا، إذ الموكّل إمّا أن يعيّن شخصا خاصا مثل أن يقول:

ادفع هذا المال من الزكاة لزيد مثلا أو لزيد الفقير، و إمّا أن يذكر مصرفا عامّا مثل أن يقول: ادفعه إلى الفقراء.

و في الصورة الأولى إمّا أن يعلم أنّ تعيينه لفرد خاصّ يكون بلحاظ إحرازه لانطباق عنوان الفقير عليه، أو لا يعلم ذلك. و على الأوّل إما أن نعلم بصحّة تشخيصه في الانطباق أو نعلم بعدم صحّته أو نشكّ في ذلك.

و في الصورة الثانية أعني ذكر المصرف العام إمّا أن يذكر المصرف بنحو ينطبق على نفس الوكيل قطعا كأن يقول مثلا: فرّق زكاة مالى أو ادفعها إلى الفقراء و لو إلى نفسك.

و إما أن يذكره بنحو لا ينطبق على نفسه قطعا.

و إمّا أن يذكره بنحو يشمله بعمومه اللفظي كأن يقول: فرّق زكاة مالي في جميع الفقراء أو ادفعها إلى كلّ فقير شئت.

و إمّا أن يذكره بنحو يشمل نفسه بإطلاقه بمقتضى مقدمات الحكمة، فيقع البحث في جواز التمسك بالإطلاق أو يحكم بالانصراف عن نفسه و لو بقرينة لفظ الدفع أو الإعطاء الظاهرين في تعدّد الدافع و المدفوع إليه حقيقة.

و إمّا أن يذكره بنحو الإهمال لا عموم له و لا إطلاق.

و الظاهر عدم الإشكال في الصورة الأولى بشقوقها و أنّه لا يجوز الأخذ لنفسه و إن أحرز أنّ نظره إلى عنوان

الفقر لأنّ العنوان داع له، و الملاك في جواز التصرّف إذنه و تعيينه الفعلي.

و بذلك يظهر الإشكال فيما يظهر من المصنف من كون الحكم دائرا مدار الغرض.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 445

..........

______________________________

و هل يجوز مع العلم باشتباهه في تطبيق العنوان على زيد مثلا الإعطاء له بتقريب أن المتّبع إذنه الفعلي لا الأغراض و الدواعي، أولا يجوز ذلك؟ في المسألة كلام لا يرتبط ببحثنا في المقام.

و يمكن التفصيل فيه بين كون الفقر داعيا و بين التوصيف به في لفظه كأن يقول: ادفعه إلى زيد الفقير «1» فيقال في الأوّل أنّ الفقر داع لا يقيّد المأذون فيه؛ و في الثاني أنه عنوان مقيّد للمأذون فيه فلا يجوز للوكيل التخلّف عنه و يكون هو الملاك بتشخيص الوكيل.

و أمّا الصورة الثانية أعنى ذكر المصرف العامّ فكذا لا إشكال في الشقين الأوّلين منها، بل و كذا في الشقّ الثالث منها إذ العموم اللفظي حجّة يتّبع ظهوره و يحاجّ به ما لم يثبت خلافه، و هكذا لا إشكال في الشقّ الخامس أيضا لإهماله و إجماله فيؤخذ بالقدر المتيقّن.

و إنّما الإشكال و البحث في الشقّ الرابع منها و أنّه هل يؤخذ فيه بإطلاق اللفظ أو يحكم بانصرافه عن نفس الوكيل كما قيل في مسألة الزواج.

[كلمات الأصحاب و أخبار الباب]

هذا كلّه فيما يقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن كلمات الأصحاب و أخبار الباب. و أمّا بلحاظهما فنقول:

1- قال الشيخ في زكاة النهاية: «و من أعطى غيره زكاة الأموال ليفرّقها على مستحقّها و كان مستحقّا للزكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره، اللّهم إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم فإنه لا يجوز له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، و لا أن يعدل

عنهم إلى غيرهم.» «2»

______________________________

(1)- كما في مصباح الهدى 10/ 432 و 433.

(2)- النهاية/ 188.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 446

..........

______________________________

2- و في تجارة الشرائع: «الثالثة: إذا دفع الإنسان مالا إلى غيره ليصرفه في قبيل و كان المدفوع إليه بصفتهم، فإن عيّن له، عمل بمقتضى تعيينه، و إن أطلق جاز أن يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة.» «1»

أقول: ظاهر العبارتين الأخذ بإطلاق اللفظ إلّا أن يثبت خلافه.

3- و لكن في وكالة المبسوط: «إذا وكّله في تفرقة ثلثه في الفقراء و المساكين لم يجز أن يصرف إلى نفسه منه شيئا و إن كان فقيرا مسكينا لأنّ المذهب الصحيح أن المخاطب لا يدخل في أمر المخاطب إيّاه في أمر غيره.» «2»

4- و في تجارة المختصر النافع: «الرابعة: لو دفع إليه مالا ليصرفه في المحاويج و كان منهم فلا يأخذ منه إلّا بإذنه على الأصحّ.» «3»

5- و في الجواهر في ذيل ما مرّ من عبارة الشرائع قال: «وفاقا للأكثر كما في الدروس بل المشهور كما في الحدائق للاندراج في اللفظ، و ظهور كون المراد المتّصف بالوصف المزبور، و للموثق ... خلافا لوكالة المبسوط و زكاة السرائر و مكاسب النافع و القواعد و وصاياها و كشف الرموز و المختلف و التذكرة و جامع المقاصد و إيضاح النافع على ما حكي عن بعضها للأصل و صحيح عبد الرحمن ...» «4»

أقول: و قد ورد في المسألة طائفتان من الأخبار إحداهما تدلّ على الجواز و الأخرى على المنع. فلنذكر أوّلا أخبار الجواز:

1- موثق سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: الرجل يعطى الزكاة

______________________________

(1)- الشرائع 2/ 12 (طبعة أخرى/ 266).

(2)- المبسوط 2/ 403.

(3)- المختصر النافع/ 118.

(4)- الجواهر 22/ 149 و 150.

كتاب

الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 447

..........

______________________________

فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا؟ قال: «نعم.» «1»

2- صحيح الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم «ع» في رجل أعطي مالا يفرّقه فيمن يحلّ له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسمّ له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره.» «2»

3- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممّن تحلّ له الصدقة؟

قال: «لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره» قال: «و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلّا بإذنه.» «3»

أقول: التقييد بما يعطي غيره من جهة أنّ أخذ الزائد تبعيض يحتاج إلى الإذن و دلالة الإذن المطلق عليه مشكل.

4- و يؤيّد ذلك صحيحة أخرى لعبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أ يعطيهم منه من غير أن يستأذن (يستأمر- خ ل) صاحبه؟ قال: «نعم.» «4»

إذ يستفاد منها أنّ الملاك تحقّق العنوان المأذون فيه من غير فرق بين من يرجع إليه في الحقيقة و بين غيرهم.

و إن شئت قلت: إنّ الإعطاء للعيال يرجع إلى الأخذ لنفسه.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ في الدفع إلى العيال إخراج إلى الغير فيتحقّق التغاير بين

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 199، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث، و 12/ 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 ..

(2)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 6/ 206، الباب

84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 448

..........

______________________________

المعطي و المعطى له بخلاف الأخذ لنفسه. و لكن الظاهر كفاية التغاير اعتبارا بعد استظهار العرف كون المناط صرف المال في مصرفه المأذون فيه.

5- و يدلّ على الجواز أيضا خبر عمرو بن سعيد الساباطي أنّه كتب إلى أبي جعفر «ع» يسأله عن رجل أوصى إليه رجل أن يحجّ عنه ثلاثة رجال فيحلّ له أن يأخذ لنفسه حجّة منها؟ فوقّع «ع» بخطّه و قرأته: «حجّ عنه إن شاء اللّه فإنّ لك مثل أجره، و لا ينقص من أجره شي ء إن شاء اللّه.» «1»

حيث إنّ الوكيل و الوصيّ على وزان واحد و كأنّ الوصيّ وكيل لما بعد الموت.

و أبو جعفر هنا أبو جعفر الثاني «ع». هذه أخبار الجواز.

[و أمّا أخبار المنع:]

و أمّا أخبار المنع:

1- صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟ قال:

«لا يأخذ منه شيئا حتّى يأذن له صاحبه.» «2»

قال في المسالك: «هي صحيحة السند غير أنّها مقطوعة ... و الظاهر أنّ المسئول هو الصادق أو الكاظم «ع» لأنّ عبد الرحمن بن الحجاج روى عنهما فمن ثمّ عمل بها الجماعة، و أيضا فجلالة حال هذا الراوي و ثقته يوجب الظنّ الغالب بكون المسؤول هو الإمام «ع».» «3»

و في الجواهر عن التحرير إسنادها إلى الصادق «ع». «4»

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 116، الباب 1 من أبواب النيابة في الحج، الحديث 5.

(2)- الوسائل 12/ 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

(3)- المسالك 1/ 167.

(4)- الجواهر 22/ 150.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 449

..........

______________________________

و الشيخ- قدّس سرّه-

بعد نقل هذه الصحيحة في الاستبصار قال ما ملخّصه:

«الخبر يحتمل شيئين: أحدهما أن يكون محمولا على الكراهة. و الثاني:

أنّه لا يجوز له أن يأخذ أكثر من غيره، و إنما يسوغ له أن يأخذ مثله. و يحتمل أيضا أن يكون محمولا على ما إذا عيّن له أقواما يفرّق فيهم.» «1»

أقول: أخبار الجواز أظهر من هذه الصحيحة فالصناعة تقتضي تقديمها و تأويل الصحيحة بالحمل على الكراهة و نحوها و لا سيّما و أن عبد الرحمن بنفسه أيضا ممّن روى الجواز. «2» و احتمال تقييد الجواز في أخبار الجواز بالإذن بعيد جدّا كاحتمال حملها على الإذن الشرعية لا المالكية.

هذا مضافا إلى أنّ المذكور في خبر المنع عنوان المحاويج منكّرا فلعلّه أشير به إلى محاويج مخصوصين فلا يشمل الوكيل. و المستفاد من قول الراوي: «و لا يعلمه» و من الجواب عدم إطلاق لفظ الإذن بحيث يشمل الوكيل. و لعلّ الراوى توهّم أنّ وجود الاحتياج الذي هو العلّة في نظر الموكّل كاف في جواز صرفه في نفسه فردّه الإمام «ع» بالاحتياج إلى الإذن الفعلي.

و يحتمل أيضا أن لا يكون نظر الإمام في جوابه هذا إلى المنع، بل إلى إعطاء ضابطة كليّة لعبد الرحمن و أن الملاك حصول الإذن و إحرازه بأيّ نحو حصل و لو بإطلاق اللفظ فتأمّل.

2- و يمكن أن يستأنس للمنع أيضا بصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إذا قال لك الرجل: اشتر لي فلا تعطه من عندك، و إن كان الذي عندك خيرا منه.» «3»

______________________________

(1)- الاستبصار 3/ 54.

(2)- راجع الوسائل 12/ 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(3)- الوسائل 12/ 288، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

كتاب الزكاة

(للمنتظري)، ج 4، ص: 450

..........

______________________________

3- و موثقة إسحاق قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له: ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده فقال «ع»: «لا يقربنّ هذا و لا يدنّس نفسه إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «إِنّٰا عَرَضْنَا الْأَمٰانَةَ عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبٰالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهٰا وَ حَمَلَهَا الْإِنْسٰانُ إِنَّهُ كٰانَ ظَلُوماً جَهُولًا.» «1»

و إن كان عنده خير ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده.» «2»

4- و في فقه الرضا: و إذا سألك رجل شراء ثوب، فلا تعطه من عندك فإنها خيانة و لو كان الذي عندك أجود ممّا عند غيرك.» «3» و حكاه الصدوق أيضا في المقنع عن وصية والده إليه. «4»

أقول: يمكن أن يقال أوّلا: إنّ النهي في هذه الروايات يحمل على التنزيه دفعا لوقوع الوكيل في معرض التهمة، و وقوع النزاع بينهما في المستقبل و يشهد لذلك خبر ميسر قال: قلت له: يجيئنى الرجل فيقول: تشتري لي و يكون ما عندي خيرا من متاع السوق. قال: «إن أمنت أن لا يتّهمك فأعطه من عندك، و إن خفت أن يتّهمك فاشتر له من السوق.» «5»

و ثانيا: أنّ ظاهر قول الموكّل: «اشتر» أو «ابتع» هو الشراء من الغير فلا يستفاد منهما الإذن المطلق بحيث يشمل نفس الوكيل فتأمّل.

______________________________

(1)- سورة الاحزاب (33)، الآية 72.

(2)- الوسائل 12/ 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

(3)- فقه الرضا/ 33 (طبعة أخرى/ 251).

(4)- الجوامع الفقهية/ 31.

(5)- الوسائل 12/ 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 451

..........

______________________________

و كيف كان فالظاهر تقديم أخبار الجواز في المقام لكثرتها و أظهريتها و بها يرفع اليد عن الأصل.

هذا مضافا إلى أنّ المفروض شمول إطلاق اللفظ للوكيل، و الإطلاق حجة كالعموم، و الانصراف إلى الغير لو فرض بدوي لا يرفع به اليد عن الحجة، و إنما يضرّ إذا صار بحدّ يكون التقييد واضحا عند العرف.

فإن قلت: ظاهر لفظ الإعطاء أو الدفع مغايرة الدافع للمدفوع إليه.

قلت: أوّلا: إنّ عبارة الإذن لا ينحصر في اللفظين.

و ثانيا: إنّ الظاهر عدم الموضوعيّة لهما و كونهما عند العرف طريقين لوصول المال إلى أهله.

و ثالثا: إن المغايرة الاعتبارية كافية فيصير الوكيل بمنزلة شخصين. و ربّما يؤيّد ذلك ما قيل من دخول النبي «ص» بنفسه في خطاباته للمؤمنين فيكون هو آمرا و مأمورا باعتبارين فتدبّر. هذا.

[ينبغي التنبيه على أمور]

اشارة

و ينبغي هنا التنبيه على أمور:

[الأوّل: أنّ المحقّق- مع إفتائه في المقام بالجواز أفتى في النكاح بالمنع]

الأوّل: أنّ المحقّق- قدّس سرّه- في الشرائع مع إفتائه في المقام بالجواز كما مرّ أفتى في باب النكاح منه بالمنع فقال: «إذا وكّلت البالغة الرشيدة في العقد مطلقا لم يكن له أن يزوّجها من نفسه إلّا مع إذنها.» «1»

و يظهر من المسالك تعليل ذلك بأنّ المفهوم من أمره بتزويجها كون الزوج غيره عملا بشهادة الحال.

ثمّ قال ما محصّله: «إنّ الظاهر عدم الفرق بين العامّ و المطلق و إن كان العموم أقوى دلالة إلّا أنّهما مشتركان في أصلها.

______________________________

(1)- الشرائع 2/ 277 (طبعة أخرى/ 503).

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 452

..........

______________________________

و شهادة الحال بإرادة غير المخاطب مطلقا ممنوعة فإن كانت المسألة إجماعيّة و إلّا فللنظر فيها مجال. و في التذكرة احتمل مع الإطلاق الجواز معلّلا بإطلاق الإذن، و المنع و لم يعلّله و لا رجّح شيئا.» «1»

أقول: ما ذكره من عدم الفرق بين العامّ و المطلق كلام متين، و تحقيق مسألة النكاح موكول إلى محلّه.

[الثاني: ظاهر صحيحتي الحسين بن عثمان و عبد الرحمن بن الحجاج عدم جواز أخذ الوكيل لنفسه زائدا على ما يعطيه لغيره]

الثاني: ظاهر صحيحتي الحسين بن عثمان و عبد الرحمن بن الحجاج عدم جواز أخذ الوكيل لنفسه زائدا على ما يعطيه لغيره و إن فرض استحقاقه لذلك و بذلك أفتى في النهاية و الشرائع كما مرّ، و مقتضى ذلك اعتبار المساواة بين الأفراد في تقسيم الخمس و الزكاة و عدم جواز التفاضل مع عدم الدليل على ذلك بل المعلوم خلافه فيما إذا كان العنوان غير محصور و اعتبر بنحو المصرف.

قال في المسالك: «و ظاهر هذا الشرط أنّه لا يجوز له تفضيل بعضهم على بعض لأنّه من جملتهم، و يتّجه ذلك إذا كان المعيّن للصرف محصورا، أمّا لو كانوا غير محصورين كالفقراء فجواز التفاضل مع عدم قرينة على خلافه أوضح خصوصا إذا كان المال

من الحقوق الواجبة كالزكاة فإنّ التسوية فيها ليست بلازمة.» «2»

أقول: لعلّ المقصود في الصحيحتين كما يظهر من الجواهر «3» لزوم أن يلاحظ نفسه بنحو يلاحظ غيره في صدق العنوان المأذون فيه و في المزايا المعتبرة عند الشرع و العقلاء المقتضية للتفاضل فلا يجعل لنفسه من حيث نفسه خصوصية،

______________________________

(1)- المسالك 1/ 454.

(2)- المسالك 1/ 167.

(3)- الجواهر 22/ 152.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 453

..........

______________________________

لأنّه مرغوب عنه عند الموكّل قهرا فلا يشمله إذنه، و لا ينافي ذلك جواز التفاضل على أساس المزايا المعتبرة من غير فرق بينه و بين غيره.

بل لو جاز له التخصيص بأحدهم باعتبار فهمه من الموكّل إرادة المصرفية و إبراء ذمّته بوصول الحق إلى محلّه كان له الاختصاص به أيضا، كما أنّ له أن يخصّ به أحدهم. هذا.

و أمّا احتمال أن يراد بالمماثلة في الصحيحين المماثلة في أصل الأخذ و الإعطاء لا نفي التفاضل كما قيل فمخالف للظاهر جدا. و لا مجال لهذا الاحتمال في عبارتي النهاية و الشرائع أصلا فراجع.

[الثالث: يجوز للوكيل أن يدفع إلى عياله و أقاربه مع انطباق العنوان المأذون فيه عليهم]

الثالث: أنّه يجوز للوكيل أن يدفع إلى عياله و أقاربه مع انطباق العنوان المأذون فيه عليهم، سواء وجبت عليه نفقتهم أم لا، حتّى على القول بالمنع بالنسبة إلى نفسه، إذ أخبار المنع لا تشملهم، و ظهور الدفع و الإعطاء في المغايرة أيضا محفوظ.

مضافا إلى ما مرّ من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المصرّحة بجواز الإعطاء لهم. «1»

[الرابع: لو زعم الموكّل عدم اتّصاف الوكيل بالعنوان المأذون فيه و كان متّصفا به]

الرابع: لو زعم الموكّل عدم اتّصاف الوكيل بالعنوان المأذون فيه و كان متّصفا به في نفس الأمر فإن صرّح بإخراجه و عدم أخذه لم يجز له الأخذ، و إن كان إخراجه ناشئا عن اشتباهه بحيث لو لم يشتبه عليه لم يخرجه، إذ الملاك في جواز التصرّف إذنه الفعلي لا التقديري.

و أمّا إذا لم يصرّح بإخراجه و كان العنوان شاملا له بعمومه أو إطلاقه فالظاهر

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 454

..........

______________________________

جواز الأخذ و لا يضرّ بذلك اعتقاد المالك بغناه من جهة تعفّفه، إذ إذنه الفعلي تعلّق بالعنوان لا بالأشخاص، و المفروض انطباق العنوان عليه، نظير سائر الأفراد إذا لم يكن الموكّل عالما بفقرهم أو اعتقد غناهم و لكنّهم كانوا فقراء واقعا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد، مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

كتاب الزكاة (للمنتظري)؛ ج 4، ص: 454

و بالجملة إذا تعلّق الإذن بالعنوان على نحو القضية الحقيقية كان تطبيقه على المصاديق على عهدة الوكيل و لا أثر لعلم الموكّل و جهله في هذا المقام. اللّهم إلّا أن يصرّح بإخراجه و لو اشتباها منه فلا مجال حينئذ للإعطاء له فتدبّر.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 455

[الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة و بقيت عنده سنة]

الثامنة و العشرون لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجا و بقيت عنده سنة وجب عليه إخراج زكاتها. (1) و هكذا في سائر الأنعام و النقدين.

______________________________

(1) لعموم الأدلّة و إطلاقها، و لم أعثر على الخلاف في المسألة. نعم قد يتوهّم تخصيص العمومات بما دلّ على تشريع الزكاة في أموال الأغنياء كقوله «ع» في صحيحة زرارة و محمد

بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث:

«إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم.» «1»

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عنه «ع»: «إنّ اللّه فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به.» «2»

و في خبر محمد بن سنان عن الرضا «ع»: «إنّ علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء و تحصين أموال الأغنياء.» «3» و حين ما بعث النبي «ص» معاذا إلى اليمن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 5، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 7.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 456

..........

______________________________

قال له: «فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم.» «1»

و يمكن أن يجاب عن ذلك بأنّ تخصيص عمومات ما فيه الزكاة بكثرتها بمفاد هذه الأخبار مشكل، و لا سيّما و أنّ كثيرا من مصاديق واجدي النصاب الأوّل في النقدين بل و الأنعام الثلاثة كانوا فقراء لا يجدون مئونة سنتهم، و لو كان لا يجب عليهم زكاة لتنبّه لذلك أصحاب الأئمة «ع» و سألوا عن حكمهم و نبّه الأئمة «ع» على عدم وجوب الزكاة عليهم، فيظهر بذلك بقاء العمومات بحالها فينزّل ما في هذه الأخبار المشار إليها على بيان الأعمّ الأغلب أو على بيان الحكمة لتشريع الزكاة لا العلّة التي يدور مدارها الحكم نفيا و إثباتا.

و يمكن أن يؤيّد الوجوب أيضا بما دلّ على وجوب زكاة القرض على المقترض مع فقر المقترضين غالبا. «2» هذا.

و قد عثرنا بعد

ما كتبنا ذلك على خبر الفضيل بن يسار في باب زكاة الفطرة قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال: «أمّا من قبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة فطرة.» «3»

و ظاهره عدم الزكاة فيما أخذ زكاة و إن وجد فيه الشرائط من النصاب و الحول و نحوهما.

و لكن الخبر ضعيف بجهل حال إسماعيل بن سهل في سنده و لم نعثر على

______________________________

(1)- البخاري 5/ 109 (طبعة أخرى 3/ 73) كتاب المغازى، باب بعث أبي موسى و معاذ الى اليمن.

(2)- راجع الوسائل 6/ 67، الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(3)- الوسائل 6/ 224، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 10.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 457

..........

______________________________

من يفتي بمضمونه.

و قياس باب الزكاة على الخمس بناء على عدم تعلقه بما أخذ خمسا لخبر علي بن الحسين بن عبد ربّه قال:

سرّح الرضا «ع» بصلة إلى أبى فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس.» «1»

لا يوافق مذهبنا في نفي القياس. و كيف كان فالأحوط في المقام إخراج الزكاة فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 354، الباب 11 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 458

[التاسعة و العشرون لو كان مال مشتركا بين اثنين و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب]

التاسعة و العشرون لو كان مال زكويّ مشتركا بين اثنين مثلا، و كان نصيب كلّ منهما بقدر النصاب فأعطى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمّ اقتسماه، فإن احتمل المزكّي أن شريكه يؤدّي زكاته فلا إشكال. (1)

و إن علم أنّه لا يؤدّي ففيه إشكال، من حيث

تعلّق الزكاة بالعين. (2) فيكون مقدار منها في حصّته.

______________________________

(1) إذ يحمل فعل الشريك أعني إقدامه على التقسيم على الصحّة، نظير ما إذا باع حصّته أو وهبه أو أقدم على الشركة مع العلم بأنّ ماله كان متعلّقا للزكاة أو الخمس و شككنا في أدائهما، فأصل الصحة يجري في جميع هذه الموارد بلا إشكال.

(2) هذا على القول بكون التعلّق بنحو الإشاعة إذ مقتضاها كون حصّة أرباب الزكاة أو الخمس مشاعة في جميع المال. فإذا كان بين الشريكين ثمانون شاة مثلا بالمناصفة يتعلّق بكلّ واحد منهما شاة مشاعة في جميع الثمانين.

إذ المشاع في المشاع في شي ء مشاع في ذلك الشي ء، فإذا أدّى أحدهما زكاة حصّته من مال آخر و لم يؤدّ الآخر ثمّ اقتسما المال بقيت زكاة مال الشريك مشاعة

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 459

..........

______________________________

في جميع المال، حيث إنّ مقتضى قاعدة السلطنة سلطنة كلّ منهما على إفراز حصة نفسه من حصّة شريكه برضاهما، و لا دليل على ولايتهما على الإفراز بالنسبة إلى مقدار الخمس أو الزكاة فإنهما لشريك ثالث.

نظير ما إذا باع أحد الشريكين بعض حصّته المشاعة من ثالث فصار هنا ثلاثة شركاء، فليس للبائع و شريكه الأوّل أن يقسّما جميع المال بأن يجعلا حصّة المشتري منضمّة إلى حصّة البائع فقط بدون رضاه.

و ما هو الثابت للمالك في باب الزكاة ولايته على عزلها و إعطائها لأهلها لا إفرازها منضمة إلى مال نفسه عن حصّة شريكه بنحو يتخلّص حصّة الشريك و تبقى الزكاة في حصّة نفسه.

و بما ذكرنا يظهر الإشكال على بعض الحواشي حيث قال: «لا إشكال بعد ما يفرز حصّته المزكاة عن حصّة شريكه الغير المزكاة.» «1»

إذ يرد عليه عدم ولاية المزكي إلّا على حصّة نفسه،

و التقسيم لا يتحقّق إلّا برضى الجميع و منهم أرباب الزكاة في المقام.

فإن قلت: الزكاة تتعلّق بحصّة كلّ من الشريكين بما هي ملكه فإذا أفرز بالتقسيم حصّة كلّ منهما صار موضوع الزكاة ممتازا عن حصّة المزكيّ لا محالة و امتازت حصّته و تخلّصت.

قلت: الزكاة و إن تعلّقت بالملك بما هو ملك و لكن لما كان الملك شائعا في جميع المال صار المشاع فيه أيضا مشاعا في الجميع و لم يثبت ولاية المالك على إفراز ما خرج عن ملكه و صار لأرباب الزكاة إلّا إذا قصد عزله بعنوان الزكاة أو إعطاءه

______________________________

(1)- العروة الوثقى 2/ 348، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 460

..........

______________________________

لأهلها. هذا و مقتضى ما ذكرنا أيضا عدم جواز إحداث الشركة بين المال المزكّى أو المخمس و بين غير المزكّى و المخمّس.

إذ بعد امتزاج المالين و الاتّجار بهما يحصل الربح بالشركة فيشترك فيه أرباب الخمس و الزكاة أيضا. و لا يحصل إفراز الأصل و لا الربح إلّا بعد رضى الجميع.

هذا كلّه على القول بالإشاعة كما هو الأحوط لو لم يكن أقوى.

و لكنّ المصنّف لا يقول بالإشاعة بل قال بأنّه بنحو الكلّي في المعيّن نظير ما إذا باع صاعا كليّا من صبرة معيّنة و على هذا فلا إشكال في المقام إذ مقتضاه كون خصوصيات المالين للمالكين لا لأرباب الزكاة فلهما إفراز المالين بخصوصيّاتهما. و الكلي المملوك لأرباب الزكاة باق في مال من لم يزكّ حتّى بعد التقسيم أيضا، و له التصرّف في ماله ما بقي منه مقدار الزكاة.

نظير من باع صاعا من صبرة معيّنة بنحو الكلّي و كانت عشرة أصوع مثلا ثمّ باع خمسة منها لآخر و أقبضها إيّاه فإنّه

يصحّ البيع الثاني و الإقباض و يبقى الصاع الذي باعه أوّلا في الباقي.

كما لا إشكال أيضا إن قلنا بكون التعلّق بنحو الحقّ كحق الرهانة مثلا إذ متعلّقه مال المالك، و حينئذ فيمكن القول بثبوت ولايته بالنسبة إلى إفراز ماله بمقتضى قاعدة السلطنة لعدم منافاته للحقّ لبقاء متعلّقه غاية الأمر أنّه كان مشاعا فيصير بالإفراز معيّنا كما في سائر موارد الحقوق المتعلقة بالجزء المشاع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 461

[الثلاثون: يجوز للحاكم إجبار الكافر على الإعطاء و إن لم يؤخذ منه حتّى مات كافرا جاز الأخذ من تركته]

الثلاثون قد مرّ أنّ الكافر مكلّف بالزكاة و لا تصحّ منه و إن كان لو أسلم سقطت عنه (1). و على هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له، أو أخذها من ماله قهرا عليه و يكون هو المتولّي للنية (2) و إن لم يؤخذ منه حتّى مات كافرا جاز الأخذ من تركته (3) و إن كان وارثه مسلما وجب عليه، كما أنّه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه

______________________________

(1) قد مرّ البحث في ذلك في المسألة السادسة عشرة و السابعة عشرة من أوائل الزكاة و المسألة الحادية عشرة من زكاة الأنعام فلا نعيد. «1»

(2) إن أريد بالنيّة قصد أصل الزكاة فالظاهر عدم الإشكال في اعتباره لما مرّ من كونها من العناوين المتقوّمة بالقصد و إن أريد بها قصد القربة ففي وجوبها على الحاكم كلام و قد تعرّضنا له في المسألة الخامسة من الفصل السابق.

(3) في صورة جواز الأخذ من نفسه و قد ناقشنا في جواز أخذها من الذمّي إلّا مع الشرط في عقد الذمّة فراجع.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 125، 137 و 257.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 462

كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضوليّا (1) و حكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة و

قد مرّ سابقا.

______________________________

(1) مرّ البحث و الإشكال في ذلك في المسألة الثامنة عشرة من أوائل الزكاة. «1»

و على القول بكون التعلّق بنحو الإشاعة لا فرق بين اشتراء تمام النصاب أو بعضه، نعم يصحّ الفرق على القول بكونه بنحو الكلّي في المعيّن كما عليه المصنّف.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 145.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 463

[الحادية و الثلاثون: إذا بقي من المال- الذي تعلّق به الزكاة بها و لم يكن عنده غيره]

الحادية و الثلاثون إذا بقي من المال- الذي تعلّق به الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما و لم يكن عنده غيره، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة. (1)

______________________________

(1) لقبح الترجيح بلا مرجّح، و لقاعدة العدل و الإنصاف المعتبرة عند العقلاء، بل و الشرع أيضا كما في مسألة الدرهم أو الدينار بين شخصين. «1» و لتنقيح المناط من باب غرماء المفلّس و الميت حيث يوزّع المال بينهم بالحصص. «2»

و ناقش في ذلك في المستمسك فقال: «و فيه أنّ كلّ جزء من المال موضوع لكلّ من الحقّين، فحيث لا يمكن إعمالهما معا يكون إعمال أحدهما بعينه ترجيحا بلا مرجّح، و لازمه التخيير في إعمال كلّ منهما، فلا موجب للتوزيع، فضلا عن أن يكون على النسبة. مثلا: إذا كان الخمس عشرة دراهم و الزكاة كذلك و المال عشرة، فإعطاء خمسة لأحدهما و خمسة للآخر إهمال لكلّ من الحقّين في مقدار خمسة، و ليس هو أولى من إهمال أحدهما في عشرة و إعمال الآخر في عشرة، كما أنّه ليس أولى من بقية صور التوزيع.» «3»

______________________________

(1)- راجع الوسائل 13/ 169 و 171، الباب 9 و 12 من كتاب الصلح.

(2)- الوسائل 3/ 119 و 147، الباب 31 من أبواب الدين و القرض، و الباب 6 من كتاب الحجر.

(3)- المستمسك 9/ 378.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 464

بخلاف ما

إذا كانا في ذمّته و لم يكن عنده ما يفي بهما فإنّه مخيّر بين التوزيع و تقديم أحدهما. (1)

و إذا كان عليه خمس أو زكاة و مع ذلك عليه من دين الناس و الكفّارة و النذر و المظالم، و ضاق ماله عن أداء الجميع، فإن

______________________________

أقول: هو- قدّس سرّه- لاحظ نفس الحقّين دون الصاحبين إذ لو لا حظهما لا تضح أنّ وصول كلّ منهما إلى بعض حقّه أولى من حرمان أحدهما بالكلّية.

و صاحب الحقّ أحقّ بحفظ الحرمة من نفس الحقّ كما يشهد بذلك الحكم في الغرماء.

(1) في المستمسك: «إذ لا حقّ في البين ليجي ء ما تقدّم، بل ليس إلّا التكليف بالأداء فيتعيّن الرجوع فيه إلى قواعد التزاحم.» «1»

أقول: كيف لا يوجد هنا حقّ مع أنّ المفروض اشتغال ذمّته بالخمس و الزكاة نظير سائر الديون المتعلّقة بالذمم؟

و اختصاص التوزيع بما إذا كان الحقّ متعلّقا بالعين الخارجية قابل للمنع، فيمكن أن يجري في المقام أيضا ما مرّ من الأدلّة الثلاثة لوجوب حفظ تمام الحقوق مهما أمكن.

و التخيير في المتزاحمين المتكافئين إنّما يجري في التكليف المحض كإنقاذ الغريقين مثلا أو فيما إذا لم يمكن التوزيع و دار الأمر بين ترك الحقّين رأسا أو الإتيان بأحدهما.

و بالجملة فالأحوط لو لم يكن أقوى هو التوزيع بالنسبة في المقام أيضا إلّا مع عدم الإمكان فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 378.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 465

كانت العين- التي فيها الخمس أو الزكاة- موجودة، وجب تقديمهما على البقية. (1)

و إن لم تكن موجودة فهو مخيّر بين تقديم أيّها شاء. و لا يجب التوزيع و إن كان أولى. (2)

نعم إذا مات و كان عليه هذه الأمور و ضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة كما في غرماء المفلّس.

(3)

و إذا كان عليه حجّ واجب أيضا كان في عرضها. (4)

______________________________

(1) لتعلّقهما بالعين و كون العين ملكا لأربابهما أو متعلّقة لحقّهم فلا يزاحمهما ما في الذمّة من الحقوق. و يجري هذا البيان في متعلّق النذر أيضا إذا كان موجودا لتعلّق حقّ اللّه- تعالى- به.

(2) بل هو الأحوط و لا يترك لما مرّ من الأدلّة.

هذا إذا لم نقل بتقديم حقّ الناس على حقّ اللّه المحض. و أمّا على القول بذلك بتقريب أنّ الأوّل في الحقيقة يرجع إلى حقّين: للناس و للّه- تعالى- معا بخلاف الثاني كان اللازم على هذا تقديم دين الناس فتدبّر.

(3) لتعلّق حقّ الغرماء بالتركة في عرض واحد نحو تعلّقه بمال المفلّس بعد الحكم بإفلاسه. و قد تضمّنت النصوص فيهما التوزيع بالحصص كما مرّت الإشارة إليه، فراجع موثقة زرارة في دين الوسائل. «1» و موثقة غياث بن إبراهيم في كتاب الحجر منه. «2»

(4) يظهر من قوله- تعالى-: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» و من نصوص

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 119، الباب 31 من أبواب الدين و القرض، الحديث 5.

(2)- الوسائل 13/ 147. الباب 6 من كتاب الحجر، الحديث 1.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 466

..........

______________________________

باب الحجّ أنّ الحجّ بمنزلة الدين فيتعلّق بأصل التركة كسائر الديون. «1» و على هذا فالقاعدة تقتضي كونه في عرضها كما في كلام المصنّف.

و لكن يظهر من صحيحة معاوية بن عمار تقديم الحجّ على الزكاة قال: قلت له:

رجل يموت و عليه خمس مأئة درهم من الزكاة و عليه حجّة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم فأوصى بحجّة الإسلام و أن يقضى عنه دين الزكاة. قال: «يحجّ عنه من أقرب ما يكون و يخرج البقيّة في الزكاة.» «2»

و خبره الآخر عن أبي

عبد اللّه «ع» في رجل مات و ترك ثلاثمائة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم و أوصى أن يحجّ عنه، قال: «يحجّ عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة.» «3»

و أفتى بعض بمضمونهما، بل حكم البعض بإسراء الحكم إلى سائر الديون فقدّم الحجّ عليها أيضا. و المشهور خلاف ذلك. و قد تعرّض المصنّف للمسألة في المسألة الثالثة و الثمانين من شرط الاستطاعة في الحج فراجع. «4»

و في حجّ الجواهر بعد اختيار المصنّف التقسيم بالحصص قال: «فما عن الشافعي من تقديم الحجّ في قول، بل عن الجواهر احتماله، و في آخر تقديم الدين، في غير محلّه و إن مال إلى الأوّل في الحدائق للحسن عن معاوية بن عمّار.»

فذكر الخبرين ثمّ قال: «و فيه بعد إعراض الأصحاب عنهما و قصور سند الثاني منهما و اختصاصهما بالزكاة: أنّه يمكن كون ما ذكره فيهما مقتضى التوزيع

______________________________

(1)- راجع سورة آل عمران (3)، الآية 97، و الوسائل 8/ 45، الباب 25 من أبواب وجوب الحج ...

(2)- الوسائل 6/ 176، الباب 21 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 13/ 427، الباب 42 من كتاب الوصايا.

(4)- راجع العروة الوثقى 2/ 465، ط. الإسلامية، سنة 1399 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 467

..........

______________________________

أيضا فلا إشكال حينئذ.» «1»

أقول: لو كان المراد بمحمّد بن عبد اللّه في سند الثاني محمد بن عبد اللّه بن زرارة فالظاهر عدم البأس بسنده فراجع. «2» و يحتمل بعيدا إرادة أداء الحجّ من الزكاة إمّا من سهم الغارمين أو من سهم سبيل اللّه فيؤدّى بذلك الحقّان معا و على هذا فلا يجوز الإسراء إلى سائر الديون بتقديم الحجّ عليها أيضا. و تفصيل المسألة

موكول إلى محلّه.

______________________________

(1)- الجواهر 17/ 314.

(2)- راجع رجال المامقانى 3/ 143.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 468

[الثانية و الثلاثون: الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه]

اشارة

الثانية و الثلاثون الظاهر أنّه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفّه (1) و كذا في الفطرة. و من منع من ذلك كالمجلسي «ره» في زاد المعاد في باب زكاة الفطرة لعلّ نظره إلى حرمة السؤال و اشتراط العدالة في الفقير و إلّا فلا دليل عليه بالخصوص. بل قال المحقّق القمي «ره»:

«لم أر من استثناه- فيما رأيته من كلمات العلماء- سوى المجلسي «ره» في زاد المعاد.» قال: «و لعلّه سهو منه. و كأنّه كان يريد الاحتياط فسهى و ذكره بعنوان الفتوى.»

[دليل الجواز]

______________________________

(1) لعموم الفقراء و المساكين و سائر المصارف و لدلالة الأخبار عليه:

1- كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما «ع» أنّه سأله عن الفقير و المسكين فقال: «الفقير الذي لا يسأل، و المسكين الذي هو أجهد منه: الذي يسأل.» «1»

2- و خبر أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: قول اللّه- عزّ و جلّ-:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ؟» قال: «الفقير الذي لا يسأل الناس، و المسكين

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 469

..........

______________________________

أجهد منه، و البائس أجهدهم.» «1»

3- و في خبر عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: جاء رجل إلى الحسن و الحسين- عليهما السلام- و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا:

«إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع أو غرم مفظع، أو فقر مدقع ففيك شي ء من هذا؟» قال: نعم فأعطياه. «2»

4- و عن تفسير الإمام «ع» في قوله- تعالى-: و آتى المال على حبّه ...

و المساكين مساكين الناس و ابن السبيل: المجتاز المنقطع به لا نفقة معه، و السائلين الذين يتكففون و يسألون الصدقات. الحديث» «3» و كفى

بالصحيحة و العمومات حجة في المسألة.

[دليل المنع]

و استدلّ للمنع بوجوه:

الأوّل: بعض الأخبار الخاصّة الدالّة على ذلك:

1- كخبر عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: جعلت فداك ما تقول في الزكاة، لمن هي؟ قال: فقال: «هي لأصحابك» قال: قلت: فإن فضل عنهم؟. فقال: «فأعد عليهم.» ... قلت: فنعطي السؤّال منها شيئا؟ قال: فقال:

«لا و اللّه إلّا التراب إلّا أن ترحمه، فإن رحمته فأعطه كسرة، الحديث.» «4»

2- و في خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّه «ع»: «و إن لم يكن له عيال و كان وحده فليقسّمها في قوم ليس بهم بأس أعفّاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(3)- المستدرك 1/ 521، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ...، الحديث 8.

(4)- الوسائل 6/ 153، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

(5)- الوسائل 6/ 168، الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 470

..........

______________________________

و بذلك يظهر عدم صحّة كلام المصنّف حيث قال: «لا دليل عليه بالخصوص.»

الثاني: توهّم اشتراط العدالة فيما سوى المؤلّفة قلوبهم كما مرّ من الخلاف و المبسوط و الجمل و الاقتصاد و الكافي و المهذّب و الغنية و الوسيلة و السرائر، و في الشرائع و النافع جعلها أحوط، بضميمة القول بكون السؤال مع التمكن من تركه حراما موجبا للفسق.

و قد عقد في أبواب الصدقات من الوسائل بابا لحرمة السؤال و ان كان في دلالة أكثر ما ذكره نظر: «1»

1- فمنها رواية مالك بن حصين السّلولي قال: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«ما من

عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتّى يحوجه اللّه إليها و يثبت اللّه له بها النار.» «2»

2- و عن الصادق «ع» قال: «من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الخمر» «3»

3- و عن محمد الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: الديّوث من الرجل، و الفاحش المتفحّش، و الذي يسأل الناس و في يده ظهر غنى.» «4»

4- و في صحيحة محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر «ع»: «يا محمّد لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا. الحديث.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 305، الباب 31 من أبواب الصدقة.

(2)- الوسائل 6/ 305، الباب 31 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 306، الباب 31 من أبواب الصدقة، الحديث 6، و في ذيل الصفحة عن عدة الداعي «كأنّه يأكل الجمر».

(4)- الوسائل 6/ 306، الباب 31 من أبواب الصدقة، الحديث 10.

(5)- الوسائل 6/ 305، الباب 31 من أبواب الصدقة، الحديث 4.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 471

..........

______________________________

الثالث: أنّ المقصود بالسائل هنا من اتخذ السؤال حرفة لنفسه بحيث يفي بمؤونته السنوية فيكون غنيّا و لو بالقوّة.

أقول: يرد على الوجه الأوّل: أنّ الظاهر من السّؤال في خبر ابن أبي يعفور:

السؤال المعهودون في تلك الأعصار من غير أهل الولاية كما يظهر لمن لاحظ الرواية فيكون المنع لذلك.

و المنع في خبر أبي خديجة محمول على التنزيه بقرينة ما مرّ من أخبار الجواز، و لشموله بعمومه لمن يسأل و لو من باب الاتفاق و للاضطرار و نحوه أيضا، و الظاهر أنّ المجلسي «ره» أيضا لا يقول بحرمة ذلك و مانعيّته، و الظاهر من الروايات التي مرّت حرمته

من غير فقر و حاجة.

و يرد على الوجه الثاني: منع اشتراط العدالة كما مرّ في محلّه، اللّهم إلّا أن يقال: إنّ السائل بالكفّ متجاهر بمعصيته، و قد مرّ الاحتياط لزوما في المتجاهر بها.

هذا و لكن مفاد الأخبار حرمة السؤال من غير حاجة و كلامنا في إعطاء الزكاة لمن له حاجة.

و يرد على الوجه الثالث: المنع من كفاية الحرفة المحرّمة في صدق الغنى شرعا نظير من احترف السرقة و القمار و نحوهما.

اللّهم إلّا أن يفرّق بين هذه المحرمات و بين المقام بتقريب أنّ الحاصل بهذه الحرف المحرّمة لا يصير ملكا للآخذ فلا يصير به غنيا، بخلاف السائل المحترف بسؤاله فإن الاحتراف به و إن كان حراما و لكن المال المعطى له بالرضى بتوهّم احتياجه و اضطراره يصير ملكا له لا محالة لتحقّق الرضى الفعلي من المعطي فيصير الآخذ غنيا لا يستحق الزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 472

..........

______________________________

فإن قلت: هذا يصحّ بعد أخذه و صيرورته واجدا لمئونة السنة لا قبل ذلك.

قلت: بل يصدق عليه الغنى عرفا بنفس الاحتراف الكافي لمئونته مع البناء على إدامته بحيث لا يتركه و لو أخذ الزكاة.

و بالجملة فالأحوط لو لم يكن أقوى في هذه الصورة عدم الإعطاء له، و إن لم يكن المأخوذ فعلا بمقدار مئونة السنة. هذا.

و المجلسي في زاد المعاد أفتى في باب زكاة الفطرة بعدم جواز الإعطاء للسائل بالكف و في زكاة المال جعل عدم الإعطاء أحوط فراجع. «1»

______________________________

(1)- زاد المعاد 226 و 563.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 473

[الثالثة و الثلاثون: بناء على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضا]

الثالثة و الثلاثون الظاهر بناء على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز أخذه أيضا.

لكن ذكر المحقّق القمي أنّه مختصّ بالإعطاء بمعنى أنّه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى

غير العادل، و أمّا الآخذ فليس مكلّفا بعدم الأخذ. (1)

______________________________

(1) في المستمسك: «الفرق بينه و بين سائر الشرائط غير ظاهر.» «1»

أقول: إذ على فرض اعتبار العدالة في المستحق يكون الفاقد لها كفاقد سائر الشرائط، و لا يجوز لغير ربّ المال و مستحقّه أخذه بعنوان ماله و ملكه.

نعم لو اختلف نظرهما اجتهادا أو تقليدا فكانت العدالة شرطا عند المعطي دون الآخذ، و أعطاه المعطي بتوهّم عدالته، أمكن القول بجواز الأخذ، إذ المعطي قد أحرز الشرط و أعطاها مع النيّة و القربة، و المفروض أنّ الآخذ يرى نفسه مستحقّا لها، و الملاك في جواز الأخذ و التصرّف الإذن الفعلي لا التقديري فتأمّل.

و لعلّ المحقّق القمي بنى كلامه على كون دليل الاشتراط الإجماع المنقول و حرمة إعانة الفاسق، و شمول هذين الدليلين و لا سيّما الثاني منهما للآخذ غير ظاهر. و الذي يسهّل الخطب عدم اعتبار العدالة عندنا كما مرّ. «2»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 380.

(2)- راجع كتاب الزكاة 3/ 221 و ما بعدها.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 474

[الرابعة و الثلاثون لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة]

الرابعة و الثلاثون لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، و ظاهر كلمات العلماء: أنّها شرط في الإجزاء فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة و لم يجز. و لو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه. (1)

______________________________

(1) قد مرّ في أوّل الفصل السابق بيان أدلّة اعتبار القربة في الزكاة و الإشكال فيها.

و لكن قلنا إنّ الزكاة من أقسام الصدقة، و بها عبّر عنها في الكتاب و السنّة.

و يظهر من أخبار كثيرة أنّ قوام الصدقة بقصد القربة و أنّها عبادة لا تقع إلّا بداع إلهي، و بذلك تفترق عن الهبة و النحلة فراجع الوسائل. «1»

و من جملة تلك الأخبار صحيحة الفضلاء

قالوا: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«لا صدقة و لا عتق إلّا ما أريد به وجه اللّه- عزّ و جلّ-.» «2»

و صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنّما الصدقة محدثة، إنّما كان الناس على عهد رسول اللّه «ص» ينحلون و يهبون و لا ينبغي لمن أعطى للّه شيئا أن يرجع فيه.» قال: «و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنّه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 292- 324 و 332- 345، كتاب الوقوف و الصدقات و كتاب الهبات.

(2)- الوسائل 13/ 320، الباب 13 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 475

و محلّ الإشكال غير ما إذا كان قاصدا للقربة في العزل و بعد ذلك نوى الرياء مثلا حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير فإن الظاهر إجزاؤه و إن قلنا باعتبار القربة، إذ المفروض تحقّقها حين الإخراج و العزل. (1)

______________________________

حيزت أو لم تحز.» «1» إلى غير ذلك من الأخبار.

و إذا كان المفروض اعتبار القربة فيها فالظاهر كون وجوبها شرطيا بنحو وحدة المطلوب على وزان سائر العبادات فيكون قصد القربة شرطا في صحّتها إذ احتمال كون وجوبه تكليفا محضا و كون اعتباره بنحو تعدّد المطلوب بحيث لا يضرّ تركه بصحّة العمل بعيد في الغاية.

و كون المقصود من جعل الضرائب تحصيل المال و صرفه في سدّ الخلّات و هو يحصل بدون القربة أيضا، و لذا يؤخذ من الصّبي و المجنون و الكافر و الممتنع أيضا، لا ينافي كون صحّتها من المسلم دائرة مدار النيّة و القربة.

و هذه من ميزات الضرائب الدينيّة حيث لوحظ فيها مع الجهة الماليّة تطهير النفوس و تزكيتها و رقاؤها إلى اللّه- تعالى- بقطع النظر

عن الأموال في سبيله.

نظير الوضوء و الغسل حيث يراد بهما طهارة الجسم و الروح معا. و لذا اعتبر فيهما النيّة و القربة.

نعم يمكن القول في الكافر و الممتنع بالاكتفاء بصورة العمل كما قد يجبر الممتنع على الصورة في سائر العبادات أيضا حفظا لحريم القانون، و في الصبي و المجنون ينوي وليّهما.

و بالجملة فبعد تقييد أدلّة الزكاة بالقربة بمقتضى الأدلّة يكون الظاهر منها الشرطية بنحو وحدة المطلوب فتدبّر.

(1) في المستمسك: «لكن ظاهر المستند الإجماع على اعتبار النيّة في العزل

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 334، الباب 3 من كتاب إلهيات، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 476

..........

______________________________

و الدفع معا و لعلّه ظاهر غيره.» «1»

و في المستند: «النيّة معتبرة في عزل الزكاة و دفعها إلى المستحقّ أو الإمام أو الساعي أو وكيل نفسه بإجماع العلماء، و لما مرّ في بحثي الطهارة و الصلاة.» «2»

أقول: الظاهر من عبارته بقرينة العطف أنّ محطّ الإجماع أصل اعتبار النيّة لا كونه معتبرا في العزل و الدفع معا.

و في حاشية الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- في المقام: «محلّ إشكال فإنّ العزل إفراز لها، و ما يكون من العبادات هو إيتاء الزكاة.»

و في بعض الحواشي الأخر للأعاظم هنا أيضا لزوم الاحتياط. «3»

أقول: بعد اختيار جواز العزل في الزكاة كما عليه المشهور وقع الإشكال في أنّ المعزول هل يصير بمجرد العزل ملكا ممحّضا للمستحقّين و يبقى أمانة في يد المالك.

أو أنّه يخرج بذلك عن ملك المالك و لكن لا يتمحّض في ملكهم إلّا بالإعطاء لهم و قبضهم.

أو أنّه يبقى بعد بالشركة أو في ملك المالك غاية الأمر تعيّن إعطائه للمستحقّ و عدم جواز تبديله.

و قد مرّ منّا في المسألة الرابعة و الثلاثين من

فصل زكاة الغلّات: أنّ الظاهر من الأخبار و الفتاوى أن تعيّن المعزول زكاة ليس بحسب التكليف فقط، بل بحسب الوضع و الملكيّة أيضا و لذا يتبعه الربح للمستحقّين كما في خبر علي بن أبي حمزة «4»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 381.

(2)- المستند 2/ 62.

(3)- راجع العروة الوثقى/ 430، ط. الإسلامية، سنة 1373 ه. ق.

(4)- الوسائل 6/ 214، الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 477

..........

______________________________

و يكون تلفه من المستحقّين مع عدم التفريط كما يدلّ على ذلك صحاح محمد بن مسلم و زرارة و غيرهما. «1» هذا.

و لكن يمكن أن يناقش بأنّ خبر علي بن أبي حمزة ضعيف مرسل، و عدم ضمان المالك أعمّ من الانتقال إلى المستحقّين إذ يمكن القول بعدم الضمان مع عدم الانتقال إليهم أيضا إذا لم يكن تفريط، و ليس للمالك ولاية و لا وكالة بالنسبة إليهم فكيف ينتقل المعزول منه إليهم بدون قبضهم.

و على هذا فالأحوط النيّة حين الإعطاء أيضا، بل يكفي ذلك و إن نوى الرياء حين العزل.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 198، الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 478

[الخامسة و الثلاثون إذا كان الموكّل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء]

الخامسة و الثلاثون إذا وكّل شخصا في إخراج زكاته و كان الموكّل قاصدا للقربة و قصد الوكيل الرياء ففي الإجزاء إشكال. (1) و على عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامنا. (2)

______________________________

(1) قد مرّ في المسألة الأولى من الفصل السابق أنّ الوكيل إمّا أن يكون وكيلا في الإخراج و الأداء بحيث يعدّ العمل عمله، و إمّا أن يكون واسطة في الإيصال فقط. ففي الأوّل لا يترك الاحتياط بنيّة كليهما بشرائطها و بقاء نيّة الموكّل و لو حكما إلى حين الدفع إلى الفقير.

نعم لا يضرّ

رياء الوكيل في الوكالة فقط إذا لم يسر إلى نفس العمل.

و أمّا الوكيل في الإيصال فقط فالظاهر عدم اعتبار نيّته كما لا يضرّ قصده الرياء لأنّه آلة محضة، و إنما المعتبر فيه نيّة الموكّل بشرائطها و لو حكما حين الدفع إلى الفقير و لا أثر لنيّته قبله فراجع ما حرّرناه هناك. «1»

(2) و كذا الفقير و إن كان جاهلا غاية الأمر جواز رجوعه حينئذ إلى الوكيل لقاعدة الغرور.

______________________________

(1)- راجع كتاب الزكاة 4/ 284.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 479

[السّادسة و الثلاثون إذا دفع الزكاة إلى الحاكم ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة]

السّادسة و الثلاثون إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة فإن كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء (1) كما مرّ. و إن كان المالك قاصدا للقربة حين دفعها للحاكم.

و إن كان بعنوان الولاية على الفقراء فلا إشكال في الإجزاء إذا كان المالك قاصدا للقربة بالدفع إلى الحاكم، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة.

و أمّا إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل، بل الظاهر ضمانه حينئذ و إن كان الآخذ فقيرا.

______________________________

(1) الحاكم إمّا أن يعتبر وكيلا عن المالك، أو يعتبر وكيلا عن بعض المستحقين في الأخذ لهم، أو يعتبر وليّا على الفقراء و المصارف.

فعلى الوجه الأوّل، حكمه حكم وكيل المالك و قد مرّ التفصيل فيه و أنّ الوكيل في الإيصال فقط لا يعتبر فيه النيّة و القربة و في الوكيل في الإخراج

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 480

..........

______________________________

الأحوط نيّة كليهما.

و احتمال افتراق الحاكم هنا عن الوكيل المحض بثبوت الولاية له أيضا مع الوكالة مدفوع بأنّ المفروض عدم إعمال الولاية و كون أخذه و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك فقط حيث إنّ إعمال الولاية يتقوّم

بالقصد و النيّة.

و على الوجه الثاني، يكون أخذه بمنزلة أخذ موكّليه، و المعتبر أخذه بهذا العنوان فقط و لا يعتبر في أدائه للفقراء النيّة و القربة، و إنما اللازم إيصال المأخوذ إليهم.

و على الوجه الثالث، أيضا يكون أخذ الحاكم بمنزلة أخذ المستحقّين و اللازم عليه إيصال المأخوذ إليهم و لا يضرّ بذلك قصده الرئاسة أو الرياء إذ القربة معتبرة في ناحية المزكّي أعني المالك فقط.

قال في المستمسك «إذا تعيّنت زكاة بقبض الحاكم بعنوان الولاية على الفقراء فلا وجه للإشكال في صحّة دفعها إلى الفقير بأيّ عنوان كان لما تقدّم منه: من جواز دفع المالك لها إلى الفقير رياء إذا كانت معزولة، فجواز ذلك من الحاكم بطريق أولى.» «1»

أقول: وجه الأولويّة أنّ دفع المالك إلى الفقير إيتاء للزكاة بخلاف إيتاء الحاكم له فإنّه من قبيل إيصال مال الغير إليه فإذا فرض عدم اعتبار القربة في الأوّل فلا تعتبر في الثاني قطعا.

و نحن ناقشنا في الأوّل و قلنا إنّ الأحوط فيه اعتبار القربة و لكن لا وجه لاعتبارها في المقام.

اللّهم إلّا أن يقال إنّ قصده الرئاسة المحرمة أو الرياء يوجب فسقه و خروجه عن الولاية. و لكن نقول: إذا فرض كونه حين الأخذ واليا فبعد الفسق لا بدّ له من إيصال ما أخذه إلى أهله أو إلى حاكم آخر فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 382.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 481

[السّابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع يكون هو المتولّي للنيّة]

السّابعة و الثلاثون إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولّي للنيّة.

و ظاهر كلماتهم الإجزاء، و لا يجب على الممتنع بعد ذلك شي ء. (1)

______________________________

(1) في المستمسك: «لقيام الحاكم مقامه في الواجب الجامع للشرائط التي منها النيّة فإذا تحقّق الواجب- و لو من الوليّ- أجزأ.» «1»

أقول: قد

مرّ منّا في المسألة الخامسة من الفصل السابق أنّ في الزكاة و كذا في الخمس جهتين: جهة العباديّة المرتبطة بالمالك، و جهة الماليّة و الحقيّة الثابتة للفقراء و المصارف. و الحاكم إنّما يأخذهما من الممتنع بلحاظ الجهة الثانية من جهة كونه وليا على المصارف.

و أمّا جهة العبادية المرتبطة بالمالك فيشكل ولاية الحاكم بالنسبة إليها.

فلو امتنع المكلّف من إتيان صلاته أو صومه أو حجّه مثلا فغاية ما للحاكم إجباره على إتيانها بصورتها حفظا لظاهر الشرع.

و أمّا إتيانها عنه ولاية عليه فلم يعهد من قبل الشرع المبين.

و على هذا فالقاعدة تقتضي وجوب إعادة المالك لزكاته بقصد القربة كما يجب

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 382.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 482

..........

______________________________

إعادة المكلّف للعبادات التي أتى بصورها إجبارا مع النيّة و القربة.

و بالجملة فالإجزاء إنّما يتمّ مع الإتيان بالمأمور به على وجهه و المفروض اشتراط العمل بالقربة و لم تحصل فيجب الإتيان به ثانيا. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: مضافا إلى أنّ الزكاة تقبل النيابة دون سائر العبادات إنّ الأخذ من المالك يتوقّف على كونه زكاة و إعطاءه بهذا القصد إذ ليس للفقراء و لا لوليّهم أخذ المال قهرا بلا عنوان، فإذا فرض جواز الأخذ و استنقاذ الحقوق للمصارف وجب العزل زكاة و الإعطاء بهذا العنوان مقدّمة فيتصدّى لذلك الحاكم ولاية على الممتنع.

و هذا هو الفارق بين باب الزكاة و الخمس و بين العبادات المحضة كالصلاة و نحوها.

و بعد أخذ الحاكم المال الخاصّ بعنوان زكاة المال الخاصّ يتخلّص المال قهرا من الزكاة و تبرئ ذمّة المالك إذ لا يكون في مال خاصّ زكاتان.

و قد تعرّض لإشكال المسألة و الجواب عنه صاحب الجواهر فقال:

«ربّما احتمل عدم الإجزاء للمالك باطنا لأنّه لم

ينو و هو متعبّد بأن يتقرّب، و إنّما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر، كما يجبر المكلّف على الصلاة ليأتي بصورتها، و إن كان لم تجزه عند اللّه لعدم النيّة.

و إن كان يدفعه أنّ الزكاة مال متعيّن للفقراء في يد المالك و للإمام- عليه السلام- الإجبار على قسمة المشترك و على تسليمها فجاز له إفرادها عند امتناع المالك. و النيابة في تسليمها جائزة و ليست كذلك الصلاة كما هو واضح.» «1» هذا.

______________________________

(1)- الجواهر 15/ 475.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 483

و إنما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه. (1) لكنّه لا يخلو

______________________________

و في المستمسك بعد العبارة السّابقة قال: «هذا بناء على كون موضوع الوجوب الإيتاء المضاف إلى المالك.

أمّا إذا كان نفس الإيتاء و لو من غيره غاية الأمر أنّه لا ولاية لغيره على الإخراج، فالوليّ الشرعي و إن كان إيتاؤه ليس بعنوان النيابة عن المالك، لكنّه لمّا كان إيتاء للزكاة كان مفرّغا لذمّة المالك و ماله لوصول الحقّ إلى أهله، فلا بدّ أن يجزي و لا حاجة للإعادة، بل لا معنى للإعادة إذ هي من قبيل الامتثال بعد الامتثال.

نعم لا يكون فعل الوليّ مقرّبا للمالك، و إن كان مجزيا بنحو لا مجال للفعل ثانيا.» «1»

أقول: لعلّه يرجع احتماله هذا إلى كون وجوب إيتاء الزكاة من كلّ مال بنحو الوجوب الكفائي و كون المطلوب نفس طبيعة الفعل لا بقيد صدوره عن المالك.

و لا يخفى عدم مساعدة ظواهر الأدلّة على ذلك، بل لا يمكن الالتزام به، إذ مقتضى ذلك أن يترتّب على ترك تزكية كلّ مال استحقاق جميع من اطّلع على ذلك للعقوبة، و هو كما ترى.

و لو سلّم فلم لا يكون لكلّ من أراد

الإيتاء ولاية على الإخراج؟ إذ لازم العمل بهذا التكليف المتعلّق بهذا المال الخاصّ السلطة عليه بإخراجها منه، و من هذا الطريق أيضا نحكم بولاية المالك على الإخراج مع كون المال مشتركا بينه و بين أرباب الزكاة أو الخمس فتدبّر.

(1) في المستمسك: «إذا بنى على الإجزاء بفعل الحاكم- لأنّه وليّ الممتنع- فالإثم يكون من قبيل الإثم على التجرّي. اللّهم إلّا أن يكون قد أخّرها في صورة لا يجوز له التأخير و لو لطلب الحاكم فتكون المعصية من جهة مخالفة الفوريّة.» «2»

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 382.

(2)- المستمسك 9/ 382.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 484

عن إشكال- بناء على اعتبار قصد القربة- إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه. (2)

______________________________

أقول: و كذا لو قيل بكون قصد القربة واجبا مستقلا على نفسه معتبرا بنحو تعدّد المطلوب إذ عليه يكون فعل الحاكم موجبا للإجزاء و لكن يثبت العصيان بترك القربة و عدم القدرة عليها بانتفاء موضوعها باختياره.

(2) في المستمسك: «هذا إذا لم تشرع النيابة فيه، أمّا مع البناء على المشروعيّة فيكون كما لو فعل المنوب عنه فلا مجال للإشكال المذكور.» «1»

أقول: يعنى أنّ الحاكم ينوب عنه في العمل و في نيّة القربة معا. و النائب يقصد قرب المنوب عنه لا النائب كما مرّ. و لا يراد بذلك إلّا قصده امتثال أمر المنوب عنه و سقوطه عنه فينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 382.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 485

[الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل]

الثامنة و الثلاثون إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل، لا مانع من إعطائه من الزكاة إذا كان ذلك العلم مما يستحبّ تحصيله و إلّا فمشكل. (1)

______________________________

(1) أقول: قد تعرّض المصنّف لهذه المسألة

في المسألة الثامنة من فصل أصناف المستحقّين و ظاهره هناك كون البحث من جهة الفقر، و حصر الجواز فيمن يتعلّم العلم الواجب أو المستحبّ و نفي الجواز عمّن يتعلّم ما لا يجب و لا يستحبّ مع تمكّنه من الكسب بترك التعلّم و مثّل للقسم الثاني بالفلسفة و النجوم و الرياضيّات و العروض و العلوم الأدبيّة لمن لا يريد التفقّه في الدين.

و نحن تعرّضنا للمسألة هناك بالتفصيل فراجع. «1»

و محصّل الكلام في ذلك أنّه إمّا أن يعطى من سهم سبيل اللّه أو من سهم الفقراء أو من سهم الغارمين بعد ما استقرض لمعاشه و لم يقدر على أدائه.

أمّا الثالث فالظاهر عدم الإشكال فيه إلّا إذا فرض صرف ما استقرضه في المعصية.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 351.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 486

..........

______________________________

و أمّا الأوّل فقد يقال بأنّ العلم إذا لم يكن واجبا و لا مندوبا شرعا لم يكن تحصيله من سبيل اللّه حتّى يصرف فيه سهمه.

و أورد عليه بأنّه من الممكن أن لا يكون العمل بنفسه مندوبا مقرّبا للفاعل و راجحا بالنسبة إليه و لكنّه يترتّب عليه قهرا آثار و فوائد اجتماعية راجحة اللّهم إلّا أن يراد بالمستحبّ ما يعمّ ذلك أيضا فتدبّر.

و أمّا الإعطاء له من سهم الفقراء فالظاهر عدم اشتراط كون الاشتغال واجبا أو مستحبا بل قوّينا هناك جواز الأخذ للفقير المشتغل بالعلم النافع غير المحرّم و إن فرض عدم وجوبه و لا استحبابه، و قلنا أنّ حصر العلم النافع في العلوم الدينية بعيد ممّن التفت إلى حاجات البشر و لا سيّما في العصر الحاضر التي يدور فيه حياة المجتمعات على أساس العلوم و الصنائع، و العلم بما هو علم خير من الجهل إلّا أن

يكون ضارّا محرّما.

و بالجملة فالموضوع لمنع الأخذ من سهم الفقراء هو القدرة العرفية للشخص على أن يكفّ نفسه عنها مع وضعه الفعلي العقلائي الذي انتخبه لنفسه في مسير حياته بحسب ذوقه و سليقته بشرط أن يكون حسنا عند العقلاء و غير محرّم عند الشرع. و لا يعتبر في ذلك كونه واجبا أو مندوبا.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 487

[التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن المشتغل بتحصيل العلم قاصدا للقربة]

التاسعة و الثلاثون إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعا قاصدا للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة. (1)

______________________________

(1) في المستمسك ما ملخّصه: «يعني من سهم سبيل اللّه لأنّ طلب العلم مأمور به شرعا و محبوب للّه- تعالى- فيكون من القرب.

و عدم نيّة الطالب للقربة إنّما يمنع من تقرّبه نفسه لا من كون الفعل مأمورا به و ممّا يترتّب على وجوده غرض شرعي.

نعم إذا كان الفعل المأمور به عباديّا لا يصحّ صرف السهم المذكور فيه إذا لم يؤت به بقصد القربة لعدم كونه محبوبا للّه حينئذ.

فمصرف سهم سبيل اللّه قسمان: أحدهما ما هو مقرّب للفاعل مثل الحجّ و نحوه، و ثانيهما ما يترتّب عليه أثر محبوب للّه- تعالى- و إن لم يكن مقرّبا للفاعل مثل تزويج العزّاب و تعليم الأحكام و الدفاع عن بيضة الإسلام.» «1»

أقول: لم يظهر لي وجه تخصيصه كلام المصنّف بسهم سبيل اللّه بعد فرض كون المشتغل فقيرا، و لا يكون عدم قصده القربة مانعا من إعطائه من سهمه بعد

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 383.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 488

و أمّا إذا كان قاصدا للرياء أو للرئاسة المحرّمة ففي جواز إعطائه إشكال من حيث كونه إعانة على الحرام. (2)

______________________________

وجود غايات عقلائية مباحة بين القربة و بين الغايات المحرّمة.

و قد حكي عن الشيخ

الأنصاري- قدّس سرّه- أنّه كان يوصي الطلّاب و المحصّلين بالاشتغال بتحصيل العلم و لو لم يحصل لهم قصد التقرّب في ذلك، فإنّ نفس التحصيل ربّما يوصل الإنسان في النهاية إلى القربة، و لو لا معرفة طرق التقرّب إليه- تعالى- و آثاره كيف يحصل للإنسان قصده؟ «1»

(2) في المستمسك: «هذا يتمّ إذا كان قصد الإعانة غير معتبر في صدقها، و إلّا فلا تصدق مع عدم قصد الباذل لها فلا إثم.» «2»

أقول: و قد عرّفت الإعانة بفعل بعض مقدّمات فعل الغير بقصد حصوله منه.

هذا مضافا إلى أنّ المحرّم إعانة الآثم و العادي في إثمه و عدوانه لا مطلقا، و إعطاء الزكاة في المقام إعانة للفقير في معاشه و إدامة حياته لا في قصده الرياء و الرئاسة أو في تحصيله الواقع بقصدهما.

كيف؟! و لو حرم ذلك لحرم على اللّه- تعالى- إبقاء حياته و صحّته و رزقه، و حرم إعطاء الزكاة لمطلق العصاة و هذا يستلزم القول باشتراط العدالة في المستحق و قد منعنا ذلك في محلّه.

نعم مع تمكّنه من الكسب و تحصيل المؤونة يمكن أن يمنع من سهم الفقراء حيث يقدر أن يكفّ نفسه عنه، كما أنّ حرمة فعله لحرمة مقاصده يخرجه من كونه سبيل اللّه. اللّهم إلّا أن يترتّب على تحصيله مع ذلك فوائد و آثار دينيّة للمسلمين و إن لم يقصدها فيكون من سبيل اللّه قهرا فتدبّر.

______________________________

(1)- راجع مصباح الهدى 10/ 455.

(2)- المستمسك 9/ 383.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 489

[الاربعون: حكي عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب]

الاربعون حكي عن جماعة عدم صحّة دفع الزكاة في المكان المغصوب، نظرا إلى أنّه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام.

و لعلّ نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه، إذ فيه لا

يكون تصرّفا في ملك الغير، بل إلى صورة الإعطاء و الأخذ، حيث إنهما فعلان خارجيان. (1)

و لكنه أيضا مشكل من حيث إنّ الإعطاء الخارجي مقدمة للواجب، و هو الإيصال- الذي هو أمر انتزاعي معنوي- فلا يبعد الإجزاء.

______________________________

(1) دفع الزكاة إلى الفقير إمّا أن يكون باحتساب ما على الفقير من الدين زكاة، و إمّا أن يكون بنحو الإعطاء له خارجا. فعلى الأوّل لا إشكال في صحّته و إن وقع في ملك الغير إذ الاحتساب أمر قلبيّ لا يتّحد خارجا مع التصرف في ملك الغير.

و أمّا على الثاني فحيث إنّ الإعطاء و الأخذ متقوّمان بحركة يدي المعطي و الآخذ في الفضاء خارجا فلا محالة يكون وقوعهما في ملك الغير موجبا لاتحاد

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 490

..........

______________________________

فعل الواجب مع التصرّف المحرّم بحسب الوجود و التحقّق فلا يصحّ عبادة

أمّا على القول بالامتناع في مرحلة الجعل و التشريع فواضح إذ مقتضاه تقييد الطبيعة المأمور بها بعدم وقوعها في موارد الحرمة لوجود المندوحة.

و أمّا على القول بالاجتماع فلأنّ مورد الاجتماع على هذا و إن كان مصداقا للطبيعة المأمور بها أيضا و لكنّه لاتّحاده خارجا مع المنهي عنه يقع مبغوضا للمولى، و المصداق المبغوض لا يصلح لأن يتقرّب به.

و بعبارة أخرى لا يكفي في صحّة العبادة قصد القربة فقط بل يعتبر فيها مع ذلك صلاحية الفعل لأن يتقرّب به.

و قد كان الأستاذ آية اللّه البروجردي- طاب ثراه- يقول بأن اشتهار القول ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة بين القدماء من أصحابنا ليس مستندا إلى القول بالامتناع في المسألة الأصوليّة حيث إنّهم كانوا يقولون فيها بالاجتماع إذ لا مساس للطبيعتين في مرحلة التشريع حتى يقيد إحداهما بالأخرى، و التقييد بلا وجه

جزاف.

بل قولهم به مستند إلى ما ذكرناه من أنّ جمع العبد بسوء اختياره بين الطبيعتين في مرحلة الإيجاد و الامتثال يستلزم إرادة التقرّب بالوجود المبغوض للمولى، و ما يبغضه المولى و يتنفر منه كيف يمكن أن يتقرّب به إلى ساحته؟! «1»

هذا ما كان الأستاذ- قدّس سرّه- يصرّ عليه و إن كان لنا فيه كلام. إذ بعد الإتيان بمصداق المأمور به بداعي امتثال أمره يسقط الأمر قهرا، و لا يراد بالقرب إلّا امتثال أمر المولى و سقوطه و لا محالة يترتّب عليه التخلّص من عقوبة تركه. هذا.

______________________________

(1)- راجع نهاية الاصول 1/ 234 و ما بعدها، تنبيهات مسألة الاجتماع.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 491

..........

______________________________

و المصنّف أراد هنا في آخر الأمر أن يخرج المقام من باب الاجتماع بتقريب أنّ الإعطاء بما أنّه تحريك للمال إلى الآخذ ليس بنفسه واجبا بل هو مقدّمة لوصول المال إلى الآخذ و وقوعه في يده و صيرورته مالكا له، و حرمة المقدّمة لا تضرّ بصحّة ذي المقدّمة و إن كان عباديّا كما إذا سافر إلى الحجّ مع طائرة مغصوبة.

و ما هو الواجب في الزكاة نفس وصول المال إلى الفقير و سلطته عليه بالملك و ليس هذا تصرّفا في ملك الغير بل هو أمر انتزاعي معنوي فلا يبعد الإجزاء.

و ناقشه في المستمسك فقال: «يريد به الاستيلاء على العين الذي هو من مقولة الجدة لكن في كونه انتزاعيا إشكال ظاهر لأنّه أمر خارجي لكنّه عرض لا جوهر.» «1»

أقول: ما ذكره من كون الجدة عرضا خارجيّا صحيح و إنما تتحقّق بوقوع المال في يد الفقير و استيلاء يده عليه و لا محالة توجب إشغاله بعض فضاء ملك الغير قهرا.

و لكن المصنّف لعلّه لم يرد ذلك

بل أراد الملكيّة الاعتبارية المنشأة بالإعطاء خارجا حيث إنّ الواجب في الفقير تمليكه للمال و صيرورته ملكا له. و الأمر الاعتباري ليس واقعا في الخارج حتى يشغل به فضاء ملك الغير.

ثمّ لو فرض وقوع الإعطاء و الوصول محرّمين و عدم صحّتهما زكاة فيمكن أن يتحقّق الواجب باحتساب ما في يد الفقير زكاة بعد ما وقع المال في يده.

و الاحتساب كما مرّ أمر قلبيّ محض فيرتفع الإشكال بذلك فتدبّر.

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 384.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 492

[الحادية و الاربعون: اعتبار التمكن من التصرّف في وجوب الزكاة]

الحادية و الاربعون لا إشكال في اعتبار التمكن من التصرّف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين كما مرّ سابقا.

و أمّا ما لا يعتبر فيه الحول كالغلّات فلا يعتبر التمكن من التصرّف فيها قبل حال تعلّق الوجوب بلا إشكال.

و كذا لا إشكال في أنّه لا يضرّ عدم التمكن بعده إذا حدث التمكن بعد ذلك.

و إنما الإشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلّق الوجوب.

و الأظهر عدم اعتباره. (1) فلو غصب زرعه غاصب و بقي مغصوبا إلى وقت التعلّق ثمّ رجع إليه بعد ذلك وجبت زكاته.

______________________________

(1) قد مرّ تعرّض المصنّف للمسألة في المسألة السابعة عشرة من هذا الختام و جعل هناك اعتبار شرط التمكّن في الغلّات موردا للخلاف و الإشكال بلا استظهار، و هاهنا كما ترى استظهر عدم اعتباره.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 493

..........

______________________________

و نحن قوّينا اعتباره و إن كان الأحوط قويّا إخراج زكاتها إذا تمكّن من المال بعد ذلك قبل تلفه.

و الحمد للّه ربّ العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و جعل ختام أمرنا خيرا من ماضيه بحقّ اوليائه المقرّبين.

و قد وقع الفراغ في عصر يوم الجمعة 26 ذي القعدة 412 ه.

ق، الموافق ل 8/ 3/ 1371 ه. ش. و أنا العبد المفتقر إلى عفو ربّه حسينعلي المنتظري النجف آبادي غفر له و لوالديه و لمن كان له حقّ عليه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 495

فهرس مصادر التحقيق

1- القرآن الكريم.

2- أجود التقريرات، تقريرات بحث الأصول للمحقّق المدقّق الميرزا محمد حسين النائيني «قده» «المتوفى 1355 ه. ق» و المقرّر هو آية الله العظمى الخوئي «قدس سره» «المتوفى 1413 ه. ق» طبع مكتبة المصطفوي قم.

3- الأحكام السلطانية لأبي يعلى، محمد بن الحسين الفراء الحنبلي «المتوفى 458 ه.» تصحيح و تعليق محمد حامد الفقي، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، سنة 1406 ه. ق، مصورا من طبعة مصر سنة 1386 ه. ق.

4- الأحكام السلطانية للماوردي، أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي «المتوفى سنة 450 ه.»، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، سنة 1406 ه. ق، مصورا من طبعة مصر، سنة 1393 ه. ق.

5- أحكام القرآن للجصاص، أبي بكر أحمد بن الرازي الحنفي «المتوفى 370 ه.»،

في ثلاث مجلدات، طبع المطبعة البهية بمصر، سنة 1347 ه. ق.

6- الإرشاد «إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان» للعلّامة الحلّي، جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر «648- 726 ه.» جزءان في مجلدين، الطبعة الأولى المحققة طبع جماعة المدرّسين بقم المشرفة، سنة 1410 ه. ق.

7- الاستبصار «الاستبصار فيما اختلف من الأخبار» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» في أربع مجلدات، طبع إيران، 1390 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 496

8- أسد الغابة في معرفة الصحابة لمعزّ الدين أبي الحسن علي بن محمّد، المعروف بابن الأثير «المتوفى 630 ه. ق» في خمس مجلدات، طبع المطبعة الإسلامية بالأوفست.

9- الاقتصاد «الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد» لشيخ الطائفة،

أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه-» طبع مطبعة الخيام قم، سنة 1400 ه. ق.

10- الأمّ للشافعي، محمد بن إدريس الشافعي «150- 204 ه.» سبعة أجزاء في أربع مجلدات (و بها مشه مختصر أبي إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي)، طبع القاهرة، دار الشعب، 1388 ه. ق.

11- الأمالي «المعروف بالمجالس» للصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه «المتوفى 381 ه.» طبعه القديم «بخط محمد حسن الگلپايگاني 1300 ه. ق».

و طبعة أخرى من منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت، الطبعة الخامسة، سنة 1400 ه. ق.

12- الأمالي للشيخ المفيد «المتوفى 413 ه.» تحقيق أستاد ولي و علي أكبر الغفاري، طبع منشورات جماعة المدرّسين في قم المقدسة، سنة 1403 ه. ق.

13- الأموال لأبي عبيد، القاسم بن سلام «المتوفى 224 ه.» طبع دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية سنة 1395 ه. ق.

14- الإيضاح، «إيضاح الفوائد في شرح القواعد» لفخر المحقّقين «682- 771 ه.» في أربع مجلدات، طبع قم المطبعة العلمية، الطبعة الأولى 1388- 1389 ه. ق.

15- بحار الأنوار «الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار» للعلّامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي «1037- 1111 ه.» في عشر و مأئة مجلد طبع بيروت، و طبع إيران مع تفاوت في ترتيب أرقام بعض المجلدات، و طبعه القديم، طبع أمين الضرب، الكمپاني، ستة و عشرون جزء في سبعة عشر مجلدا.

16- بدائع الصنائع لابن مسعود الكاساني الحنفي «المتوفى 587 ه.» في سبع مجلدات، طبع بيروت، دار الكتاب العربي سنة 1394 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 497

17- البيان للشهيد الأول، طبع قم مجمع الذخائر الإسلامية «بخط محمد حسن الگلپايگاني سنة 1322 ه. ق.»

18- التحرير «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.»، طبع إيران

مؤسسة آل البيت «ع»، «بخطّ محمد حسن بن محمد علي الگلپايگانى، سنة 1314 ه. ق».

19- التذكرة «تذكرة الفقهاء»، للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.»، في مجلدين، طبع المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، إيران.

20- تفسير البرهان «البرهان في تفسير القرآن» للسيد هاشم الحسيني البحراني «المتوفى سنة 1107 أو سنة 1109 ه. ق» طبع في مقدّمة و أربع مجلدات، طبع دار الكتب العلمية قم.

21- تفسير الطبري لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري «224- 310 ه.»

ثلاثون جزءا في عشر مجلدات، طبع المطبعة الميمنية بمصر، سنة 1321 ه. ق.

22- تفسير علي بن إبراهيم «تفسير القمي» لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (من مشايخ الكليني)، «المتوفى 307 ه.»، في مجلدين، طبع النجف منشورات مكتبة الهدى؛ و طبعة أخرى جزءان في مجلد واحد، طبع إيران سنة 1313 ه. ق.

23- تفسير العياشي للعيّاشي، أبي النضر، محمد بن المسعود بن محمد بن العياش التميمي الكوفي السمرقندي (عاش في أواخر القرن الثالث من الهجرة النبوية)، في جزءين، طبع المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، تصحيح و تحقيق و تعليق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.

24- تفسير الفخر الرازي لفخر الدين الرازي، أبي عبد الله محمد بن عمر بن حسين «المتوفى 606 ه. ق.» اثنان و ثلاثون جزءا في ستة عشر مجلدا، طبع دار إحياء التراث العربي، سنة 1411 ه. ق. و طبعة أخرى في ست مجلدات، طبع المطبعة المصريّة الميزية، سنة 1278 ه. ق.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 498

25- تفسير القرطبي «الجامع لأحكام القرآن»، لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي «توفي على قول في سنة 671 ه.»، عشرون جزء في عشر مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

* تفسير الكشاف للزمخشري، راجع الكشاف.

26- التفسير المنسوب

إلى الإمام العسكري، أبي محمد، الحسن بن علي العسكري «ع» «المستشهد في 8 ربيع الأوّل من سنة 260 ه.» الطبع القديم (المطبوع بهامش تفسير علي بن إبراهيم، القمي، طبع إيران، سنة 1313 ه.)،

و الطبع الجديد، في مجلد، طبع مطبعة مهر، قم، سنة 1409 ه. ق، تحقيق مدرسة الإمام المهدي.

* تفسير نور الثقلين للشيخ عبد علي، راجع نور الثقلين.

27- تنقيح المقال «تنقيح المقال في علم الرجال» للمامقاني، الشيخ عبد اللّه بن محمد حسن «1290- 1351 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المطبعة المرتضوية في النجف الأشرف سنة 1349 إلى 1352 ه. ق.

28- التهذيب «تهذيب الأحكام»، لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه-» في عشر مجلدات، طبع إيران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، سنة 1390 ه. ق، طبعة أخرى حجرية- الطبع القديم-، في مجلدين، بالأوفست من طبعة سنة 1317 و 1318 ه. ق. مع تصحيح أرقام الصفحات.

29- تهذيب الأصول تقريرا لبحث آية اللّه العظمى الإمام الخميني «قده» «1320- 1409 ه. ق» بقلم آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني، في ثلاث مجلدات، طبع مطبعة مهر، قم.

* جامع الترمذي، راجع سنن الترمذي.

* الجامع الصحيح، راجع صحيح البخاري.

* الجامع لأحكام القرآن، راجع تفسير القرطبي.

30- الجامع للشرائع للفقيه البارع يحيى بن سعيد الحلّي «601- 690 ه.» طبع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 499

في المطبعة العلمية، قم. سنة 1405 ه. التحقيق و التخريج بإشراف آية اللّه الشيخ جعفر السبحاني.

31- جامع المقاصد «جامع المقاصد في شرح القواعد» للمحقق الثاني، علي بن الحسين الكركي «المتوفى 940 ه.» الطبع الجديد المؤسسة آل البيت «ع» في ثلاثة عشر مجلدا، و طبعة أخرى، في مجلدين، طبع طهران، انتشارات جهان «مصورا من الطبع القديم سنة 1395 ه. ق.»

32- الجعفريات أو الأشعثيات (المطبوع مع قرب الإسناد) يرويه أبو علي، محمد بن محمد الأشعث (من أعلام القرن الرابع)، طبع مكتبة نينوى الحديثة، طهران، «بخطّ أبي القاسم خوشنويس».

33- الجوامع الفقهية، طبع طهران «بخط محمد رضا الخوانساري و ابنه محمد علي، سنة 1276 ه. ق»، و طبعة أخرى، طهران، انتشارات جهان، مصورا من طبعه السابق مع حذف رسالة ترجمة أبي بصير و تغيير الترتيب السابق للكتب، جمع فيه أحد عشر كتابا في الفقه من تأليفات القدماء: 1- المقنع في الفقه للصدوق «المتوفى 381 ه.» 2- الهداية للصدوق أيضا. 3- الانتصار للسيد المرتضى «355- 436 ه.»

4- الناصريات له أيضا. 5- الجواهر لابن البرّاج «400- 481» 6- إشارة السبق لعلاء الدين الحلبي. 7- المراسم لسلّار «المتوفى 463 ه.» 8- النهاية لشيخ الطائفة «385- 460 ه.» 9- نكت النهاية للمحقق الحلّي «602- 672 ه.» 10- الغنية لابن زهرة «511- 585 ه.» 11- الوسيلة لابن حمزة.- و رسالة عديمة النظير في ترجمة أبي بصير للسيد محمد مهدي الخوانساري «المتوفي 1246 ه.»

34- الجواهر «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» للشيخ محمد حسن بن باقر النجفي المعروف بصاحب الجواهر «المتوفي 1266 ه.» في اثنين و أربعين مجلدا، طبع إيران، دار الكتب الإسلامية 1392- 1400 ه. ق.

35- حاشية المكاسب «حاشية الكمپاني على المكاسب» للشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني الكمپاني «المتوفى 1361 ه.» في جزءين، طبع إيران «بخطّ محمد علي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 500

بن الحاج ميرزا محمود التبريزي الغروي 1363- 1364 ه. ق.»

36- الحدائق «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» للشيخ يوسف بن أحمد البحراني «1107- 1186 ه.» طبع منه خمسة و عشرون مجلدا من أوّل كتاب الطهارة

إلى أواخر كتاب الظهار من سنة 1376 إلى 1409 ه. ق.

37- الخراج للقاضي أبي يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب- صاحب أبي حنيفة- «113- 182 ه.» طبع دار المعرفة للطباعة، بيروت، سنة 1399 ه. ق.

38- الخصال للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين «المتوفى 381 ه.»

طبع منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم. «صححه و علّق عليه علي أكبر الغفاري».

39- الخلاف «الخلاف في الأحكام، أو مسائل الخلاف» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع إيران.

40- الخمس «كتاب الخمس» للمؤلّف، طبع جماعة المدرسين، قم، سنة 1360 ه. ش.

41- الدّرر «درر الفوائد» لآية الله العظمى العلامة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي «1276- 1355 ه. ق» جزءان في مجلدين طبع مطبعة مهر قم، و طبعه الجديد في مجلد واحد، طبع منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، سنة 1408 ه. ق.

42- دراسات في ولاية الفقيه «دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية» للمؤلف، طبع في أربع مجلدات من سنة 1408 إلى 1411 ه. ق.

43- الدّر المنثور للسيوطي، أبي الفضل، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي «849- 910 أو 911 ه.» ستة أجزاء، طبع مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم «مصورا من طبعه بالمطبعة الميمنية بمصر، سنة 1314 ه. ق».

44- الدروس «الدروس الشرعية في فقه الإمامية» للشهيد الأوّل، شمس الدين أبي عبد اللّه، محمد بن مكي «734- 786 ه.» طبع قم، انتشارات صادقي، تصحيح

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 501

و تعليق: السيد مهدي اللازوردي الحسيني «بخط أبي القاسم محمد صادق الحسيني 1269 ه. ق.»

45- دعائم الإسلام للقاضي أبي حنيفة، النعمان بن محمد التميمي المغربي «المتوفى

363 ه.» في مجلدين، طبع القاهرة، دار المعارف.

46- الذخيرة «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» للمحقق السبزواري، محمد باقر بن محمد مؤمن «1017- 1090 ه.» في مجلد واحد، طبع مؤسسة آل البيت «ع» «بخطّ زين العابدين بن علي الخوانساري، سنة 1274 ه. ق.»

47- رجال الشيخ لشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.» طبع المطبعة الحيدرية في النجف، سنة 1380 ه.

* رجال المامقاني للشيخ عبد اللّه، راجع تنقيح المقال.

48- الرسائل العشر لشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.» طبع قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين.

49- الروضة «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» للشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي «911- 965 و قيل 966 ه.» في مجلدين، الطبع القديم «بخط عبد الرحيم 1308 و 1310 ه. ق.»

50- الرياض «رياض المسائل في بيان الأحكام بالدلائل» للسيد علي بن محمد علي الطباطبائي «1161- 1231 ه.» في مجلدين، طبع مؤسسة آل البيت «ع» «بخطّ كلب علي بن عباس القزويني سنة 1286- 1288 ه.»

51- زاد المعاد للعلامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي «1037- 1111 ه.» في مجلد واحد طبع المطبعة الإسلامية. سنة 1364 ه. ق.

52- زبدة البيان في أحكام القرآن للمقدّس الأردبيلي مولانا أحمد بن محمد «المتوفى سنة 993 ه. ق» طبع طهران، المكتبة المرتضوية. حققه و علّق عليه محمّد الباقر البهبودي.

* الزكاة «كتاب الزكاة» للشيخ الأنصاري «قده»، راجع كتاب الطهارة منه.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 502

53- الزكاة «كتاب الزكاة» للمؤلّف، خرج منه مجلدان قبل سنين، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، قم. و المجلد الثالث و هذا المجلد (الرابع) منه طبعا في وقت واحد، (سنة 1413 ه. ق.)

*

الزكاة «كتاب الزكاة» للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

54- الزكاة «كتاب الزكاة» لآية الله الميلاني «1313- 1395 ه.» في مجلدين، طبع إيران، الطبعة الأولى سنة 1396 ه. ق ..

55- السرائر «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي» لابن إدريس الحلّي، أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي «558- 598 ه.» طبع إيران، انتشارات المعارف الإسلامية، الطبعة الثانية سنة 1390 «بخطّ السيد الحسن الموسوي 1270 ه. ق.»، و طبعه الجديد في ثلاث مجلدات، طبع منشورات جماعة المدرّسين في قم.

* السقيفة لسليم بن قيس، راجع كتاب سليم بن قيس.

56- سنن ابن ماجة لأبي عبد اللّه محمد بن يزيد القزويني، الشهير ب «ابن ماجة» «207- 275 ه.» في مجلدين، طبع بيروت، دار إحياء التراث العربي 1395، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

57- سنن أبي داود لأبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي «202- 275 ه.» في مجلدين طبع مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده بمصر، سنة 1371 ه. ق مع التعليقات للشيخ أحمد سعد علي. و طبعة أخرى في أربع مجلدات، طبع دار إحياء السنة النبوية «تعليق محمد محيي الدين عبد الحميد».

58- سنن البيهقي «السنن الكبرى» لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي «المتوفى 458 ه.» في عشر مجلدات طبع دار المعرفة، بيروت، سنة 1355 ه. مصورا من طبعة هند سنة 1344 ه. ق.

59- سنن الترمذي «جامع الترمذي» لأبي عيسى، محمد بن عيسى الترمذي «المتوفى 279 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1394

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 503

ه. ق. تحقيق و تصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف و عبد الرحمن محمد عثمان.

60- سيرة ابن هشام لأبي محمد عبد الملك بن هشام

بن أيوب الحميري المعافري «المتوفى 218 أو 213 ه.» في أربع مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت، حققها و ضبطها و شرحها و وضع فهارسها مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري و عبد الحفيظ شبلي.

61- السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي «975- 1044 ه.» في ثلاث مجلدات و بهامشها سيرة زيني دحلان، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

62- الشرائع «شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام» للمحقق الحلّي، أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن «المتوفى 676 ه.» أربعة أجزاء في مجلدين، طبع مطبعة الآداب في النجف، الطبعة المحققة الأولى 1389 ه. ق. تصحيح و تعليق عبد الحسين محمد علي. و طبعة أخرى، في أربعة أجزاء مع تعليقات السيد صادق الشيرازي، طبع دار الهدى للطباعة و النشر، قم، من طبعة بيروت سنة 1403 ه. ق.

* الشرح الكبير لابن قدامة، راجع المغني لابن قدامة.

63- شرح المنظومة للحكيم المتأله الحاج ملّا هادي بن ميرزا مهدي بن محمد صادق السبزواري «1212- 1289 ه. ق.» طبع بالأوفست سنة 1367 ه. ق. من النسخة الناصرية، و طبعة أخرى بالأوفست، طبع مطبعة المصطفوي، طهران سنة 1298 ه. ق.

64- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد «586- 656 ه.» في عشرين مجلدا، طبع القاهرة، دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي و شركائه، الطبعة الأولى 1378- 1383 ه. ق.

65- صحيح البخاري «الجامع الصحيح» لأبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل البخاري «194- 256 ه.» ثمانية أجزاء في أربع مجلدات، طبع دار الفكر «مصوّرا من طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول 1315 ه. ق»، و طبعة أخرى ثمانية أجزاء في أربع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 504

مجلدات مع حاشية السندي، طبع دار إحياء الكتب

العربية لعيسى البابي الحلبي و شركائه.

66- صحيح مسلم لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيرى النيسابوري «206- 261 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي.

67- العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي «المتوفى 1337 ه. ق.» في مجلدين، طبع إيران، المكتبة الإسلامية سنة 1399 ه-. ق. و طبعة أخرى من الإسلامية في مجلد واحد، سنة 1373 ه. ق.

68- علل الشرائع للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي «المتولد حدود 305 و المتوفى 381 ه.» طبع منشورات المكتبة الحيدرية في النجف، سنة 1385 ه.

69- العوائد «عوائد الأيام من مهمات أدلّة الأحكام» للمولى أحمد بن محمد مهدي النراقي «المتوفى 1245 أو 1244 ه.» طبع مكتبة بصيرتي، قم.

70- عوالي اللئالي «عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينية» لأبي جمهور الأحسائي، محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي «المتوفي 940 ه.»

في أربع مجلدات، طبع مطبعة سيد الشهداء قم، سنة 1403 ه. تحقيق آية الله الحاج آقا مجتبى العراقي.

71- فقه الرضا «الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا «ع». تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى في مشهد المقدسة، سنة 1406 ه. ق. و طبعة أخرى قديمة طبع دار الطباعة، إيران سنة 1274 ه-. ق.

72- فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي، المعاصر، جزءان في مجلدين، الطبعة السادسة طبع مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1401 ه. ق.

73- فقه العترة في زكاة الفطرة شرح العروة الوثقى، محاضرات آية اللّه العظمى الخوئي- قدّس سرّه- «المتوفى 1413 ه. ق.» في مجلد واحد، و المؤلف السيد محمد تقي الحسيني الجلالي، الطبعة الأولى، طبع مطبعة الآداب في النجف الأشرف

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 505

سنة 1398 ه. ق.

74-

فقه القرآن لقطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله الراوندي «المتوفى سنة 573 ه. ق.» في جزءين، الطبعة الأولى: الجزء الأوّل، المطبعة العلمية، قم سنة 1397 ه. و الجزء الثاني، مطبعة الخيام، قم سنة 1399 ه. ق.

75- الفقيه «كتاب من لا يحضره الفقيه» للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي «المتوفى 381 ه.» أربع مجلدات طبع منشورات جماعة المدرسين، قم، صححه و علّق عليه علي أكبر الغفاري. و طبعة أخرى في أربع مجلدات، طبع طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الخامسة سنة 1390 ه. ق.

76- فوائد الأصول للشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، تقريرا لبحث أستاذه آية الله الميرزا محمد حسين الغروي النائيني «المتوفى 1355 ه. ق.» أربعة أجزاء في مجلدين، طبع إيران من منشورات مكتبة المصطفوي. و طبعة أخرى لجماعة المدرسين في قم المقدسة.

77- قرب الإسناد لأبي العباس، عبد الله بن جعفر الحميري القمي (من أعلام القرن الثالث و من أصحاب الإمام العسكري «ع») «المتولد في حدود 240 و المتوفى بعد 300 ه.» طبع مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

78- القواعد «قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.»،

جزءان في مجلد واحد، طبع قم، منشورات الرضي «الجزء الأول منه بخطّ الميرزا السيد حسن بن الحاج الميرزا علي تقي المدرس الحسيني اليزدي، سنة 1330 ه. و الجزء الثانى بخطّ محمد بن الميرزا عبد العلي، سنة 1315 ه. ق».

79- الكافي لأبي الصلاح الحلبي، تقي الدين بن نجم الدين الحلبي (من تلاميذ السيد المرتضى) «374- 447 ه.» طبع مكتبة الإمام أمير المؤمنين، إيران.

80- الكافي للكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني «المتوفي 328 ه.» في ثماني مجلدات؛ الأصول و الفروع

و الروضة، طبع دار الكتب الإسلامية، إيران،

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 506

تصحيح و تعليق علي أكبر الغفاري.

* كتاب الخمس للمؤلّف، راجع الخمس له.

* كتاب الزكاة للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

* كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري، راجع كتاب الطهارة.

* كتاب الزكاة للمؤلّف، راجع الزكاة له.

* كتاب الزكاة لآية اللّه الميلاني، راجع الزكاة له.

81- كتاب سليم بن قيس «كتاب السقيفة» لسليم بن قيس الكوفي الهلالي صاحب الإمام أمير المؤمنين «المتوفى حدود 90 ه.» طبع دار الكتب الإسلامية، إيران.

* كتاب الطهارة للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

82- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري «المتوفى 1281 ه.»

(المطبوع في آخره عدة رسائل و كتب له، منها كتاب الزكاة و كتاب الخمس و كتاب الصوم.)، طبع طهران «بخطّ علي بن الحسن التبريزي، سنة 1303 ه.» و طبعة أخرى، طبع إيران «بخطّ أحمد الطباطبائي الأردستاني و زين العابدين الخوانساري، سنة 1298 ه. ق.»

* كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق، راجع «الفقيه».

83- الكشّاف، تفسير الكشّاف «الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل ...» للزمخشري، جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري «467- 538 ه.» في أربع مجلدات، طبع مصر، سنة 1385 ه. ق. و طبعة أخرى في أربع مجلدات، طبع دار الكتاب العربي، بيروت.

84- كشف الغطاء «كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء» للشيخ جعفر بن خضر، المعروف بكاشف الغطاء «المتوفى 1227، و قيل 1228 ه.» طبع أصفهان، منشورات المهدويّ.

85- كفاية الأحكام للمحقّق السبزواري، المولى محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري «المتوفّى 1090 ه.» الطبع الحجري، إيران، أصفهان.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 507

86- كنز العرفان «كنز العرفان في فقه القرآن» للشيخ الأجلّ جمال الدين المقداد بن عبد اللّه السيوري

«المتوفي 826 ه.» جزءان في مجلد واحد طبع المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية طهران سنة 1384 ه. ق.

87- اللمعة الدمشقية للشهيد الأول مع شرحها: «الروضة البهية للشهيد الثاني»، في عشر مجلدات، طبع النجف، تصحيح و تعليق السيد محمد كلانتر. و طبعة أخرى- الطبع القديم- في مجلدين. راجع الروضة البهية.

88- المبسوط لشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.»

ثمانية أجزاء، طبع المكتبة المرتضوية، إيران، الطبعة الثانية 1387- 1393 ه. ق.

89- مجمع البحرين «مجمع البحرين و مطلع النيّرين» للطريحي، فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح «979- 1087، و قيل 1089، و قيل 1085، و الأرجح الأوّل»، طبع مكتبة المصطفوي، طهران، في مجلد واحد «مصورا من طبعة سنة 1298 ه. ق.»

90- مجمع البيان «مجمع البيان لعلوم القرآن» للطبرسي، أبي علي، الفضل بن الحسن الطبرسي «المتوفى 548 ه. ق»، عشرة أجزاء في خمس مجلدات، طبع طهران، المكتبة الإسلامية مع تصحيح الفاضل المتبحر الشيخ أبي الحسن الشعراني- قدّس سرّه- [و طبعة أخرى، طبع مطبعة العرفان، صيدا (سوريا) من سنة 1333 إلى 1356 ه. ق].

91- مجمع الفائدة و البرهان للمحقق الأردبيلي، أحمد بن محمد «المتوفى 993 ه.»

طبع جماعة المدرسين- قم.

92- المحاضرات (مباحث الألفاظ في علم الأصول) محاضرات آية الله العظمى الخوئي «قده» «المتوفى 1413 ه. ق» في خمس مجلدات و المؤلف هو المدقق الفاضل الشيخ محمد إسحاق الفياض.

93- المحلى لابن حزم الأندلسي، أبي محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم «المتوفى 456 ه.» أحد عشر جزء في ثماني مجلدات، طبع دار الفكر، بيروت.

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 508

* مختصر [أبي القاسم] الخرقي، راجع المغني لابن قدامة

94- المختصر النافع للمحقق

الحلّي، أبي القاسم، نجم الدين، جعفر بن الحسن الحلّي، «المتوفى 676 ه.» طبع دار الكتاب العربي بمصر.

95- المختلف «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» للعلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف المطهر الحلّي «648- 726 ه.» جزءان في مجلد واحد، طبع إيران بتصدّي الشيخ أحمد الشيرازي، سنة 1323- 1324 ه. ق.

96- المدارك «مدارك الأحكام» للسيد محمد بن السيد علي الموسوي العاملي المعروف بصاحب المدارك «المتوفى 1009 ه.» طبع إيران «بخطّ السيد حسن بن محمد الحسيني الخوانساري 1322 ه. ق.» مع تصحيح أرقام صفحاته. و طبعة أخرى لمؤسسة آل البيت مع التحقيق سنة 1410 ه. ق.، طبع منه حتى الآن ثمانية أجزاء.

97- المدونة الكبرى لمالك بن أنس بن مالك «93- 179 ه. ق.» (و معها مقدمات ابن رشد لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، المتوفى 520 ه.) في أربع مجلدات طبع دار الفكر، بيروت، سنة 1400 ه. ق.

98- مرآة العقول «مرآة العقول في أخبار آل الرسول» للعلّامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي «1037- 1111 ه.» الطبع الجديد طبع نشر دار الكتب الإسلامية، طهران.

99- المسالك «مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام» للشهيد الثاني، زين الدين بن عليّ العاملي «911- 965، و قيل 966 ه.» في مجلدين، طبع إيران «بخطّ كلب علي الشرندي القزويني، سنة 1313 ه. ق».

100- مستدرك الوسائل «مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل» للحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي المعروف بالمحدث النوري «المتوفى 1320 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المكتبة الإسلامية بطهران و المكتبة العلمية بالنجف. طبع مصورا في المطبعة الإسلامية سنة 1382 ه. ق. «بخطّ محمد صادق بن محمد رضا التويسركاني 1318 ه. ق».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 509

101- المستمسك «مستمسك العروة الوثقى» لآية الله العظمى

السيد محسن الحكيم «قده» «1306- 1390 ه.» في أربعة عشر مجلدا. طبع قم، دار الكتب العلمية مصورا من طبع النجف بمطبعة الآداب.

102- المستند «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» للمولى أحمد بن محمد مهدي النراقي «المتوفى 1244، و قيل 1245 ه.» في مجلدين طبع منشورات المكتبة المرتضوية، إيران، 1325 ه. ق.

103- مستند العروة، محاضرات آية الله العظمى الخوئي- قدّس سرّه- «المتوفى 1413 ه. ق» طبع المطبعة العلمية قم، (كتاب الخمس سنة 1364 ه. ش)

104- مسند أحمد لأبي عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني «164- 241 ه.» و بهامشه منتخب كنز العمال، في ست مجلدات، طبع المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1398 ه. ق.

105- مسند زيد لزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب «ع». «76- 121، أو بعدها.» جمعه عبد العزيز بن إسحاق البغدادي «المتوفى 363 ه.» في مجلد واحد، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403 ه. ق.

106- مصباح الفقيه للحاج آقا رضا بن الآقا محمد هادي المعروف بالفقيه الهمداني «المتوفي 1322 ه.» طبع منه ثلاث مجلدات: 1- كتاب الطهارة، طبع مكتبة الصدر، طهران «بخطّ ميرزا حسين ناسخيان، سنة 1353 ه.» 2- كتاب الصلاة، طبع مكتبة الداوري، قم «بخطّ ميرزا محمود بن مهدي التبريزي و ولده محمد علي سنة 1347 ه. ق.». 3- كتاب الزكاة و الخمس و الصوم و الرهن، طبع مكتبة المصطفوي، قم «بخطّ طاهر بن عبد الرحمن خوشنويس، سنة 1364 ه. ق».

107- مصباح الهدى «مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى» للشيخ محمد تقي الآملي «قده» «1304- 1391 ه.» خرج منه حتى الآن اثنا عشر مجلدا، طبع مكتبة ولي العصر، طهران، 1377- 1402 ه. ق.

108- معاني الأخبار للصدوق، أبي

جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 510

«المتوفى 381 ه.» عنى بتصحيحه علي أكبر الغفاري، طبع بيروت، سنة 1399، و كذا طبع جماعة المدرسين في قم المشرفة، و مكتبة الصدوق في طهران.

109- المعتبر «المعتبر في شرح المختصر» للمحقق الحلّي، أبي القاسم، نجم الدين، جعفر بن الحسن الحلّي «المتوفى 676 ه.» طبع منشورات مجمع الذخائر الإسلامية مصورا من طبعة سنة 1318 ه. ق.

110- المعتمد محاضرات آية الله العظمى الخوئي- قدّس سرّه- «المتوفى 1413 ه. ق» في خمس مجلدات: مجلدين منها في شرح كتاب الحج من العروة الوثقى، و ثلاث مجلدات أخر في شرح المناسك، طبع المطبعة العلمية قم. الطبعة الأولى.

111- المغني لابن قدامة، أبي محمد، عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة «541- 620 ه.» (شرح على مختصر أبي القاسم الخرقي، المتوفى 334 ه.) و يليه الشرح الكبير على متن المقنع، في اثني عشر مجلدا، طبع دار الكتاب العربي، بيروت 1392 ه. ق.

112- مغني المحتاج «مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» لمحمد الخطيب الشربيني «المتوفى حدود سنة 977 ه.» (في شرح منهاج الطالبين للنووي)، أربع مجلدات طبع دار الفكر، بيروت «تعليق الشيخ جوبلي بن إبراهيم الشافعي».

113- مفتاح الكرامة «مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة» للسيد محمد الجواد بن محمد الحسيني العاملي «المتوفى 1226 ه.» في عشر مجلدات، طبع منه ثماني مجلدات في مصر و المجلدان الآخران في إيران، 1324- 1376 ه. ق.

114- المفردات للراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد المفضل «توفي على قول في سنة 502 ه.» طبع دار الكاتب العربي، سنة 1392 ه. «تحقيق نديم مرعشلي».

115- المقنعة «المقنعة في الأصول و الفروع» للشيخ المفيد، أبي عبد

اللّه، محمد بن محمد بن النعمان «336- 413 ه.» طبع مكتبة الداوري، قم «مصورا من طبعة سنة 1274 ه. ق. في دار الطباعة للآقا محمد تقي التبريزى، بخطّ أحمد علي الخوانساري».

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 511

116- المكاسب المحرمة للإمام الخميني- قدّس سرّه- «1320- 1409 ه. ق» في مجلدين. طبع مطبعة مهر في قم، مع تذييلات للمجتبى الطهراني.

117- المنتهى «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه. ق.» في مجلدين، طبع إيران، سنة 1333 ه. ق.

118- المنهاج للنووي، محيي الدين أبي زكريا، يحيى النووي «631- 676 ه.»

(المطبوع مع شرحه السراج الوهاج للشيخ محمد الزهري الغمراوي)، في مجلد واحد، طبع مصر، سنة 1352 ه. ق.

119- المهذب لابن البرّاج، القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي «400- 481 ه.»

في مجلدين، طبع مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

120- نور الثقلين «تفسير نور الثقلين» للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي- المعاصر للشيخ الحرّ العاملي- «المتوفى 112 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار الكتب العلمية، قم «تصحيح و تعليق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي».

121- النهاية «النهاية في غريب الحديث و الأثر» لابن الأثير، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري «544- 606 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار إحياء الكتب العربية (تحقيق محمود محمد الطناحي و طاهر أحمد الزاوي)، سنة 1383 ه. ق.

122- النهاية «النهاية في مجرد الفقه و الفتاوي» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» طبع دار الكتاب العربية، بيروت، سنة 1390 ه. ق.

123- نهاية الإحكام في معرفة الأحكام للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف «648- 726 ه. ق.»، في مجلدين، طبع دار الأضواء، بيروت، سنة 1406 ه. ق.

124- نهاية الأصول للمؤلّف

(تقريرات لأبحاث أستاذه آية اللّه العظمى السيد حسين البروجردي «1292- 1380 ه.» طبع مطبعة الحكمة، قم، سنة 1375 ه. ق.

125- نهاية التقرير في مباحث الصلاة لآية الله الشيخ محمد الموحّدي، الفاضل اللنكراني (تقريرات لأبحاث أستاذه آية الله العظمى البروجردي «1292- 1380 ه.») جزءان، طبع

كتاب الزكاة (للمنتظري)، ج 4، ص: 512

مطبعة الحكمة، قم، سنة 1376 و 1377 ه. ق.

126- نهج البلاغة من كلام مولانا أمير المؤمنين «ع»، جمعه الشريف رضي، محمد بن الحسين «359- 406 ه.» له طبعات كثيرة، منها: 1- مع الترجمة بالفارسية و الشرح للحاج السيد علي نقي فيض الإسلام، المطبوع بخطّ طاهر خوشنويس، ستة أجزاء في مجلد واحد. 2- مع الشرح للشيخ محمد عبده، ثلاثة أجزاء في مجلد واحد، طبع مطبعة الاستقامة بمصر. 3- مع ضبط نصّه و ابتكار فهارسه العلمية للدكتور صبحي الصالح، طبع بيروت سنة 1387 ه. و طبع بالأفست في إيران سنة 1395 ه. بإشراف انتشارات الهجرة، قم.

127- الوافي للفيض الكاشاني، المحدث المتكلم الفقيه، المولى محسن الكاشاني «1007- 1091 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المكتبة الإسلامية، طهران «بخطّ محمد حسن بن محمد علي الأصفهاني 1323 ه. ق».

128- الوسائل «تحصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» للشيخ الحرّ العاملي، محمد بن الحسن بن علي «1033- 1104 ه.» في عشرين مجلدا، طبع المكتبة الإسلامية، إيران 1383- 1389 ه. ق.

129- الوسيلة «الوسيلة إلى نيل الفضيلة» لابن حمزة، عماد الدين، أبي جعفر، محمد بن علي بن حمزة الطوسي (من أعلام القرن السادس)، طبع إيران، سنة 1408 ه. ق. مكتبة آية الله العظمى المرعشي. «تحقيق الشيخ محمد الحسون».

* ولاية الفقيه، للمؤلف. راجع دراسات في ولاية الفقيه.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، كتاب الزكاة (للمنتظري)، 4 جلد،

مركز جهانى مطالعات اسلامى، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.